المدينة المنسية في حرب اليمن.. لماذا تذكرت الأمم المتحدة "تعز" بعد 6 سنوات؟

عبدالرحمن جابر | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في خضم حراك واسع أعادت زيارة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ إلى مدينة تعز جنوب غربي البلاد لفت الأنظار نحو سياسة التجاهل الدولي التي طالت المدينة طوال 6 سنوات من الحصار الخانق الذي تفرضه مليشيا الحوثي عليها.

زيارة غروندبرغ إلى تعز في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 هي الأولى لمبعوث أممي للمدينة منذ بدء الحرب في اليمن قبل نحو 8 أعوام.

والتقى المبعوث الأممي، الذي جرى تعيينه في 6 أغسطس/ آب 2021، بقيادة السلطة المحلية وممثلي الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بمحافظة تعز، واطلع على الأوضاع الإنسانية في المدينة.

ويحاصر الحوثيون معظم منافذ المدينة الواقعة تحت سلطة الحكومة اليمنية.

وصعب الحصار  على السكان التنقل بين تعز والمحافظات الأخرى، وتسبب بزيادة كبيرة في أجور نقل البضائع إليها، الأمر الذي تسبب بارتفاع الأسعار.

وأدى إلى تدهور متفاقم للوضع الإنساني والصحي في المدينة المكتظة بالسكان، خصوصا بعد منع دخول كثير من المساعدات، وإعاقة توصيل الإمدادات الإنسانية الطارئة للمدينة.

وتكتسب مدينة تعز أهمية كبيرة في معادلة الصراع باليمن، وتتمتع بثقل ديمغرافي جعل منها أحد أهم ثلاثة مراكز حضرية في البلاد.

وتتوسط تعز اليمن، وهو ما يشير إلى مركزية الدور الذي بإمكان المدينة أن تلعبه في مواجهة أي مخطط قد يستهدف مصير وحدة البلاد.

فشل أممي

وبالنظر إلى التأثير الذي تتمتع به مدينة تعز، فقد شكل ملف رفع الحصار الذي يفرضه الحوثيون عليها موضوعا رئيسا في طاولة المفاوضات، على الرغم من التهميش الذي تعرض له الملف بعد التفاهم عليه في اتفاق استوكهولم ديسمبر/ كانون الأول 2018.

ويرى العديد من المراقبين أن حسابات سياسية يقف وراءها بعض شركاء قيادة الشرعية في اليمن هي السبب وراء العقبات التي تحول دون معالجة جذرية لأزمة تعز الإنسانية.

لا سيما وأن دولا مشاركة في التحالف العربي لا تزال تقود حراكا دبلوماسيا وإعلاميا ضد تعز في الأوساط الغربية والدولية، الأمر الذي انعكس سلبا على طريقة تعامل منظمات الأمم المتحدة مع الأوضاع الإنسانية في المحافظة.

جذبت زيارة المبعوث الأممي إلى مدينة تعز اهتمام اليمنيين، تاركة صدى واسعا. وفيما اعتبرها بعض المعلقين استدراكا خائبا ومحاولة فاشلة لترميم صورة الأمم المتحدة المتداعية في عقلية اليمنيين، عدها آخرون خطوة مهمة وفي الاتجاه الصحيح يجب البناء عليها.

وقال الكاتب والباحث السياسي عادل دشيله إن "الفشل السياسي للأمم المتحدة قادها للفشل في معالجة الوضع الإنساني خلال المرحلة الماضية وحتى اليوم".

وشدد دشيله في حديث لـ"الاستقلال على ضرورة " تغيير أدوات الأمم المتحدة في الوساطة وليس البقاء على نفس طرق المبعوثين السابقين".

من جانبه يرى الكاتب اليمني أيمن نبيل في مقال بعنوان "إعادة تعريف مهمة المبعوث الأممي" نشر على موقع المشاهد في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني  2021 أن "تاريخ اليمن مع المبعوثين الأمميين لا يبعث على التفاؤل".

وبين أن تجربة المبعوثين السابقين جمال بنعمر ومارتن غريفيث تحديدا، تزيد طين التشاؤم بلة.

وأوضح نبيل أن سلوكهما لم يكن سلبيا مستسلما تماما لموازين القوى فحسب كما هو شأن المبعوثين الأمميين عموما، بل كانت لديهما تصورات معادية موضوعيا لبناء الدولة في اليمن، وضغطا بكل قوتهما لتنفيذها، مما جعلهما أقرب إلى طرف في الصراع الدائر منه إلى وسيط لحله.

وخلص إلى أن" العمل الإنساني مختزل في السلال الغذائية ومخيمات النازحين دون محاور أساسية أخرى".

