إيران تقصف شمالي العراق.. لملاحقة "متمردي" الخارج أم قمع محتجي الداخل؟

12

طباعة

مشاركة

بينما يقف النظام الإيراني عاجزا أمام الانتفاضة الشعبية المتصاعدة في البلاد منذ 16 سبتمبر/أيلول 2022، يحول دفة الصراع نحو العراق في اتباع لتكتيك إستراتيجي يعمد له دوما في مثل هذه الحالات وهو تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج.

ففي 28 سبتمبر، شن الحرس الثوري الإيراني هجمات على إقليم كردستان شمالي العراق، استهدفت مقرات أحزاب كردية إيرانية معارضة، منها "كومله" و"الديمقراطي" و"الحرية"، وذلك بدعوى ملاحقة جماعات مسلحة متمردة.

وأسفر القصف الإيراني بأكثر من 70 صاروخا بالستيا من طراز فاتح وطائرات مسيرة مفخخة عن مقتل 13 شخصا، وإصابة 58 آخرين؛ إذ استهدف القصف أماكن عامة مثل رياض الأطفال ومدارس ومراكز صحية ومشافٍ وقاعات المناسبات وسيارات خدمية ومنازل.

وأثار التمادي بالعدوان الإيراني على إقليم كردستان ردود فعل غاضبة بين الناشطين على تويتر، برزت في تغريداتهم على وسوم عدة أبرزها #طرد_السفير_الإيراني #إقليم_كردستان، #القصف_الإيراني، وغيرها.

شجب وإدانة

وعدّ ناشطون الاستهداف الإيراني لإقليم كردستان مؤشرا خطيرا على نية إيران تصدير اضطرابات الداخل لمعركة خارجية يلتف الداخل حولها بحجة الخطر الخارجي، بعد فشلها في تقديم حياة كريمة لشعوبها وعدم قدرتها على إخماد الاحتجاجات المستمرة منذ أسبوعين.

ومنذ 16 سبتمبر/أيلول 2022، اشتعلت نحو 50 مدينة وبلدة في إيران بمظاهرات شعبية عارمة هي الأوسع منذ احتجاجات 2019، بعد مقتل الشابة مهسا أميني إثر تعرضها للضرب من شرطة الآداب في إيران بدعوى ارتدائها لباسا غير محتشم، وعلى أثر ذلك، طالب محتجون غاضبون بإسقاط النظام.

وتداول الناشطون صورا ومقاطع فيديو تظهر نتائج القصف الإيراني التي لحقت بأحد المدارس مدينة كوية في أربيل وروعت المعلمين ودفعتهم لمحاولة إنقاذ الأطفال وإخلائهم من المدرسة، ومحاولة الاختباء من صواريخ إيران.

ورأى ناشطون أن تكرار الاعتداءات الإيرانية بمثابة إعلان حرب وأن التصدي للمعتدين ومقاومتهم واجب على أي سلطة تمثل إرادة شعبها، مستنكرين مقابلة الحكومة العراقية والأحزاب لهذه التجاوزات بالصمت وضعف الموقف والاكتفاء باستدعاء السفير للاحتجاج.

واستهجنوا غياب الموقف الرسمي الرادع لإيران من قبل الطبقة الحاكمة والأحزاب السياسية رغم وقوع قتلى وجرحى واستهداف متعمد للمدنيين وترويع الأطفال، مشيرين إلى أن الصمت مؤشر على الرضا وتعبير حقيقي عن كونهم عملاء لإيران أو مجاملتها لكسب ودها.

وطالب ناشطون الحكومة العراقية والأمم المتحدة والجهات المعنية كافة باتخاذ موقف حاسم ضد إيران.

