نحو إيران وتركيا.. لماذا ابتعدت الإمارات في سياستها عن السعودية؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

المنافسة الإقليمية المحتدمة منذ فترة بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، تأتي مثل جبل ثلج قمته بارزة، لكن ما يخفيه أعمق.

ظهر ذلك من خلال شواهد عدة، في السياسة الخارجية الأخيرة أبوظبي، والتي كانت بمعزل عن حلفها بشكله القديم مع الرياض، وأبرزها التقارب الإماراتي الإيراني.

فعندما حل طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي الإماراتي ضيفا في طهران، لم يكن الأمر ليَرُق للمملكة، وكذلك وصول الشيخ محمد بن زايد إلى أنقرة في ضيافة رجب طيب أردوغان، أكد تلك التوجهات. 

على الجانب الآخر اتخذت السعودية قرارات اقتصادية مفصلية انتزعت بموجبها مزايا عدة من الجانب الإماراتي، لا سيما نقل الشركات والقنوات الفضائية من دبي إلى الرياض.

وهو ما بعث باستفهامات مختلفة عن مضمون التململ القائم في العلاقة بين النظامين، وهل المتغيرات الإقليمية هي التي فرضته؟ أم البراغماتية المطلقة كان لها الدور الأهم؟

نحو إيران 

أبو ظبي نحّت الخلافات جانبا للتقارب مع طهران، وذلك تماشيا مع حوارها الثنائي مع دول أخرى في المنطقة، ترسيخا لسياسة خارجية جديدة تناسب المرحلة الحالية، وتتجاوز السنوات الماضية وتبعاتها الثقيلة. 

هذا ما ذكرته مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، في عددها الصادر بـ 17 ديسمبر/ كانون الأول 2021، وأوردت فيه أن "الإمارات بدأت أخيرا عملية تقارب مع إيران".

وقالت إنه "في أعقاب سلسلة من المصالحات الإقليمية مع كل من إسرائيل وقطر والنظام السوري وتركيا، كان هناك الكثير من الجدل في الإمارات حول التقارب الأخير مع إيران والذي تميز بزيارة مستشار الأمن القومي طحنون بن زايد إلى طهران في 6 ديسمبر".

وبينت أن آل نهيان في أبو ظبي رضخوا في النهاية لرأي حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يرى مصلحة اقتصادية وسياسية لإمارته في توثيق العلاقات مع إيران. 

كما أوردت أن "أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي خليفة بن زايد، رتب بالاشتراك مع الدبلوماسي الإيراني (جاهير ألمانلار) الزيارة إلى إيران، والتي حضرها أيضا هزاع بن زايد نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي والرجل الثاني في وزارة أمن الدولة".

وذكرت أنه "في نفس اليوم الذي زار فيه طحنون بن زايد طهران، كان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يتواجد في العاصمة الإيرانية".

وجاء ذلك بعد فترة وجيزة من استقبال رئيس النظام السوري بشار الأسد لوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في دمشق 9 ديسمبر، مبشرا بمحور جديد سيكون له تأثير في المنطقة في أعقاب عقد اتفاقات أبراهام التطبيعية مع إسرائيل عام 2020. 

ويبدو أن المحور الجديد لأبوظبي، بدأ يتشكل منذ أمد، عبر التوجه في مسالك مختلفة بعيدا عن السعودية، مع وجود مؤشرات على تباينات حادة في السياسة الخارجية بين البلدين، من حيث النظر للملفات الإقليمية المتشابكة والمعقدة. 

إلى تركيا

المتغير الثاني في سياسة أبوظبي الإقليمية، والذي جاء مضادا للمحور الإماراتي السعودي، هو ما وقع في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

في ذلك التاريخ، فتح المجمع الرئاسي التركي في أنقرة أبوابه لاستقبال وفد إماراتي رفيع، برئاسة ولي عهد أبوظبي، والرجل الأقوى في الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان.

والتقى الوفد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مشهد غير مسبوق منذ 10 سنوات، وهي الزيارة التي عززت من ظهور واقع مختلف للاتصالات الدبلوماسية بين البلدين، وبعثت برسائل سياسية واضحة، أن كل شيء لم يعد كما كان سابقا. 

وعندما أعلن وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو عن عودة العلاقات إلى طبيعتها مع الإمارات، لم تكن تلوح في الأفق أي خطوات إزاء تركيا من جانب المملكة العربية السعودية، كبرى الدول الخليج، بل بدت متحفظة على الخطوة. 

