استقالة "اليد اليمنى" لقيس سعيّد.. قفز من مركب الانقلاب أم صراع بين أجنحته؟

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

منذ إعلان مديرة الديوان الرئاسي التونسي نادية عكاشة استقالتها من منصبها بسبب "اختلافات جوهرية"، شن مؤيدو الرئيس قيس سعيد حملة اتقادات وتشويه واسعة بحقها.

وقال قيس القروي، عضو الحملة التفسيرية للرئيس سعيد، إن "عكاشة كانت إنسانة نكرة، ولم يكن لها أي علاقة بالسياسة، والرئيس سعيد هو من حملها مسؤولية داخل الدولة".

وأشار في حديث لإذاعة "شمس إف إم" المحلية، في 31 يناير/كانون الثاني 2022، إلى أن “مهمة مدير الديوان الرئاسي إدارية بحتة، وليست منصبا سياسيا، ولكن نادية عكاشة كانت تسعى للعب أدوار سياسية أكبر من حجمها”.

جاء حديث القروي بعد أسبوع من إعلان عكاشة استقالتها من منصبها، في مساء 24 يناير/كانون الثاني 2022، عبر تدوينة مقتضبة على فيسبوك.

وقالت عكاشة: "قررت اليوم تقديم استقالتي للسيد رئيس الجمهورية من منصب مديرة الديوان الرئاسي بعد سنتين من العمل". 

وتابعت "لقد كان لي شرف العمل من أجل المصلحة العليا للوطن من موقعي بما توفر لدي من جهد إلى جانب السيد رئيس الجمهورية".

وبررت عكاشة قرار استقالتها بوجود "اختلافات جوهرية في وجهات النظر المتعلقة بالمصلحة الفضلى للوطن" دون تحديدها.

هذه الاستقالة، هي العاشرة في قصر قرطاج منذ فوز قيس سعيد برئاسة الجمهورية في انتخابات العام 2019، وهي الأهم بسبب الموقع الذي تلعبه عكاشة في إدارة الدولة خاصة بعد انقلاب 25 يوليو/تموز 2021.

فبعد ذلك التاريخ، تجاوز دورها حسب مراقبين الجانب الإداري بالقصر إلى تحديد السياسات العريضة للدولة وعلاقاتها الخارجية.

أسباب الاستقالة 

لم توضح عكاشة مضمون "الاختلافات الجوهرية" التي دفعتها للاستقالة، إن كانت تتعلق بإدارة العمل داخل ديوان رئيس الجمهورية، أم أنها ترتبط بالوضع العام في البلاد، خاصة في ظل التدابير التي فرضها سعيد. 

لكن يبدو أن هذه الاستقالة كانت متوقعة بسبب الخلافات التي نشبت بين نادية عكاشة وجناح آخر داخل قصر قرطاج، يمثله وزير الداخلية توفيق شرف الدين، على خلفية العديد من الملفات، أبرزها التعيينات التي حصلت في وزارة الداخلية وإقالة قيادات بارزة فيها.

وأهم هذه الإقالات استهدفت سفير تونس بالبحرين كمال القيزاني، والذي شغل سابقا مهمة مدير عام الأمن الوطني وقبلها مديرا عاما للمصالح المختصة (المخابرات).

وحسب “الكواليس”، التي شهدها القصر الرئاسي، فإن هذه الإقالة جرت بعد أخذ ورد ونقاش مطول، بين توفيق شرف الدين ومديرة الديوان الرئاسي، نادية عكاشة، والرئيس قيس سعيد.

ويبدو أن شرف الدين دفع سعيد للموافقة على هذا القرار، بل أكثر من ذلك فإنه خير الرئيس التونسي بينه وبين كمال القيزاني.

ويعد القيزاني، من المقربين لنادية عكاشة، حسب ما أكدته مصادر جديرة بالثقة، وحتى إنه يلقب بـ"اليد اليمنى لها"، الأمر الذي أثار غضب توفيق شرف الدين، وجعله يقرر إقالته.

وهو ما أكدته وكالة رويترز البريطانية عن مصدر سياسي تونسي بالقول إن خلاف سعيد مع نادية عكاشة، سببه دعمه لقرار وزير الداخلية بإحالة 6 قيادات أمنية كبرى، من بينها رئيس سابق لجهاز المخابرات إلى التقاعد الوجوبي.

وبحسب مصادر خاصة لـ"الاستقلال" فإن استقالة نادية عكاشة كانت معدة قبل أسبوع، وقد أتت في سياق خلاف متفاقم بينها وبين وزير الداخلية منذ أن كان اسمه مطروحا لترؤس الحكومة بعد شهر من الانقلاب.

وأضاف نفس المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه " بعض الأسماء التي أطيح بها من مواقع متقدمة في وزارة الداخلية محسوبة على نادية عكاشة وانخرط البعض منهم في خدمة أجندة قيس سعيد قبل 25 يوليو وبعده".

كما أن عكاشة كانت رافضة للإجراءات التي انتهجتها وزارة الداخلية في الفترة الأخيرة مثل وضع القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري تحت الإقامة الجبرية وقمع التظاهرات يوم 14 يناير، يقول المصدر.

أمام كل هذا، فإن جزءا كبيرا من المتابعين يرون أن قيس سعيد خسر واحدة من أهم مساعديه ليس من السهل تعويضها في ظل تصاعد معارضة الانقلاب في تونس وتفاقم الأزمة الاقتصادية مع رفض جل الدول المانحة تقديم دعم مالي أو ضمانات للاقتراض.

"حاكمة قرطاج"

في 28 يناير 2020، قرر قيس سعيد تعيين نادية عكاشة مديرة للديوان الرئاسي خلفا لطارق بالطيب.

