أقالت وزير التعليم لإعلانه عدم الجاهزية.. لماذا تصر موريتانيا على تعجيل الدراسة؟

12

طباعة

مشاركة

في أول اختبار لها بعد التعديل الجزئي الذي طالها في 6 سبتمبر/أيلول 2022، تواجه حكومة موريتانيا تحديات وصعوبات في ضمان افتتاح الدخول المدرسي في موعده المحدد، خلال أكتوبر/تشرين الأول.

وما زاد الأمر تعقيدا إقالة وزير التعليم، آدم بوكار سوكو، من الحكومة بعد أقل من 20 يوما على تكليفه بالمنصب، وعلى بعد أيام من انطلاق الدخول المدرسي والجامعي.

وفي 26 سبتمبر 2022 أعلنت رئاسة الجمهورية عن تعيين وزير التنمية الحيوانية، إبراهيم فال ولد محمد الأمين، وزيرا للتهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي.

غير جاهزة

التعديل الجديد، ربطه موقع "مراسلون" المحلي، في 26 سبتمبر، بـ"تقديم الوزير بوكار سوكو لمعلومات خلال اجتماع للجنة الوزارية المكلفة بالافتتاح المدرسي، مفادها أن الدولة غير جاهزة".

وأوضح الموقع، نقلا عن مصادر وصفها بـ"الخاصة"، أن وزير التعليم المقال كشف أن "30 بالمئة من المدارس غير قابلة للاستخدام".

ولفت إلى أن "بوكار سوكو قدم عدة ملاحظات تتعلق بالخريطة المدرسية وأنها غير جاهزة، وبالتالي لم يكن موافقا على تعجيل الدخول المدرسي".

ولتجاوز إشكالات وصعوبات افتتاح السنة الدراسية الجديدة أعلنت الحكومة عن تشكيل لجنة وزارية مكلفة بالتحضير للافتتاح الدراسي 2022-2023، وكذا حسم تاريخه وما إذا كان سيتم تثبيته بداية أكتوبر أم سيتم تأجيله.

وأوضح الناطق باسم الحكومة، الناني ولد اشروقه، في 21 سبتمبر 2022، أن اللجنة التي تضم عدة وزراء كلفت بالتحضير للافتتاح، ودراسة إمكانية افتتاح المدارس في الفترة المعهودة (3 أكتوبر).

وأضاف ولد اشروقه، خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي، أن اللجنة تعمل على تحضير كافة الترتيبات التي يتطلبها الافتتاح، مؤكدا أنها "ستحدد آجال افتتاح المدارس".

وفي 22 سبتمبر 2022، عقدت اللجنة الوزارية المكلفة بالتحضير للدخول المدرسي والجامعي أول اجتماعاتها برئاسة الوزير الأول، محمد ولد بلال.

وناقشت اللجنة، وفقا لما نشرته الوزارة الأولى، عبر بيان، "الإجراءات التنفيذية التي سيتم تنفيذها هذه السنة، والتي تعد السنة الأولى من الانطلاقة الحقيقية لوجود مدرسة جمهورية تكفل التجانس والتناغم بين مكونات المجتمع وتوطد أساسيات الوحدة الوطنية".

ووفق المصدر ذاته، أمر الوزير الأول القطاعات الوزارية بإعداد جرد حول واقع المؤسسات التعليمية بعد موسم الأمطار لهذه السنة، ورفعه للجنة الوزارية في اجتماعها المقبل.

كما طالبها باقتراح ما يتطلبه هذا الواقع من تحسين الإطار الذي ستتم فيه العملية التربوية، ومضاعفة الجهود من أجل الرفع من أداء المنظومة التربوية، وبمزيد من التنسيق بين مختلف القطاعات المتدخلة في هذا الميدان.

فوضى وعشوائية

وتزداد تحديات الدخول المدرسي صعوبة مع سعي الحكومة لتطبيق تعهد رئاسي سابق بـ"استقبال جميع تلاميذ السنة الأولى ابتدائية في المدارس العمومية الوطنية".

ويتساءل متابعون للشأن التربوي في موريتانيا بشأن إمكانية نجاح الحكومة في بدء الدراسة بالوقت المحدد، واستقبال جميع تلاميذ السنة الأولى الابتدائية في المدارس العمومية دون الخصوصية، أم ستلجأ لتأجيل الافتتاح المدرسي، بسبب صعوبات عدة، من أهمها ضعف البنية التحتية في مجال التعليم.

مفتش التعليم المتقاعد، محمد الأمين النن، أكد أن قطاع التعليم "يواجهه عدة صعوبات تنظيمية".

وأوضح لـ"التلفزيون العربي" (قناة قطرية) في 28 سبتمبر، أن من بين هذه الصعوبات "عدم تأهيل المعلم، وعدم توفير وسائل العيش الكريم، وعدم تنظيم المدرسة، وسيادة الفوضى بصفة عامة، إضافة إلى خلخلة القيم والنظم التربوية".

من جهته، يرى أمين التنظيم والإعلام في نقابة تحالف أساتذة موريتانيا، سيبويه محمد لوليد، أن الدخول المدرسي يواجه صعوبات زادت من حدتها "غمر المياه لبعض المدارس وصعوبة الوصول إلى مدارس أخرى".

وأضاف محمد لوليد، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "هناك صعوبات أصلية في البنية التحتية في مجال التعليم بموريتانيا".

