الطيران الحكومي بالعراق.. فساد كبير يمنعه من التحليق في سماء أوروبا

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

لم تستثن يد الفساد التي تنهب العراق منذ عام 2003 أي مؤسسة من مؤسسات الدولة إلا وطالتها، حتى وصل الأمر بها إلى تكبيل الخطوط الجوية العراقية المعروفة بـ"الطائر الأخضر" للبلد، وتكبده خسائر بمئات الملايين من الدولارات، جراء تعطل عشرات الطائرات.

على إثر ذلك أطاحت وزارة النقل بمدير إدارة الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية عباس عمران الزبيدي بإقالته من منصبه، في 8 سبتمبر/ أيلول 2022، على خلفية التحقيق بتعطل 22 طائرة وخروجها عن العمل من أصل 32 طائرة يمتلكها الأسطول الجوي العراقي.

"فساد كبير"

بدأت تتكشف قضية الطائرات المعطلة بعد تسرب وثائق في أغسطس/آب 2022 من وزارة النقل العراقية تشير إلى تكدس الطائرات "غير العاملة" في مطار بغداد الدولي بسبب أعطال عدة، وعدم خضوعها لإجراءات الصيانة والإدامة الدورية.

وأفادت وزارة النقل العراقية في أغسطس/آب 2022 بوجود أكثر من 22 طائرة لدى الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية "غير عاملة" ولم تخضع للصيانة والإدامة، عادة هذه الحالة "مؤشر فساد كبير" يمنع تعظيم الإيرادات المالية للشركة.

وتعليقا على ذلك قال الكاتب العراقي حسن جمعة خلال مقابلة تلفزيونية في 4 سبتمبر/أيلول 2022 إن "ملف الخطوط الجوية العراقية شائك ومعقد، فمنذ تسليمه إلى كفاح جبار الذي شغل منصب مدير الخطوط الجوية العراقية (2010 - 2020)، وهو على علاقة بمافيات المواد الاحتياطية للطائرات والخدمات الأرضية.

وأضاف الكاتب أن "الخدمات الأرضية منحت منذ عهد وزير النقل الأسبق هادي العامري (2010 - 2014) إلى شخص يدعى سعد الخفاجي يعيش في لندن وآخر يدعى علي الأوكراني من شركة (كرويف) لتجهيز الطائرات عن طريق شقيق الأخير بالمواد الاحتياطية للطائرات".

ووفق المحاصصة الحزبية والطائفية في توزيع المناصب بالعراق، فإن مطار بغداد الدولي الرئيس بالبلد والذي تتخذه "الخطوط الجوية العراقية" مكانا أساسيا لها، تسيطر عليه "مليشيا بدر" التي يرأسها هادي العامري وزير النقل الأسبق وزعيم تحالف "الفتح" الحالي المقرب من إيران.

وأوضح جمعة أن "علي الأوكراني أخرج عشرات الطائرات التابعة للخطوط الجوية العراقية من الخدمة، إذ يتضمن الأسطول العراقي 34 طائرة، والآن فقط 9 منها في الخدمة، وآخر طائرة هبطت في مطار دبي اضطراريا بسبب عطل أصابها".

ولفت إلى أن "سلطات الطيران المدني في دولة الإمارات عندما أجرت فحصا للطائرة وجدت أن إحدى القطع مستبدلة، وجرى وضعها من طائرة أخرى ليست جديدة".

وبين أن "ما جرى سرقة لمحتويات طائرة عراقية وتوزيع قطع غيارها بين الطائرات الأخرى، والإتيان بأخرى يدعون أنهم اشتروها".

وأوضح الكاتب أن "الهدف من عمل سعد الخفاجي وعلي الأوكراني هو إفلاس شركة الخطوط الجوية العراقية، حتى يجري بعد ذلك خصخصتها (تذهب إلى القطاع الخاص)، وبالتالي هم يديرونها بمساندة كتلة سياسية شيعية في البرلمان، هي من ساعدت هذين الشخصين حتى يفلسانها".