بدوره، قال المدير التنفيذي لمركز تعز الحقوقي أيمن الكمالي "أستغرب التجاهل الذي تعرض له حصار المدينة من قبل منظمات الأمم المتحدة ومبعوثيها قبل غروندبرغ".

وأضاف الكمالي لـ"الاستقلال" أن "سياسية الأمم المتحدة تجاه تعز امتلأت بالتجاهل لملف كبير وهو حصار مدينة يسكنها  3 مليون إنسان".

وتابع "تتعرض تعز لقصف مستمر طوال ست سنوات، يقتل فيها الأطفال والنساء والمسنون، وبالرغم من كل هذا يغيب هذا الملف عن الاهتمام والتفاعل الأممي".

وبحسب مركز تعز الحقوقي فإن الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الحوثي ضد المدنيين منذ مارس/آذار 2015 وحتى 2020 سجلت 17326 حالة بين قتيل وجريح، بينهم 3916 طفلا و1527 امرأة و1053 مسنا.

وشهدت مدينة تعز منذ 2015 عشرات التظاهرات والحملات الشعبية، على الأرض وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، نددت باستمرار الحصار الذي يفرضه الحوثيون على المدينة.

وطالبت بضغط أممي دائم على الحوثيين لفكه، إلا أنها كانت تقابل بتفاعل ضعيف وعدم اكتراث من قبل المنظمات الدولية ومجلس الأمن الدولي.

وفي الثاني من أبريل/ نيسان 2021 وجهت فروع الأحزاب السياسية في تعز خطابا إلى المبعوث السابق للأمم المتحدة في اليمن مارتن جريفيث، طالبته فيه بالتدخل العاجل لوقف جرائم الحوثي المتواصلة بحق المدنيين في المدينة.

وأكدت على ضرورة استيعاب المطالب التي تضمنها الخطاب وشمول تعز في المعالجات الإنسانية.  

أياد عابثة

دخلت مليشيا الحوثي الموالية لإيران في وقت مبكر من الحرب في اليمن في مواجهة مع سخط وإدانة اليمنيين إزاء الانتهاكات التي يرتكبها مسلحو المليشيا بحق المدنيين.

وبظهور قوات المجلس الانتقالي وقوات طارق صالح المدعومة إماراتيا أصبح موقف الأمم المتحدة المتغاضي عن الجرائم التي تمارسها المليشيا شمالا وجنوبا محل شك وتنديد من قبل اليمنيين هو الآخر.

وأعلن سياسيون وعسكريون موالون للإمارات في 11 مايو/أيار 2017 تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، برئاسة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي.

ويتزعم المجلس الانتقالي مطلب "فك الارتباط" عن شمال اليمن، ويستخدم السلاح لتحقيق ذلك المطلب، ويمتلك مليشيا عسكرية أشهرها الحزام الأمني وقوات النخبة الجنوبية.

ويعد العميد طارق صالح من أبرز القيادات العسكرية في نظام عمه الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.

وتحالف العميد مع الحوثيين بعد سيطرتهم على صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.

وبعد مقتل عمه في ديسمبر/كانون الأول 2017  على يد الحوثيين تحول إلى مناوئ لهم وحليف للإمارات.

ويتخذ طارق من منطقة المخا الساحلية معقلا لتشكيلاته العسكرية التي تمولها الإمارات.

ويرى مراقبون أن الأمم المتحدة تورطت بدعم مليشيا الحوثي في ملفات عديدة بطرق غير مباشرة خلال أزمة اليمن.

وفي الوقت ذاته انتهجت سياسة متساهلة أمام تدهور الوضع الإنساني في مدينة تعز في خدمة كبيرة لمساعي الإمارات في إبقاء المدينة محاصرة، الأمر الذي تعتقد أبو ظبي أنه يساعدها على إلحاق الضرر بأبرز تيار سياسي يمني في المدينة.

وهنا إشارة إلى حزب الإصلاح الذي تتبنى الإمارات موقفا عدائيا منه، وتزعم أنه يهيمن على المشهد السياسي فيها.

وقال الصحفي والكاتب اليمني وديع عطا "لا يخفى على أحد سوء النوايا التي تجسدت في تعاطي التحالف السعودي الإماراتي في التعامل مع تعز".

وأضاف عطا لـ"الاستقلال": "تعز بنظرهم مركز (حزب) الإصلاح (الإخوان المسلمين)، الخصم التقليدي لدول التحالف، التي يجب أن تبقى دون انتصار ولا اكتفاء إغاثي ودون اهتمام حقيقي من الشرعية لتصبح عرضة للفوضى".

وأكد: "الحقيقة أن تعز أكبر من الأحزاب ومن كل الجماعات، وأنها أهم الثورات وعنوان الديمقراطية في اليمن حتى في زمن الحرب ورغم ما يعتريها من معاناة".

