رغم أفكاره الانفصالية.. لماذا يسمح السيسي بعقد مؤتمر "الأفروسنتريك" في مصر؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

على غرار حركة "تفوق البيض" العنصرية الشهيرة، انتشرت منذ عشرينيات القرن الماضي حركة مضادة تسمى "الأفروسنتريك" أو"المركزية الإفريقية"، كنموذج فكري يعلي من شأن "الزنجي".

وترى هذه الحركة أن الزنوج، أصحاب البشرة السوداء، هم منشؤو الحضارات، ومنها الفرعونية القديمة.

أنصار هذه الحركة التي يتركز قادتها في أميركا، قرروا عقد مؤتمر في مدينة أسوان جنوب مصر خلال الفترة ما بين 20-28 فبراير/شباط 2022، حيث يعتقدون أنه نشأ هناك "مركزية إفريقية" قامت على أكتافها الحضارة الفرعونية.

ويزعمون أن الفراعنة أصلهم "سُود البشرة" من السودان، وأن المصريين الحاليين ليس لهم علاقة بالقدماء، وكل من في شمال مصر "جنسيات بعيدة عن العرق المصري"، ويؤمنون أن السود هم من بنى الأهرامات.

"الأفروسنتريك" يرون أن المصري الأسود "أصيل ونقي الدم"، بينما صاحب البشرة الفاتحة ليس مصريا أصيلا، إنما جاء من دول عربية واحتل مصر، لذا يصنفون "المصري المسلم" بأنه ينتمي للعرق العربي، لا الإفريقي المسيحي.

وبسبب مخاوف أن يكون وراء المؤتمر دعاوى مشبوهة، منها تفتيت مصر والدول العربية على أسس عرقية ودينية، وارتباطهم بجماعات نوبية تطالب بدولة منفصلة عن مصر، دعا نشطاء وأثريون لرفض عقد المؤتمر.

من وراء المؤتمر؟

مواقع التواصل شهدت غضبا واسعا عبر هاشتاغ #وقف_مؤتمر_أسوان، لأن حركة "الأفروسنتريك" المتعصبة للعرق الزنجي تصف المصريين الحاليين بـ"المحتلين"، وتقول إن الفراعنة كان أصلهم أفارقة سود البشرة.

وقال نشطاء إن اختيار المنتمين للحركة مدينة أسوان لعقد المؤتمر "ليس اعتباطيا ولكنه مقصود لإحياء أجندة الانفصال للنوبيين في جنوب مصر، وإبراز الاختلافات العرقية والثقافية بين مكونات الشعب".

وأبدوا خشيتهم أن تكون محاولة لاستقطاب شباب النوبة وتأليبهم على باقي الشعب المصري؛ لبث روح التفرقة والنزعة الانفصالية، خصوصا أن القاهرة قمعت خلال السنوات الماضية عدة مظاهرات نوبية تطالب بتعويضات عن تهجيرهم.

المؤتمر دعت له حركة أميركية تسمى "HAPI" أو حابي (إله النيل عند الفراعنة المصريين القدماء ومعناه جالب السعادة)، تجمع ما بين السياسة والاقتصاد والثقافة، وتقول إن هدفها "دعم الأعمال المملوكة للأسود".

وكان ملفتا أن المنظمين ركزوا في الدعوة للمؤتمر على أن الرحلة ستكون "في أرض النوبيين"، ويشارك فيها علماء مشهورون في مجال دعم فكرة إفريقيا السوداء مثل، أنتوني براودر، جيمس سمول، ليونارد جيفريز، صولانج أشبي، جويس كينج، وآخرون.

وزعموا أن موضوع المؤتمر عام، وهو ارتباط جميع الثقافات والشعوب الإفريقية ببعضها البعض، إما من خلال العرق أو اللغة أو الفنون أو الثقافة، وأن الضيوف سيركزون على هذه الروابط التاريخية والتقاء الشعوب الإفريقية.

المؤتمر بعنوان "العودة للأصل"، ما يشير ضمنا إلى أهدافهم، وأنهم قرروا عقده في أسوان حيث يتركز أصحاب البشرة السمراء، ضمن فكرة التعصب العرقي للون.

