90 مليار دولار تجارة.. لماذا لا يتحرك الخليج لوقف عداء الهندوس للإسلام؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"حزب بهارتيا غاناتا يمكنه أن يتجاهل أميركا لو انتقدته، لكن لا يمكنه فعل الشيء نفسه مع دول الخليج"، هكذا لخصت مجلة "إيكونوميست" البريطانية في 9 يونيو/ حزيران 2022 حجم القوة التي تملكها دول الخليج لردع حكومة الهند المتطرفة بعد إساءتها لنبي الإسلام.

وعقب إطلاق مسؤولين في حزب بهارتيا جاناتا اليميني الحاكم في الهند، تصريحات مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، انتشرت دعوات شعبية على منصات التواصل الاجتماعي لردع نيودلهي اقتصاديا ودبلوماسيا، بينما اقتصرت المواقف الرسمية على بيانات اعتيادية.

وفي إطار ذلك، أزالت متاجر في عدة دول إسلامية كالكويت المنتجات الهندية، فيما اختلفت الجماهير بشأن ضرورة تسريح العمال الهندوس العاملين بدول الخليج ويقدر عددهم بالملايين، لكنها اتفقت على تخاذل دول مثل السعودية والإمارات.

غضب كبير

وأكدت "الإيكونوميست" أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي حاول نزع فتيل غضب المسلمين الخليجيين بإبعاد بعض المتطرفين من عضوية حزبه بعد إساءتهم للنبي محمد، لكن أنصاره واصلوا التحريض وقمعت شرطته المسلمين بعنف.

ونقلت عن الخبير "هابيمون جاكوب" من جامعة "جواهر لال نهرو" في نيودلهي قوله: "من الممكن تجاهل أميركا وحلفائها، لأن اعتراضاتهم عادة لا تتعدى الكلام، لكن عندما يتعلق الأمر بدول الخليج فنحن بحاجة إليهم أكثر مما هم بحاجة لنا".

وعندما انتقد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، تراجع الحرية الدينية في الهند، في 2 يونيو 2022، كان رد نيودلهي متحديا، لتنتقد تصريحاته، مؤكدة أنه على أميركا أن تلتفت إلى بيتها وتعيد ترتيبه.

لكن موجة الغضب بين المسلمين تحت شعار #إلا_رسول_الله_يا_مودي، وحملات مقاطعة لسلع الهند وطرد عمال هندوس، دفعت الهند لتراجع جزئي، وفق الإيكونوميست.

من جانبها، أكدت مجلة "تايم" الأميركية في 7 يونيو، أن التحرك الهندي لاسترضاء الخليج "مؤقت" وغرضه الالتفاف حول موجة الغضب الشعبي الإسلامي.

وأوضحت أن "هذه التحركات لن تفيد مسلمي الهند ولن توقف العداء ضدهم، لأن حكام الإمارات والسعودية متحالفون مع مودي ضد المسلمين".

وعقب إساءتهم للنبي محمد، أمسكت حكومة مودي العصا من الوسط، وعلقت عضوية المتحدثة باسم الحزب "نبور شارما"، وطردت المسؤولة الإعلامية للحزب في نيودلهي نافين جيندال.

بينما رفضت الخارجية الهندية الاعتذار عن الإساءات، بل وانتقدت بيان منظمة التعاون الإسلامي (57 دولة) ضد الهند، الذي عد أن "هذه الإساءات تأتي في سياق تصاعد حدة الكراهية والإساءة للإسلام في الهند وفي إطار الممارسات الممنهجة ضد المسلمين بها والتضييق عليهم".

ووصفت الوزارة الهندية بيان منظمة التعاون الإسلامي بأنه "ضيق الأفق" زاعمة أن نيودلهي "تولي أعلى درجات الاحترام لجميع الأديان".

كما استنكرت الخارجية الهندية في 6 يونيو، البيانات العربية والدولية الواسعة المنددة بالتصريحات المسيئة للنبي محمد، التي أدلى بها مسؤولون بالحزب الحاكم، وقالت إن الإدانات "لا مبرر لها".

بينما، زعم حزب بهارتيا جاناتا في بيان أنه "يحترم جميع الأديان ويعارض بشدة أي أيديولوجية تهين أو تحط من قدر أي طائفة أو دين".

وعلى الرغم من هذه البيانات، استمرت حملة قمع غير عادية للمتظاهرين المسلمين المنددين بالإساءات الهندوسية، كما تواصل التحريض الإعلامي الهنودسي ضد النبي.

وبلغ الأمر مراحل عدائية أكثر حين عرض إعلامي مقرب من مودي فيديو على التلفزيون الهندي يصور عملية قصف بالصواريخ للمسجد النبوي متمنيا أن يحدث ذلك بالتعاون مع إسرائيل.

