"الأغنياء أولى بالحياة".. هكذا ساهمت شركات الأدوية في تفشي كورونا

علي صباحي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"لماذا تحرم البلدان الفقيرة من الحصول على الأدوية المنقذة للحياة، بينما تجلس الدول الغنية على أكوام من المخزون غير المستخدم؟".

بهذا السؤال بدأت منظمة العفو الدولية أحدث تقاريرها عن جشع شركات الأدوية وصفقاتها مع الدول الغنية حول اللقاحات المضادة لفيروس كورونا دون مراعاة الوعود التي قطعتها على نفسها في هذا الشأن.

وقبل انقضاء العام بسويعات، نشرت المنظمة الدولية تقريرا بعنوان "كوفيد-19: الدول الغنية وشركات الأدوية تقاعست بشكل كارثي عن ضمان المساواة في الحصول على اللقاحات في 2021".

وفي التقرير سلطت المنظمة الضوء على ما اعتبرته "حقيقة قاتمة" فاقمها الانتشار الشديد لوباء كورونا، مفادها أن "بعض الأرواح تعتبر ببساطة أحق بالإنقاذ من غيرها".

ففي أول يوم من عام 2021، أجازت منظمة الصحة العالمية استخدام اللقاح المضاد لكورونا، المنتج من قبل تحالف فايزر وبيونتيك الأميركي الألماني، وبعدها توالى إنتاج أنواع عديدة منها.

لكن لم يتحقق هدف تطعيم 40 بالمئة من سكان الدول الفقيرة بحلول نهاية العام، وفق الأمم المتحدة.

ونتيجة لنهج "الاكتناز، وأنا أولا، وشراء بعض الدول الغربية الغنية لقاحات أكثر من الحاجة"، تعذر وصول التطعيمات للشرائح الأفقر في العالم، ما ساهم في زيادة الإصابات وظهور طفرات جديدة.

فكلما طالت مدة انتشار الفيروس في البلدان ذات معدلات التلقيح المنخفضة، زاد خطر ظهور متحورات جديدة تكون اللقاحات ضدها أقل فعالية أو غير فعالة على الإطلاق.

تقاعس كارثي

في التقرير المنشور في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2021، قالت منظمة العفو الدولية إن شركات الأدوية تقاعست بشكل كارثي عن ضمان المساواة في الحصول على اللقاحات، ما حرم مليارات الأشخاص من أدوية منقذة للحياة.

وأضافت أنه على الرغم من النداءات الدولية المتكررة لضمان حصول ما لا يقل عن 40 بالمئة من الأشخاص في البلدان متدنية ومتوسطة الدخل على اللقاح بحلول نهاية 2021، استمرت شركات الأدوية في تجاهل هذه المناشدات.

وعلى الرغم من أن العالم أنتج حوالي 11 مليار جرعة من اللقاحات، فإن سبعة بالمئة فقط من الناس في البلدان متدنية الدخل تلقوا جرعة واحدة.

وأوضحت المنظمة أن شركات الأدوية أخفقت في الارتقاء إلى مستوى المسؤولية، بعد أن تنصلت من وعود عديدة قطعتها على نفسها بعدم التمييز بين الدول في توزيع اللقاحات.

ودللت على ذلك بإطلاق شركة "فايزر" الأميركية وعودا مضللة مفادها أن "لقاحها سيكون متاحا لكل مريض وبلد ومجتمع يسعى للحصول عليه"؛ بينما قدمت في الواقع الغالبية العظمى من لقاحاتها للبلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط.

ومنافستها، شركة موديرنا الأميركية أعطت أيضا الأولوية للمبيعات إلى الدول الغنية. ولا تزال كلتا الشركتين تقدمان أقل من واحد بالمئة من مخزونهما إلى البلدان متدنية الدخل.

وشددت "العفو الدولية" على أنه من خلال قراراتها، انتهى الأمر بشركات الأدوية إلى التسبب أو المساهمة في الإضرار بحقوق الإنسان عبر منع لقاحات كورونا عن مليارات الأشخاص حول العالم.

وأضافت أنه "قبل عام تقريبا من اليوم، أجيزت أولى اللقاحات. وبعد ما يزيد عن 365 يوما، نجد أن أشخاصا كثيرين في البلدان الأشد ثراء تلقوا ما يصل إلى ثلاث جرعات، بينما لم يتلق عدد أكبر من الأشخاص في الدول الفقيرة أي جرعات.

وأردفت: "كنا نأمل أن يساهم الضغط الدولي في فتح عيون الدول الثرية، وشركات الأدوية الكبرى للتوقف عن اكتناز اللقاحات ومشاركة حقوق الملكية الفكرية، لكن الجشع أعمى بصيرتها".