وتفاعلا مع الأحداث، أعربت زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي، عن إدانتها الهجمات اللاإنسانية لنظام الملالي الحاكم في إيران ضد المواطنين والبيشمركة الكردية، مطالبة بإجراء تحقيق فوري من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

كما أدان عماد الحسن أحد زعماء قبائل شمر بالعراق، "الاستهداف الإرهابي لمدينة كوية في إقليم كردستان الذي راح ضحيته عدد من المواطنين الأبرياء"، مؤكدا أن هذه الهجمات الإرهابية المتكررة ضد أهالي الإقليم تعني استمرار هذه المجاميع الإرهابية خَرقها للقوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية ضد الأبرياء.

وأكد رئيس تحالف السيادة العراقي خميس الخنجر، أن استهداف أربيل وأهلها الآمنين عمل عدواني مدان، يستوجب موقفا رسميا حازما وتحركا واضحا لوقف هذه الاعتداءات.

وأضاف: "عندما يكون العراقيون يدا واحدة؛ سيقف العالم احتراما لنا ولسيادة بلادنا"، متمنيا الرحمة للشهداء والشفاء العاجل للجرحى.

مجزرة بشرية

وصب ناشطون غضبهم على إيران وذكروها بوجوب التركيز على أهدافها التي قطعتها أمام العالم بحماية القدس وتحرير الأقصى وغيرها من الشعارات، وتحدثوا عن الأهداف الحقيقية من وراء قصفها، متداولين صورا ومقاطع فيديو لما خلفه القصف.

وأوضح الباحث في الشأن العراقي مجاهد الطائي، أن من الأسباب البارزة للاستهداف الإيراني، طموح أربيل لتصدير الغاز إلى أوروبا؛ ما يهدد مكانة إيران في سوق الطاقة العالمي ويحصر خياراتها وهي تئن بوقع العقوبات. 

وأضاف أنه من جهة أخرى، ستتضرر روسيا حليفة إيران، فأوروبا ستجد البديل عن الغاز الروسي، وهو ما يجعل لموسكو مصلحة أيضا في تهديد أربيل.

وبين الطائي أن من بين الأسباب، أن أربيل تطرح نفسها كحليف مقرب من الغرب وواشنطن وحلفائها في العراق؛ وهم جميعا خصوم لإيران. 

وأشار إلى أنه كلما ابتعد الإقليم عن إيران واقترب من خصومها تعد طهران ذلك تهديدا دائما خاصة إذا ما تحول إلى علاقات ومصالح من شأنها الإضرار بمصالحها.

وقال عبدالجبار برواري، إن الإيرانيين اقترفوا مجزرة بشرية وبوحشبة قصفت مجمعات سكنية ومدرسة للأطفال في كوية وبردئ ومناطق أخرى من كردستان العراق وراح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى وأغلبهم من الأطفال والنساء، مضيفا: "تبا لكم والخزي والعار لحكمكم الظلامي المجرم، وهذه أنفاسكم الأخيرة وثورة الشعوب الإيرانية مستمرة".

ونشر الكاتب والباحث السياسي الكردستاني شاهو القرة داغي، مقطع فيديو بثه الحرس الثوري لإعلان القصف، قائلا: "للوهلة الاولى ظننت أنه بداية الزحف الإيراني نحو القدس وتحويل شعارات أكثر من 40 عاما إلى أفعال، ولكنه قصف المدارس والمناطق المدنية في إقليم كردستان العراق بحجة استهداف الاستكبار العالمي!".

وتساءل: "لماذا لا تستهدفون الاستكبار العالمي المنتشر حول إيران بدل استهداف العراق بهذه الحجة!؟".

كما نشرت المستشارة لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي نيسان بابلي، صورة أطفال يختبؤون من القصف الإيراني، قائلة "الأفعى الإيرانية تطال المدنيين من جديد".

تصدير للأزمات

واتهم ناشطون إيران بالمضي قدما في تصدير مشاكلها الداخلية، وحربها ضد الحريات والديمقراطية والقضية الكردية، للخارج، في محاولة لصرف الأنظار عن فشلها وحالة الرفض الشعبي لها والمطالبة برحيلها، والتقليل من غضب الشارع على نظامها والترويج لتعرضها لمؤامرة خارجية.

