حل "الدولة الواحدة".. لماذا عاد محمود عباس لطرحه رغم رفضه إسرائيليا؟

خالد كريزم | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد سنوات طويلة من مطالبته بـ"دولتين تعيشان بسلام جنبا إلى جنب"، حذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إسرائيل من أن الوقائع على الأرض قد تفرض خيار "الدولة الواحدة" فقط.

ولم يوضح عباس في 24 سبتمبر/ أيلول 2021 خلال خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ماهية هذه الدولة وكيفية إنشائها والجهة التي تقودها.

 لكنها تثير تساؤلات واستغرابا كبيرا في خضم ما رشح عن هذا الخيار من معلومات قليلة، وفي ظل رفض إسرائيل الخيار "الأفضل منه"، بحسب ما يرى مراقبون، وهو الانفصال وسيطرتها على الجزء الأكبر من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

اتهامات وتحذيرات

وفي كلمته عبر الفيديو كونفرانس من رام الله، اتهم عباس تل أبيب بتخريب حل الدولتين بأفعال قال إنها قد تدفع الفلسطينيين للمطالبة بحقوق متساوية في دولة واحدة ثنائية القومية تضم إسرائيل، والضفة الغربية المحتلة، وغزة.

وطالب عباس (86 عاما) المجتمع الدولي بالتحرك لإنقاذ حل الدولتين الذي ظل على مدى عقود حجر الأساس في الجهود الدبلوماسية لحل الصراع. 

وقال إن "إسرائيل لم تلتزم بالاتفاقيات الموقعة وتهربت من الانخراط في جميع مبادرات السلام، وواصلت مشروعها التوسعي الاستعماري، وتدمير فرص الحل السياسي على أساس حل الدولتين".

وأضاف من مقر سلطته التي تتمتع بحكم ذاتي محدود في الضفة الغربية "ستفرض المعطيات والتطورات على الأرض الحقوق السياسية الكاملة والمتساوية للجميع على أرض فلسطين التاريخية، في دولة واحدة. وفي كل الأحوال، على إسرائيل أن تختار". 

ويعارض رئيس الوزراء نفتالي بينيت، وهو يميني متطرف يحكم إسرائيل على رأس ائتلاف من أحزاب مختلفة، قيام دولة فلسطينية. وتتعهد حكومته بتجنب الخيارات الحساسة تجاه الفلسطينيين وتركز بدلا من ذلك على القضايا الاقتصادية.

وتقوم رؤية حل الدولتين، على إقامة دولة فلسطينية ضمن الحدود التي رسمت في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967.

وهذه الصيغة أقرها المجتمع الدولي منذ 1947، عندما تبنت الأمم المتحدة في ذلك التاريخ قرارا بتقسيم فلسطين مذيلا بخرائط تحدد حدود الدولتين، في حين شكلت القدس كيانا ثالثا تحت إشراف دولي. 

واليوم ومع توقف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي منذ أبريل/نيسان 2014، لرفض تل أبيب الإفراج عن معتقلين قدامى، ووقف الاستيطان، عاد عباس إلى الحديث عن الدولة الواحدة.

وهدد عباس في خطابه بالأمم المتحدة بسحب اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل إذا لم تنسحب من الضفة الغربية وغزة وشرق القدس في غضون عام.

وأردف أنه "في حال عدم تحقيق ذلك، فلماذا يبقى الاعتراف بإسرائيل قائما على أساس حدود العام 1967؟"

لكن عباس قال في مطلع يناير/كانون الثاني 2022 إن موعد العام الذي أعطاه كمهلة للمجتمع الدولي، من أجل التحرك لوقف الاستيطان وإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية، لم يعد قائما.

واستند رئيس السلطة إلى خطة جديدة، تقوم على تقليص المدة الممنوحة لدول العالم وفي مقدمتها الإدارة الأميركية للتحرك السريع لإنقاذ الوضع، حتى 20 يناير من نفس العام، وهو اليوم الذي من المفترض أن يعقد فيه اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير.

ويقول مسؤولون في السلطة ومنظمة التحرير إن هذا الاجتماع المرتقب، من المقرر أن يتخذ “قرارات مصيرية” حال لم يأت الحراك الدولي الحاصل حاليا بأي نتائج تضمن الحقوق الفلسطينية. 