وزادت: "الكثير من البلدان متدنية الدخل تكابد الآن لمحاربة متحور جديد مميت (أوميكرون)، في حين لم يتلق غالبية سكانها أي لقاح. وما لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية الآن، فسيستمر وباء فيروس كوفيد-19 في إحداث الفوضى لسنوات قادمة".

وأكدت المنظمة أنه "بات واضحا أكثر من أي وقت مضى أن لا أحد في أمان، ما لم يكن الجميع في أمان".

لقاحات كورونا

تعتمد منظمة الصحة العالمية تسعة لقاحات للاستخدام في حالات الطوارئ ضد فيروس كورونا، كان آخرها "كوفوفاكس" المطور من قبل معهد سيروم الهندي الذي أجازته في 17 ديسمبر 2021.

وقبل ذلك اعتمدت منظمة الصحة العالمية لقاحات:

فايزر – بيونتيك في 31 ديسمبر 2020، وهو مطور من جانب شركتي فايزر الأميركية وبيونتيك الألمانية.

لقاحا أسترازينيكا وكوفيشيلد (النسخة الهندية) في 16 فبراير/ شباط 2021، وهما مطوران من طرف جامعة أكسفورد البريطانية ومختبر أسترازينيكا البريطاني-السويدي.

لقاح يانسن في 12 مارس/ آذار 2021، وطورته شركة جونسون آند جونسون الأميركية.

لقاح موديرنا في 30 أبريل/ نيسان 2021، وطورته شركة موديرنا الأميركية.

لقاح سينوفارم في 7 مايو/ أيار 2021، وطورته مجموعة الصين الوطنية للصناعات الدوائية.

لقاح سينوفاك في 1 يونيو/ حزيران 2021، وطورته شركة سينوفاك الصينية.

لقاح كوفاكسين في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وطورته شركة بهارات بيوتك الهندية.

فيما تواصل المنظمة الدولية دراسة لقاحات أخرى من أجل ترخيص استخدامها للحالات الطارئة.

ووفق شبكة سي إن إن الأميركية، كما تتمتع لقاحات كورونا بالقدرة على إنهاء أسوأ جائحة شهدتها البشرية منذ نحو قرن، فهي تعني أيضا مبيعات بمئات المليارات من الدولارات لشركات الأدوية التي تصنعها.

وأضافت بتقرير في 14 مارس 2021 أنه رغم تسعيرها عند أقل من 20 دولارا للجرعة الواحدة، إلا أن شركة فايزر مثلا توقعت أن تصل مبيعات لقاحها إلى حوالي 15 مليار دولار بحلول نهاية 2021.

وأوضحت أنه عادة لا تعد اللقاحات أكثر المنتجات ربحية لشركات الأدوية الكبرى، خاصة عند مقارنتها بالأدوية المستخدمة لعلاج الحالات المزمنة، لكن لقاح كورونا من الاستثناءات.

استغلال المعاناة

وتأكيدا لما كشفته "سي إن إن"، أظهرت دراسة أجرتها شركة "إيرفينيتي" لتحليل البيانات أن شركة فايزر حققت في 2021 أرباحا ضخمة من لقاحها المضاد لكورونا، تقدر بنحو 17 مليار دولار.

وأضافت الدراسة التي نشرتها وكالة بلومبرغ الأميركية في 16 ديسمبر 2021، أنه إلى جانب ذلك تستعد فايزر لجني أرباح بقيمة 20 مليار دولار في 2022، في إطار سعيها للهيمنة على سوق حبوب وأقراص للعلاج من كورونا.

في ظل تسارع الدول الغنية على شراء شحنات من تلك الأقراص التي يجري ترخيصها حاليا، في حين سيتعين على البلدان الفقيرة الانتظار حتى مطلع 2023 للحصول عليها.

وهذه الأرقام أقل بكثير من توقعات بوصول الشركة الأميركية إلى أرباح قياسية تتجاوز 33 مليار دولار، وفق ما قالت وكالة الأنباء الفرنسية في 9 أغسطس/ آب 2021.

كما توقعت بيونتيك الألمانية تحقيق مبيعات بنحو 15 مليار دولار في عام 2021، من اللقاح وهو منتجها الوحيد المخصص للبيع، بخلاف فايزر التي تنتج العديد من الأدوية.

ونقلت الوكالة الفرنسية عن شركة موديرنا الأميركية توقعها تحقيق 20 مليار دولار من عائدات لقاحها عن مجمل 2021.

كذلك قفزت إيرادات "سينوفاك" الصينية إلى 11 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من 2021، مقارنة بـ67.7 مليون دولار فقط في الفترة نفسها من 2020.

