اختفاء النحل بالمغرب.. عشوائية حكومة أخنوش تهزم الكائنات الأكثر تنظيما

فضحت هيئة مهنية تعنى بتربية النحل في المغرب "عشوائية" وزارة الفلاحة في تدبير قطاع النحل واستعمالها لدواء محظور بأوروبا، لعلاج خلايا النحل المصابة بالطفيليات، كما فندوا "مغالطاتها" بخصوص الدعم المادي للقطاع.
يأتي ذلك في وقت يشهد فيه المغرب منذ عام 2021 ظاهرة غير معتادة وغريبة تمثلت في اختفاء مئات من طوائف النحل، وسط أحاديث عن ضياع 70 بالمئة من خلايا النحل بالبلاد، واتهامات للحكومة بالمسؤولية عن هذا الوضع.
ويعيش النحال المغربي صدمتين، الأولى لغز اختفاء النحل، والمعروف بأنه من الكائنات الحية الأكثر تنظيما، وثانيا التدبير الخاطئ للوزارة والهيئات الرسمية المعنية بهذا الملف بعيدا عن الخبراء في المجال، مع إقصاء الأصوات المتخصصة بهذا القطاع الهام.
ويتخوف مربو النحل من استمرار اختفائه، ما يؤثر على سلسلة إنتاج العسل في المملكة، مع أملهم بضرورة الإسراع في البحث عن حل نهائي لهذه الظاهرة التي أرّقت آلاف العائلات المستفيدة من مداخيل هذه المهنة.
معطيات مغلوطة
وقالت "التنسيقية الوطنية للتنظيمات المهنية لمربي النحل بالمغرب"، في بيان بتاريخ 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، إن حديث حكومة عزيز أخنوش الأخير عن دعمها للقطاع تضمن “مغالطات".
واستغربت التنسيقية ما جاء في تصريح المتحدث باسم الحكومة مصطفى بايتاس، “من كلام لا يمت لواقع تربية النحل بالمغرب بصلة”.
إذ أكد قرب انطلاق حملة وطنية لمكافحة "الفاروا" (مرض يصيب النحل)، مع العلم أن هذه الحملة انطلقت فعلا منذ أزيد من 3 أسابيع بناء على مذكرة أصدرتها "مديرية تنمية سلاسل الإنتاج" التابعة لوزارة الفلاحة.
وفي 6 أكتوبر 2022، أعلن بايتاس أن الحكومة تعتزم إطلاق حملة وطنية لمكافحة داء “الفاروا” لحماية خلايا النحل، وتشمل حوالي 900 ألف خلية نحل، وذلك بكلفة مالية تقدر بـ30 مليون درهم (2.7 مليون دولار).
وجاءت تصريحات بايتاس خلال تفاعله مع سؤال حول برنامج الحكومة لدعم المربين المتضررين من اختفاء طوائف النحل من بعض المزارع، خلال ندوة صحفية عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة.
وأشار بايتاس إلى أنه عند الانتهاء من هذه العملية التي ستشرف عليها وزارة الفلاحة بالتعاون مع "المكتب الوطني لسلامة المنتجات الغذائية" الحكومي (أونسا)، سيتم المرور إلى المستوى الثاني المتعلق بإعمار خلايا النحل لفائدة المربين، خاصة التي تضررت من مشكل الاختفاء.
وعلاوة على ذلك، يضيف المسؤول الحكومي، سيتم وضع برنامج بغلاف مالي يبلغ 150 مليون درهم (13.6 مليون دولار) لفائدة مربي النحل في مجال التأطير والتكوين، مؤكدا أن هذا البرنامج سيتم تفعيله في جدوله الزمني المحدد وفي ظل احترام دقيق للآجال.
لكن "تنسيقية مربي النحل" نبهت إلى أن الحملة التي تحدث عنها الوزير "سرعان ما توقفت نظرا للتخبط العشوائي، بسبب عدم ضبط العدد الإجمالي لخلايا النحل الموجودة على أرض الواقع".
