يهود أوكرانيا.. سلاح إسرائيلي لمحاولة التفوق الديمغرافي في فلسطين

محمد النعامي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تواصل إسرائيل استقبال المهاجرين اليهود مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022، مستغلة هذه "الفرصة النادرة" في مواجهة الهجرة العكسية ولزيادة عدد المستوطنين بالأراضي المحتلة. 

ويجرى توطين خمسة آلاف يهودي أسبوعيا بحسب خطة الطوارئ التي أعلنت عنها الحكومة الإسرائيلية مع بداية الأزمة الأوكرانية.

وسخرت دولة الاحتلال  قدراتها كافة لاستقبال المهاجرين اليهود، بالشراكة مع الوكالة اليهودية، والمنظمة الصهيونية العالمية، لاستقدامهم من أوكرانيا وروسيا أيضا.

فإلى جانب الحرب في أوكرانيا، من المتوقع أن تسبب الأوضاع الاقتصادية المنهارة في موسكو عقب العقوبات موجة هجرة كبيرة أيضا.

سلاح تهويدي

وقالت وزيرة الداخلية الإسرائيلية، أيليت شاكيد، 3 مارس/آذار إن تل أبيب تستعد لاستيعاب 100 ألف مهاجر أوكراني يهودي.

وأوضحت أنه "يوجد في أوكرانيا نحو 200 ألف مستحق للهجرة إلى إسرائيل، وفي روسيا 600 ألف"، وذلك بموجب "قانون العودة" الذي يسمح لليهود من أنحاء العالم بالهجرة إلى تل أبيب والحصول على مواطنة فيها.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، خلال مؤتمر لهجرة اليهود والأزمة الأوكرانية في 6 مارس إن "إسرائيل ستركز على استيعاب لاجئين يهود من أوكرانيا. ونحن ملزمون باستقبال اليهود الفارين من أماكن خطيرة، وأن يشعروا أن الباب مفتوح والبيت دافئ".

وتسعى إسرائيل لاستخدام هذا الطوفان من المهاجرين اليهود في عملية تهويد المناطق العربية، بالداخل المحتل التي يسكنها أغلبية من الفلسطينيين. 

ووزعت إسرائيل الدفعة الأولى من المهاجرين في مراكز استيعاب خاصة بالمناطق العربية في الجليل وبئر السبع، على أن يجرى توطين جزء منهم في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة والمستوطنات الزراعية والبلدات "اليهودية" بالنقب، حسب ما أعلنته وزارة الهجرة.

وقال رئيس بلدية بئر السبع روبيك دنيلوفيتش في رسالة لرئيس حكومة الاحتلال في 8 مارس إن الحرب فرصة لاستيعاب يهود أوكرانيا وروسيا في منطقته والنقب.

وكشف رئيس قسم الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية يشاي ميرلنغ، في 3 مارس، عن البدء بالتحرك لإنشاء 1000 وحدة سكنية استيطانية في الضفة لصالح استيعاب اليهود الفارين من أوكرانيا.

ومن جانبه، قال الكاتب في الشأن الإسرائيلي مصطفى الصواف، إن تل أبيب معنية بتوظيف واستخدام المهاجرين اليهود بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في تهويد الأرض الفلسطينية على مستويين، الأول تهود الجليل والنقب، والمستوى الثاني زرعهم في الضفة الغربية.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "ستوظف إسرائيل اليهود الأوكرانيين ليكونوا وسيلة تهويد ضد الفلسطينيين في الداخل، وأيضا في الضفة يجرى دمجهم في مناطق التنظيمات الصهيونية المتطرفة؛ ليكونوا أعضاء جددا فيها".

إذ وجهت الموجة الأولى للمهاجرين في الضفة لمستوطنة هيتسار، التي تعد مركز تنظيم جماعة تدفيع الثمن الإرهابية.

وأوضح الصواف أن هذا التنظيم مسؤول عن مئات العمليات الإجرامية بحق فلسطينيي الضفة، ومن ضمنها إحراق عائلة دوابشة عام 2015 وكذلك تسميم الآبار وإحراق المساجد ومهاجمة المزارعين ونشر الخنازير في أرضهم وأيضا التطاول على الرسول الكريم محمد.

وأكد على أن إسرائيل تعتبر التفوق الديموغرافي على الفلسطينيين مصلحة وجودية، لذلك تعمل الآن على جلب أكبر قدر من المهاجرين وتوطينهم في الأماكن التي يتواجد فيها الفلسطينيون، بحيث تفرض واقعا مختلفا على الأرض.

وتسعى أيضا لأن يصل عدد المستوطنين في الضفة إلى مليون يهودي بما يرافقه من زيادة المستوطنات والطرق الالتفافية ما سيؤدي لحسم الأرض.

وتابع "يعيش جيش الاحتلال أزمة تجنيد، لذلك سيستغل المهاجرين اليهود الجدد كخزان بشري لتغطية النقص في القوى العسكرية".

