سنوات على وعد تبون.. أبرز العراقيل أمام استرجاع أموال الجزائر المنهوبة

عالي عبداتي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

شكل مطلب "استرجاع الأموال المنهوبة" أبرز الوعود الانتخابية التي أوصلت عبدالمجيد تبون إلى الرئاسة الجزائرية عام 2019، كما كان أحد أهم مطالب الحراك الذي أسقط الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، لكن التقدم فيه لم يصل إلى المستوى المطلوب.

وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن تلك الأموال تفوق 100 مليار دولار، وهو رقم صرح به المرشح الرئاسي السابق عبد القادر بن قرينة، دون وجود أرقام رسمية من الحكومة بخصوصها.

ويرجع السبب في ذلك إلى أن الرئيس السابق بوتفليقة الذي حكم البلاد من 1999 إلى سنة 2019، أحاط نفسه بشخصيات سياسية واقتصادية وأمنية كانت ذمتها المالية محل شبهات.

وهو ما جعل عموم المواطنين يصفون تلك الشخصيات بـ"العصابة"، كناية عن طبيعة دورهم في استغلال مقدرات البلاد، على عكس المطلوب منهم، كنخبة تدير الدولة.

متابعة قضائية

وفي إطار الاستجابة لمطلب استرجاع الأموال المنهوبة الناجمة عن الفساد، أعلنت الحكومة الجزائرية، أنه جرى إطلاق 219 إنابة قضائية دولية نفذت 43 منها.

فيما تجرى معالجة 156 أخرى من قبل السلطات القضائية الأجنبية المعنية، دون أن يعلن عن أسماء الدول التي جرى تنفيذ الإنابات بها أو تلك التي يجرى معها اتصالات قضائية ودبلوماسية في الموضوع.

وذكرت وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية، في 30 سبتمبر/أيلول 2022، نقلا عن بيان السياسة العامة للحكومة الجزائرية أن تنفيذ الأمر الرئاسي لاسترجاع هذه الأموال، تجسد في تنفيذ الاتفاقيات والآليات الدولية، والوكالة الأوروبية للتعاون القضائي في المجال الجنائي، ومبادرة star وشبكة Network Globe.

وأوضح البيان، أنه جرى كذلك "إطلاق إنابات قضائية دولية جديدة من أجل تحديد وحجز ومصادرة الأموال المهربة إلى الخارج"، وتشكيل لجنة خبراء مكلفة بتسيير ملف استرداد هذه الأموال بالتنسيق مع الممثليات الدبلوماسية.

وفي إطار نفس المسعى، تحدث المصدر ذاته عن "إحباط محاولات إخفاء أو تبديد عائدات الفساد" بفضل "جهاز اليقظة الذي جرى وضعه" لهذا الغرض، مما سمح بـ"استرجاع أملاك عقارية ومنقولة مهمة وتفادي تهريب هذه الأموال إلى الخارج".

إضافة إلى تنفيذ الأحكام القضائية النهائية القاضية بـ"مصادرة الأموال والأملاك المختلسة بإدراج كل ممتلكات المجمعات الاقتصادية المتورطة في قضايا الفساد في القطاع العمومي التجاري للمحافظة على أداة الإنتاج ومناصب الشغل مع ضمان مواصلة نشاط الأشخاص المعنوية (المادة 33 من قانون المالية التكميلي لسنة 2022)".

فما أهمية مساعي السلطة السياسية لاسترداد الأموال المنهوبة؟ وهل يمكن تحقيق الأمر عبر الإجراءات المذكورة؟

يقول الخبير المالي والاقتصادي الجزائري سليمان ناصر، إن استرداد الأموال المنهوبة إذا تحقق، فسيساهم في الرفع من مداخيل الدولة، خاصة أن البلاد تعيش أزمة مالية، ولا سيما بعد الإطاحة بنظام بوتفليقة الذي مكن للعصابة ورجال المال.

وأضاف ناصر في تصريح لـ "الاستقلال"، أن الجزائر سجلت في الفترة الأخيرة تحسنا ملحوظا في موارد المالية العامة، بسبب ارتفاع عائدات النفط، جراء ارتفاع أسعارها في السوق الدولية.

غير أن الأموال المنهوبة تشكل أيضا موردا إضافيا لصالح المالية العامة إن تحقق النجاح في استرجاعها.

ومن الناحية السياسية، يقول الأستاذ الجامعي إن استرجاع هذه الأموال أمر معنوي لنظام تبون وللسلطة السياسية القائمة حاليا، خاصة أن الرئيس وعد المواطنين بمحاربة الفساد والقطيعة مع النظام السابق.

وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن السلطات القضائية سبق أن أصدرت أحكاما قضائية بحق عدد من المسؤولين السابقين بتهم الفساد والتربح غير الشرعي واستغلال السلطة لمراكمة الثروة وتمويل الحملة الانتخابية لبوتفليقة بطرق غير قانونية، وتزوير وثائق رسمية.

ومن أبرز هؤلاء شقيقه السعيد بوتفليقة، الذي حكم عليه خلال يونيو/حزيران 2022 بالسجن 8 سنوات، وأيضا رئيس نقابة رجال الأعمال سابقا علي حدّاد الذي حُكم عليه بـ 4 سنوات سجنا نافذة.

وحُكم على رئيسي الوزراء السابقين، أحمد أويحيى وعبد المالك سلال بـ 6 و5 سنوات سجنا نافذا على التوالي.

كما جرى الحكم على الوزيرين السابقين محجوب بدة ويوسف يوسفي بسنتين سجنا نافذا، و3 سنوات سجنا نافذا ضد الوزير السابق عبد الغني زعلان وبـ20 عاما سجنا نافذا وغيابيا في حق وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب الذي ما يزال فارا من العدالة.

وشملت الأحكام الصادرة من جهة أخرى، سجنا نافذا لمدة 10 سنوات بحق الوزير السابق عمار غول خلال مارس/آذار 2022.

وأيضا 5 سنوات سجنا نافذا ضد الوزير عبد القادر قاضي، و3 سنوات سجنا نافذا ضد المتهمين عمارة بن يونس وبوجمعة طلعي، وهما وزيران سابقان كذلك.

وفي مارس/آذار 2022، أعلنت السلطات الجزائرية، حجز أكثر من 500 سيارة وممتلكات بقيمة 71 مليون دولار لرجل أعمال مسجون بتهم الفساد هو محيي الدين طحكوت.

فيما لم تعلن السلطات الجزائرية إلى الآن بشكل رسمي عن مجموع ما جرت مصادرته من أموال وممتلكات تخص المعنيين بقضايا الفساد. 

إجراءات حكومية

أبرز بيان السياسة العامة للحكومة الجزائرية، وفق المصدر السابق، أنه جرى إعداد مشروع القانون المتعلق بالسلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته (القانون رقم 22-08 المؤرخ في 6 مايو/أيار 2022).

وأيضا "إعداد مشروع قانون يعدل القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته"، وينص على وجه الخصوص، على "تشديد العقوبات وإنشاء وكالة تكلف بتسيير الممتلكات المحجوزة والمصادرة من طرف العدالة".

وجرى أيضا إعداد مشروع قانون يعدل قانون الإجراءات الجزائية من أجل "تكريس ضمانات كافية لإطارات القطاع العمومي، وتحرير روح المبادرة بشكل أكبر، والتكفل بمسألة التبليغات المجهولة، وتأطير التحقيقات التي تخص المسيرين والمسؤولين الإداريين".

بالإضافة إلى إعداد مشروع قانون يهدف إلى "مراجعة قانون العقوبات من أجل إعادة تعريف مفهوم الطابع الجزائي لفعل التسيير في المجال الاقتصادي".

بدورها، كشفت صحيفة "الشروق أونلاين" في 23 سبتمبر 2022، أن الوزارة الأولى بالتنسيق مع القضاء الجزائري، طلبت من السفراء في 11 دولة صنفت كـ "جنات ضريبية" لتهريب الأموال متابعة مصير إنابات قضائية.

وتلك الإنابات بلغ عددها 219 وكان القضاء الجزائري، وبالتحديد القطب الجزائي الاقتصادي والمالي في سيدي أمحمد وسط العاصمة، قد أطلقها منذ عدة أشهر.

وذكر بيان السياسة العامة للحكومة أن الإنابات القضائية المنفّذة بالتعاون مع الخارج، سمحت باسترجاع عقارات وفنادق وممتلكات ناجمة عن أموال مهربة، في عدد من الدول، بينها لبنان وإسبانيا وفرنسا والإمارات، كانت ملكا لرجال أعمال ملاحقين في قضايا فساد، من بينهم علي حداد.

وكان الهدف هو استعادة الأموال المنهوبة من النظام السابق، بجميع الأشكال التي اتَخذتها المنقولة وغير المنقولة منها والشركات والعقارات والأراضي والأرصدة البنكية، في عدة دول.

ومن تلك الدول سويسرا، فرنسا، إسبانيا، إيطاليا، لوكسمبورغ، بنما، بريطانيا، أيرلندا الشمالية، الصين، الولايات المتحدة الأميركية، كندا والإمارات العربية المتحدة.

وبلغة الأرقام، أكد الرئيس عبد المجيد تبون، خلال اجتماع مجلس الوزراء، المنعقد في 11 سبتمبر 2022، أن الجزائر تمكنت من استرجاع ما لا يقل عن 44 عقارا، من بينها قصور وشقق في فرنسا ضمن عملية استرجاع الأموال المنهوبة والمحوّلة نحو الخارج.

