غالبا يخسرها حزب الرئيس.. هل ينجو بايدن من مأزق الانتخابات النصفية؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يتجه الأميركيون في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 إلى صناديق الاقتراع لاختيار مرشحيهم في انتخابات التجديد النصفي  للكونغرس، التي تشمل كامل أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ.

الانتخابات النصفية ستنعكس تداعياتها على الانتخابات الرئاسية التي تليها في عام 2024 لأنها ستحدد أي الحزبين أكثر شعبية، ومن سيسيطر على مجلسي النواب والشيوخ.

وتعد الانتخابات النصفية التي تجري عادة بعد عامين على انتخابات الرئاسة، أقرب إلى استفتاء بالنسبة للرئيس جو بايدن، فعبر أكثر من 160 عاما، لم يتمكن حزب الرئيس إلا نادرا من الإفلات من التصويت العقابي في هذه الانتخابات.

هذه الخلفيات إضافة إلى تطورات الأحداث في الولايات المتحدة والعالم، تطرح عددا من الأسئلة بشأن قدرة بايدن على الاحتفاظ بالغالبية الضئيلة في الكونغرس، واحتمالية السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب للجمهوريين الذين سوف يحاولون عرقلة سياساته.

مؤشرات متضاربة

يرى مراقبون أن قرارات أصدرها بايدن أخيرا مثل "عفو الماريغوانا" قد تكون لها نتائج إيجابية لصالح الديمقراطيين، لكن ارتفاع أسعار البنزين بعد قرار تحالف "أوبك بلس" الأخير، الذي يراه الجمهوريون "صفعة" سعودية على وجه بايدن، قد يرجح كفة الجمهوريين.  

تتضارب مؤشرات الفوز بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بغرفتيه (النواب والشيوخ)، فبينما تشير استطلاعات لفوز محتمل للجمهوريين في مجلس الشيوخ على أقل تقدير.

تشير استطلاعات أخرى لاستمرار سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس ومن ثم استمرار الدعم المقدم لبايدن العامين القادمين من حكمه، وانتهاء الظاهرة "الترامبية" باعتبار أن هزيمة الجمهوريين سيتم إلحاقها بالرئيس السابق دونالد ترامب وأخطائه.

ولا يزال ينظر إلى ترامب على أنه قوي، لا سيما بعد فوز عدد من المرشحين الذين أيدهم، في الانتخابات التمهيدية، لكن ثمة شكوك بشأن أن قوة ترامب لم تعد كما في السابق، رغم تخطيطه لخوض رئاسيات 2024.

ويواجه ترامب دعاوى قضائية تتمحور حول تهم بالتهرب الضريبي، والتدخل لقلب نتائج الانتخابات الرئاسية في 2020، واحتمال وجود دور له في الهجوم العنيف الذي شنه أنصاره على الكونغرس، إضافة إلى حيازته وثائق سرية من الأرشيف الرئاسي.

وأكد موقع "أكسيوس" الأميركي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2022 أن "المرشحين الجمهوريين المدعومين من ترامب متخلفون عن منافسيهم الديمقراطيين في استطلاعات الرأي وجمع التبرعات".

وسيختار الناخبون في الانتخابات النصفية جميع مقاعد مجلس النواب (435)، وأكثر من ثلث مقاعد مجلس الشيوخ (100)، إضافة إلى حكام 36 من أصل خمسين ولاية.

وأظهر استطلاع للرأي أورده موقع "فايف ثرتي أيت" الأميركي في 30 سبتمبر/ أيلول 2022، تقدما للجمهوريين بـ5 نقاط في انتخابات الكونغرس، وهي نتيجة من شأنها أن تضمن للحزب الجمهوري الفوز في مجلس النواب وتجعل مجلس الشيوخ معركة شاقة للديمقراطيين.

وعلى عكس ذلك، نشرت شركة الاستطلاع "سيلزر كو" وهي ذات تصنيف عال، استطلاعا للرأي أواخر سبتمبر أيضا يظهر تقدم الديمقراطيين بفارق 4 نقاط في الاقتراع العام بين الناخبين المحتملين.