دولة ثنائية القومية

بحسب ما رشح من معلومات، فإن الدولة المطروحة ستكون "ثنائية القومية" تقام على أراضي فلسطين التاريخية (التي احتلتها إسرائيل عام 1948)، تكون الأغلبية السكانية فيها للفلسطينيين.

وفي 9 يناير 2022، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية: "حان الوقت لإسرائيل أن تختار بين حل الدولتين أو الذوبان الديمغرافي"، في إشارة إلى خيار "الدولة الواحدة". 

وأضاف "لأول مرة منذ عام 1948، يفوق عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية (إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة) عدد الإسرائيليين اليهود بأكثر من 250 ألف شخص".

وهذا الخيار يعني أن يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون في دولة واحدة على أن يتساووا بنفس الحقوق. 

 

ويمكن القول إن الفكرة ليست جديدة، ففي عام 1944 صاغ الحزب الشيوعي (كان مشكلا من العرب واليهود في ذلك الوقت قبل انفصالهم لاحقا) مقترحا مشابها يدعو إلى التطور الديمقراطي والتحرر من التأثيرات الخارجية في ظل دولة واحدة.

كما أنها تشبه "الدولة الديمقراطية الواحدة" التي تضمنتها أجندات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (يسارية) عام 1968، وتنص على معاملة مواطنيها بالتساوي دون تمييز بسبب الجنس أو اللون والعرق، والتي لم تنجح وقتها.

وقدمت حركة التحرير الوطني الفلسطينية "فتح" في السبعينيات مقترحا بعنوان "الدولة الديمقراطية العلمانية"، إلا أن منظمة التحرير تخلت عن الفكرة لمصلحة حل الدولتين وشجعها على ذلك إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988 واتفاق أوسلو في 1993.

واليوم، عاد الحديث عن طرح الدولة الواحدة بقوة في ظل فشل مشروع التسوية والمفاوضات التي لم تنجح بحل الدولتين.

وباتت معظم الفصائل الفلسطينية ترفض حل الدولتين في ظل كثير من المعطيات الجديدة المتمثلة بتغيير الاحتلال الواقع الجغرافي والديمغرافي، وتغير ملامح الأراضي المحتلة عام 1967 التي التهمها الاستيطان خلال السنوات الماضية. 

وأظهرت نتائج استطلاع للرأي نشر بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أجراه مركز القدس للإعلام والاتصال (أهلي) بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية (مستقلة)، تراجع نسبة المستطلعين المؤيدين لحل الدولتين لصالح حل الدولة الواحدة.

وفي التفاصيل، أظهرت النتائج انخفاض نسبة الذين يعتقدون أن حل الدولتين هو الأفضل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من 39.3 بالمئة في أبريل/ نيسان من نفس العام إلى 29.4 بالمئة في الاستطلاع الجديد.

في المقابل، ارتفعت نسبة المؤيدين لحل الدولة الواحدة ثنائية القومية في كل فلسطين من 21.4 بالمئة في أبريل إلى 26 بالمئة في الاستطلاع الجديد.

ودعاة حل الدولة الواحدة يزكون هذا بعدد من الحجج، منها المساحة الصغيرة للأرض "المتنازع عليها" الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، والتشابك الجغرافي بين الجانبين والعدد الكبير من المستوطنات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية، في إشارة إلى مدى التهام الاحتلال للأراضي الفلسطينية.

إمكانية النجاح

يرى الكاتب الفلسطيني محمد عايش في مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" في 19 يناير أنه في الوقت الذي أصبح فيه حل الدولتين مستحيلا ولا يمكن تطبيقه، فإن حل الدولة الواحدة أصبح كذلك أيضا.

إذ سنت إسرائيل منتصف عام 2018 قانونا أساسيا تحت اسم "الدولة القومية لليهود في إسرائيل"، ما يعني أيضا إعدام أي فرصة في تأسيس دولة ديمقراطية واحدة كحل للصراع الذي تشهده الأرض الفلسطينية منذ عقود، وفق قوله.

 وبين أن "الاحتلال أغلق كل المنافذ التي يمكن أن تؤدي إلى حل، وتبنى سياسة تقوم على التهام الأرض الفلسطينية وتذويب شعبها الأصلي، ومنع أي فرصة ولو في المستقبل لتأسيس دولة مستقلة لهم على أرضهم، ولذلك فعلى العالم ومعه الفلسطينيون المؤمنون بالتسوية أن يبحثوا عن حل بديل".

