سامي مهدي.. شاعر عراقي أيد صدام وانتصر لبغداد وتجاهلت وفاته السلطات

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"رماد الفجيعة، أسفار الملك العاشق، أوراق الزوال" دواوين شعرية اشتهر بها الشاعر العراقي سامي مهدي، الذي نعاه محبوه في 29 أغسطس/آب 2022 عن عمر ناهز 82 عاما، بعد مسيرة طويلة خاضها في بحور الشعر والأدب والترجمة منذ ستينيات القرن العشرين.

ورغم مسيرة الراحل وحضوره في ميادين عدة طيلة المرحلة التي سبقت عام 2003، إلا أن الحكومة والجهات الرسمية في العراق تجاهلت وفاته، فيما نعاه "الاتحاد العام للأدباء والكتاب" في البلاد، الذي أكد أنه فارق الحياة في بغداد، بعد معاناة مع المرض.

مسؤول سابق

يعد الراحل أحد رموز الحركة الشعرية الحديثة في العراق والعالم العربي، إذ نشر نصوصه وأوائل دواوينه في ستينيات القرن الماضي، وظل مخلصا لهذا الحقل حتى سنواته الأخيرة، التي حرص على إنهائها في بغداد رغم معاناته بعد الاحتلال الأميركي عام 2003.

ولد سامي مهدي عباس في بغداد عام 1940، ودرس في كلية الآداب بجامعة بغداد، وتخصص في الاقتصاد، ثم شغل لاحقا منصب المدير العام لدائرة الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة والإعلام، إضافة إلى منصب مدير عام الإذاعة والتلفزيون في العراق.

كما تولى الراحل قبل الاحتلال الأميركي رئاسة تحرير العديد من الصحف والمجلات، منها، المثقف العربي، الأقلام، ألف باء، والجمهورية، وذلك دفع السلطات بعد 2003 إلى حرمانه من راتبه التقاعدي (المعاش) لتصنيفه ضمن كوادر نظام الرئيس السابق صدام حسين.

ورغم الضيق الذي كان يعيشه بسبب حرمانه من راتبه التقاعدي، إلا أنه لم يغادر مسقط رأسه في العاصمة بغداد إلا نادرا، حتى أنه رفض دعوة ابنتيه للعيش معهما خارج العراق للعناية به، كونه يعاني من المرض في سنوات عمره الأخيرة.

وذكرت صحيفة "العالم الجديد" العراقية في 2 سبتمبر/أيلول 2022 أن الشاعر مهدي "كان يعيش مع زوجته على ما يرده من بعض نتاجاته الأدبية التي تجد طريقها إلى الدوريات ودور النشر العربية، فضلا عما ترسله بنتاه من أموال".

الشاعر الراحل لم يكن كغيره من الشعراء والأدباء الذين غادروا العراق إلى بلاد المهجر بسبب اتهامهم بأنهم كانوا واجهة ثقافية لنظام صدام، وفضل البقاء في بغداد، لكن ما جمعه بنظرائه هو الإهمال الحكومي لهذه الشريحة، فمن قبله توفي الشاعر مظفر النواب بعد معاناة مع المرض بالإمارات في 20 مايو/أيار 2022.

قامة شعرية

أصدر الشاعر الراحل أول دواوينه الشعرية في الستينيات بعنوان "رماد الفجيعة"، وتوالت بعدها إصداراته الشعرية التي قاربت العشرين، ومنها "أسفار الملك العاشق"، و"بريد القارات"، و"مراثي الألف السابع وقصائد أخرى"، و"أوراق الزوال" وغيرها.

وأصدر في حقل الدراسات الأدبية والنقدية كتبا، من بينها "الثقافة العربية من الشفاهية إلى الكتابة"، و"المجلات العراقية الريادية ودورها في تحديث الأدب والفن"، و"تجربة توفيق صايغ الشعرية ومرجعياتها الفكرية والفنية".

وصدرت للراحل أيضا مختارات من الشعر الفرنسي والإسباني، بينها ترجماته للشاعرين الفرنسيين جاك بريفير وهنري ميشو، حين كان مديرا للمركز الثقافي العراقي بباريس في سبعينيات القرن الماضي.

ويعتبر الشاعر الراحل أن لجيله (جيل الستينيات) بصمته الخاصة في الشعر العراقي، حيث طور آفاق وتقنيات الشعر الحديث، ودون ذكرياته وانطباعاته عن ذلك الجيل في كتابه "الموجة الصاخبة.. شعر الستينيات في العراق" كشهادة شخصية.

ومن أبرز مؤلفات مهدي، رماد الفجيعة، أسفار الملك العاشق، أسفار جديدة، الأسئلة، الزوال، أوراق الزوال، سعادة عوليس، الأعمال الشعرية، بريد القارات، حنجرة طرية، الخطأ الأول، سعادة خاصة.

ومن مؤلفاته أيضا، مدونات هابيل بن هابيل، الطريق إلى الوادي، لا قمر بعد هذا المساء، أبناء إيننا، يحدث دائما، صعودا إلى سيحان (رواية)، ألف ليلة وليلة.. كتاب عراقي أصيل.

