بعد جونسون.. مركز تركي يرسم خريطة متوقعة للسياسة الخارجية في بريطانيا

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في 7 يوليو/تموز 2022 استقالته من رئاسة الحكومة وحزب المحافظين، بعد سلسلة استقالات هزت أركان الحكومة وضغوط كبيرة تعرض لها من أعضاء الحزب بسبب عدة حوادث فاضحة ارتكبها خلال قيود جائحة كورونا.

ويباشر حاليا أعضاء حزب المحافظين التصويت عبر البريد وحتى مطلع سبتمبر/ أيلول 2022، لاختيار زعيمهم الجديد، وسط منافسة محتدمة بين المرشحين وزيرة الخارجية ليز تروس ووزير المالية السابق ريشي سوناك.

وأكد مركز أنقرة للأزمات والبحوث السياسية "أنكاسام" في مقال للكاتب جينك تامر، أن شكل العلاقات مع روسيا والصين هو الذي سيحسم السباق بين تروس (47 عاما) وسوناك صاحب الأصول الهندية (42 عاما) لنيل المنصب التنفيذي الأهم في بريطانيا.

منافسة محتدمة

وذكر المركز أنه بعد استقالة جونسون أسفر تصويت من خمس جولات لتحديد زعيم حزب المحافظين ورئيس الوزراء الجديد للبلاد عن مرشحين اثنين، هما سوناك وتروس. 

وكان ينظر إلى سوناك على أنه أقرب شخص إلى قيادة الحزب ورئيس الوزراء، لكن أحدث استطلاعات الرأي بدأت تظهر أن تروس قد أخذت زمام المبادرة. 

وكلا المرشحين كانا في حكومة جونسون قبل الاستقالة، ولهذا السبب يعتقد أن رئيس الوزراء الجديد لن يحيد عن الخطوط الأساسية التي رسمها جونسون من قبل في السياسة الخارجية.

لكن لهجة الرسائل المقدمة وشدة السياسات قد تتغير، ولن يكون أي من المرشحين ناجحا مثل جونسون من حيث علاقاته مع قادة العالم. 

ولفت المركز إلى أن القضية الأكثر إثارة للفضول هي نوع السياسة التي سيتبعها رئيس الوزراء الجديد ضد روسيا والصين. 

ويمكن للاختلافات في التنغيم في النهج المتبع إزاء هذه البلدان أن تحدث فرقا كبيرا، حتى لو كانت قد تبدو وكأنها فارق بسيط. 

فعلى سبيل المثال، الجانب الأكثر لفتا للنظر في سوناك هو أنه يتعامل مع العلاقات مع الصين بشكل أكثر اعتدالا، بينما تتبنى تروس موقفا شديد المواجهة في العلاقات مع بكين.

ومن أجل كسب الأصوات، من المتوقع أن يطور المرشحان لمنصب رئيس الوزراء حججا ملموسة في السياسة الخارجية، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا والصين.

فعلى الرغم من أن كلا من سوناك وتروس يتخذان موقفا علنيا ضد الكرملين، كما يفعل غالبية الجمهور البريطاني، إلا أن موقف تروس أكثر عدوانية. 

وناشد سوناك الشركات البريطانية للتوقف عن الاستثمار في روسيا بسبب غزو أوكرانيا، لكن زُعم أنه استفاد من الشركات التي استمرت في القيام بأعمال تجارية في روسيا.

وحتى إنه تم الادعاء أن الشركة التي تعمل فيها زوجته تقوم بأعمال تجارية في روسيا، لكن سوناك رفض هذه الادعاءات وقال: " لا علاقة لي بتلك الشركة".

وأما تروس، التي تتخذ موقفا أكثر تشددا تجاه روسيا، دعت الحكومة إلى مصادرة الأموال الروسية المجمدة في البلاد وإعادة توزيعها على ضحايا الحرب في أوكرانيا، وصرحت بأنهم "سيتخذون المزيد من الخطوات لإخراج روسيا من جميع الأراضي الأوكرانية". 

معضلة كبيرة

وذكر المركز أنه من المرجح أن يكون نهج سوناك تجاه الصين استمرارا للسياسات التي اتبعها في ظل حكومة جونسون. وفي هذا السياق سيركز على العلاقات الاقتصادية المتنامية باستمرار. 

وفي صورة مغايرة، تعهد سوناك، الذي تعرض لانتقادات بسبب اتخاذه موقفا تصالحيا مع الصين، "بالتصرف بشكل أكثر صرامة" بشأن هذه القضية، واصفا بكين بأنها "التهديد الأول للأمن العالمي".

ويعتقد أن سوناك أدلى بهذا التصريح لأنه كان متخلفا عن تروس في السباق الانتخابي. 

