ضبط جاسوسين خلال شهر.. لماذا يلاحق اللوبي الإسرائيلي مسلمي أميركا؟

في شهر واحد اكتشف مسلمو أميركا جاسوسين على علاقة بإسرائيل، اخترقا مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية "كير"، ما أثار تساؤلات عن أسباب مراقبة الكيان الصهيوني لمسلمي الولايات المتحدة.
واكتشفت عمليتا التجسس في ديسمبر/ كانون الأول 2021، ونفذ الأولى شخص من داخل "كير"، أما الثاني تطوع لإبلاغ المجلس بها كاشفا أن مؤسسة "المشروع الاستقصائي حول الإرهاب" (آي بي تي) الداعمة لإسرائيل، تقف وراءهما.
وأسست هذه المؤسسة في عام 1995 من قبل شخص يدعى "ستيف إيمرسون"، وهو يديرها حاليا، ويتمتع بعلاقات وثيقة مع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وتنسق المؤسسة جهودها مع الحكومة الإسرائيلية.
وليست محاولات اختراق المجلس الإسلامي (مستقل/مقره واشنطن) الأولى من نوعها، فـ"كير" يتعرض منذ 2008 للتجسس من قبل هذه المؤسسة المعروفة بعدائها للمسلمين.
وهذا التجسس يسلط الضوء على قلق إسرائيلي متصاعد من انخراط المسلمين في الحياة السياسية وفوزهم بمناصب سياسية في أميركا في السنوات الأخيرة.
وشارك مسلمو أميركا بكثافة في انتخابات مجالس الولايات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 وحققوا رقما قياسيا بفوز 57 من 110 ترشحوا منهم، كما فاز 11 مسلما لأول مرة في الانتخابات المحلية الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.
ويرى مراقبون أن من أسباب قلق إسرائيل أيضا، لعب نواب الكونغرس المسلمون أدورا في عرقلة صفقات سلاح لإسرائيل، إضافة إلى خشية اللوبي الصهيوني من منافسة لوبي إسلامي قوي له في المستقبل.
ووقع تطور آخر زاد من التوتر، فبعد 10 أيام من كشف محاولة التجسس الأولى على الجالية المسلمة بمدينة كولومبوس في ولاية أوهايو (شرق)، وجد إمام مسجد مسلم مقتولا في نفس المدينة.
وقتل الدكتور محمد حسن آدم، إمام مسجد "أبو هريرة"، عقب اختفائه بيومين، وتحقق الشرطة في الجريمة التي هزت المجتمع المسلم، خشية أن يكون لها علاقة بكشف الجاسوسين التابعين لإسرائيل.
وأعلن المجلس الإسلامي في بيان بتاريخ 24 ديسمبر 2021 عن مكافأة قدرها 10 آلاف دولار مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال وإدانة أي شخص متورط بجريمة قتل الإمام.
تفاصيل التجسس
في 14 ديسمبر 2021 كشف فرع "كير" بأوهايو أن مدير الفرع "رومين إقبال" تم تجنيده من قبل مجموعة معادية للمسلمين تتعاون مع مخابرات إسرائيل، وتمت إقالته لتسريبه معلومات، وتبين أن المجموعة هي مؤسسة "آي بي تي".
وقال نهاد عوض، المدير التنفيذي للمجلس في مؤتمر صحفي إن "إقبال" كان من بين جواسيس "آي بي تي" حيث كان يسجل اجتماعات "كير" منذ سنوات ويرسلها لهذه المجموعة المعادية للمسلمين.
وعقب اعتراف إقبال بهذه الانتهاكات الأخلاقية، تمت إقالته وإبعاده عن العمل في المجلس الإسلامي.
وبعد أسبوع، تم كشف محاولة التجسس الثانية في 21 ديسمبر 2021، لكن "كير" قال إن شخصا ليس من المجلس هذه المرة، تطوع باعترافات عن تجسس مؤسسة "آي بي تي".