وشغلت عكاشة منصب مستشارة أولى لدى رئيس الجمهورية مسؤولة عن الشؤون القانونية.

ووفق صفحتها بموقع جامعة تونس الدولية فهي مدرسة في القانون العام  وأستاذة مساعدة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة تونس المنار.

كما أنها باحثة في معهد "ماكس بلانك" للقانون العام والقانون الدولي المقارن في جامعة هايدلبرغ (غربي ألمانيا). وهي مهتمة  بالقانون الدستوري الدولي والعدالة الدستورية.  

ناقشت نادية عكاشة أطروحة دكتوراه بشأن السلطة المعيارية للقضاء، وتابعت العملية الانتقالية في تونس من خلال كونها المحللة القانونية الوطنية لبعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات في البلاد سنة 2011 ومستشارة لبعثة المساعدة الانتخابية للاتحاد عام 2014.

وبحسب ما تناقله مقربون من عكاشة، فهي واحدة من أنجب الطلبة المقربين من قيس سعيد حين كان أستاذا مساعدا بكلية الحقوق في تونس.

خلال المرحلة الأولى لتوليها المنصب لم تلعب عكاشة دورا محوريا أو مؤثرا في المشهد السياسي التونسي، وذلك حتى استقالة حكومة إلياس الفخفاخ وسقوط التوافق السياسي الذي ضم أحزاب النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس وبدعم من رئيس الجمهورية.

وخلف إلياس الفخفاخ في رئاسة الحكومة وزير الداخلية حينها هشام المشيشي والذي اعتبر حينها مرشح نادية عكاشة للمنصب، قبل أن يدب الخلاف بينهما في مرحلة تشكيل الحكومة.

ومع تصاعد الأزمة السياسية في البلاد، بدأ اسم نادية عكاشة يتداول في تقارير إعلامية وتسريبات حول تأثيرها في قرارات العزل والتعيين، ووضع رئاسة الجمهورية في قلب الصراع الإقليمي باصطفافها ضمن محور الثورات المضادة الذي تقوده الإمارات العربية المتحدة والنظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي.

ونشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني وثيقة وصفت بأنها "سرية للغاية" قال إنها مسربة من مكتب نادية عكاشة، يعود تاريخها إلى 13 مايو/أيار 2021، تتحدث عن تدبير خطة لـ"دكتاتورية دستورية" في تونس.

وبحسب الوثيقة، حث كبار المستشارين الرئيس التونسي على انتزاع السيطرة على البلد من الحكومة المنتخبة في الوقت الذي تكافح فيه البلاد جائحة كورونا وارتفاع مستوى الديون.

هذه الوثيقة ظهر فيما بعد أنها تقريبا نفس ما حصل مساء 25 يوليو 2021، وما تلاها من قرارات اتخذها قيس سعيد. 

علاقات واستقالات

كما تحدثت مجلة جون أفريك الفرنسية عن علاقة النظامين المصري والإماراتي بالتخطيط وحماية انقلاب قيس سعيد.

ففي 11 أبريل/نيسان 2021، بينما ذهب سعيد في زيارة إلى القاهرة، استقبل رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، وزيري الخارجية المصري سامح شكري والتونسي عثمان الجرندي.

كما استقبل نادية عكاشة، في مقر المخابرات المصرية، بحضور عبدالخالق عبدالله كممثل عن دولة الإمارات العربية المتحدة والمقرب من آل زايد.

وانضم إليهما المستشار في الرئاسة التونسية وليد الحجام، إضافة إلى مجدي بوذينة رئيس كتلة حزب "الدستوري الحر" (PDL) المسؤول عن التنسيق مع قرطاج والبرلمان، عن طريق تقنية التحاور بالفيديو.

وفي مجمل صفحتين، اتفق مختلف المتحدثين الذين ذكرتهم الوثيقة على الوضع المقلق في تونس وعدم الاستقرار وانعدام الأمن بسبب "حكم الإسلاميين" واقترحوا وضع حد لذلك، وفق ما نقلت المجلة. 

الصحف التونسية تحدثت عن فقدان الرئاسة رقما مهما في معادلة المرحلة السياسية الحالية ووصفت صحيفة "الشارع المغاربي" نادية عكاشة بـ"الصندوق الأسود" و"حاملة أسرار الرئيس".

 كما ترى صحيفة "المغرب" أن هذه الاستقالة "تربك المشهد السياسي العام وتضغط على الرئيس"، وسمت عكاشة بـ"أحد مكونات العقل المدبر لسياساته وخططه".

منذ تولي سعيد رئاسة تونس عصفت الاستقالات بالفريق الرئاسي، حيث غادر المستشار السياسي عبد الرؤوف بالطيب منصبه، ثم لحقت به ريم قاسم ورشيدة النيفر المكلفتان بالإعلام في رئاسة الجمهورية.

 وبعد ذلك استقال طارق الحناشي من منصبه مديرا لمصالح البروتوكول والتشريفات بالقصر، وكذا حسان بالضياف مستشار الشؤون الاقتصادية، ومصطفى عون النابلي الذي شغل منصب مستشار لدى رئيس الجمهورية مكلفا الشؤون الأوروبية.

علاوة على الملحق بالرئاسة إسماعيل البدوي، والجنرال محمد الحامدي مستشار الأمن القومي، الذي قال إنه كان "المستشار الذي لا يستشار"، وهو ما خلف جدلا حادا حول مدى تفاعل الرئيس سعيد مع عدد المستشارين الذين يعج بهم القصر.

كما أن قيس سعيد نفسه هو من اختار هشام المشيشي منذ أن كان مستشارا في القصر، قبل أن يعينه وزيرا للداخلية ومن ثم رئيسا للحكومة لينقلب عليه فيما بعد ويقيله ضمن الإجراءات التي اتخذها في 25 يوليو 2021.