وأشارت إلى أن الناطق باسم الحكومة تحدث عن 900 ألف خلية (الإجمالي بالمغرب)، في حين مديرية تنمية سلاسل الإنتاج وحسب آخر تسجيل قامت به في سبتمبر/أيلول 2022، أحصت مليونا و699 ألفا و196 خلية.
وتساءلت التنسيقية: “كيف ستتم معالجة هذه الخلايا بهذا الشكل؟ وعلى أي معطى سيعتمدون؟ علما أن أكثر من 70 بالمئة من خلايا النحل ضاعت؛ بسبب أمراض دودة الشمع والفاروا التي تفشت عام 2021، فعن أي علاج نتكلم في غياب معطيات دقيقة؟".
سياسة النعامة
وانتقد النحالون عزم وزارة الفلاحة توزيع نفس الدواء الكيميائي للسنة الثالثة على التوالي، وهو الأبيستان “apistan”، موضحين أن هذا الدواء أصبح طفيلي "الفاروا "يشكل مقاومة لمادته الفعالة "الفلوفالينات".
كما أن هذا الدواء، بحسب التنسيقية، أصبح محظورا عند الدول الأوروبية، وكان بعض من مربي النحل قد سبق لهم استعماله في السنوات الماضية ولكن لم يجد نفعا، كما اشتكى منه الكثير من المهنيين، خصوصا أنه لم يمكن من القضاء على المرض نهائيا.
وتساءلت التنسيقية عن عدم إعطاء الحكومة لجواب حقيقي عن انهيار خلايا النحل بالمغرب، منتقدة نهج “سياسة النعامة”.
وأشارت إلى إعلان الحكومة عام 2021 لإرسال 23 ألف عينة لفرنسا من أجل تشخيص المرض، دون إعطاء أي “جواب حقيقي لسبب انهيار خلايا النحل بالمغرب، ما يثير تساؤلات حول كيفية تدبير هذا القطاع الحيوي والذي رصد له 1.48 مليار درهم (نحو 403 ملايين دولار).
وقالت إن الدعم الذي وجه للقطاع على مدى السنوات الماضية “لم يجن منه النحال سوى خراب المناحل والأسر وتدمير قطاع يشغل يد عاملة جد مهمة من المغاربة ويدر دخلا على الاقتصاد الوطني”.
وأكدت أن المسؤولين “لا علاقة لهم بهذا القطاع ولا يفقهون شيئا في مجال تربية النحل، همهم فقط هي الصفقات المشبوهة".
وشدد النحالون على أنهم سينهجون كافة الطرق والسبل القانونية والدستورية من أجل إنقاذ ما يجب إنقاذه مما تبقى من سلالة النحل المغربية المعروفة عالميا لدى كل الخبراء الدوليين بجودتها ومقاومتها وتميزها على باقي السلالات الأخرى.
وحملت التنسيقية كافة المسؤولية “لمن نصبوا أنفسهم بقوة مدافعين عن النحل والنحال المغربي، ولكن هم في حقيقة الأمر معول من معاول هدم هذا القطاع”.
ويشكل قطاع النحل في المغرب مصدر دخل لأكثر من 36 ألف شخص، يتوزع نشاطهم في مناطق مختلفة من المملكة، منها الغابات والصحاري والمزارع، ويقدر حجم الإنتاج بـ8 آلاف طن سنويا من العسل، حسب أرقام رسمية.
مسؤولية أخلاقية
وسجلت ظاهرة اختفاء النحل في عدة دول عبر العالم، وأرجعت أسبابها إلى عوامل مرتبطة بالتغيرات المناخية وبعض مظاهرها كتوالي فترات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، ما كان له انعكاس سلبي على وفرة الغذاء في المراعي بالنسبة للنحل.
