سجن رومية.. مسلخ لتعذيب السوريين في لبنان على خطى معتقلات الأسد

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أعادت حادثة تعذيب شاب سوري حتى الموت في لبنان بعد يوم من توقيفه، تسليط الضوء على المعتقلين السوريين في سجن رومية شرق بيروت وانتهاكات النظام الأمني اللبناني.

وعقب سماع المعتقلين السوريين في سجن رومية بنبأ مقتل الشاب "بشار عبد السعود العلاوي"، وجهوا نداءات استغاثة للحقوقيين للنظر في أمرهم، وعدم تركهم لمصير مجهول دون محاكمات.

ولقي العلاوي حتفه في أحد مراكز جهاز أمن الدولة في لبنان، بعد توقيفه، وتعريضه لتعذيب قاس أثناء التحقيق معه، أسفر عن إصابته بذبحة قلبية أدت إلى وفاته في الثاني من أغسطس/آب 2022، وفق صحيفة الأخبار المحلية.

وقال ناشطون سوريون، إن الشاب قبض عليه بتهمة حيازته 50 دولارا مزورة، لكن عقب موته تحت التعذيب، ألصقت الأجهزة الأمنية به تهمة الانتماء لتنظيم الدولة.

وعقب ذلك، استنكرت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، مقتل الموقوف، ورأت أن "‏مشاهد التعذيب الوحشية المرتكبة ضده تعيد التذكير بخطورة ثقافة الإفلات من العقاب التي يتحمل القضاء اللبناني دورا أساسيا في تكريسها".

وأوصت الهيئة، بتجميد جميع أعمال التحقيق في المكاتب الإقليمية التابعة لجهاز أمن الدولة وحصرها بمركز الاحتجاز المركزي في المديرية العامة في الجناح بإشراف القضاء المختص.

مطالبة عاجلة

ونشر صحفيون وحقوقيون سوريون محادثات لسجناء سوريين من داخل سجن رومية، طالبوا فيها بتسليط الضوء على قضيتهم ووجهوا مطالبة عاجلة للمنظمات الحقوقية والإنسانية بالتدخل.

وسجن رومية هو أكبر السجون اللبنانية، بني في ستينيات القرن العشرين، وافتتح عام 1970، إذ تبلغ طاقة استيعابه 5500 نزيل، وتؤكد وسائل إعلام لبنانية أنه يشهد حاليا اكتظاظا غير مسبوق.

ويتوزع السجناء على خمسة مبان هي، مبنى المحكومين ومبنى الأحداث (يضم الجناح "و" التأديبي)، والمبنى "د" و المبنى "ب" والمبنى "ج" الذي جرى إنشاؤه أخيرا.

وفي نهاية أغسطس 2022، توفي ثلاثة سجناء في سجن رومية، بعدما قال الأهالي إن هنالك فيروسا غامضا يقتلهم هناك، الأمر الذي دفع السلطات إلى إجراء تحقيق للوقوف على أسباب الوفيات.

وحتى شهر أبريل/نيسان 2022، سجل سجن رومية، سبع حالات وفاة، بسبب غياب الرعاية الصحية عن المعتقلين من جهة، وإضراب عدد كبير منهم عن الطعام من جهة أخرى.

وبحسب ما نقلت الوكالة الوطنية للإعلام، قال وزير الداخلية، بسام مولوي نهاية عام 2021 خلال زيارة رومية إن مشكلة السجن الأساسية هي الاكتظاظ، إذ يتواجد فيه ما نسبته 300 بالمئة من قدرته الاستيعابية التي هي 1050 ويوجد فيه 3592 أي أكثر من ثلاثة أضعافه.

وشهد السجن عددا من حالات التمرد والعصيان من قبل السجناء أشهرها في سبتمبر/أيلول 2008، عندما بدأ إضراب 285 "موقوفا إسلاميا" في سجن رومية عن الطعام، مطالبين بإخلاء سبيلهم لكون التهم الموجهة إليهم باطلة "تحت مسمى الإرهاب"، إذ لم تصدر أحكام بحقهم.

اعتقالات تعسفية

وفي أبريل 2022 كشفت مصادر من داخل سجن رومية لموقع "تلفزيون سوريا" المعارض، عن وجود نحو 300 معتقل سوري ينتمون إلى فئة "معتقلي الرأي"، وينقسمون بين صحفيين وناشطين حقوقيين وسياسيين.