وبثت قناة "سودارشان نيوز" التي يديرها المذيع المتطرف "سوريش شافانكه"  فيديو يتضمن رسومات مسيئة لقصف المسجد النبوي في المدينة المنورة بالصواريخ.

موقف متناقض

لم يؤد تراجع مودي التكتيكي، لتلافي حملات المقاطعة الخليجية ردا على الإساءة للنبي، إلى أي تغيير في سياسة الهند ضد المسلمين، أو تخفيف أو إنهاء حملة الاضطهاد ضدهم.

بل حدث العكس، وانتقمت الحكومة الهندوسية منهم على الطريقة الإسرائيلية بقمعهم بعنف واعتقال المئات منهم، وهدم منازل محتجين على الإساءة للنبي محمد.

وسلطت مجلة "التايم" في 7 يونيو، الضوء على رد فعل حكومة مودي المتناقض بين رسائله للداخل والخارج.

وقالت إنه يحاول استرضاء مسلمي الخارج والخليج بأنباء معاقبة من أساؤوا للنبي وطردهم من الحزب، بينما يستمر في نفس السياسات المعادية للمسلمين في الداخل.

وأوضحت المجلة في تقرير بعنوان "غضب العالم الإسلامي ضد الهند لن يحمي مسلمي البلاد"، أن استفادة مسلمي الهند من هذه الغضبة الإسلامية العالمية لن تدوم و"مؤقتة في أحسن الأحوال".

ونقلت عن الناشط في مجال الحقوق المدنية "هارش ماندر" أن مسلمي الهند، وعددهم 200 مليون نسمة، كانوا يأملون أن يدفع الغضب حكومة نيودلهي إلى معاملتهم بمزيد من الاحترام.

لكنه توقع أن "يخيب أمل المسلمين في الهند، لأن تراجع الحزب الهندوسي مؤقت لحفظ ماء الوجه في الخارج ولن يؤثر على الداخل، حيث يعاني المسلمون من تحريض وعنف مستمر ضدهم".

مع هذا عد الكاتب الأميركي المولود في الهند "ساداناند دوم" أن التطرف الهندوسي الذي نتجت عنه التصريحات المسيئة للنبي محمد لن يخدم الهند كأمة تربطها علاقات تجارية واقتصادية مهمة بدول الخليج والعالم الإسلامي ككل.

وتحدث في مقال بصحيفة "وول ستريت جورنال" في 9 يونيو، عن مخاطر التطرف الهندوسي المعادي للإسلام والمسلمين على صعود الهند كأمة، وعلى علاقاتها بالعالم الإسلامي، وبخاصة في الخليج العربي. 

وعد أن النزعة القومية الهندوسية الحادة المتزايدة لحزب بهاراتيا جاناتا أشعلت العداء الديني داخل البلاد، والآن تعقدت العلاقات خارج الحدود الهندية أيضا. 

وشدد "دوم" على أنه حتى لو لم يكن من النفاق أن ينتقد أنصار حزب “بهاراتيا جاناتا” معاقبة المسؤولين عن الإساءة للإسلام، فسيكون من الغباء أن يهين مسؤولو الحزب الحاكم الشخصيات الدينية الإسلامية الموقرة. 

وختم مقاله بالقول إنه قد يكره القوميون الهندوس المتشددون فكرة تملق الهند لقطر والسعودية، لكن رئيس الوزراء ناريندرا مودي يعرف ذلك أفضل من اختيار معركة لا يمكنه الفوز بها.

التحالف مع مودي

وعن مدى التحالف الرابط بين الخليج ومودي، أشارت مجلة "التايم" إلى أنه ليس من صالح حكام دول الخليج المعادين للتيارات الإسلامية الدخول في صراع مع الهند من أجل قضية الإساءة للنبي".

وقالت إن "هناك عاملا جديدا يحد من تأثير دول الخليج تحديدا على الهند، ويقلل من مخاوف نيودلهي من عواقب سياستها، وهو تغير سياسات بعض دول الخليج وتحديدا الإمارات والسعودية".

وذكرت أن "السعودية والإمارات اللتين كانتا تقليديا شديدتي الحساسية لأي إساءة للمسلمين، خاصة الرياض التي كانت تعد نفسها حاملة لواء الإسلام؛ لكونها بلد الحرمين الشريفين، تغيرتا ولم تعد الهند تخشى غضبهما من هذه القضايا".

وأوضحت أن "قادة الخليج الجدد، لا سيما السعوديين والإماراتيين، باتت لهم نظرة مختلفة إلى مودي، ويتفقون مع وجهة نظره بخصوص التعاطي مع الإسلام السياسي انطلاقا من الاعتبارات الأمنية".

ونقلت عن سفير غربي سابق في الإمارات لم تسمه أن "صناع القرار في أبو ظبي ونيودلهي يتشاركان آراء متطابقة عن الأولويات الأمنية، وفي ظل قيادة محمد بن زايد، تعد الإمارات التيارات الإسلامية، خصوصا الإخوان المسلمين، التهديد الأكبر لها".