ولاحظ أنه رغم زيادة عدد المدراس التي تم بناؤها خلال السنوات الأخيرة، فإن البنية التحتية للتعليم "تبقى أصلا ناقصة".

تعهد انتخابي

صعوبات البنية التحتية التي تهدد ضمان الدخول المدرسي في موعده، تأتي في وقت أعلنت فيه وزارة التعليم عن بدء إجراءات جديدة لمواكبة افتتاح العام الدراسي الجديد.

تشمل الإجراءات استقبال جميع تلاميذ السنة الأولى الابتدائية في المدارس العمومية دون الخصوصية، تنفيذا لـ"وعد" انتخابي رئاسي سابق بإقامة "المدرسة الجمهورية الموحدة".

وكان الرئيس الموريتاني، محمد ولد الغزواني، قد تعهد في برنامجه الانتخابي قبل ثلاث سنوات، بـ"إنشاء مدرسة جمهورية تعزز قيم الوحدة واللحمة الوطنية وتسهم في صناعة أجيال وطنية موحدة".

وفي 30 أغسطس/آب 2022، أعلنت وزارة التعليم، عن تكليف المديرين الجهويين للتعليم بتنفيذ القرار الجديد على أرض الواقع، بعد المصادقة عليه من طرف البرلمان في يوليوز/تموز 2022.

وفي تعليقه على هذا القرار، أكدي أمين التنظيم والإعلام في نقابة "تحالف أساتذة موريتانيا"، سيبويه محمد لوليد، أن تطبيق وزارة التعليم للقرار الجديد القاضي باستقبال جميع تلاميذ السنة الأولى ابتدائية في المدارس العمومية الوطنية ومنع المدارس الخاصة من استقبالهم يصطدم بعدة صعوبات.

وأضاف محمد لوليد، في حديث لـ"الاستقلال"، أن من بين الصعوبات التي تعترض تنزيل هذا القانون "البنية التحتية غير الكافية".

وأفاد بأن "ضعف الطاقة الاستيعابية سيضطر الدولة إلى تأجير منازل قد لا تكون صالحة للمتمدرس، إضافة إلى أن البنية التحتية مهترئة وغير مناسبة للتعليم".

إشكالات البنية التحتية التي يرزح تحت ظلها قطاع التعليم بموريتانيا زادت حدتها هذه السنة الفيضانات والأمطار الغزيرة التي شهدتها البلاد في الشهرين الأخيرين، والتي أدت إلى خسائر بشرية ومادية، تركت مئات الأسر بدون مأوى، مما دفع الحكومة إلى إيوائهم بالمدارس.

وأمام كل هذه التحديات التي يواجهها قطاع التعليم، يرى مراقبون أن "واقع البنية التحتية يفرض تأجيل الدخول المدرسي".

عضو نقابة "تحالف أساتذة موريتانيا"، محمد لوليد، سجل في هذا السياق، أنه مع اقتراب بداية كل موسم دراسي "تتناسل الشائعات وتتضارب الآراء بخصوص تأجيل الانطلاق لعدم جاهزية المدارس وتواجد السكان بالمناطق الريفية للاستجمام وغيرها من العوامل".

واستطرد: "الذي يحدث أنه يتم كل سنة افتتاح الموسم الدراسي في نفس الوقت المحدد".

واعتبر محمد لوليد أنه بعد تشكيل اللجنة المكلفة بالإعداد للدخول المدرسي، تضاربت الآراء بين من يرى بأنه "سيتم التأجيل، لأنه لو لم يكن التأجيل واردا لما تم تشكيل هذه اللجنة".

واستدرك: "هناك من يرى أنه لا مجال للتأجيل لأن السنة الدراسية هي سنة انتخابات، ولذلك هناك وقت سيضيع بسبب زمن الانتخابات من حملات انتخابية وترشيحات وحساب الأصوات وإلى غير ذلك".

ومن المنتظر أن تقام الانتخابات المحلية والتشريعية المقبلة في ديسمبر/كانون الأول 2023، فيما تشير الآجال القانونية إلى أن موعد الانتخابات الرئاسية خلال الأشهر الأخيرة من 2024.

وأشار محمد لوليد، إلى أن بعض المراقبين يرون أن على الدولة أن تحرص على ضمان الدخول المدرسي في موعده، جراء تزامن هذه السنة مع الانتخابات الجماعية والتشريعية.

من جهته، شدد رئيس النقابة الوطنية للتعليم العمومي، ولد أنبيريك، أن "اللجنة الوزارية المكلفة بالتحضير للدخول المدرسي والجامعي، تبذل كل جهودها لتجنب أي تأجيل لافتتاح السنة الدراسية".

وأكد في تصريحات لـ"التلفزيون العربي"، أن هذه الجهود "ضمان انطلاق الدخول المدرس في الموعد المحدد".

هذه المشاكل وغيرها التي يعاني منها قطاع التعليم بموريتانيا خاصة في مجال البنية التحتية، أدت إلى حرمان العديد من الأطفال من حقهم في التمدرس، وهو ما أماطت اللثام عنه، منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"

وكشفت المنظمة الأممية، عبر بيان في 19 سبتمبر، أن ما يقرب من 42 بالمئة من الأطفال الموريتانيين في سن الدراسة "لا يذهبون إلى المدرسة".