عينها على المسيرات.. ما علاقة إسرائيل باغتيال ضابط إيراني بارز في طهران؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في ظل احتجاجات متصاعدة تشهدها معظم مدن إيران منذ أسابيع نتيجة للأوضاع الاقتصادية المتردية، أعلنت السلطات الأمنية في 22 مايو/ أيار 2022 اغتيال ضابط كبير في الحرس الثوري برصاص مجهولين قرب منزله في العاصمة طهران.

ونقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية عن مصدر مطلع لم تسمه، أن "المغدور هو العقيد صياد خدايي، وكان أحد المدافعين عن الأضرحة"، في إشارة إلى أفراد الحرس الثوري الذين يقاتلون إلى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد.

وتعد هذه الواقعة أبرز هجوم يستهدف شخصية إيرانية على أراضيها منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حين قتل عراب البرنامج النووي الإيراني العالم محسن فخري زاده بإطلاق نار استهدف موكبه قرب العاصمة، في عملية اتهمت طهران إسرائيل بتنفيذها.

كما يأتي عقب إعلان الحرس الثوري الإيراني منتصف مارس/ آذار 2022، استهداف ما قال إنها "مراكز إستراتيجية" إسرائيلية تعمل بشكل سري انطلاقا من أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق.

هذا التسلسل في الأحداث والتصريحات أثار العديد من التساؤلات، لا سيما عن دلالات الواقعة وعلاقاتها بالكيان الإسرائيلي.

"ثأر حتمي"

وأفادت وسائل إعلام إيرانية، في 22 مايو، بأن المسلحين كانا يستقلان دراجة نارية وأطلقا 5 رصاصات على العقيد خدايي أثناء دخوله منزله، ما أدى إلى وفاته على الفور، في حين بدأت قوات الأمن حملة واسعة للبحث عن المهاجمين.

وعقب الحادثة، توعد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بالثأر للضابط في الحرس الثوري الإيراني صياد خدايي، مؤكدا أن ذلك "أمر حتمي".

وقال رئيسي في تصريحات قبيل مغادرته إلى سلطنة عمان، في 23 مايو، "أؤكد على الملاحقة الجادة لمرتكبي هذه الجريمة من قبل المسؤولين الأمنيين، وليس لدي شك في أن الانتقام لدماء هذا الشهيد العظيم من أيدي المجرمين أمر حتمي".

من جهتها، قالت وزارة الخارجية الإيرانية إن اغتيال العقيد خدايي لن يمنع طهران من تحقيق أهدافها، مؤكدة أن "العملية إرهابية ويتحمل مسؤوليتها عناصر مرتبطون بالاستكبار العالمي"، وفق وصفها.

في السياق ذاته، نقلت فضائية الجزيرة القطرية عن مسؤول إيراني مطلع لم تسمه في 22 مايو/ أيار 2022، أن اغتيال خدايي يشكل تجاوزا متهورا للخطوط الحمراء، مؤكدا أن ذلك سيؤدي إلى تغييرات جوهرية في معادلة الصراع.

وأشار المسؤول الإيراني إلى أن الجهة التي تقف خلف اغتيال العقيد بالحرس الثوري ستدفع ثمنا باهظا.

وبالتزامن مع هذه الحادثة، قال الحرس الثوري الإيراني في بيان، إنه فكك خلية على صلة بإسرائيل وجهاز الموساد وألقى القبض على عناصرها، موضحا أن ما سماه "جهاز استخبارات في الكيان الصهيوني" قام بتوجيه هذه الخلية للقيام بأعمال خطف وتخريب.

وكان المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني العميد رمضان شريف قال في 22 مايو، إن "إيران سترد بشكل حازم ومدمر إذا ثبت ارتكاب إسرائيل أي عمل شرير ضدها في أي مكان"، حسب تعبيره.

وأضاف شريف في كلمة، أن إسرائيل أعلنت رسميا أنها ستهاجم المصالح الإيرانية، وأنها تواصل كشف مقراتنا الحيوية واغتيال شخصياتنا، مشددا على أن إيران لن تقبل بوجود أي مقر إسرائيلي قرب أراضيها، وستعمل للحفاظ على أمنها ومصالحها القومية.