من جانبه، يعتقد الكاتب الفلسطيني ساجي خليل أن التنازل عن المطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لا يعني بالضرورة أن حل الدولة الواحدة هو البديل الممكن.

وأضاف في مقال نشرته وكالة "معا" المحلية في 20 ديسمبر/كانون الأول 2021: "حتى لو بات حل الدولتين مستحيلا فإن حل الدولة الواحدة المطروح كبديل مفترض هو أكثر استحالة وأقرب الى الوهم, كونه بالأساس مرفوضا بشكل مطلق من قبل إسرائيل والمجتمع الدولي".

وتابع: "أطروحات الدولة الواحدة ليست سوى غطاء للتمويه أو للتمهيد لتلك الحلول الاقتصادية الهزيلة التي أعلن الشعب الفلسطيني رفضه الحاسم لها، لإدراكه بأن التنازل عن هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة يعني بالمحصلة التخلي الطوعي عن هدف التخلص من الاحتلال".

وواصل أن "حل الدولة الواحدة الوهمي سيؤدي بالتأكيد إلى فتح الباب واسعا أمام الحلول والمخططات المريبة التي تجرى حياكتها في الخفاء من قبل واشنطن وإسرائيل وبمشاركة أوساط عربية وإقليمية معروفة، وتسعى من خلالها لإقامة دويلة فلسطينية في قطاع غزة وتحويل ما تبقى من الضفة الغربية إلى كانتونات خاضعة للسيادة الإسرائيلية".

ومن وجهة النظر الإسرائيلية، يقول المحلل السياسي روغيل ألفر في مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، في 25 أكتوبر 2021 إن جميع حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ حكومة إسحاق رابين التي توصلت إلى اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير لم تعمل على إنهاء الاحتلال، ورفضت، عمليا، قيام دولة فلسطينية مستقلة.

لذلك فهو يشير إلى رفض حل الدولتين والدولة الواحدة على حد سواء مع توقعه ببقاء "العنصرية والسيطرة الاستعمارية العنيفة على شعب آخر كخيار مهيمن".

لكن، ميخائيل ميلشتاين، رئيس قسم الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه دايان في جامعة تل أبيب، اعتبر أن "المقاربات الحالية على غرار إدارة النزاع والسلام الاقتصادي قد توفر هدوءا في المدى القصير، لكنها تترافق عمليا مع اندماج بين المجتمعين، لا سيما في الضفة الغربية، وتوجههما نحو واقع الدولة الواحدة".

ويعتقد في مقال نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في 28 نوفمبر 2021، أن "الهدوء النسبي" القائم في الضفة الغربية خلال العقد الأخير "ليس دليلا على أن لا حاجة إلى الوصول إلى حسم في الصراع، بل على اندماج زاحف بين إسرائيل والفلسطينيين سيؤدي إلى حياة مشتركة، لكنها ممتلئة بالعداء بين المجتمعين".

وأثار الحديث المتزايد عن الدولة الواحدة حفيظة الإسرائيليين أخيرا وهو ما بدا في يوم دراسي نظمه معهد السياسة والإستراتيجية في تل أبيب في 14 ديسمبر 2021.

وجاء في نتائج اللقاء أن اتساع فكرة الدولة الواحدة في أوساط السكان الفلسطينيين "يشكل تحديا لهوية الدولة اليهودية، ولمكانتها في الساحة الدولية، وبالتالي يجب العمل على سياسة فاعلة تعزز فكرة الفصل بين السكان من الطرفين ماديا وفكريا".

ولم تصدر تصريحات رسمية من الحكومة الإسرائيلية الجديدة عن خيار "الدولة الواحدة"، في وقت يعتمد نفتالي بينيت سياسة "المراوحة في نفس المكان" دون اتخاذ مواقف أو قرارات جريئة مع تقليص الأضرار عبر تقديم ما يسميها "تسهيلات اقتصادية" للفلسطينيين. 

لكن، يعارض كثيرون، ومنهم معظم نواب الكنيست (البرلمان)، حل الدولة الواحدة خوفا من حصول الفلسطينيين على حقوق مساوية لليهود مع فقدان "الأغلبية السكانية"، والتهديد بانصهار الإسرائيليين وانتهاء دولتهم بالشكل المعروف حاليا.