وكانت الأبحاث التي أجرتها مصالح المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، التابع لوزارة الفلاحة، قد استبعدت فرضية أن يكون مرض ما قد أدى إلى "انهيار طوائف النحل" في المغرب، مرجحة عوامل متداخلة من بينها التغيرات المناخية.
وفي تصريحات سابقة، قال وزير الفلاحة محمد صديقي، إن الأبحاث التي أجريت لفهم ظاهرة انهيار طوائف النحل التي تم تسجيلها مؤخرا بالمملكة، تعود إلى عدة عوامل، مناخية وبيئية، ولا تعود إلى مرض معين.
وأكد صديقي، خلال ندوة صحفية في 25 فبراير/ شباط 2022، أن وزارته عملت على إعداد خطة عمل لدعم قطاع تربية النحل في البلاد والحد من آثار الظاهرة التي أصابته.
وعن مساهمة الوزارة المعنية في القضاء على خلايا النحل، قال المنسق الوطني للتنظيمات المهنية لمربي النحل بالمغرب، محمد الميلودي ستيتو، إنه "نظرا للسياسة التي تنهجها ونهجتها من قبل، نقول ضمنيا إن مصير هذا القطاع هو الاندثار".
وأوضح الميلودي ستيتو لـ"الاستقلال" أن "مشكل التنظيم المسؤول عن قطاعنا أي (الفيدرالية المهنية المغربية لتربية النحل) منذ لحظة تأسيسها لم يتم فيها إشراك المهني الحقيقي الذي يعرف المعاناة التي يتخبط فيها النحال، فتم تنصيب مسؤول على رأس هذا التنظيم من طرف وزارة الفلاحة وبالضبط من مديرية سلاسل الإنتاج التابعة للوزارة".
وتابع: "من هنا بدأ الأمر معوجا من أول انطلاقه، وما بني على باطل فهو باطل، وبهذه الطريقة وهذا الأسلوب فالأمور تسير إلى ما لا يحمد عقباه".
ولفت الميلودي ستيتو إلى أنه "ضمنيا لن يبقى للنحل أثر في المغرب، وإن ظل فستبقى خلايا قليلة وكلها ليست في صحة جيدة".
واستدرك قائلا: "للأسف قبل تصريح المتحدث باسم الحكومة الأخير، صرح سابقا وبالضبط في مارس/آذار 2022، بأنه تم إرسال 23 ألف عينة إلى أوروبا من أجل التحاليل، هذا ذر رماد في العيون، إذن أين نتائج التحاليل، بدل تقديم مببرات كشح المرعى وقلة التساقطات".
وتساءل المنسق الوطني للتنظيمات المهنية لمربي النحل بالمغرب: "هل بلادنا لم تعرف سابقا شح المرعى وقلة التساقطات؟ مؤسف ما وصلنا له".
ولفت إلى أن "الدواء لم يعد مجديا، لأن الدواء الذي يستعان به 3 مرات ودون نتيجة خاصة أنه يقاوم المادة الفعالة، ما النتيجة التي سنصل إليها، المختصون والخبراء والمهني الحقيقي في المغرب لا يتم إشراكه، هناك أشخاص في هذا القطاع همهم الصفقات والصفقات ثم الصفقات فقط".
وشدد على أن "الحكومة مسؤولة عن هذه الظاهرة بصفة مباشرة وغير مباشرة، بصفة مباشرة لأنها حكومة يترأسها عزيز أخنوش وقد كان وزيرا للفلاحة ويعرف هذا الملف جيدا وما يقع فيه".
أما غير المباشرة، وفق الميلودي ستيتو، كل مسؤول في الحكومة يتحمل أخلاقيا المسؤولية، لأن تربية النحل معروف عالميا أنه يقوم فيها بالتدبير المفوض للطبيعة مجانا، وكل سلاسل الإنتاج تعطى لها تعويضات ودعم ومنح، إلا قطاع تربية النحل لا تعطى له العناية كباقي سلاسل الإنتاج".