إسرائيل متهمة

وتعليقا على الواقعة، رأى الكاتب الصحفي السوري أحمد موفق زيدان، أن "الاستهدافات التي تتعرض لها القوات الإيرانية وسط طهران، تنسف تماما الرواية السمجة التي سعت طهران لتسويقها داخليا وخارجيا، وهي أن الخطر عليها وعلى ثورتها إنما هو من الخارج".

وتابع: "ليكتشف الجميع اليوم أن الخطر الحقيقي داخلي ولا علاقة له بهذه الدول التي تم استباحتها ودمرتها على مدى سنوات طويلة، ومعه لا تزال تدفع ثمن مغامراتها ومقامراتها، لتكتشف لاحقا أنها كانت أداة من أدوات ذاك الاستكبار العالمي الذي تتهمه باستهدافها".

وأضاف الكاتب في مقال نشرته صحيفة "عربي21" اللندنية، في 23 مايو: "لا يزال الكل يتذكر كشف الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد عن أن مسؤول مكافحة التجسس الإسرائيلي في وزارة المخابرات الإيرانية كان نفسه مجندا من قبل الموساد".

وأردف: "اللافت أنه بعد كل هذه الاختراقات الأمنية الخطيرة وعلى رأسها سرقة الملف النووي كاملا، بمشاركة عشرين جاسوسا إيرانيا يعملون لصالح الموساد وليس فيهم إسرائيلي واحد، يكشف مدى الخطر الداخلي الذي هدد ويهدد إيران، ومع هذا لم يتم التحقيق فيه بشكل علني، ولم يكشف عن تفاصيل السرقة، ولم تطل أية رؤوس أو يقدم أحد استقالته ولو من باب ذرّ الرماد في العيون".

وأشار زيدان إلى أن "انتفاضة الجياع الأخيرة في إيران، صعدت من شعاراتها التي تظهر أن انشغالات الشعب الإيراني محلية، ولا علاقة له بتمددات خارجية، فهو لا يريد مزيدا من التدخل في قضايا عربية وغيرها، كون هذا التدخل يؤثر بشكل مباشر على عيشه واقتصاده، لكن حكومة الملالي لا تزال تحرث في البحر، ولا تزال تظن أن اللعب مع الكبار يفرض عليها حروبا كبيرة لا بد أن تخوضها من أجل التعملق الوهمي".

وعلى الصعيد ذاته، قال الباحث العراقي المختص بالشأن الإيراني فراس إلياس، إن "إسرائيل وضعت العقيد في فيلق القدس صياد خدايي على قائمة الاستهداف في سوريا، بسبب ضلوعه في تطوير برامج الطائرات المسيرة التي أطلق بعضها إلى إسرائيل في الفترة الماضية".

وتابع الباحث خلال بتغريدة على "تويتر" في 22 مايو، أنه "وعلى أثر ذلك أعادته إيران إلى طهران حفاظا عليه، إلا أنه على ما يبدو أن الموساد كان مصمما على اغتياله بأي طريقة".

حرب الظلال

وحظيت عملية اغتيال الضابط الإيراني بتغطية إعلامية إسرائيلية واسعة، حيث كتب الخبير العسكري "يوسي يهوشاع" أن "قائمة الاتهامات التي حضرها جهاز الموساد ضد خدايي طويلة، فكان مسؤولا عن التخطيط لعمليات استهدفت مواقع إسرائيلية ويهودية حول العالم تم إحباطها في اللحظات الأخيرة، بما فيها في قبرص وكولومبيا وكينيا وتركيا".

"فضلا عن محاولة إغواء كبار الإسرائيليين، وكان جزءا من وحدة هجوم فيلق القدس، وحاول اغتيال القنصل الاسرائيلي في إسطنبول بتركيا قبل أشهر قليلة"، يضيف يهوشاع في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 23 مايو.

وتابع أن "هذا الاغتيال جاء بعد عامين من اغتيال الأميركيين قاسم سليماني، واغتيال العالم النووي محسن فخري زاده المنسوب للموساد، ما كان بمثابة ضربة قاسية للبرنامج النووي الإيراني، ومنذ ذلك الحين تواجه إيران صعوبات في العثور على خليفة مناسب له".

