قانون "الأمن الغذائي" يثير جدلا واسعا بالعراق.. يخفف الفقر أم يضاعف الفساد؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تحول مشروع قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي في العراق إلى ورقة ضغط بين القوى في ظل الانسداد السياسي الذي أخر انتخاب رئيس للبلاد وتشكيل الحكومة نحو سبعة أشهر.

وأجريت الانتخابات البرلمانية في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2022 لكن تستمر الخلافات منذ ذلك الحين بشأن المرشحين لمنصب الرئيس ورئيس الحكومة.

وفي 15 مايو/أيار 2022، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا، قرارا يقضي بإلغاء قانون الأمن الغذائي، لانتهاء صلاحية الحكومة برئاسة مصطفى الكاظمي وبقائها لتصريف الأعمال، وذلك بناء على دعوة أقامها النائب المستقل باسم الخشان ضد القانون.

وكانت حكومة الكاظمي قد قدمت مقترح قانون الأمن الغذائي بدعم من التحالف الثلاثي بالبرلمان، بتخصيص نحو (24.1 مليار دولار)، يمكّن من خلالها أن تسيّر الحكومة أعمالها، إلا أن الإطار التنسيقي الشيعي، اعترض عليه.

ويرى المؤيدون للقانون، أنه يحقق الأمن الغذائي للبلاد، ويخفف من حدة الفقر، في ظل الظروف الدولية والحروب الجارية بالمنطقة والعالم، كما يسهل تقديم الخدمات للمواطنين، والحفاظ على مستواهم المعيشي.

لكن في المقابل، تذهب القوى النيابية المعارضة، إلى أن القانون قد يشكل وسيلة جديدة للفساد في العراق، إضافة إلى هدره الأموال، كما أنه قد يكون ذريعة للقوى المهيمنة على البرلمان، لتجاهل قانون الموازنة.

جدل سياسي

لكن زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، دعا البرلمان في 28 مايو، إلى إقرار قانون الأمن الغذائي، وذلك بعد تمرير القوى السياسية بالإجماع قانون "تجريم التطبيع" مع إسرائيل.

وقال الصدر في بيان له: "بعد أن من الله علينا بإقرار قانون (تجريم التطبيع) صار لزاما على مجلس النواب المحترم إقرار قانون خدمي ينفع الشعب بصورة مباشرة، ألا وهو (قانون الأمن الغذائي) ومن دون مزايدات حزبية وطائفية أو قومية وإبعاده عن شبح الفاسدين".

وأضاف: "أملنا بالله وبكم وبالبرلمان العراقي الذي أثبت قدرته على الإقرار بالرغم من عقبات الأحزاب وعرقلات الدعاوى القضائية لقوانين نافعة، وأخص منهم تحالف إنقاذ وطن والكتل الوطنية الأخرى".

وردا على ذلك، قال عارف الحمامي النائب في الإطار التنسيقي الذي يعارض قانون الأمن الغذائي، إن "التحالف الثلاثي (التيار الصدري، تحالف السيادة السني، الحزب الديمقراطي الكردستاني)، لا يريد تمرير هذا القانون وفق الأغلبية البرلمانية التي يمتلكها".

وأردف أنه "يريد تمرير القانون بالتوافق، وخصوصا مع قوى الإطار التنسيقي، حتى يحصل على ضمانات من عدم الطعن به أمام المحكمة الاتحادية العليا، كما حصل مع القانون المشابه له المقدم من قبل حكومة الكاظمي".

وأضاف النائب خلال تصريحات صحفية في 30 مايو أن "هناك اعتراضا كبيرا على تمرير قانون الأمن الغذائي، ليس من قبل قوى الإطار التنسيقي فقط، بل من قبل قوى أخرى، إضافة إلى النواب المستقلين، بعد الكشف عن إمكانية تعرض المال العام للسرقة والتلاعب في حال إقراره، خصوصا مع ظل حكومة تصريف الأعمال اليومية".

وأعلنت الحكومة العراقية مطلع مايو عن نقص حاد في مخازن القمح والمواد الغذائية بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، وعجزها عن استيراد مواد جديدة، لعدم وجود سيولة مالية، نتيجة تأخر إقرار الموازنة، وكذلك إلغاء قانون الأمن الغذائي.

وفي هذا الصدد، قال الناشط العراقي حيدر الخفاجي على "تويتر" في الأول من يونيو/حزيران 2022، إن "مربط الفرس، هو أن قسما ممن يعارضون إقرار قانون الأمن الغذائي والتنمية يهدفون إلى إدامة عجز الحكومة الحالية ماليا لإفقار الشعب واستخدامه في الضغط على القوى الرافضة للمحاصصة من أجل القبول بالتوافق".

وعلى نحو مماثل، غرّد الناشط حميد الحجيلي على "تويتر" أنه "حسب تقديري فإن الهجوم الإعلامي من قبل الإطار التنسيقي على قانون الأمن الغذائي ليس حرصا على المال العام من الفساد كما يدعون ذلك. وإنما نكايه بالتيار الصدري وحلفائه كونهم الداعمين له".

دوافع الرفض

وعن الأسباب، قال  المحلل السياسي أحمد الشريفي في 30 مايو 2022 لصحيفة "العالم الجديد" العراقية إن "اعتراض قوى الإطار التنسيقي ومن معها من حلفاء على قانون الأمن الغذائي، اعتراض سياسي، وليس فنيا على أصل القانون".