حرب ديمغرافية 

وتسعى إسرائيل لتكرار سياسة حكومة إسحاق شامير في أوائل التسعينيات مع انهيار الاتحاد السوفييتي، وتدفق أكثر من مليون مهاجر يهودي، بإعداد آلاف البيوت المتنقلة لاستيعاب المهاجرين الجدد حال حدثت موجة هجرة كبيرة من أوكرانيا وروسيا.

كما أعلنت وزارة الهجرة والاستيعاب 4 مارس اعتبار اليهود المهاجرين من أوكرانيا فارين من مناطق نزاع، وبالتالي منحهم مبلغا ماليا أوليا من عدة آلاف من الشواكل (العملة الإسرائيلية).

وتشير التحضيرات الاسرائيلية لتوطين المهاجرين، إلى أن تل أبيب تهدف لإحداث تغيير ديموغرافي كبير. 

وقال وزيرة الزراعة والجليل عوديد فورير إن الحرب فرصة لن تتكرر لاستيعاب اليهود من أوكرانيا وروسيا لحسم تهويد الجليل والنقب وهما أكثر منطقتين اكتظاظا بفلسطينيي الداخل المحتل.

وصرح مسؤول مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية، يوسي داجان، أنه جرى بالفعل استيعاب اليهود من أوكرانيا في مستوطنات لحسم مصير الضفة الغربية وإسدال الستار على مشروع حل الدولتين. 

وبدوره، قال الباحث في الشأن الفلسطيني عبد الله نجم إن المشروع الصهيوني الاستيطاني قد شرع في واحدة من أكبر موجات الهجرة اليهودية ويهدف لنقل مئات الآلاف من اليهود الأوكرانيين لإسرائيل، ضمن خطط توطين تكفل تهويد كامل التراب المحتل.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "بالتوازي مع الحرب الدائرة في أوكرانيا ينفذ الاحتلال حملة دعائية موجهة لليهود الروس والأوكرانيين، بحيث يظهر لهم إسرائيل كأرض الأمان لليهود ويبث دعايته بأنها أرضهم التاريخية والمكان الصحيح لهم بجانب الامتيازات الاقتصادية".

وأوضح نجم أن التغطية الإعلامية المبالغ فيها لوصول العائلات الأوكرانية اليهودية لإسرائيل على أنها نجت من الموت ووصلت لأرض الأجداد هي جزء من هذه الحملة، خصوصا أن هذه الفترة تمثل ذروة الهجرة من أوكرانيا.

وشدد على أن هذه الهجرة تمثل خطرا كبيرا على الفلسطينيين ويجب أن يكون هناك رد حازم وقوي، بحيث لا يجد هؤلاء المهاجرون الأمان - الذي هاجروا طلبا له - على أرض فلسطين، وذلك من خلال تفعيل أشكال المقاومة كافة وبالأخص العسكرية وفي الداخل المحتل.

وجرت العادة أن تستغل تل أبيب الأزمات والحروب في دول أوروبية وحتى إفريقية لجلب المهاجرين اليهود، وتوطينهم داخل إسرائيل، وتحديدا في المناطق العربية المحتلة.

وذكرت القناة 12 العبرية في 6 مارس، أن وزارة الهجرة في تل أبيب تنفذ خطوات لاستيعاب موجات الهجرة، عبر استئجار وتخصيص نحو 12 ألف غرفة في فنادق إسرائيلية، وتوجيه المستوطنين الجدد للجليل والمستوطنات في الضفة الغربية.

وتستعد مدينة "نوف عجليل"، التي أقيمت في أوساط السبعينيات على أرض مصادرة من فلسطينيي الناصرة والقرى المجاورة لها، لاستيعاب ألف مهاجر جديد على الأقل، حسب القناة. 

ومن جانبها، قالت الشابة الفلسطينية هبة عوني من الداخل المحتل، إن المهاجرين من يهود أوكرانيا بدأوا بالتوافد بالفعل إلى المناطق العربية، ويجرى فتح الفنادق والشقق السكنية لهم بإشراف وزارة الهجرة الإسرائيلية وتمويلها.

وأضافت في حديث لـ "الاستقلال": "تحجز سلطات الاحتلال عددا كبيرا من الشقق السكنية في المناطق العربية، وهذا ما حدث أيضا في منطقتنا بمدينة حيفا وبالقرب منا وصلت عدة عائلات أوكرانية، من الواضح أن هناك تعمدا لإسكان المهاجرين في مناطقنا".

 وأكدت هبة أن حرب التهويد لم تتوقف منذ النكبة وهناك عمليات هدم مستمرة لمنازل فلسطينيي الداخل بحجة عدم الترخيص، وأيضا أنهت قوات الاحتلال حملة تهجير وهدم كبرى في النقب قبل أشهر، مع إشاعة الجريمة في المجتمع العربي.

وتأتي خطوة توطين اليهود الأوكرانيين بهذه المناطق ضمن معركة التهويد، وفق قولها. وتابعت "من يراقب مواقع التوصل الاجتماعي في الداخل المحتل يلاحظ حجم الغضب من استمرار مسلسل التهويد لمناطقنا التي لا نزال صامدين فيها".