أغلب أعضاء الحركة، ومنهم حضور مؤتمر أسوان، ينشرون مقالات ومنشورات على الإنترنت بأغلب اللغات الأجنبية، تعتمد على تحريف المصادر العلمية والدراسات ولَي عنقها لتأكيد أن إفريقيا للسود فقط، والفراعنة كانوا سود البشرة.

ويزعمون أن علماء المصريات الحاليين يقومون بتلوين المقابر باللون الأبيض لتزوير التاريخ، وأن كسر أنوف التماثيل هو لإخفاء ملامح الأنف الإفريقي، رغم أن هذه عادة فرعونية دينية قديمة يفعلها الفراعنة للموتى، لاعتقادهم بأن التماثيل تتنفس.

لذا يلونون هؤلاء، بالمقابل، صور فراعنة مصر باللون الأسود ويصورون الأندلسيين والمغاربة على أنهم سود البشرة، برغم أن صور المعابد تشير لبشرة الفراعنة البيضاء ومحاربتهم أعداء بعضهم بلون بشرة سوداء.

إرث النوبة

ويدافع أعضاء حركة "الأفروسنتريك" عن أهالي النوبة ويساندون مطالبهم بالعودة إلى أراضيهم التي تم تهجيرهم منها لبناء "السد العالي"، وتجميع حضارتهم في مصر والسودان ودول أخرى في دولة منفصلة.

وللتدليل على خطورة عقد مؤتمرهم في أسوان، نشر الناشط عمرو القاضي على صفحته بموقع "فيسبوك" آراء أستاذة علم المصريات القديمة والخبيرة في النوبة، صولانج أشبي.

ونقل عنها قولها: "ماذا عن أهل النوبة وإرثهم؟ ماذا عن نزع أملاك أهل النوبة وتهجيرهم قسريا بسبب بناء السد العالي؟ ماذا عن اغتصاب واستيلاء العرب على تاريخ إفريقيا واستيلائهم على مصر سنة 642 ميلاديا؟"

كما نقل عن المشارك في المؤتمر، أنتوني برودر، قوله: "الرجال السود بنوا الأهرامات، ولابد أن يرجعوا إلى أرض الأجداد مرة أخرى".

وهناك مخاوف أمنية من تناول المؤتمر قضية النوبيين في مصر، والذين قمعهم رئيس النظام عبد الفتاح السيسي واستولى على أراضيهم وأسندها للجيش بعد انقلابه عام 2013.

بالتزامن بدأت حسابات قريبة من النظام على تويتر تحذر من "لعبة يلعبها أصحاب فكر المركزية الإفريقية على أهالي النوبة، مستغلين قضايا تاريخية مثل التهجير لبناء السد العالي لتأجيج المشاعر تجاه كل ما هو مصري".

وتحذر من أن "هدف جماعة (الأفروسنتريك) إبراز الاختلافات العرقية والثقافية بين مكونات الشعب المصري ومحاولة استقطاب شباب النوبة وتأليبهم على باقي الشعب، لبث روح التفرقة والنزعة الانفصالية عبر معلومات تاريخية مزيفة".

وقالت مصادر بوزارة السياحة، إن "هناك تفكيرا في إلغاء المؤتمر، حال تبين مناقشة أي شيء يخص النوبة فيه، رغم أنه فعالية سياحية، وإلغاؤه له مردود سلبي على السياحة".

وأوضحت لـ"الاستقلال" أن "الحملة ضد المؤتمر ربما يكون مبالغا فيها، لأنه سبق لشركة أميركية تابعة لنفس المجموعة تصوير فيلم وثائقي في فبراير/شباط 2018 عن الإمبراطورية الفرعونية في أسوان".

وذكرت المصادر، طالبة عدم ذكر أسمائها لأسباب أمنية، أن "وفدا من شركة الإنتاج الأميركية Retuns L.L.C يضم نفس العالمة في المصريات التي يثار حولها الجدل، وهي صولانج أشبي، زار أسوان وصور الفيلم برعاية المركز الصحفي للمراسلين الأجانب التابع لهيئة استعلامات الرئاسة".

مطالب العودة

وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، قرر عدد من النشطاء النوبيين في قرية "فورقند" بأسوان بدء اعتصام مفتوح؛ رفضا لضم قريتهم ضمن مشروع "المليون ونصف المليون فدان" الذي أعلنه السيسي أوائل 2014، وأصدر بموجبه قرارا في أغسطس/آب 2016 (رقم 355) جعل أراضي "توشكي" غير مخصصة بالكامل لهم.