ولفت إلى أن "قوى الإطار التنسيقي تخشى أن يهدف هذا القانون، إلى إطالة عمر حكومة الكاظمي، خصوصا مع بقاء الانسداد السياسي دون حلول وقطع كافة الحوارات والمفاوضات بين الأطراف الشيعية".

ولهذا فإن تلك القوى تريد قطع الطريق أمام بقاء الكاظمي من خلال رفض هذا القانون، وفق قوله.

ونوه الشريفي إلى أن "قطع الطريق أمام بقاء حكومة الكاظمي من قبل الإطار سيدفع قوى التحالف الثلاثي إلى الرجوع لطاولة الحوار والتفاوض من جديد، وهذا ما تريده بصراحة قوى الإطار".

لذلك، فهي ستقف بالطرق السياسية والقانونية ضد القانون لقطع أي طريق يهدف إلى بقاء حكومة الكاظمي لفترة أطول بعد توفير لها مخصصات مالية كبيرة، بحسب تقديره.

وعلى الصعيد ذاته، رجح رئيس مركز التفكير السياسي العراقي إحسان الشمري، أن "يكون قرار المحكمة الاتحادية إزاء مشروع قانون الأمن الغذائي، لغرض تحفيز القوى السياسية على الإسراع في الاتفاق على تسمية رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات".

وذكر الشمري خلال تصريحات صحفية لوكالة "شفق نيوز" العراقية في 16 مايو أن "القوى السياسية كافة، ستتحمل تبعات ما سيحدث نتيجة عدم إقرار قانون الموازنة الاتحادية".

وعلى نحو مماثل، توقع المحلل السياسي مناف الموسوي، خروج المواطنين بتظاهرات كبيرة جراء التبعات الاقتصادية الكبيرة التي ستضر بهم، نتيجة تأخر إقرار الموازنة الاتحادية لسنة 2022، وعدم إمكانية تمرير قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية.

وأوضح الموسوي، خلال تصريحات لوكالة "كل الأخبار" العراقية في 16 مايو أن "مشروع القانون الملغى كان محاولة لإيجاد مخرج لمشكلة اقتصادية ضمن مجموعة من المشكلات التي تعاني منها البلاد".

ومن بينها عدم وجود مخزون إستراتيجي للحنطة والمواد الغذائية الأساسية، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على المستويين العراقي والعالمي.

ولفت إلى أن "تدخل المحكمة الاتحادية بهذا الشكل، ووسط الضغوط الكبيرة سواء على البرلمان أو الحكومة، قد يؤدي إلى نتائج سلبية، أبرزها خروج المواطنين بتظاهرات كبيرة".

وقد يشكل ذلك ضغطا آخر حيث سيصعب التعامل معهم (المتظاهرين) والأمر ينسحب كذلك على المحكمة الاتحادية التي قد تعجز عن إيجاد المخارج اللازمة إن تفاقمت أكثر، كما قال.

"عنق الزجاجة"

وفي المقابل، رأى المحلل السياسي العراقي يوسف السوداني أن "الحكومة الحالية، برئاسة الكاظمي، تتحمل مسؤولية الأزمة، فقد كان يفترض بها أن تتدارك الموضوع، وتعالج الأزمة الغذائية، التي تعاني منها البلاد، بوقت مبكر".

وأضاف السوداني خلال تصريحات صحفية لموقع "الحل نت" في 25 مايو أن "الصلاحيات القانونية والدستورية لحكومة تصريف الأعمال هي تسيير الأمور اليومية للمواطنين فقط، ولا تملك صلاحية إرسال القوانين للبرلمان العراقي".

وتابع: "نحن الآن أمام مأزق حقيقي واضح لا يمكن الجدال فيه، يهدد أمن العراق الغذائي، وبالتالي حياة المواطنين".

لذلك فإن على الجميع، حتى الكتل السياسية المعترضة على مشروع قانون الأمن الغذائي، أن تحاول الخروج من عنق الزجاجة، وفق تقديره.

وأكد السوداني أن "الخروج من هذه المعضلة يمكن أن يكون بتبني مقترح قانون جديد للأمن الغذائي، يجري من خلاله تقليل النفقات، على اعتبار أن الكتل السياسية، المعترضة على تشريع القانون، كانت لديها ملاحظات على السقف المالي، الذي حددته حكومة تصريف الأعمال".

وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي محمد كريم الساعدي إن "قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي سيمرر من قبل التحالف الثلاثي فقط"، لافتا إلى أن "هناك رفض كبير لتمرير هذا القانون لما له من أضرار اقتصادية كبيرة".

ولفت الساعدي خلال تصريحات لوكالة "المعلومة" العراقية في 13 مايو إلى أن "التحالف الثلاثي يمتلك اغلبية داخل مجلس النواب لها القدرة على تمرير أي مشروع قانون بالأغلبية البسيطة، حيث باستطاعته تمرير قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي بتحقيق 166 نائبا".

ووصف المحلل السياسي القانون المذكور بأنه "يمثل مؤامرة على واردات العراق وأمواله بصورة قانونية بحيث تجري سرقة تلك الأموال من دون أي رقيب أو حسيب وبشكل شرعي".

وشدد على أن "تشريع الموازنة وتخصيص مبالغ كبيرة فيها للدعم الغذائي أفضل بكثير من تشريع قانون أشبه بالموازنة".

لكنه مخصص للأمن الغذائي، الذي هو في حقيقة الأمر سرقة كبيرة لأموال العراق خصوصا بعد ما تحقق من إيرادات نفطية جراء ارتفاع الأسعار، بحسب قوله.