ويمكن ملاحظة تأثير هذا التغير في مواقف حكام السعودية والإمارات من الحزب الهندوسي، من حقيقة أن مركز ثقل الاعتراض الخليجي الأخير على الإساءة الأخيرة للرسول الكريم انتقل إلى قطر والكويت وسلطنة عمان.

وكان لافتا في هذا الصدد ظهور دعوة هندية إلى مقاطعة الخطوط الجوية القطرية وليس طيران دولة أخرى، بسبب موقف الدوحة القوي، حيث دشن هندوس هاشتاج "مقاطعة الخطوط الجوية القطرية #BoycottQatarAirways الذي تضمن هجوما على الدوحة.

فقطر انتقدت الإساءات الهندية واستدعت سفير الهند للاحتجاج، وحذر مسؤول كبير في سفارة قطر بنيودلهي في 6 يونيو، حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي من عواقب اقتصادية.

وقال: "إيذاء مشاعرنا الدينية يمكنه أن يؤثر بشكل مباشر على العلاقات الاقتصادية"، مشيرا لتقارير عن مقاطعة بعض ملاك المتاجر في قطر للبضائع الهندية، بحسب صحيفة العربي الجديد في 6 يونيو.

"عصا" الاقتصاد

لذا توقعت مجلة "التايم" أنه "حالما تهدأ الأمور، ستكون تجارة الإمارات والسعودية مع الهند لها الأسبقية على الأخطار التي تهدد المسلمين الهنود".

وتعرف الدول الخليجية قوة الهند الاقتصادية المتنامية لذا لن ترغب في تعريض العلاقات معها للخطر، فالاستهداف المتزايد للمسلمين في الهند منذ تولي مودي الحكم قبل 8 سنوات، لم يثر يوما قلق أي دولة إسلامية، بحسب "التايم".

ونجح بعضها، مثل الإمارات والسعودية، في استمالة مودي وتعزيز العلاقات مع نيودلهي. 

ولكن هذه المرة، ربما اضطرت هذه الحكومات إلى إصدار بيانات منتقدة الإساءة للنبي محمد، تفاديا لأي مشكلات قد يثيرها "المحافظون المتدينون في الداخل" بحسب "التايم".

وتشعر الحكومات في الدول الإسلامية بالقلق من أن الغضب ضد الإساءة للرسول قد يتصاعد إلى نوع من الاضطرابات المزعزعة للاستقرار التي شوهدت في جميع أنحاء العالم الإسلامي من قبل.

ولتوضيح سر هذا العداء, تقول "التايم" إن حزب مودي يسعى لتقييد الديمقراطية في الهند، وله هدف معلن يتمثل في إعادة تشكيل البلاد كدولة هندوسية، وكان صعوده مدعوما بإستراتيجية حشد الناخبين الهندوس عبر مهاجمة الأقليات.

وعقب أزمة الإساءة للنبي محمد وحملات الغضب والمقاطعة الإسلامية، رصدت صحف بعضها هندية وتقارير لمراكز أبحاث خسائر الهند لو استمر هذا الغضب وتبنته حكومات الخليج كلها لا قطر والكويت فقط.

وأكدت أن السعودية بثقلها الاقتصادي والإمارات بعلاقتها الوثيقة مع الهند يمكنهما، مع بقية دول الخليج، الضغط على نيودلهي لوقف حملة اضطهاد مسلمي الهند، عبر توجيه رسالة حازمة بأن مصالحها الاقتصادية قد تضرر إذا استمرت هذه السياسة.

وأوضحت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن نحو ثلثي مواطني الهند في الخارج (8.9 ملايين من 13.6 مليون شخص) يعيشون في دول مجلس التعاون الخليجي الست.

ووفقا لمعهد سياسة الهجرة، وهو مركز أبحاث في واشنطن، استأثرت دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأخيرة بأكثر من نصف تحويلات الهنود في الخارج والبالغة 87 مليار دولار تقريبا.

ويبلغ حجم التجارة الثنائية للهند مع دول مجلس التعاون الخليجي 154 مليار دولار، وبلغ العجز التجاري الهندي مع هذه الدول نحو 67 مليار دولار، نتيجة اعتماد الهند على واردات النفط من الخليج، حسب موقع "انديا توداي" في 6 يونيو 2022.

وبلغ حجم التجارة الهندية مع دول مجلس التعاون الخليجي فقط نحو 90 مليار دولار في الفترة ما بين عامي 2020 و2021، بحسب وكالة "رويترز" البريطانية في 6 يونيو 2022.

وتمثل دول الخليج الست، البحرين والكويت وقطر وعُمان والسعودية والإمارات، وحدها 15 بالمئة من تجارة الهند العالمية، وتزودها بثلث احتياجاتها من الوقود.