لم ينجح أحد.. "فرنسة التعليم" تُفقد المغاربة لغتهم وتمنعهم الارتقاء ببلدهم

جمال خطابي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع حصول آلاف التلاميذ المغاربة على علامة "صفر" في اللغة الفرنسية والمواد المدرَّسة بها وتصاعد شكاوى المعلمين الذين يؤكدون عدم استيعاب الطلبة للمواد العلمية بسبب حاجز اللغة، طفا إلى السطح من جديد جدل لغة التدريس في البلاد.

سياسيون ومفكرون وأساتذة جامعيون وفاعلون مدنيون جددوا مطالبهم بالتخلي عن "فرنسة" التعليم وتعديل القانون المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والذي بموجبه يتم إلزام تدريس المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية.

وفي 22 يوليو/ تموز 2019، صادق مجلس النواب المغربي على مشروع القانون المعروف إعلاميا بقانون "فرنسة التعليم"، إثر موافقة 241 نائبا ومعارضة 4 وامتناع 21 عن التصويت فيما غاب 266 آخرون، عن الاقتراع.

نتيجة كارثية

وفي 18 يونيو/ حزيران 2022، طالب رئيس الحكومة الأسبق الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (معارض) عبد الإله بنكيران، بإيقاف فرنسة التعليم وتعديل القانون المتعلق بذلك، معتبرا أن السماح بالمصادقة على هذا القانون جريمة في حق الشعب.

وقال بنكيران، في اجتماع لقيادة حزبه، إنه "قرأ خبرا يتعلق بحصول 5000 تلميذ على علامة صفر في اللغة الفرنسية"، مشددا على أن "هذا الأمر قضى على آمال أجيال من أبناء المجتمع البسطاء".

وتابع: "اليوم لدينا أطفال مغاربة لا يتحدثون العربية ولا يفهمونها"، واصفا هذا الأمر بـ "غير المعقول".

ودعا أطر الحزب ونوابه البرلمانيين إلى تقديم مقترحات قانونية لتعديل القانون، وتحديدا ما يتعلق بالفرنسة ولغة التدريس.

جمعيات المجتمع المدني المدافعة عن اللغة العربية، عبرت عن موقفها الرافض أيضا لقرار "فرنسة التعليم"، داعية إلى تغييره وإيقاف النزيف المسجل على هذا المستوى.

وفي هذا الإطار، يرى عالم اللسانيات، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية (غير حكومية) فؤاد بوعلي، أن "القانون الإطار" له غاية أساسية وهي "فرنسة المدرسة العمومية".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن الرؤية الإستراتيجية التي قام عليها القانون الإطار، ومختلف المراحل التي وضعها لأجل تنفيذ المبادئ المؤسسة للقانون، تؤدي عمليا إلى إدامة أزمة التعليم في المغرب.

وتوقف بوعلي، عند ما وصفها بـ"الارتجالية" التي واكبت المصادقة على "القانون الإطار"، مبينا أن "وزارة التعليم كانت تسارع الخطى قبل تصديق البرلمان على القانون، لأجل فرنسة المدرسة المغربية".

وتابع أن "دليل ذلك هو المذكرات التي أصدرها مجموعة من مديري أكاديميات التعليم الجهوية، لا لتحقيق الانفتاح اللغوي كما يقولون بل لترسيخ وفرض الفرنسة".

وفي 15 فبراير/شباط 2019، كشف موقع "آشكاين" الإلكتروني المحلي، شروع أكاديمية التعليم بجهة الرباط سلا القنيطرة، في التدريس الفعلي للمواد العلمية باللغة الفرنسية في العديد من المؤسسات التعليمية، قبل أن تتم المصادقة على القانون الذي ينص على هذا الأمر.

وحذر عالم اللسانيات المغربي، من خطر "فرنسة التعليم"، معتبرا أنه سيؤدي إلى تراجع التعليم بشكل عام، وتعليم العلوم واستيعاب التلميذ المغربي للعلوم الحقة بشكل خاص.

ونفى أن تكون اللغة العربية سببا في تراجع التعليم، وإنما "الإشكال الحقيقي هو وجود ساسة ومسؤولين يحاولون فرض الفرنسة على المجتمع المغربي".