استطلاع آخر للرأي أجرته الإذاعة الوطنية الأميركية "إن بي آر" في 30 سبتمبر، أشار إلى أن كلا الحزبين يواجهان تحديات عديدة في الانتخابات، وقال 48 بالمئة من المستطلع آراؤهم أنهم سينتخبون الديمقراطيين، مقابل 44 بالمئة للجمهوريين.

من جانبه أشار موقع "فوكس" الأميركي في 25 سبتمبر، إلى أن التوقعات تشير إلى أن فرص حصول الديمقراطيين على الأغلبية في مجلس الشيوخ لا تزال جيدة.

وأوضح أن الديمقراطيين لديهم ميزة طفيفة، حيث إن اثنين من مقاعد الجمهوريين يقعان في مقاطعات صوتت لبايدن في الانتخابات الأخيرة، بينما لا يمتلك الديمقراطيون أي مقاعد بمقاطعات صوتت لترامب.

أهمية الانتخابات

يتوقع أن تحسم هذه الانتخابات احتمالات عودة ترامب بسياسته المعادية للديمقراطية والداعمة للديكتاتوريين العرب، وفق موقع "أكسيوس" مطلع أكتوبر 2022.

فيما وصفها معهد بروكينغز الأميركي في تحليل بتاريخ  18 أغسطس/ آب 2022 بأنها "اختبار وجودي" لترامب وسلطته، وستحدد نتائجها قوته المستقبلية في الحزب الجمهوري.

حيث ستظهر الانتخابات حجم التأييد للرئيس السابق وما إذا كان قويا بما يكفي لإعادة تشكيل الحزب الجمهوري لو اكتسح مؤيدوه الجمهوريين الانتخابات، والعكس صحيح.

لكن هذه الانتخابات تمثل تحديا أيضا للحزب الديمقراطي الذي يسيطر على المجلسين بصورة هشة وللرئيس بايدن الذي يواجه تحديات غير مسبوقة.

فعلى مر التاريخ لم تحمل الانتخابات النصفية أنباء طيبة للحزب السياسي الذي يسيطر على البيت الأبيض، وغالبا ما كانت نتائجها تأتي لغير صالح حزب الرئيس الذي في البيت الأبيض، وفق تقارير أميريكية.

ويمتلك الديمقراطيون 48 مقعدا من أصل 100 في مجلس الشيوخ مقابل 50 للجمهوريين واثنين للمستقلين (عادة ما يصوتون مع الديمقراطيين)، وفي حالة تعادل الأصوات يستعان بنائب الرئيس (ديمقراطي) لحسم التصويت.

بالمقابل يمتلك الحزب الديمقراطي 223 عضوا في مجلس النواب الأميركي، فيما لدى الجمهوريين 212 عضوا، من أصل 435 عضوا يتألف منهم المجلس.

ويحتاج الجمهوريون للفوز بمقعد واحد فقط في مجلس الشيوخ و15 مقعدا في مجلس النواب للحصول على الأغلبية.

ولو فاز الجمهوريون بالأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، سيضع ذلك قيودا كثيرة على إدارة بايدن خلال السنتين المقبلتين المتبقيتين من فترة ولايته.

وإذا هيمن الجمهوريون على مجلس النواب سيكون ذلك كافيا لعرقلة معظم التشريعات التي يريد بايدن والديمقراطيون تمريرها، وسيشجع على فتح تحقيقات بشأن الإدارة، وفق محللين أميركيين.

أما إذا حافظ الديمقراطيون على سيطرتهم على مجلسي الكونغرس، سيسهل ذلك على بايدن تكملة أجندته التشريعية، رغم أنه حقق جزءا كبيرا منها، وقد يشجعه ذلك على الترشح مرة أخرى للرئاسة، ويؤدي لتكثيف التحقيق مع ترامب وربما إنهائه سياسيا.

ويؤكد معهد بروكينغز أن "أي رئيس أميركي يخسر نحو 26 مقعدا في المتوسط في مجلس النواب ومتوسط أربعة مقاعد في مجلس الشيوخ في أي انتخابات تجري وهو في منصبه".

