تحذيرات مغربية من "هستيريا" في التطبيع مع إسرائيل.. ما الجديد؟

12

طباعة

مشاركة

تصاعدت وتيرة التطبيع بين المغرب وإسرائيل منذ تعيين حكومة عزيز أخنوش في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عبر توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية  المشتركة.

كما جرى تنظيم زيارات لوفود إسرائيلية من رجال أعمال وحاخامات وصحافيين إلى محافظات مغربية، إضافة لإعلان شركات إسرائيلية عزمها ضخ استثمارات كبرى بالمغرب في مجالات الفلاحة والتجارة والطيران المدني.

تطبيع العلاقات بشكل رسمي بين البلدين، جاء بعد توقيع "الإعلان الثلاثي المشترك" بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020 بالعاصمة الرباط.

وهو الإعلان الذي حصل بموجبه المغرب، على اعتراف من إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بـ "السيادة المغربية على كامل إقليم الصحراء"، ودعم مقترح الرباط للحكم الذاتي هناك، وهو ما لم يؤيده المجتمع الدولي.

اتفاقات متواترة

مباشرة بعد حصولها على ثقة البرلمان المغربي في 13 أكتوبر 2021، أقرت حكومة عزيز أخنوش خلال اجتماعها بعدها بثلاثة أيام، اتفاقيتين مع إسرائيل، الأولى بشأن الخدمات الجوية، والثانية حول التعاون في مجال الثقافة والرياضة.

وفي 31 يناير/كانون الثاني 2022، أحال عزيز أخنوش إلى مكتب مجلس النواب، مشروع قانون يهم الاتفاق بشأن الخدمات الجوية بين المغرب وإسرائيل.

وحسب موقع مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان المغربي)، شرعت لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمون بالخارج، في مدارسة مشروع القانون، بعدما وصل إليها في الثاني من فبراير/شباط 2022.

وبهذا تكون أول اتفاقية بين المغرب وإسرائيل تحال على البرلمان، من أجل التصديق عليها.

ويحال مشروع القانون، عقب تصديق الحكومة عليه، إلى غرفتي البرلمان (النواب والمستشارين) للتصويت، وفي حال التصديق، ينشر في الجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ.‎

وفي 21 فبراير 2022 وقع وزير الصناعة والتجارة المغربي رياض مزور ووزيرة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية أورنا باربيفاي، بالرباط، اتفاقا للتعاون الاقتصادي.

وهي الاتفاقية التي صدقت عليها الحكومة المغربية، في 17 مارس/آذار 2022، وتهدف لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، مثل قطاع الصناعة الغذائية والأدوية والزراعة والفلاحة، والنسيج وصناعة السيارات والطيران.

كما أجرت أورنا باربيفاي، خلال زيارتها الرسمية للمغرب مباحثات مع وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي، حول تعزيز التعاون الاقتصادي والمالي، والتقت أيضا بوزير الشغل المغربي يونس السكوري.

بعد حوالي شهر من تعيين حكومة عزيز أخنوش، أجرى وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس زيارة رسمية هي الأولى من نوعها للمغرب من 23 إلى 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وخلال هذه الزيارة، وقع الوزير المكلف بإدارة الدفاع بالمغرب عبد اللطيف لوديي، مع غانتس مذكرة تفاهم في مجال الدفاع، تشمل تبادل التجارب والخبرات، ونقل التكنولوجيا، والتكوين، وكذا التعاون في مجال الصناعة الدفاعية.

ويحدد هذا الاتفاق غير المسبوق بالمنطقة، حسب وكالة الأنباء الفرنسية، التعاون الأمني بين البلدين بمختلف أشكاله في مواجهة التهديدات والتحديات التي تعرفها المنطقة.

كما سيتيح للمغرب اقتناء معدات أمنية إسرائيلية عالية التكنولوجيا بسهولة، إضافة إلى التعاون في التخطيط العملياتي والبحث والتطوير. 

وفي 13 مارس 2022، جرى تدشين أول رحلة جوية مباشرة للخطوط الملكية المغربية قادمة من الدار البيضاء إلى تل أبيب.

وحطت الرحلة بمطار بن غوريون الدولي بتل أبيب وكانت محملة بمجموعة من رجال الأعمال يمثلون الاتحاد العام لمقاولات المغرب (غير حكومية) ويتوزعون على قطاعات اقتصادية متنوعة.

وبعد يوم واحد من تدشين خط مباشر بين الدار البيضاء وسط المغرب وتل أبيب، وقعت شركة الطيران الإسرائيلية "إل عال" اتفاقية الرمز المشترك مع الخطوط الملكية المغربية، في  14 مارس 2022.

وفي 15 مارس 2022، انطلق أول منتدى اقتصادي إسرائيلي-مغربي في تل أبيب بمشاركة 250 رجل أعمال. 

كما جرى التوقيع في 23 مارس 2022 بالرباط، على مذكرة تفاهم للتعاون المشترك في مجال الطيران المدني بين المغرب وإسرائيل.