وذكرت جريدة "الحوار"، في 12 سبتمبر 2022، أن الرئيس الجزائري حث دول الاتحاد الأوروبي على تذليل العقبات ومساعدة الجزائر على استرجاع أموالها، مشيرة إلى أنه أمر بـ "استحداث وكالة وطنية لاسترجاع الممتلكات والأموال المصادرة في إطار مكافحة الفساد".

وخلال الاجتماع الذي خُصص جزء منه لمناقشة مشروع قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، أكد رئيس الجمهورية أن القضاء هو السلطة الوحيدة، المخوّل لها، الفصل في قضايا الفساد، وهي المصدر الأوحد لوضع الآليات القضائية، لوقاية المجتمع منه.

وفي وقت سابق، شدد وزير العدل عبد الرشيد طبي، خلال اجتماع مع أطر وزارته، 31 مايو 2022، أن "المعركة الأساسية بالنسبة لقطاع العدالة في الجزائر تبقى محاربة الفساد، واسترجاع الأموال المنهوبة، وإرساء قضاء ذي مصداقية، بما يسمح باستعادة ثقة المواطن"، وذلك وفق بيان نشره الموقع الإلكتروني للوزارة.

عراقيل وصعوبات

استرجاع الأموال المنهوبة ليس بالأمر الهين، إذ ذكر الخبير الاقتصادي سليمان ناصر، أن الجزائر ليست أول دولة عربية تسعى لاسترداد هذه الأموال من الخارج، بل سبقتها تونس ومصر وليبيا وغيرها، غير أنها لم تحقق نتائج ملموسة أو كبيرة.

وأوضح ناصر في تصريح لـ "الاستقلال"، أن من أبرز العوائق القائمة، وجود هذه الأموال في الداخل والخارج، مشيرا إلى أن تلك التي بالدخل قد يكون استرجاعها سهلا مقارنة بتلك التي في الخارج، ولا سيما فيما يوصف بالجنات أو الملاذات الضريبية الآمنة.

ففي هذه الملاذات، يقول المتحدث ذاته، تكون تلك الأموال على شكل حسابات بأسماء وهمية أو بأسماء مقربين من المعنيين الذين نهبوا الأموال العامة، كما أنها بحسابات سرية.

وكلها عوائق تقف أمام استرداد تلك الأموال، فضلا عن عائق آخر، يتمثل في أن بعض الدول لم توقع مع الجزائر اتفاقيات لتسليم المجرمين.

بمعنى أن التنسيق مع تلك على مستوى استرداد تلك الأموال يصبح صعبا جدا، كما قال.

وفي السياق ذاته، أشار وكيل الجمهورية لدى محكمة عنابة، زيدان طنفور، في 26 ديسمبر/كانون الأول 2022، إلى بعض هذه الصعوبات.

ومنها التعقيدات الإجرائية، والبطء في التنفيذ، إلى جانب صعوبات تسجل على مستوى التواصل بين الأطراف المعنية بمثل هذه القضايا.

وأضاف المسؤول القضائي، أن من الصعوبات أيضا، "فرض بعض الأطراف شروطا شكلية، تعيق التنفيذ السريع لعمليات استرجاع الأموال المنهوبة في إطار التعاون القضائي الدولي".

يراهن تبون على استرجاع أموال البلاد المنهوبة لضمان دعم المواطنين له انتخابيا وسياسيا، غير أن الخبير الاقتصادي سليمان ناصر، لا يبدي تفاؤلا في نجاح الرئيس في هذا الأمر.

ويعتقد المتحدث ذاته أن الجزائر لن تنجح في استرجاع كل الأموال المنهوبة، بل قد تنجح في استعادة جزء منها فقط، وذلك للعوائق المذكورة، وأيضا لأن هناك تجارب عربية فاشلة.

وعن الحل، يؤكد ناصر لـ"الاستقلال" أن المنتظر أن تلجأ السلطة السياسية في النهاية إلى التسوية الودية مع المعنيين.

ويجرى بمقتضى هذه التسوية، تسلم المسؤولين ومتابعتهم قضائيا ثم استرجاع الجزء الأكبر من هذه الأموال، مقابل التخفيف من العقوبات القضائية في حقهم.

وخلص الأستاذ الجامعي إلى القول إن انتخاب تبون مر عليه إلى الآن ثلاث سنوات.

ورغم أن شعار محاربة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة شكل أحد أهم وعوده الانتخابية، ومع حديثه المستمر عن الموضوع، فإن الحصيلة إلى الآن غير كافية، بل إننا لم نر بعد شيئا أو منجزا ذا بال في هذا المستوى، كما قال.