وللشاعر الراحل العديد من الترجمات، منها، مختارات من الشعر الإسباني المعاصر، جاك بريفير، هنري ميشو، سنابل الليل-مختارات من الشعر العالمي.

من الدراسات الأدبية والنقدية، صدرت له، أفق الحداثة وحداثة النمط، الثقافة العربية من الشفاهية إلى الكتابة، وعي التجديد والريادة الشعرية في العراق، الموجة الصاخبة - شعر الستينات في العراق، المجلات العراقية الريادية ودورها في تحديث الأدب والفن.

وكذلك صدرت له، "نهاد التكرلي".. رائد النقد الأدبي الحديث في العراق، نظرات جديدة في أدب العراق القديم، الحقيقة والأسطورة، ذاكرة الشعر-رؤى ومواقف ومراجعات، آفاق نقدية-قراءات في المتون وفي مناهج التحليل.

موهبة أدبية

اختلف الكثير من الشعراء في العراق على شخصية مهدي، فقد وجه له البعض انتقادات واتهمه بأنه صوت حزب "البعث" في عهد صدام حسين، فيما امتدحه آخرون عبر منصات التواصل الاجتماعي وأكدوا أنه يمثل موهبة أدبية، وتميزا في شعره وكذلك في النقد الأدبي.

وكتب الشاعر والإعلامي، عقيل العلاق عن وفاة الأديب مهدي، قائلا: "رحل الشاعر والناقد سامي مهدي عن 82 عاما، وهو من شعراء ونقاد الجيل الستيني وقدم دواوين شعرية باذخة بالجمال والإحساس الرقيق، كما قدم للمكتبة النقدية مجموعة مهمة من المؤلفات".

وأضاف في تدوينة نشرها في 1 أغسطس: "حتى لا يتهمنا البعض من الأدباء بأننا نستغل وفاة أي كاتب لننبري بتفكيك تاريخه السلبي وإهمال الإيجابي، فإننا نقر ونعترف بإمكانيات الشاعر الراحل وانتقالاته المهمة بين الشعر والنقد، وقد قرأنا له نتاجات رائعة تدل على موهبته الأدبية المتميزة".

وتابع: "إلا أن للشاعر (سامي مهدي) أيضا مواقف وسلوكيات وانتماءات فكرية لا سيما في الحقبة البعثية الممتدة من عام 1968 وحتى 2003، تقلد فيها مناصب إدارية وصحافية وكان مقربا للسلطة آنذاك وترأس صحف ومجلات حزب البعث".

أما الكاتب العراقي نامق عبد ذيب، فقد كتب في وفاة الشاعر، قائلا: "تودعك الكلمات والقصائد، يودعك وطنك العراق الذي ما فارقته في محنته وتشرذمه، تودعك بغداد، كرخها ورصافتها، بغداد التي دائما في قلبك وروحك، وداعا أبا نوار وأنت عند مليك كريم رحيم بالأنقياء".

وأردف: "منذ وعيت القصائد كان الشاعر سامي مهدي أمامي، أقرأ له وأتعلم منه، أخذ منه جيل كامل أسرار القصيدة وعظمة الشعر، كنت أظن في مراهقتي الشعرية أن على القصيدة أن تكون طويلة كما سمعت وقرأت ممن كانوا حولي، ولكني اكتشفت عند معرفتي به وبنصوصه أن الشعر عالم آخر يختلف عما يفكر به أولئك".

وأوضح عبد ذيب: "قرأت كل مجموعاته الشعرية، وقرأت ما كان ينشره في صفحات الجرائد العراقية منذ سبعينيات القرن الماضي، حتى أنني في مرحلة مبكرة من كتابتي قلدته بقصائد ما زلت أحتفظ بها، وفي بداية التسعينيات رأيته للمرة الأولى في أحد المهرجانات فأهديته نسخة من مجموعتي الشعرية الأولى".

من جانبه، قال الناقد علي عبد الأمير عجام: "شكرا سامي مهدي.. كان الشاعر والكاتب والصحافي أمينا على معتقداته ومخلصا للبعث ووفيا لسيده صدام".

وتابع: "مبعث الشكر للرجل أنه كشف ليس في موته وحسب، بل حتى أثناء حياته، عن جوقة حاشدة من المثقفين العراقيين الكذبة، فهم هاجروا وصاروا لاجئين في كندا، أستراليا وبريطانيا وأميركا كونهم (ضحايا) البعث وصدام، لكنهم ظلوا يتزلفون لمهدي وينافقونه ويسعدون بثنائه عليهم أو بكتابته مقدمة لكتبهم الشعرية".

وأردف: "إلى جانب هؤلاء ثمة من كان بمناسبة أو بغيرها (يثبرون الله وعباده) حول كونهم (معارضين) للنظام السابق وهم داخل البلاد، لكنهم يفخرون بثناء مهدي (صوت صدام وضمير البعث) عليهم! الرجل، سامي مهدي، صادق وأمين على معتقداته أما أنتم فحفنة كذابين سخيفة".