وأشار بوعلي، إلى أن التجارب التاريخية والمعاصرة تؤكد جميعا، أن أي تعليم ناجح يجب أن يكون باللغة الوطنية، لأنها هي القادرة على تنمية البلد وعلى تمكين التلاميذ والطلبة من الإبداع.

لهذه الأسباب، يسترسل المتحدث ذاته، "ما زلنا نطالب بتعديل المواد المرتبطة بفرض الفرنسة والتراجع عنها".

وخلص إلى أنه بدون التراجع عن "الفرنسة" فإننا سنُؤزم وضعية المدرسة، وسنجتر الصراعات والأزمات والاصطفافات الإيديولوجية والنخبوية على حساب المدرسة المغربية، وستبقى أزمة التعليم مستمرة، ما سيضيع من بين أيدينا فرصا حقيقية لنهضة المجتمع والدولة.

هيمنة الفرنسية

ومقابل توسيع هوامش "فرنسة التعليم"، سجل تقرير صدر في يناير/كانون الثاني 2022، عن معطيات دالة بخصوص تراجع وضعف حضور اللغة العربية في المنظومة التربوية.

وكشف التقرير الصادر عن "الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم-أماكن"، أن العربية لم تعد لغة للتدريس على الأقل للمواد العلمية والتقنية وفي جميع مستويات المنظومة، وهو ما جعل حجمها يتقلص إلى حوالي النصف في التعليم الإلزامي.

وأوضح التقرير أن عدد ساعات تدريس اللغة العربية بالمدارس المغربية انخفض من 6290 ساعة سنويا قبل المصادقة على القانون إلى 3468 ساعة بعده.

وفي مقابل ذلك، تضاعفت حصة اللغة الفرنسية من 2788 ساعة إلى 5610 ساعة سنويا، لتصبح بذلك "اللغة الفرنسية هي المهيمنة على زمن التدريس الذي ستقتطع منه الثلثين".

من جهة أخرى، أظهرت المؤشرات ذاتها، أن العائلات الثرية وغالبية المسؤولين يتواصلون باللغة الفرنسية فقط، في حين أن اللغتين العربية والأمازيغية، رغم كونهما الرسميتين تتركان لعامة الناس، كما أن الفرنسية تهيمن بشكل لافت في عالم الأعمال وفي وسائل الإعلام.

وإذا كان المدافعون عن خيار "فرنسة التعليم"، يرونه خطوة لتحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص وضمان قدرة الشباب على الولوج لسوق الشغل الذي تطغى عليه اللغة الفرنسية، فإن المفكر المغربي أبوزيد المقرئ الإدريسي، يعده خطرا على أبناء المغاربة وعلى مستقبلهم الدراسي والمهني.

وأكد المقرئ الإدريسي، لـ"الاستقلال"، أن التدريس بالفرنسية لا يشكل خطرا فقط على التلاميذ وعلى مستقبلهم الدراسي، وعلى قدرتهم على التحصيل، بل يشكل خطرا عليهم أيضا من حيث فرص الشغل.

وأفاد المفكر المغربي، أن علماء الاجتماع اللغوي، وعلى رأسهم الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري، أجمعوا على أن "الفرنكفونية (التوجه لاعتماد الفرنسية في شتى نواحي الحياة) أصبحت حاجزا حقيقيا أمام أبناء الشعب للوصول إلى المواقع الاجتماعية والمهنية اللائقة".

وعلى سبيل المثال، يتابع المتحدث ذاته، فإن الطلبة المتفوقين في العلوم الرياضية، من أبناء الشعب والبادية، الذين يصلون إلى المدارس العليا للرياضيات، يرسب أغلبهم في مباريات الهندسة المدنية، بسبب حصولهم على نقط ضعيفة في اللغة الفرنسية. 

وفي مقابل ذلك، يوضح المفكر المغربي، "يتم قبول الطلبة المتوسطين في مادتي الرياضيات والفيزياء، في المعاهد الفرنسية على الخصوص، داخل المغرب وخارجه، نظرا لتفوقهم في اللغة الفرنسية، ولأنهم من عائلات برجوازية فرنكفونية".