وأعلن "كير" أن "الجاسوس، الذي كان متطوعا نشيط في أحد المساجد الكبيرة حيث تعقد اجتماعات كير، اعترف عن نفسه طواعية ووافق على التعاون معنا".
وأكد أنه "كان يتلقى حوالة شهرية من آي بي تي بـ3000 دولار، بمجموع 100 ألف دولار خلال سنوات خدمته الأربع لهم، مقابل جمعه معلومات وتسجيل ما يقوله مسؤولون كبار داخل المجلس".
وأوضح "كير" أن هدف هذه المؤسسة المزعوم هو "حماية الحكومة الإسرائيلية" بالتصدي لعمل النشطاء المسلمين وتقويضه.
وتفعل هذا عبر حملة مؤيدة لإسرائيل للتجسس على المجتمعات الإسلامية والمنظمات المرتبطة بها في جميع أنحاء أميركا.
وخلال المؤتمر كشف المجلس عن سلسلة من الرسائل الإلكترونية بين مسؤولين إسرائيليين و"آي بي تي".
كيف رد الجواسيس؟
عقب اتهام المجلس الإسلامي للمخابرات الإسرائيلية بالتجسس عليه عبر مؤسسة "آي بي تي"، أصدرت الأخيرة بيانا في 22 ديسمبر 2021 تنفي وتتهم "كير" بالإرهاب ومعاداة السامية.
وزعمت المؤسسة أن "مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية يتبع أجندة سياسية مدفوعة بأيديولوجية دينية تركز على إيذاء إسرائيل".
ووصفت نفسها بأنها مجموعة بحثية غير ربحية تحقق في "الجماعات الإرهابية الإسلامية المتطرفة"، ومن حقها كشف ما تفعله مؤسسة "كير".
وقالت إنها "لم ولن تراقب أبدا المجتمع المسلم الأميركي في نطاقه الأوسع"، لكنها لن تتردد في الإبلاغ عن الجماعات التي تزاول "نشاطا إسلاميا متطرفا"، بحسب زعمها.
كما اتهمت مسؤولي "كير" بالتحريض ضد اليهود، مشيرة لحديث مديرة المجلس في سان فرانسيسكو "زهرة بيلو" عن "قائمة أعداء للمدافعين عن القضية الفلسطينية"، غالبيتهم العظمى من اليهود الأميركيين.
وزعمت أن المسلمين يقولون إن "اليهود وراء مؤامرة ممولة جيدا لدفع الإسلاموفوبيا لتهميشنا، وسجننا، وترحيلنا وإسكاتنا"، ومدير المركز نفسه (نهاد عوض) وصف إسرائيل بأنها "دولة محتلة".
فيما يقول "كير" إن مؤسسة "آي بي تي"، تختلق تهديدات لا أساس لها من الصحة لتصوير المسلمين على أنهم خطرون وتستخدمها للحصول على تمويلات لها.
وتتخفى مؤسسة "آي بي تي" تحت غطاء "مؤسسة بحثية" غير ربحية، مهمتها "فضح أنشطة الشبكات الإرهابية وأنصارها في الولايات المتحدة وخارجها وتثقيف العموم حول هذا التهديد"، رغم ثبوت حصولها على أموال من مصادر يهودية وإسرائيلية.
ويوضح موقع شبكة الإسلاموفوبيا المختصة في رصد الجماعات المعادية للمسلمين بالولايات المتحدة ومموليها، أن مؤسسة "آي بي تي" تمثل تهديدا خطيرا على حقوق المسلمين الأميركيين وحرياتهم.
ويؤكد أنها تستعمل دعاية تصف المسلمين بالعنف والإرهاب من أجل الحصول على تمويلات من المانحين الذين يشاركونها الرأي.
شعبوية مضللة
وفق "كير"، يعرف عن إيمرسون "تلفيقه أدلة لإثبات هذيانه بشأن التطرف الإسلامي"، ويقدم نفسه على أنه "باحث متخصص في الجماعات الإرهابية الإسلامية بالشرق الأوسط"، بينما ينشر أكاذيب لا تستند لحقائق.