وفي السياق ذاته قال الصحفي عمار النجار: "تعتقد الإمارات أن حزب الإصلاح يمتلك نفوذا كبيرا في المشهد السياسي والعسكري داخل تعز لذلك فلا مشكلة لديها إذا بقي الحوثيون يخنقون المدينة".

وبين النجار أن "الإمارات لا ترى حرجا في استمرار حصار وقصف المدنيين، ومن غير المستبعد بعد اتضاح أجندتها في حرب اليمن أنها تدفع نحو إدامة مأساة أبناء تعز، طالما وهي تظن أن ذلك يسهم في تأديب حزب الإصلاح".

رسائل متفرقة

حملت زيارة المبعوث الأممي الجديد رسائل متفرقة إلى جميع المكونات السياسية داخل تعز.

ورغم أن الزيارة لم تحقق تقدما كبيرا فيما يتعلق بالملف الإنساني إلا أنها، حسب مراقبين، أظهرت إرادة لا تخلو من تحرر لدى غروندبرغ في سبيل فهم حقيقي للأزمة اليمنية.

وقال المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي في تغريدة عبر تويتر: "المبعوث الرابع إلى اليمن، هانس غروندبرج، وصل إلى مدينة تعز في سابقة تشير بوضوح وجود توجه متحرر لديه من السردية الغربية والإقليمية للحرب التي تعاملت مع المحافظة كهدف مستباح للمليشيات الحوثية والإماراتية". 

من جانبه قال الباحث والكاتب اليمني محمد المياحي: "أظهرت زيارة غروندبرغ إلى تعز انهيار السردية الخليجية، وانفضاح رواية الأقبية الاستخباراتية ".

وأضاف المياحي لـ"الاستقلال": "اليوم نشاهد تفكك الرؤية الملفقة عن تعز، حيث تروج الإمارات عبر أدواتها أن المدينة معقل المليشيات غير النظامية، وهذا غير صحيح، في الوقت نفسه تفرخ أبوظبي مليشياتها على كل اليمن".

وأكد أنه "طوال سنوات تحكمت الرؤية السعودية والإماراتية بالنظر الأممي نحو تعز، لكننا نشاهد اليوم على الأرض تشكل رؤية أممية جديدة، تملك إدراكا واقعيا عن حقيقة الأوضاع والقوى في المدينة".

فشلت الدعاية الإماراتية في عزل تعز عن العالم بعد الآن، وأصبحت المدينة تمتلك حضورا غير ملتبس في الذهنية الأممية. 

وبخصوص إمكانية نجاح جهود المبعوث الأممي في فك الحصار عن تعز قال رئيس تحرير موقع "رأي اليمن" خليل العمري، واصفا غروندبرغ بأنه "يتمتع بقدرات فاعلة وبديناميكية عالية في أزمة بالغة التعقيد".

وأوضح العمري لـ"الاستقلال": "غروندبرغ متحرك على الأرض، ووصل إلى مناطق التربة والمخا في أول مرة لمبعوث أممي إلى اليمن".

وأشار إلى أن "هذه التحركات الأخيرة في مناطق سيطرة حلفاء التحالف العربي أزعجت قيادات مليشيا الحوثيين، وأظهرتهم طرفا هامشيا في معادلة السلام والحرب".

ولفت الباحث السياسي دشيله "يبدو أن المبعوث الأممي يريد تفعيل اتفاقية ستوكهولم الميتة في الأساس، إلا أن الحركة الحوثية لم ترسل حتى رسائل إيجابية للتعامل بجدية مع هذا التوجه الأممي الجديد، فهي ترفض الزيارة".

وخلص الكاتب اليمني عطا أنه "ما لم تثمر هذه الزيارة إنهاء للحصار المفروض على تعز فإنها مجرد نشاط استعراضي للاستهلاك الإعلامي ليس إلا".

وأكد بالقول "لا تزال بالنسبة لنا كذلك حتى نرى تغيرا ملموسا في موقف المجتمع الدولي ومنظماته العاملة في اليمن تجاه تعز وتجاه كل منطقة يمنية يعيش أهلها ذات المعاناة". 

جدير بالذكر أن مليشيا الحوثي المسلحة  تقدمت نحو مدينة تعز في مارس/آذار 2015، بعد قرابة 6 أشهر من عملية الانقلاب التي نفذتها المليشيا على الحكومة في صنعاء.

واندلعت معارك عنيفة في أرجاء المدينة التي كانت المليشيا تسيطر على مناطق فيها، قبل أن تحررها القوات الحكومية في أوقات لاحقة في أغسطس/ آب 2018.