وهذا ما حدث مع كل من ترامب عام 2020 وباراك أوباما في 2010 وجورج بوش في 2006 وبيل كلينتون في 1994 ورونالد ريجان في 1986.

وتوقع المحلل السياسي "توم حرب" لقناة "الحرة" الأميركية في 28 سبتمبر، ألا تخرج الانتخابات النصفية لهذا العام عن هذه القاعدة، وأن يخسر حزب  بايدن انتخابات الكونغرس النصفية.

ورأى حرب أن "حظوظ الجمهوريين في الانتخابات ستكون أقوى لعدة أسباب، أبرزها وصول التضخم لمعدلات قياسية لم يصلها منذ 40 عاما، وتزايد الهجرة غير النظامية، وضعف تعامل بايدن مع ملفات روسيا والشرق الأوسط والصين.

وعلى النقيض من ذلك يتوقع المحلل الإستراتيجي للحزب الديمقراطي روبرت باتيلو أن يبلي الديمقراطيون بلاء حسنا في الانتخابات، رغم هذه القاعدة التاريخية.

وأضاف أن "الانتخابات النصفية ستكون مختلفة هذه المرة، وهناك حظوظ قوية لحفاظ الديمقراطيين على الأغلبية في مجلس النواب وأيضا الأغلبية الهامشية في مجلس الشيوخ".

مخاوف كبيرة

هذا التذبذب بين قوة الحزبين جعل فئة من الأميركيين تشعر بالقلق من أن تؤدي الانتخابات إلى حكومة منقسمة أو جمود سياسي في الكونغرس وشؤون الولايات، بحسب استطلاع أجرته "إبسوس" و"أكسيوس" مطلع أكتوبر 2022.

كشف الاستطلاع أن 53 بالمئة من الأميركيين قلقون من انقسام حكومي إذا ما سيطر حزب واحد على مجلس الشيوخ وسيطر الآخر على مجلس النواب، ما سيعرقل عمل الحكومة والكونغرس كجهة تصديق موحدة.

وقال أكثر من اثنين من كل خمسة أميركيين إنهم قلقون بشأن الاقتصاد وزيادة التضخم، إذا بقيت سيطرة الحزب الديمقراطي على المجلسين في الكونغرس.

وأبدى حوالي 18 بالمئة من الأميركيين المستطلع آراؤهم قلقهم من قضاء الديمقراطيين وقتا أطول في التحقيق بالقضايا المتعلقة بترامب.

وعبرت عن هذه المخاوف بشأن انقسام المؤسسات الأميركية على خلفية انقسام سيطرة الحزبين عليها، مجلة "إيكونوميست" مطلع سبتمبر 2022 تحت عنوان "الولايات الأميركية المفككة".

وأرفقته بصورة لتمثال الحرية في نيويورك وهو ينقسم إلى قسمين فوق أحد أبراج المدينة في إشارة إلى حجم التفكك والانقسامات بين الولايات والمؤسسات بفعل النتائج الغامضة للانتخابات النصفية.

قالت إن تولي مسؤولين من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري ولايات مختلفة وسيطرتهم على مجلسي الشيوخ أو النواب بفعل الانتخابات، يؤدي لتضارب وانقسام في القوانين التي يتبناها كل حزب في الولاية التي يحكمها.

مثل حظر كاليفورنيا بيع السيارات التي تعمل بالبنزين بدءا من عام 2035، ورفض ولايات أخرى ذلك، وحظر تكساس قانون الإجهاض منذ لحظة الحمل وفرض عقوبة تصل إلى 99 عاما في السجن، وإباحة ولايات أخرى الإجهاض.

وأوضحت المجلة البريطانية أن 37 ولاية من أصل 50، حيث يعيش ثلاثة أرباع الأميركيين، يحكمها حزب واحد (الديمقراطي) ويسيطر فيها على كل من المجلسين التشريعيين، ما يدفع ولايات يسيطر عليها الجمهوريون للتطرف بقرارات مختلفة عن بقية الولايات، مؤكدة أن "القلق الأكبر هو في أن يقوض التحزب الديمقراطية الأميركية نفسها".