وهو ما أكده محللون من الرياض لموقع "الحرة" الأميركي، في 22 نوفمبر، إذ ذكروا أن المملكة تتريث في تنظيم علاقاتها مع أخذها في الحسبان أن أنقرة لاعب إقليمي لا يمكن إغفال دوره في عدد من الملفات.

لذلك فإن التقارب الإماراتي مع تركيا جاء مثيرا للاستفهامات والتساؤلات بالنسبة لقادة المملكة، لا سيما ولي العهد محمد بن سلمان.

ويمتلك هذا الأخير رصيدا عدائيا مع الرئيس أردوغان، منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، والحملة التركية التي كشفت تورط ابن سلمان في الجريمة المروعة. 

ويرى مراقبون أن هذا التقارب الأخير، لا يمكن أن يجرى بمعزل عن تطورات مفصلية حدثت في عمق العلاقات بين أبوظبي والرياض. 

شواهد الخلاف

القرار الإستراتيجي الصادم مطلع سبتمبر/ أيلول 2021، بنقل قنوات سعودية بارزة أهمها العربية والحدث وإم بي سي، من دبي إلى الرياض، بعد سنوات طويلة من العمل خارجها، عضد من فكرة وجود خلاف، ونية تغيير لدى إدارة المملكة تجاه حلفائها في أبوظبي. 

لا سيما أن القرار تزامن معه قرارات أخرى على نفس الوتيرة، فمثلا عدلت الرياض تعريفتها الجمركية على المنافذ الحدودية السعودية، وكان أكثر ما أثار الأمر استغرابهم هم الإماراتيون، كونهم أكثر من تضرروا من القرار. 

الرياض دخلت أيضا على خط المنافسة الإقليمية الاقتصادية مع أبوظبي ودبي، عندما منحت تراخيص غير مسبوقة إلى 44 شركة دولية لإنشاء مقرات إقليمية فيها.

ويأتي هذا في إطار سعي المملكة إلى أن تصبح مركزا تجاريا إقليميا والتنافس على جذب رؤوس الأموال والمهارات الأجنبية، وهو ما كانت تتميز فيه الإمارات منفردة. 

ومع زيادة وتيرة تلك التحولات بين البلدين، على المستوى الاقتصادي، بسحب الشركات والمؤسسات المملوكة للسعودية من الإمارات إلى الرياض، وعلى مستوى السياسة الخارجية، بتوجهات أبوظبي أكثر نحو تركيا وإيران، انتشرت تقارير أن الأزمة بين البلدين آخذة في التصاعد.

ففي 17 نوفمبر 2021، نشر موقع "دويتشه فيله" الألماني، تقريرا بعنوان "في مرمى النيران الصديقة.. ماذا يجرى بين السعودية والإمارات؟" أوردت فيه أن "المملكة، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربي، منخرطة بالفعل في منافسة اقتصادية محتدمة مع دبي". 

وذكرت أنه "لدى السعودية والإمارات تاريخ من العلاقات المتوترة، ففي عام 2009، أبطلت خطط إنشاء بنك مركزي لدول مجلس التعاون الخليجي وإطلاق عملة مشتركة عندما انسحبت أبوظبي، لأن المؤسسة كان مقرها الرياض".

وقالت إنه "مع تولي محمد بن زايد ولاية عهد أبو ظبي (عام 2004) ازدهرت العلاقات الثنائية حتى أصبحت الإمارات تلعب دور الحليف الداعم".

واستطردت: "لكن العلاقة بدأت في الفتور بعد اغتيال جمال خاشقجي في 2018، مع قلق قادة الإمارات من آثار الواقعة عليها وعلى السعودية". وأضافت: "عادت أبو ظبي لتزعج الرياض مجددا بسحب قواتها من اليمن في عام 2019". 

وفي 7 يوليو/ تموز 2021، نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، تقريرا يؤكد أن "الخلافات بين السعودية والإمارات، حدثت جراء حسابات جيوسياسية أوسع وتنافس إقليمي متصاعد بين البلدين". 

وقالت إن "البلدين كانا الثنائي القوي في الخليج العربي، وتعاونا في جهود مشتركة ضد الخصوم الإقليميين والأيديولوجيين".

غير أنه خلال المرحلة الأخيرة، اتخذت العلاقة بينهما منعطفا نحو الأسوأ، مع توترها بسبب تباين المواقف بشأن اليمن، وإنتاج النفط، وحسابات جيوسياسية أوسع بعد تولي إدارة جديدة في واشنطن (برئاسة جو بايدن)، وفق قولها.

وأكدت أن "الدولتين تعيدان تقييم ميزان القوى في علاقتهما الثنائية بما ينطبق على الساحة الإقليمية والدولية".