وسبق أن أشارت "مبادرة بريدج" التابعة لجامعة جورج تاون في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2020 إلى أن إيمرسون لديه "تاريخ من الترويج لمعلومات مضللة ونظريات المؤامرة حول الإسلام والمسلمين".
كما وصف تقرير صادر عن مركز التقدم الأميركي للدراسات (مستقل) في أغسطس/آب 2011، إيمرسون بأنه "خبير في المعلومات المضللة"، و"يخترع حقائق ومواد كاذبة يستخدمها القادة السياسيون والجماعات الشعبوية ووسائل الإعلام".
وسبق أن نشرت عدة صحف وتقارير أميركية معلومات عن زيف وأكاذيب إيمرسون لتبين أنه مدع وكذاب، واتهمته بسرقة كتب ومقالات.
كما ظهر في عديد من برامج فوكس نيوز في أبريل/نيسان 2013 بعد تفجيرات ماراثون بوسطن، زاعما أن التفجيرات كانت من قبل مواطنين سعوديين، وهو أمر ثبت كذبه.
وفي نفس القناة خرج في يناير/كانون الثاني 2015 مدعيا أن "هناك مدنا مثل برمنغهام في إنجلترا، مسلمة بالكامل ولا يذهب غير المسلمين إليها"، ما دعا مقياس الحقيقة التابع لموقع "بوليتيك فاكت" للقول ساخرا إن "خياله واسع".
أدلة التجسس
وشملت اعترافات الجاسوسين أدلة على أن المعلومات التي كانت تجمعها مؤسسة "آي بي تي" عن طريقهم، كانت لصالح عناصر استخباراتية إسرائيلية مقربة من رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.
وذكر "كير" أن "أحد أهداف إيمرسون، هو حماية الحكومة الإسرائيلية من خلال تقويض عمل المسلمين المنخرطين في النشاط السياسي وحقوق الإنسان ضد إسرائيل".
وأكد في بيان بتاريخ 14 ديسمبر/كانون الأول 2021 أن إيمرسون على ارتباط مع مسؤولين استخباراتيين إسرائيليين، مثل يوسي كابرواسر وإيدو مزراحي وهما عملا ضمن فريق نتنياهو.
ونشر كير رسائل إلكترونية تثبت ارتباط إيمرسون بهذين الضابطين، وفي إحداها يطلب "مزراحي" منه أن يجمع معلومات حول مجموعة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، وهل هم تابعون لحركة حماس الفلسطينية ؟
وبعد بضعة أشهر، أرسل مزراحي طلبا لإيمرسون للحصول على معلومات حول العلاقات بين حركة حماس وجماعة بوكو حرام الناشطة في غرب إفريقيا.
ورد إيمرسون برسالة محولة إلى موظفيه كتب فيها: "هذا طلب عاجل ذو أولوية قصوى من مكتب رئيس الوزراء نتنياهو، من يمكنه العمل على هذا الملف الآن؟ هذا عاجل".
لماذا يتجسسون؟
إضافة إلى انزعاجها من تزايد المنظمات الأميركية الإسلامية التي تساند القضية الفلسطينية، تبدي إسرائيل انزعاجا أكبر من نواب الكونغرس المسلمين لمعارضتهم صفقات سلاح لها.
هذا الانزعاج تصاعد مع تزايد انخراط المسلمين في الانتخابات الأميركية الأخيرة، ومزاحمة اللوبي الصهيوني الذي كان يخدم على مصالح إسرائيل.
وتزايد غضب تل أبيب مع مطالبة نواب الكونغرس مرتين بعرقلة صفقات سلاح لها، خصوصا من جانب النواب المسلمين، لهذا هاجمتهم.