وذكرت صفحة "إسرائيل بالعربية" على تويتر، أن المذكرة وقعها عن الجانب الإسرائيلي عمير بيريتس وزير الجيش السابق الذي يشغل حاليا رئيس مجلس إدارة الصناعات الجوية، وعن المغرب وزير التجارة والصناعة رياض مزور.

هستيريا التطبيع

وأمام تسارع هذه الوتيرة بين الرباط وتل أبيب، اعتبر الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، عزيز هناوي، أن المملكة أصبحت أمام "هستيريا".

وأضاف هناوي، في حديث لـ"الاستقلال" أنه "جرى تجاوز التطبيع الكلاسيكي إلى محاولة إلحاق المغرب دولة ومجتمعا بالعجلة الصهيونية بهدف أن يصبح الأمن القومي والوحدة الترابية والنسق الاجتماعي مرتبطا بتل أبيب".

وأردف أن التطبيع والاختراق الصهيوني لا يسيء فقط للقضية الفلسطينية، بل يهدد أيضا النسيج المجتمعي المغربي ويهدد استقرار وأمن الدولة.

وأفاد هناوي، أن علاقات التطبيع بين المغرب وإسرائيل ليست جديدة بل تمتد لسنوات عديدة، لكن الجديد أنه في الماضي كانت تجري سرا، أما اليوم فيعلن عنها بشكل فاضح.

ونبه إلى أن التطبيع يستهدف النسيج الاجتماعي المغربي، حيث ركز في بدايته الأولى على اختراق المكون اليهودي العبري في المملكة.

 وهو ما نجح فيه من خلال تهجير يهود من المغرب والزج بهم في الكيان الصهيوني قبل خمسين عاما من الآن. 

وتابع أن الموجة الجديدة من التطبيع هي ما يعرف باختراق النسيج الاجتماعي على المستوى الإثني والعرقي، مبينا أن "هذا الأمر يجري أيضا على المستوى العربي".

وفي المغرب، أكد هناوي، أن محاولات الاختراق الصهيوني للنسيج المجتمعي تجري عبر المكون الثقافي تحت عنوان أن "المغاربة الأمازيغ لا علاقة لهم بفلسطين، بل علاقتهم مع إسرائيل باعتبار أن المكون اليهودي الذي هجر إلى إسرائيل هو أمازيغي".

وأشار إلى أن المشروع الصهيوني يحاول من خلال هذه الأسطوانة "مغربة الصهاينة من أصل مغربي ليصبحوا جالية مقيمة بإسرائيل، وصهينة المغاربة تحت عنوان أن الأمازيغ لا علاقة لهم بفلسطين أو بالعرب أو حتى بالإسلام".   

الاختراق الإسرائيلي للنسيج الاقتصادي للمغرب لم يقتصر على الجانب الرسمي عبر توقيع اتفاقيات وعقد لقاءات مع مسؤولين مغاربة.

بل شمل أيضا دخول شركات إسرائيلية للاستثمار في السوق المحلية، حيث استحوذت شركة إسرائيلية على أسهم شركة مغربية تعمل في مجال الطاقة.

وكشف رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب  دافيد غوفرين، عن التوقيع على صفقة ضخمة، يجري من خلالها اقتناء 30 بالمئة من أسهم الشركة المغربية Gaia Energy من طرف الشركة الإسرائيلية  Marom Energy.

وأضاف غوفرين، عبر تغريدة على تويتر، أن هذه العملية سابقة في المجال، مضيفا أن الصفقة ستمكن الشركة المغربية من استثمار 1.2 مليار دولار في مجال الطاقة المتجددة.

والشركة المغربية التي يقع مقرها بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، مختصة في قطاع الطاقة المتجددة، حيث تقدم حلولا تقنية للطاقة المستدامة، سواء تعلق الأمر بالطاقة الريحية أو الشمسية والمائية.

واعتبر المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أن استيلاء شركة إسرائيلية على 30 بالمئة من أسهم شركة مغربية "خطوة جد خطيرة لاختراق السيادة الطاقية الوطنية".

وتساءل المرصد في بيان نشره عبر صفحته في فيسبوك، "كيف للمغاربة أن يطمئنوا إلى السيادة الطاقية الوطنية، ثم كيف ستتعامل دول المغرب العربي وشعوبها مع فروع الشركة "المغربية الصهيونية" (بعد الصفقة) في مشاريعها القائمة أو المستقبلية خاصة في الجزائر وتونس التي تعلن رسميا وشعبيا رفض التطبيع".

حضور مشؤوم

التغلغل الإسرائيلي في الرباط امتد أيضا إلى المجالين الديني والإعلامي، فقد زار وفد إسرائيلي برئاسة الحاخام اليهودي الأكبر أبراهام كولن، مدينة تيزنيت (جنوب المغرب)، في 10 مارس/آذار 2022.