وتعرف تروس بسياساتها القاسية ضد الصين. ويزعم أنها أخبرت نوابها أنه إذا أصبحت رئيسا للوزراء فإنها ستستخدم مصطلح "الإبادة الجماعية" فيما يتعلق بقضية شينجيانغ - الإيغور.

وذكرت تروس، التي أدلت ببيان خلال قمة مجموعة السبع الأخيرة، أنه يجب تعلم الدروس من أوكرانيا، واقترحت أن ترسل بريطانيا أسلحة لمساعدة تايوان، التي تتعرض لخطر الغزو الصيني. 

فيما تدور إحدى المناظرات بين المرشحين حول العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في سياق أمن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإزالة قوانين الاتحاد الأوروبي من التشريعات. 

وقال سوناك إنه إذا انتخب رئيسا للوزراء فإنهم سيراجعون جميع قواعد الاتحاد الأوروبي في إطار القانون البريطاني. وأعلنت تروس أنها ستلغي القوانين الحالية من التشريع بحلول عام 2023. 

يذكر أن تروس أيدت بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016. ومع ذلك طورت خطابات مختلفة بعد قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. 

ولهذا السبب قال سوناك إنه "المرشح الوحيد الذي يمكنه الحفاظ على سلامة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي". 

وعلق المركز بالقول: "ما يريد سوناك القيام به هنا هو ضرب تروس من نقطة ضعفها، فهو يحاول التذكير بأن تروس عارضت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من قبل". 

ولسد هذه الفجوة تحاول تروس الآن أن تبدو وكأنها مدافع قوي عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وبناء على ذلك فإنها تعد بإلغاء قوانين الاتحاد الأوروبي تماما. 

وبعبارة أخرى، على غرار تصريحات سوناك القاسية بشأن قضية الصين، فإن تروس تفعل ذلك بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وأشار المركز إلى أن هناك نقطة في صالح تروس ألا وهي السياسة الخارجية، حيث إنها تتهم سوناك بالافتقار إلى الخبرة اللازمة للدفاع عن المصالح البريطانية على الساحة العالمية. 

فسوناك لديه فرصة أقوى لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتروس تتقدم فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا والصين.

العلاقات عبر الأطلسي

ولفت المركز التركي إلى أن علاقة بريطانيا بالولايات المتحدة سوف تتشكل من خلال موقف المرشحين لرئاسة الوزراء، سوناك وتروس، في السياسة الخارجية، وخاصة في العلاقات مع روسيا والصين.

وأشار إلى أن تروس مؤيدة قوية للولايات المتحدة. فخلال فترة ولاية تروس كوزيرة للخارجية بدأت لندن في متابعة مصالح واشنطن عن كثب في السياسة العالمية، شريطة أن تلتزم بالمثل الأعلى لـ"بريطانيا العالمية".

ودعت إلى دعم المحور المناهض للصين بشأن تايوان بقيادة الولايات المتحدة وإلى أن تكون بريطانيا أكثر اهتماما بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ. 

وهذا يشير إلى أنه إذا أصبحت تروس رئيسا للوزراء فإن بريطانيا ستعزز علاقاتها عبر الأطلسي.

أما سوناك فهو عملي للغاية بشأن الصين. ففي الوقت الذي يرفع فيه العالم الغربي صوته ضد روسيا والصين، فإن موقف سوناك كان ضعيفا.

ولهذا يمكن لرئاسة سوناك أن توجه ضربة قوية للجبهة الأنجلوسكسونية والعلاقات عبر الأطلسية. 

وفي تصريحاته السابقة حول الصين، قال سوناك: "بدلا من أن نكون عاطفيين، يجب أن نتعامل بشكل أكثر إنسانية".

وكان موقف تروس الشديد ضد الصين السبب لتأخذ زمام المبادرة كونها المفضلة في السباق على منصب رئيس الوزراء. 

ونتيجة لذلك، فإن السياسة الخارجية التي سيتم تنفيذها خلال فترة سوناك أو تروس ستكون مثل استمرار عصر جونسون مع الفروق الدقيقة الطفيفة. 

لأن الرسائل التي يستخدمها كل من المرشحين ضد روسيا والصين متشابهة في طبيعتها. لكن ظلالها تختلف عن بعضها البعض. إلا أنها يمكن أن تحدث فرقا كبيرا عند النظر إليها من منظور واسع. 

فالبقاء متساهلا مع الصين من شأنه أن يضعف علاقاتها عبر الأطلسي. وسيكون لهذا أيضا تأثير سلبي على العلاقات الأوروبية الصينية. 

وسوف تعاني أيضا من صراع الولايات المتحدة مع الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، التي لا تتلقى الدعم الكافي من المملكة المتحدة. 

من ناحية أخرى، فإن تبني موقف أكثر تصادمية تجاه الصين سيعني تعزيز وحدة الولايات المتحدة وبريطانيا في النظام الدولي والزيادة اللاحقة في الاستقطاب بين المحور الغربي والشرقي.