إذن، يتابع النائب البرلماني السابق، "فالفرنسة خطر على مستقبل التلميذ والطالب بالمعنى الخُبزي، أي على حقهم في العيش والشغل، دون الحديث عن ارتفاع الانتقال المسجل في صفوف التلاميذ من الشعب العلمية إلى الشعب الأدبية، بسبب حاجز اللغة الفرنسية".

أما الانتقال إلى المستوى الحضاري لمناقشة "فرنسة التعليم"، فسنكون، بحسب الإدريسي، "أمام حقيقة مُرَّة، وهي أنّ الأمة بأكملها مختطفة، في هويتها وفرص تنميتها، لأن التنمية لا تكون إلا بالإبداع، والإبداع لا يكون إلا باللغة الأم، ذلك أن الإنسان لا يبدع خارج لغته، وهذا يجري على العرب وعلى غير العرب".

نتائج عكسية

وأكد المفكر المغربي، أنّ التراجع العلمي للتلاميذ لم يقع فقط في تحصيل الفيزياء والرياضيات والعلوم الحقة عموما، بل حصل التراجع أيضا في تحصيل اللغة الفرنسية نفسها، رغم حصر تنفيذ القانون الإطار في ما يتعلق بالفرنسة.

وأضاف الإدريسي أن المؤشر التربوي البارز لذلك، هو تراجع الطلبة في النقاط المتحصل عليها هذه السنة، حيث الأصفار وما دون المعدل وربع المعدل في الإعداديات والثانويات بالمغرب.

ونبه إلى أن هذه النتائج الضعيفة تنبأ بها العديد من الباحثين والدارسين، مشيرا إلى أن دراسات متخصصة للفترة التي درَّس فيها المغرب المواد العلمية في المستويين الإعدادي والثانوي باللغة العربية، بما فيها تقارير وزارة التربية والتعليم، أظهرت تفوقا كبيرا لأبناء المغاربة في فهم المواد العلمية، بسبب تدريسها بلغة يفهمونها.

وأقر البرلماني السابق، أنه "على مدى سنة كاملة من مناقشة القانون الإطار بالبرلمان، بما شهدته من نقاشات ساخنة وحادة، قلنا للوزارة إن مؤشراتكم ودراساتكم، هي عكس المسار الذي تمضون فيه".

وتابع أنهم "كانوا يصرون بكل وقاحة وبلادة على المضي في الاتجاه المعاكس، بما فيهم وزير التعليم السابق سعيد أمزازي، الذي قال إن التدريس بالفرنسية هو من أجل تحصيل الجودة في التدريس".

ولأن "القانون الإطار" لم يُطبق منه إلا ما تعلق بالفرنسة ولغة التدريس، دعا المقرئ الإدريسي، الوزارة الوصية على قطاع التعليم، إلى تطبيق باقي فصول القانون، ففيها أشياء كثيرة أخرى إيجابية.

ورأى المفكر المغربي، أن هذا التطبيق الانتقائي في تنزيل مواد القانون الإطار، هي "دليل على أن الهدف لم يكن إصلاح التعليم بل التمكين للفرنسية".

وأشار إلى أن "مواد القانون الإطار ليس فيها إطلاقا ما يشير إلى اللغة الفرنسية، بل تتحدث عن التناوب اللغوي واللغات الحية، لكن حين التطبيق، تم تأويل الأمر إلى اللغة الفرنسية".

وأكد المفكر المغربي، أن "ما وقع هو أنه تم ضرب اللغة العربية باللغات الأجنبية، ثم ذُبحت اللغات الأجنبية باللغة الفرنسية".

وخلص المقرئ الإدريسي، إلى أن "القانون الإطار تبخر الآن، كما تبخرت الإستراتيجية التي بُني عليها، وتبخر الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وتبخرت كل الأوراق والوثائق المتعلقة بمنظومة التربية والتكوين".

وزاد أن "النتائج كارثية، وستزداد كارثية سنة بعد أخرى، إن لم يتم إيقاف النزيف، الآن وبشكل مستعجل".