وأوضح الخبير الإسرائيلي أنه "رغم أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أوضحت لإسرائيل أنها لن تقبل مثل هذه الأعمال، المقصود بها الاغتيالات، في مرحلة التفاوض مع الإيرانيين بشأن الاتفاق النووي، لكن من الواضح أن الخطة الإسرائيلية ماضية".

وفي نفس الاتجاه، أشار المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل، إلى أن "معظم الاغتيالات المنسوبة إلى إسرائيل في إيران نفذت ضد خبراء متورطين في تطوير برنامج إيران النووي"، مؤكدا أن اغتيال "العقل المدبر لعمليات إرهابية ضد أهداف إسرائيلية هو خطوة إلى الأمام في أسلوب العمل المنسوب لإسرائيل ضد إيران".

وأضاف هرئيل في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية، "إذا تبين فعلا أن إسرائيل تقف وراء عملية الاغتيال، فإن ذلك يشكل تعبيرا آخر عن التغيير في الإستراتيجية الإسرائيلية لمواجهة إيران، التي أعلن عنها رئيس الحكومة نفتالي بينيت، خلال الأشهر الأخيرة.

ولفت هرئيل إلى أن "التغيير الأساسي، بحسب بينيت، هو التركيز على استهداف رأس الأخطبوط، في إيران بدلا من المجموعات التي تعمل كمنظمات تابعة لها في المنطقة. وذلك لحمل النظام الإيراني على إعادة النظر في هجماته".

وأوضح أن خدايي "كان شخصية رئيسية في التخطيط لهجمات إرهابية ضد أهداف إسرائيلية في الخارج، وكان أيضا وراء سلسلة من المحاولات لاستهداف رجال أعمال ودبلوماسيين إسرائيليين في الأشهر الأخيرة حول العالم".

وربط بين خدايي والخلية التي تم الكشف عنها في أبريل/ نيسان 2022 في تركيا، والتي خططت لاستهداف "مسؤول كبير في القنصلية الإسرائيلية في إسطنبول".

وختم المحلل العسكري بأن "خدايي وقف أيضا وراء محاولات استهداف رجل الأعمال تيدي ساغي في قبرص، ورجال أعمال إسرائيليين آخرين في إفريقيا وأميركا الجنوبية وتركيا".

وعلى نحو مماثل، أوضح الخبير العسكري الإسرائيلي يوآف ليمور، في مقال له نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، أن "تصفية مسؤول الحرس الثوري في طهران، استمرار لحرب الظلال بين إسرائيل وإيران".

وأفاد بأن "إسرائيل اتهمت في الماضي بالتصفيات، وفي الحالة الراهنة سيعثر على الدراجة المتروكة، لكن آثار مطلقي النار ستختفي، فطبيعة العمليات من هذا النوع، تتضمن حرصا زائدا على كل التفاصيل، لضمان إنقاذ المصفين، ولكن بقدر لا يقل عن ذلك، لأجل منع إمكانية الربط مع الجهة التي طلبت منهم تنفيذ العملية".

ورأى الخبير أن "عملية كهذه تستوجب قدرة استخبارية استثنائية في الدولة الهدف، وهي تتضمن بناء ملف عن هدف العملية؛ من التفاصيل الشخصية، وشكل السلوك وأماكن السكن والعمل، وحتى مشاركته في أعمال معادية، وعلى فرض أن إسرائيل تقف بالفعل خلف العملية، تمر التصفية عبر مرشح طويل من الأذون داخل الموساد والقيادة السياسية، كما أن للتوقيت وزنا أيضا، وتؤخذ بالحسبان الظروف السياسية".

وبخلاف التصفيات السابقة التي نفذت داخل إيران، رأى ليمور أنه "لم يكن الهدف هذه المرة مرتبطا بالبرنامج النووي الإيراني، بل بفيلق القدس المسؤول عن تصدير الثورة الإيرانية"، مرجحا أن يكون خدايي قد شارك في "تهريب السلاح لحزب الله والميليشيات الإيرانية في سوريا، وكذا بمحاولات التموضع الإيراني في الدولة وعلى الحدود مع إسرائيل".