وفي 17 مايو/ أيار 2021، حذرت عضو الكونغرس الأميركي المسلمة إلهان عمر، من تداعيات صفقة الأسلحة التي أبرمتها بلادها مع إسرائيل بقيمة 735 مليون دولار، وذلك تزامنا مع العدوان الإسرائيلي على غزة.
ووقعت مع عشرات النواب رسالة عاجلة إلى الرئيس جو بايدن، يطلبون فيها "تأجيل المضي في تسليم صفقة أسلحة ذكية موجهة لإسرائيل"، وبعد تعطيلها وافق بايدن على الصفقة أواخر مايو 2021.
وتكرر الأمر في 21 سبتمبر/أيلول 2021 حين ألغى مجلس النواب الأميركي، بتحرك من النواب الديمقراطيين، مؤقتا، تمويل القبة الحديدية الإسرائيلية بقيمة مليار دولار، ثم عاد المجلس ووافق رغم معارضة نواب مثل إلهان عمر، ورشيدة طليب.
وفي الكونغرس الأميركي يوجد حاليا نحو 7 نواب مسلمين بينهم واحدة من أصول فلسطينية، 3 أعيد انتخابهم، و4 لأول مرة يوجدون في مجلسي النواب والشيوخ.
وصعود كثير من المسلمين الأميركيين لمواقع السلطة والتأثير في واشنطن، وفي مجالس الولايات في الانتخابات الأخيرة يزعج إسرائيل واللوبي الصهيوني بعدما قرر المسلمون انتزاع حقوقهم ومحاربة الإسلاموفوبيا من قلب الحكم.
وفي سبتمبر 2021 وبالتزامن مع ذكرى هجمات 11 سبتمبر، نشرت مجلة "نيوزويك" الأميركية، تقريرا مطولا عن تصاعد النفوذ السياسي والثقافي للمسلمين الأميركيين خلال عقدين من الزمن.
ونشرت تفاصيل فوز المسلمين بمناصب تشريعية مختلفة، وكيف لأول مرة تولى مسلمان منصبي قاض بمحكمة فيدرالية ورئيسة مفوضية التجارة الفيدرالية، فضلا عن نواب بالكونعرس وعمدة مدن وأعضاء بمجالس إدارات مدارس ومدن.
ويقول خبراء إن الخبرة الناتجة عن بلوغ المسلمين مرحلة الرشد ما بعد 11 سبتمبر هي ما جذبت جيلا جديدا منهم للنشاط السياسي، وحفزتهم على استخدام أصواتهم في الساحات السياسية لفضح زيف المعلومات المضللة.
ما يزعج إسرائيل أيضا تزايد عدد المسلمين في أميركا وتقدمهم نحو اجتياز عدد اليهود، بحسب دراسة لمشروع "بيو تمبلتون" العالمي للمستقبل الديني.
الدراسة، التي نشرها موقع "فورورد" اليهودي في 8 يناير/كانون الثاني 2018 في تقرير تحت عنوان: "ماذا يحدث لإسرائيل عندما يكون عدد المسلمين في أميركا أكبر من اليهود؟"، تظهر خشية اليهود مما سيحدث عام 2050.
وتؤكد أنه في هذا التاريخ سيكون عدد المسلمين نحو 8.1 ملايين، مقابل 5.3 ملايين من اليهود، ما سيترتب عليه "زيادة التأثير السياسي الإسلامي في المستقبل".
المصادر
- An Important Update on Our Fight against Anti-Muslim Hate Groups
- Romin Iqbal, of CAIR-Ohio, fired for allegedly leaking information to anti-Muslim group
- Why CAIR Merits Attention from All of Us
- Steve Emerson allegedly provided info on Muslim human rights groups to Israeli government
- What is the Investigative Project on Terrorism, and who is its founder Steve Emerson?
- What Happens To Israel When There Are More Muslims In America Than Jews?
- كيف حاز المسلمون الأمريكيون نفوذاً سياسياً وثقافياً غير مسبوق منذ أحداث 11 سبتمبر؟