وتوقعت جونسون آند جونسون بيع ما قيمته 2,5 مليار دولار من لقاحها في عام 2021، فيما لم تكشف أسترازينيكا عن توقعات مفصلة.

وكلاهما زعما بيع لقاحاتهما بدون أرباح خلال الوباء، والاكتفاء بأرباح الجرعات المعززة اللاحقة لمرحلة الجائحة.

وارتفع عدد الإصابات بكورونا حول العالم إلى نحو 290 مليونا منذ رصد أول إصابة في مدينة ووهان الصينية عام 2019، منها نحو 5 ملايين و500 ألف وفاة، وفق موقع "وورلد ميترز" المتخصص في إحصاءات الجائحة.

وعلى صعيد اللقاحات، تلقى نحو 42 بالمئة من سكان العالم جرعة واحدة على الأقل من لقاح كورونا، ونحو 30 بالمئة منهم تطعيما كاملا.

فيما تلقى نحو 14 بالمئة فقط من سكان إفريقيا جرعة واحدة على الأقل، ونحو 9 بالمئة منهم تطعيما كاملا، وفق موقع "كوفيد" فاكس المعني برصد عمليات التلقيح.

ضغوط دولية

في خضم اكتشاف متحور أوميكرون الذي صنفته منظمة الصحة العالمية مثيرا للقلق، دعا الرئيس الأميركي جو بايدن في 27 نوفمبر 2021 منظمة التجارة العالمية إلى رفع الملكية الفكرية للقاحات كورونا، ما يسمح بالتوسع السريع في الإنتاج.

وجاءت دعوة بايدن الذي يصف شركات الأدوية بـ"آكلي لحوم البشر"، عقب مطالبات حقوقية ودولية عديدة من جهات متنوعة، لقطع الطريق على ظهور طفرات جديدة ما يدمر المكتسبات التي حققتها مختلف الدول.

واصطدمت هذه المطالبات برفض صانعي اللقاحات التي تعتبر الأمر غير فعال، مدعية أن القليل من البلدان لديها القدرة على إنتاج المزيد من التطعيمات حتى لو كانت تعرف التركيبات الكيميائية.

كما تزعم هذه الشركات، وفق موقع بلومبيرغ الأميركي، أنها بحاجة لتمويل البحوث المكلفة وتطوير منتجاتها الأساسية، في ظل تحمل المساهمين في رؤوس أموال الشركات خطرا كبيرا حال فشلت جهود التوصل إلى لقاح، فضلا عن مخاطر كبيرة تتعلق بالسمعة والمصداقية حال الإخفاق.

من جانبها، حذرت الأمم المتحدة في 27 ديسمبر 2021 من تأثير سياسة "الاكتناز ونهج أنا أولا "على وصول اللقاحات للفئات الأفقر والأضعف في العالم، مؤكدة أن التضامن هو السبيل الوحيد للانتصار على الفيروس.

وحمل التقرير المذكور عنوان "حصاد عام 2021: اللقاح ضد كوفيد-19 يرى النور لكنه يظل بعيدا عن متناول كثيرين".

وحذرت الأمم المتحدة فيه من سعي مصنعي اللقاح والدول إلى إبرام صفقات ثنائية بدلا من اتباع النهج التعددي وشراء البعض لقاحات أكثر من الحاجة.

وعلى نفس الوتيرة كانت حذرت شركة إيرفينيتي العالمية في 20 سبتمبر 2021 من أن أكثر من 100 مليون جرعة من لقاحات كورونا في جميع أنحاء العالم، ستنتهي صلاحيتها وتذهب هباء بحلول نهاية 2021، و40 بالمئة من هذه الجرعات موجودة في الاتحاد الأوروبي.

وعن جدوى هذه الضغوط الدولية، رأى مدير الشؤون القانونية والسياسات بمنظمة سكاي لاين لحقوق الإنسان، محمد عماد أن غالبية هذه الحملات تصدر من كيانات حقوقية، ومن أجل إحداث تأثير يجب أن تنبع هذه الضغوط من الدول والحكومات.

وأضاف لـ"الاستقلال" أن جهود المنظمات الحقوقية لا يمكنها فعل الكثير في هذا المسار والتأثير على الشركات المنتجة للقاحات، إنما هي مجرد حلقة في سلسة طويلة تضم الدول والشركات ومدى مراعاتها لقيم عدالة التوزيع.

وعن مستقبل الأزمة، استبعد عماد أن تحدث تغييرات في سياسة صانعي اللقاحات لأسباب رأسمالية بالأساس، فهدف الشركات تحقيق أكبر قدر من الأرباح، والإفصاح عن تركيبة التطعيمات سيضيع عليها فرصة كبيرة.