وحظي الوفد خلال الزيارة باستقبال مسؤولين إقليميين ومنتخبين، على رأسهم عامل المدينة (المحافظ) ورئيس المجلس العلمي المحلي  (مؤسسة دينية حكومية تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية). 

هذه الزيارة استنكرتها شبكة جمعيات أكادير (منظمات غير حكومية)، معتبرة "هذا الحضور المشؤوم للصهاينة تدنيسا لأرض سوس (منطقة تقع فيها مدينة تيزنيت التي زارها الوفد الإسرائيلي)، أرض العلم والعلماء والمجاهدين عبر التاريخ".

ووصفت الشبكة "الدولة الصهيونية بأنها إرهابية بكل المقاييس في حق الفلسطينيين وأرض فلسطين"، معلنة التأييد المطلق للشعب الفلسطيني في نضاله المستميت من أجل التحرير والحرية والحق في العودة إلى أرضه المغتصبة.

وفد إسرائيلي آخر، شارك في 17 مارس 2022 في فعاليات الملتقى الوطني الأول للصحافة والإعلام والمجتمع المدني للترافع عن القضايا الوطنية بمدينة فاس (وسط المغرب)، الذي نظمه المجلس البلدي لمدينة فاس بتنسيق مع جمعيات مدنية.

وهو الأمر الذي لقي استنكارا واستهجانا من قبل حزب العدالة والتنمية (معارض)، لـ"حالة الهرولة إلى التطبيع التي أصابت رئيس مجلس مدينة فاس وبعض أعضاء مكتبه، في إساءة واضحة للعاصمة الروحية للمملكة".

ونبه حزب العدالة والتنمية، في بيان له، إلى "مخاطر مسار التطبيع على مدينة فاس العالمة وساكنتها ونسيجها الثقافي والاجتماعي والسياسي".

وفي مدينة مراكش (جنوب المغرب)، أعلن محمد الإدريسي النائب الأول لعمدة مراكش، عن "استقبال 23 صحفيا وإعلاميا من إسرائيل في 7 مارس 2022، من أجل تسويق المدينة والتعريف بتاريخها المتجذر الأصيل".

وأضاف الإدريسي، في تدوينة عبر فيسبوك، أنه استقبل أيضا في 10 مارس 2022، "مجموعة من المهندسين وعمداء إضافة لمنتخبين من إسرائيل، بقصد تبادل التجارب والخبرات للنهوض باقتصاد مدينة مراكش وجلب استثمارات مهمة لخلق فرص شغل في جميع القطاعات".

الإعلامي والباحث في العلوم السياسية عبد الصمد بنعباد، وصف تسارع وتيرة التطبيع بين المغرب وإسرائيل بـ"الهرولة نحو الصهينة".

وأوضح بنعباد في حديث لـ"الاستقلال"، أن ما نراه على الأرض بخصوص الزيارات الإسرائيلية للمغرب، ووضع الحقلين الاقتصادي والثقافي بين يدي الإسرائيليين، تجاوز "التطبيع" كما هو متضمن أو مفهوم من الإعلان الثلاثي لنصبح أمام عملية "صهينة" تامة.

وتابع أن ما يجري على الأرض الآن، هو عملية مسارعة في الصهينة، حيث تمنح الامتيازات للإسرائيليين وتفتح لهم الشركات للمساهمة في رأسمالها وتعقد معهم شراكات اقتصادية.

ونبه بنعباد، إلى أن ما يجري اليوم، تجاوز الاقتصاد والثقافة والإعلام، ليهدد تماسك ووحدة المجتمع المغربي. 

وفي ظل تصاعد وتيرة الاختراق الإسرائيلي للنسيج الاجتماعي، يبقى المعول عليه لمواجهة هذا التغول، حسب عزيز هناوي الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، هو المجتمع الشعبي.

وأوضح هناوي، أنه "إذا كانت الدولة اتخذت قرارا لا ديمقراطيا ولا شعبيا للتطبيع مع الكيان فإن مواجهة هذه الموجة الجديدة تقع على عاتق الشعب وقواه المدنية الحرة ووسائل الإعلام والمثقفين والأحزاب السياسية والنقابات لرصد التحركات والاختراقات والتصدي لها ومواجهتها". 

وأضاف أن المعركة الحالية شعبية باعتبار أن جدار الصد الرسمي الذي كان ينفي أي علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني جرى هدمه، منبها إلى أن هناك من سيحاول اختراق النسيج المجتمعي الرافض للتطبيع مع إسرائيل وصناعة مجتمع مدني داعم له ومطبل.  

كما حمل مسؤولية التصدي لمحاولات الاختراق للنسيج المجتمعي، لمؤسسات الدولة المغربية، مبينا أنها مسؤولة أيضا عن حماية المجتمع من التغلغل الصهيوني الذي يسوق أن التطبيع يخدم المغرب في ملف الصحراء.

وشدد هناوي، على أن "المطلوب من الدولة أن تشطب جرم التطبيع وأن تعود لرشدها وتواجه خطر الاختراق الصهيوني للنسيج المجتمعي المغربي".