وأكد الأحوازي طارق سليمان، أن إيران تحاول تصدير أزماتها خارج البلاد عبر قصف كردستان العراق وتشغل العالم بعيدا عما يحصل من ثورة عارمة ستطيح بالنظام الحالي قريباً.

وقال الأكاديمي والباحث لقاء مكي: "لا تنتظروا سلوكا منطقيا من مستبد مهدد بالهزيمة، المستبدون أسرى صورة البطل، نرجسيون لا يحتملون عار الفشل، المستبد مقيد بمزاج المتعصبين من أنصاره، وليس حرا فيما يفعل، وحدهم المستبدون المنتصرون من يمتلكون حرية التصرف".

وتساءل جوما الدبيسي: "لماذا لا ترد العراق على اعتداءات نظام الملالي في إيران الذي يحاول تصدير أزماته بقصف إقليم كردستان؟".

وأردف أن "من العار حقا الاكتفاء بالندب والنواح كالنساء فلم يكن العراق كذلك إلا بعد احتلاله من معممي قم ولو تجرأ العراقيون (كردا وعربا) بالرد لخرست إيران لأنها تخشى المواجهات المفتوحة".

وكتب أحد المغردين: "الهجمات التي شنها الحرس الثوري على مواقع شمال العراق والتي أسفرت عن قتلى وجرحى تعكس عمق الأزمة الداخلية التي تمر بها إيران بسبب الاحتجاجات الداخلية ويبدو أن النظام يحاول تصدير الأزمة وتحميل المسؤولية لإيرانيين أكراد كشماعة برغم أن الاحتجاجات طالت المدن الإيرانية كافة".

استنكار للصمت 

واستنكر ناشطون صمت السلطة العراقية عن ما يشهده إقليم كردستان من اعتداء وحشي وقصف من قبل إيران، وضعف رد الفعل الرسمي على التصعيد الإيراني، واختزال الموقف في استدعاء السفير، منتقدين رعونة موقف الأحزاب العراقية.

وأشارت الإعلامية سجد الجبوري إلى أن الذين استنكروا القصف التركي قبل شهرين ورفعوا هاشتاج #طرد_السفير_التركي، لم يحركوا ساكنا اليوم تجاه القصف الإيراني على الأبرياء في إقليم كردستان، قائلة لهم "أنتم منافقون وبلا ذمة ولا ضمير".

واستنكر رئيس موقع بغداد بوست سفيان السامرائي، عدم غضب أحد من مشاهير الإعلام والمغردين أو مطالبتهم بحملة ورفع هاشتاغ #طرد_السفير_الإيراني، رغم قصف كوردستان بـ٧٢ صاروخ إيراني.

وأضاف: "طبعا لأن تاج رأسهم وهم عبيد لديه"، مؤكدا أن ملخص مشكلة العراق الولاء الأعمى لغالبية المكون الولائي الذي يصرخ إيران برة برة ولكن مرجعيته إيراني.

وأشار أحمد باشا، إلى صمت الإطار الفارسي تجاه القصف الإيراني، والسكوت التام وكأنه لم يحدث شيء، قائلا: "تبقون ذيول ونكرات في نظر كل العراقيين الخزي والعار لكل الإطار ومن يساندهم".

وانتقد باسم الخزرجي، ترويع أطفال العراق في مدارسهم بصواريخ من الطائرات الإيرانية وتنفيذ ميليشيات إيران وسط صمت الحكومة والأحزاب الفاسدة والبرلمان الولائي العميل لإيران.

وذكر الصحفي عثمان المختار، أن الهجوم الإيراني على شمال أربيل وشرق السليمانية يصادف ذكرى الضربة الجوية العراقية الثانية لجزيرة خرج الإيرانية سنة 1987 وتدمير مخازن النفط الإيرانية وإيقاف منصات تصديرها للطاقة ردا على قصف إيراني لمدينة العمارة تسبب بشهداء وجرحى بين المدنيين.