وأكد عدد من معتقلي الرأي السوريين في سجن رومية، أن الرقم المذكور لا يشمل السوريين المتهمين بجرائم أخرى.

وكانت "الهيئة الوطنية السورية للدفاع عن المعتقلين" نشرت تقريرا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن أوضاع السجناء السوريين في سجن رومية، وذلك من خلال لقاءات مباشرة مع 59 سجينا و37 من الشهود والضحايا.

وتوصلت الهيئة بحسب التقرير، إلى أن غالبية السوريين تعرضوا لاعتقالات تعسفية بالجملة، بالإضافة إلى إخضاعهم للتعذيب وسوء المعاملة وتصفية بعضهم.

وأضاف التقرير أن السجناء خضعوا لمحاكمات غير عادلة، كما جرى تسليم عدد منهم لنظام الأسد.

وبين أن السلطات اللبنانية تحيل الموقوفين السوريين إلى المحاكم العسكرية بتهمة الإرهاب، بالرغم من عدم ارتكابهم أعمالا من هذا النوع وعدم انتسابهم لمنظمات إرهابية مصنفة.

وفي بروباغندا مصطنعة يُطلق على المساجين السوريين اسم "الموقوفين الإسلاميين"، فقط لأنهم من الطائفة السنية، حسبما تنظر إليهم جهات الاحتجاز، وفق التقرير.

كما تعرض معارضون لنظام الأسد للاعتقال خارج القانون، وللإخفاء القسري، والتعذيب، وسوء المعاملة، ولمحاكمات غير عادلة.

وألمح التقرير إلى أن هيكلية الدولة اللبنانية القائمة على أساس المحاصصة الطائفية انعكست على أداء مؤسساتها، وبدا التمييز العنصري ملموسا في معاملة السوريين لدى بعض أجهزتها، في إشارة إلى حزب الله وشخصياته وعناصره الذين يتحكمون بالأجهزة الأمنية والقضائية وإدارة السجون.

وفي يوليو 2022 انتشر تسجيل مصور التقط من باحة السجن، قال السجناء فيه إنهم يتعرضون للضرب والتعذيب والإهانة من قبل ضباط يتعاملون معهم بطائفية.

وأكد هؤلاء أنهم يتعرضون "إلى كل شيء، لا طبابة ولا أدوية ولا ماء ولا كهرباء ولا طعام جيّدا، ولا جلسات قضائية لتقديم إخلاءات سبيل، باختصار نتعرض للإعدام".

غياب العدالة

وفي هذا السياق، أكد المحامي السوري المقيم في لبنان أنس رضوان أن "غياب العدالة هو سبب أساسي لما يجرى في لبنان، وخاصة أنه لا يوجد عدالة ناجزة في التحقيقات أو تطبيق الأحكام، مما يعني أننا نشهد منذ عشر سنوات عدم إقامة محاكمات للموقوفين".

وأضاف رضوان لـ "الاستقلال" أن "كل ذلك يأتي نتيجة تراخي القضاة في واجبهم القانوني والذين هم أساسا يعانون من صدامات مع الدولة وينفذون إضرابات على أجورهم نتيجة الأزمة الاقتصادية".

ولفت المحامي إلى أن "الإهمال المتعمد في السجون اللبنانية ومنها رومية يعود إلى وجود موقوفين بتهم سياسية كيدية، لا يحاكمون ولذلك بعضهم يطالب بعفو عام كونه يحق له ذلك، لتجاوز انفلات العدالة".

وبين أن "عدم وجود عدالة في المحاكمات والتحقيقات، تنتج الإهمال الصحي والتعذيب وترك هؤلاء المعتقلين يواجهون مصيرا مجهولا، خاصة أن مسألة اكتظاظ السجون تولد الأمراض وكثير من السجناء في رومية لا يتلقون الحد الأدنى من الرعاية الصحية ومنهم من يموت بذبحات قلبية وأخرى غير معروفة السبب".

وكثيرا ما تلجأ الأجهزة الأمنية اللبنانية إلى فبركة ملفات جرمية بحق أشخاص لبنانيين لم يرتكبوها، وهذا ينسحب على السوريين كما يؤكد حقوقيون يتابعون ملف سجن رومية.

ويضرب هؤلاء مثالا على قضية الممثل المسرحي اللبناني، زياد عيتاني، الذي اتهمه جهاز أمن الدولة في لبنان خلال نوفمبر 2017 بـ "التعاون والتواصل مع إسرائيل"، قبل أن يتبين أن ضابطة أمن كانت وراء فبركة التهمة له، وجرى عقب ذلك إسقاط السلطات اللبنانية التهم الموجهة إليه بعد عامين.