وأكد جمعة أنه "إذا استمرت الأمور على هذه الحالة فإن العراق بعد شهرين لن يكون لديه (الطائر الأخضر) وسيجري تسقيط جميع طائراته وإخراجها عن الخدمة، لأنه لا أحد يستطيع محاسبة هذين الشخصين على فسادهم، كونهما متنفذين في وزارة النقل".

أما عن عقود الخدمات الأرضية، لفت الكاتب إلى أنه "جرى توقيع عقدها مع شركة علي الأوكراني بدون أي شرط جزائي".

وأشار إلى أن "المشكلة تكمن في الجهات التي تقف وراء هذين الشخصين، ويتسببان بإفلاس شركة الخطوط الجوية العراقية، التي تحولت من شركة رابحة إلى خاسرة مديونيتها 50 مليون دولار".

معالجات حكومية

وبخصوص الإجراءات التي تتخذها الحكومة العراقية، نوه جمعة إلى أن "المتسبب بالإضرار بالمال العام لا يستطيع أحد أن يشتكي عليهم عند القضاء، ومنهم عباس عمران الزبيدي الذي كان مديرا للخطوط الجوية العراقية، وحتى وزير النقل الحالي ناصر حسين الشبلي لم يستطع في وقت سابق اتخاذ أي إجراء بحقه".

لكن الكاتب العراقي حسن جمعة أكد أنه "بعد تسلم وزارة النقل مسؤولية شركة الخطوط الجوية العراقية عادت إلى الخدمة مجددا 5 طائرات بعد شراء قطع غيار لها وإصلاحها".

وفي 9 سبتمبر/أيلول 2022 أعلنت وزارة النقل في بيان لها عودة طائرة الخطوط الجوية العراقية من طراز (CRJ-900/ YI-AQF) إلى الخدمة مرة أخرى بعد الانتهاء من أعمال الصيانة التي نفذتها ملاكات الشركة الهندسية والفنية.

وذكر مدير عام الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية كريم كاظم حسين أن "الشركة الهندسية والفنية تمكنت من إعادة هذه الطائرة إلى العمل وفق المواصفات والمعايير المعتمدة عالميا، ما رفع عدد الطائرات التي جرى صيانتها وإعادتها للخدمة إلى (5) طائرات ومن طرازات مختلفة".

وأضاف حسين: "جرى ضم الطائرة في أسطول الشركة العامل لتنفيذ الرحلات المجدولة"، مؤكدا أن "الأيام القليلة المقبلة ستشهد إعادة باقي الطائرات المتوقفة إلى الخدمة وفق مدد زمنية محددة".

من جهته، قال النائب في البرلمان العراقي مهند الخزرجي، إن "الإجراءات التي اتخذها الوزير  تستدعي المزيد من الجهد لمتابعة الشركات والمديريات المرتبطة بالوزارة لغرض مكافحة الفساد الذي بات ينخر مؤسساتها" مبديا دعمه لـ"تلك الجهود التي تعمل على حفظ المال العام ومكافحة الفساد".

ولفت الخزرجي خلال بيان في 5 سبتمبر 2022 إلى أن "الكارثة التي أدت الى خروج 22 طائرة تابعة للخطوط الجوية العراقية عن الخدمة جريمة بحق الشركة التي لطالما تميزت بالسمعة الجيدة بين نظيراتها في العالم".

حظر أوروبي

ولا تزال دول الاتحاد الأوروبي تفرض حظرا على الطيران العراقي، وتحديدا الحكومي، منذ نحو 7 سنوات، إذ لم يتمكن العراق من تحقيق الشروط التي تتيح إلغاء القرار الدولي الذي كان له تأثيرات اقتصادية سلبية كبيرة على البلاد.

وفي العام 2015 جرى حظر "الطائر الأخضر" العراقي من الطيران في سماء أوروبا بسبب عدم استيفائه معايير المنظمة الدولية للطيران المدني.