ويطالب النوبيون بالعودة إلى أراضيهم التي هُجروا منها لأول مرة لبناء خزان أسوان عام 1902، ثم هُجروا ثلاث مرات أخرى أعوام 1912 و1933، لتعلية الخزان، ثم عام 1963، لبناء السد العالي.

وقد احتجوا وتظاهروا عام 2016 بسبب قرارات السيسي التي سمحت ببيع أكثر من 44 قرية نوبية في المزاد العلني، لأنها تحتوي على العديد من مناجم الذهب خصوصا في منطقة وادي العلاقي، ولكن تصدى لهم الجيش والشرطة، وتم اعتقال بعضهم.

ولاحقا في 21 يناير/كانون الثاني 2020 نظمت وزارة العدل، احتفالية بأسوان تحت عنوان "صرف تعويضات للنوبيين المتضررين من بناء وتعلية خزان أسوان بداية من عام 1902، وإنشاء السد العالي من عام 1960 وحتى 1964.

وزعمت السلطات المصرية أن هذا يغلق ملفا يزيد عمره عن المائة عام، لكن أهالي ونشطاء النوبة هاجموا ولا يزالون هذا الاحتفال، واعتبروه "محاولة للاستيلاء على حقوقهم" ما أدى لمظاهرات نوبية جديدة لم تتوقف سوى بالتهديد والاعتقالات.

وينص الدستور في مادته رقم 236، على أن "تعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال 10 سنوات وذلك على النحو الذي ينظمه القانون".

لكن وزارة العدل أعلنت تشكيل لجنة لحصر عدد النوبيين الذين في حوزتهم مستندات تثبت تهجيرهم من مناطق النوبة القديمة وبحيرة ناصر وزعمت أن عددهم 11 ألفا و716 متضررا فقط.

وقد تلقت اللجنة طلبات تعويض من ستة آلاف و350 متضررا فقط، بنسبة 55 بالمئة من إجمالي المتضررين، أي أن نصف أهالي النوبة رفضوا الاتفاق.

حركة الأفروسنتريك 

و"الأفروسنتريك" هي حركة ومنظمة عالمية، ظهرت في عشرينيات القرن الماضي، وتتمركز بشكل خاص داخل الولايات المتحدة، وتحديدا بين الأميركيين من أصل إفريقي، كما تنتشر في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وزنوج شمال إفريقيا.

ومن خلال تتبع أدبياتهم وكتبهم ومواقعهم على الإنترنت، تظهر خطورة الحركة في اعتقاد أعضائها أن المصريين الأصليين في مصر انتهوا، والموجودين حاليا "محتلين" لمصر، لأنهم من جنس عربي مسلم لا إفريقي، وبعضهم يربط الإفريقية بالمسيحية.

ويقول "الأفروسنتريك" إن المتبقي من المصري القديم هم المسيحيون الأقباط، وأن المصري المسلم هو عربي العرق، لذلك ارتبطت دعوة انفصال مسيحي جنوب مصر ببعض أفكارهم.

ومن أهدافها التخلص من الجنس الأبيض في إفريقيا والترويج لمقولة إن الحضارة المصرية القديمة والحضارة المغربية حضارات زنجية.

وفي يوليو/تموز 2015، قام نشطاء من الفرع الفرنسي لـ"أفروسينتريك"، باقتحام سفارة الرباط في باريس والاعتداء على العاملين فيها، مطالبين بخروج المغاربة البيض من بلادهم في إفريقيا بدعوى أنها "أرض للسود فقط!".

كما هاجم آلاف من السود الزنوج الأميركان، خبير الآثار المصري ووزير الثقافة السابق، زاهي حواس، عام 1988، لأنه قال خلال محاضرة على هامش عرض آثار الفرعون توت عنخ آمون، إن "المصريين القدماء ليسوا سود البشرة".

وروى حواس في لقاء تلفزيوني أنهم حشدوا مظاهرة ضخمة بطول ثلاثة أميال في شارع طويل بفيلادلفيا ضده ليؤكدوا أنهم (الزنوج) هم أصل الحضارة، وذكر أنهم "يحضرون لمصر ويصورون آثارنا ليقولوا إنها حضارة الرجل الأسود الزنجي".