وفي الثاني من أغسطس نشرت وسائل إعلام لبنانية، تسجيلات لموقوفين في سجن رومية، أكدوا أنهم يتعرضون لأمراض مثل الجرب، وأخرى غير معلومة، ولفتوا إلى أن الحال كما هو من قبل دخول لبنان في الأزمة الاقتصادية عام 2019.

وبين السجين، أن هناك معتقلين دخلوا السجن لمدة عشر سنوات ثم خرجوا منه براءة، ولا يوجد تعويض لهؤلاء المسجونين.

دولة أمنية

وأكثر ما يعاني منه لبنان هو توقيف أشخاص دون الرجوع للقضاء، إذ تصدر الأجهزة الأمنية من تلقاء نفسها بلاغات بحق أشخاص لا يطلع عليها القضاء، ويبقى الموقوف في السجن.

ويدلل حقوقيون على ذلك، لوجود "دولة أمنية عميقة" في لبنان تتحكم بالقرار الأمني والقضائي، وسط تعطيل لمؤسسة التفتيش القضائي.

وشهد لبنان كثيرا من حالات تصفية لمطلوبين وصفها حقوقيون "بأنها عمليات إعدام ميداني"، كما في الحادثة الشهيرة عام 2013 التي أسفرت عن قتل عدد من الملاحقين في عرسال.

وكثيرا ما سجلت في لبنان حالات تعذيب حتى الموت لمواطنين داخل السجون، وأشهرها حادثة نادر البيومي البالغ من العمر 36 عاما.

وأعلنت عائلة البيومي في يوليو/تموز 2013 أنه قضى تحت التعذيب أثناء التحقيق معه في وزارة الدفاع على يد مخابرات الجيش اللبناني، عقب توقيفه خلال المعركة الدامية التي وقعت بين الجيش وأنصار إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير في "عبرا ـ صيدا".

ويعاني سجناء رومية، بحسب حقوقيين من الجرب بسبب سوء النظافة، ومن أمراض القلب والسكر، والكلى وحتى السرطان.

ويترك هؤلاء دون علاج، هذا عوضا عن فيروس كورونا الذي استباح السجن منذ تفشيه عام 2020.

وبالتالي بات هؤلاء في صراع مع البقاء على قيد الحياة، وتجنب الموت في الزنازين جراء الأمراض المتفشية.

قبل الانفجار

وسبق أن تقدم وزير العدل اللبناني السابق اللواء ​أشرف ريفي​، في 29 أغسطس 2022، باقتراح قانون معجل مكرر لمنح عفو عام استثنائي عن المساجين، لأسباب إنسانية بعد وفاة سجينين بسبب انعدام الرعاية الصحية.

ورأى مدير مركز حقوق السجين في طرابلس المحامي محمد صبلوح بتصريحات في 28 أغسطس 2022 أن "الوضع داخل السجون بات ينذر بحصول انفجار".

ومضى يقول: "في حين يفترض أن يكون السجن بمثابة مركز لإعادة تأهيل السجناء إذا به يتحول إلى مقر لتخريج مجرمين، ومن يدخل بجرم شيك بلا رصيد يخرج بشهادة تاجر مخدرات أو مدمن أو حتى مجرم بسبب نقمته على الدولة".

وبحسب صبلوح، فإن "الحل يكمن بجرة قلم من خلال توقيع مجلس النواب على مشروع قانون لتخفيض السنة السجنية لمدة 6 أشهر بدلا من 9 ولمرة واحدة فقط ووضع سقف زمني للمحكومين بالمؤبد، مما يساهم بتخفيف الاكتظاظ وتقليل حدة النقمة على الدولة.

كما يفتح هذا الأمر الباب أمام منظمات حقوق الإنسان والوزارات المختصة بإعادة تأهيل وترميم السجون وبناء سجون جديدة، وفق صبلوح.

وبالمحصلة، فإن هناك مطالبات حقوقية، لإقرار قانون العفو العام في لبنان، لإزالة الصفة الجرمية عن فعل يمثل جريمة يعاقب عليها القانون، فيصبح كأنه لم يُجرم أصلا.

وقد يشمل العفو العام بعض الجرائم كليا، ويخفض عقوبة البعض الآخر إلى النصف أو الربع مثلا، فتبقى الجريمة قائمة، ويُنفذ القسم الباقي من العقوبة.