وجددت ذلك الحظر وكالة سلامة الطيران الأوربية في مطلع يونيو/حزيران 2022، مؤكدة أنه سيستمر لحين تلبية متطلبات التشغيل الآمن من خلال الاستجابة لمتطلبات شهادة مشغل البلد الثالث TCO.

من جهته، قال الخبير الملاحي وزير النقل العراقي الأسبق، عامر عبد الجبار، إن "حظر الطيران العراقي فرض منذ تسعينيات القرن الماضي، واستمر لغاية العام 2009، فيما رفع بعد إزالة كافة المخلفات التي كانت موجودة على الطائر الأخضر".

وأوضح عبد الجبار خلال حديث نقله موقع "ألترا عراق" في 13 سبتمبر 2022 أن "العراق عاود تسجيل الخروقات منذ العام 2012 فيما جرى حظر الطيران العراقي من التحليق في سماء أوروبا عام 2015 بشكل رسمي ونهائي".

ولفت إلى أن "المنظمة الدولية للطيران (آيكا) والمنظمات العالمية الأخرى الخاصة بالطيران مثل (إياتا) و(إياسا)، أكدت أن سلطة الطيران العراقية والخطوط الجوية لم يلتزما بإجراءات السلامة وغيرها من الضوابط".

وأشار عبد الجبار إلى أن "الجهات الأوروبية سجلت أكثر من 230 مخالفة على الطيران العراقي"، مؤكدا أن "العراق فشل في إعادة رفع الحظر منذ العام 2015 إلى الآن، رغم مرور 7 سنوات على عودته".

وأردف: "قرار الحكومة في العام 2018، الخاص بفصل سلطة الطيران المدني عن وزارة النقل بسبب اجتهادات شخصية كان له آثار سلبية وقعت على قرار رفع الحظر عن العراق؛ لأن الوزارة هي الجهة المعنية بالمخاطبات الرسمية، وأصبحت غير قادرة على توجيه سلطة الطيران المدني بحكم قانونية الموضوع".

وشدد الوزير الأسبق على أن "وعود وزارة النقل بشأن رفع الحظر نهاية العام 2022 غير منطقية ومستبعدة؛ كون المدراء والمختصين في الوزارة والخطوط الجوية العراقية غير مؤهلين لمناصبهم، وهذه أبرز الأسباب التي تقف أمام القرار المنتظر".

وختم عبد الجبار حديثه بالقول، إن "قرار رفع الحظر مرتبط بالعديد من المتطلبات أبرزها ربط العراق مع المنظمة الدولية للطيران (آيكا) ببرنامج التدقيق (يوسوب)، فضلا عن عودة ارتباط سلطة الطيران المدني مع وزارة النقل".

وفي 8 فبراير/شباط 2018 أعلن رئيس لجنة الخدمات في البرلمان العراقي النائب ناظم الساعدي أن "استشراء الفساد" في الخطوط الجوية العراقية يمنع أي جهد لرفع المنع الأوروبي عنها.

وشدد على "توقف عمل لجنة الـTCO الخاصة برفع المنع الأوروبي، بسبب الفساد الإداري".

وتركز مراجعات حسابات برنامج "الإيكاو" العالمي لتدقيق مراقبة السلامة ما يعرف باسم (USOAP)، الذي ظهر في الأول من يناير/كانون الثاني 1999، على قدرة الدولة في توفير الرقابة على السلامة من خلال تقييم العناصر الحرجة (CEs) لنظام مراقبة السلامة.

وهذا النظام الأخير يمكن الدولة المعنية من ضمان تنفيذ معايير السلامة ICAO والممارسات الموصى بها (SARPs) والإجراءات المرتبطة بها والمواد التوجيهية.

وفي يناير 2022 أظهرت وثائق صادرة عن منظمة سلامة الطيران الأوروبية "إياسا"، استمرار حظر طيران أكثر من 10 شركات عالمية في الأجواء الأوروبية بينها طائرات الخطوط الجوية العراقية، برفقة طائرات لشركات من فنزويلا وإيران ونيجيريا وأنغولا وأفغانستان وزمبابوي.