رغم عدم تأثر حاشيته بالأوضاع.. هكذا يسرق نظام الأسد أموال السوريين

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بين يوم وآخر يستيقظ السوريون على لوائح وأرقام جديدة تحملها المواد الغذائية في المناطق التي يسيطر عليها النظام برئاسة بشار الأسد، والذي يمارس التضييق الاقتصادي وتقليل الدعم عن المنتجات الأساسية تحت مبررات عدة.

فمنذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021، زادت حكومة النظام السوري جرعة الخناق على المواطن، سواء بزيادة الأسعار أو رفع الدعم عن بعض السلع، ما فاقم الوضع وأزمه أكثر.

وبدا جليا أن النظام بدأ في اتباع سياسة التخصيص في كل الحاجات الضرورية لدرجة أن المواطن أصبح تلقائيا يتعود على التقشف، ويوزع دخله الشهري على أشد المواد ضرورة للمنزل.

رفع أسعار

وأصدرت وزارة الكهرباء في حكومة النظام قرارا بدأت في تطبيقه منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021، يقضي برفع أسعار الكهرباء في معظم شرائحها بنسب تراوحت بين 100 بالمئة و800 بالمئة.

ويعتبر 70 بالمئة من المواطنين المستهلكين للكهرباء في سوريا ضمن الشريحة الأولى التي ارتفع سعر الكيلوواط فيها من ليرة إلى ليرتين سوريتين بموجب القرار المذكور.

كما أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التابعة للنظام، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021، رفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي الموزع عبر البطاقة الذكية بأكثر من ضعفين، بحيث ارتفعت إلى 9700 ليرة، (3.8 دولار)، بعدما كان سعرها محددا بـ 3800 ليرة.

لكن هذه الخطوة مرهقة لجيب المواطن، لأسباب كثيرة أولها أن الأسطوانة لا تكفي لشهر واحد، ثم إن سعر نظيرتها المباعة في السوق السوداء تتجاوز مبلغ 120 ألف ليرة (34 دولار)، أي راتب موظف حكومي لشهرين.

ويبلغ متوسط الرواتب الشهرية للموظفين في سوريا سواء في القطاع العام بنحو 75 ألف ليرة (21 دولارا)، أما الخاص فهو ليس بأفضل حالا، إذ يعاني من ضعف كبير ويبلغ متوسط الرواتب نحو (40 دولارا).

وسبق ذلك، وتحديدا في 11 يوليو/تموز 2021، إقدام حكومة الأسد على رفع سعر الخبز بنسبة 100 بالمئة، ليصبح سعر الربطة 200 ليرة بعد أن كان 100 ليرة سورية، إذ يحصل الشخص الواحد على أربع ربطات من الخبز في الأسبوع، بالإضافة إلى سلسلة زيادات في الأسعار شملت المازوت والبنزين والسكر والأرز.

ويلجأ معظم السوريين إلى الاعتماد على أكثر من مصدر لمحاولة الموازنة بين الدخل والمصاريف، وأبرز تلك المصادر الحوالات المالية من مغتربين خارج سوريا، والاعتماد على أعمال أخرى، فضلا عن استغناء العائلات عن أساسيات كثيرة في حياتها لتخفض من معدل إنفاق الشهري.

ووفقا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنساني، حول الوضع المعيشي بسوريا، 14 من سبتمبر/أيلول 2021، فإن تسعة من بين كل عشرة أشخاص يعيشون تحت خط الفقر.

وكانت حكومة الأسد أقرت الاعتمادات الأولية للموازنة العامة للدولة لعام 2022 بأكثر من 13 تريليون ليرة سورية (أكثر من 5 مليارات دولار، حسب السعر الرسمي) بزيادة تقدر بنحو 56 في المئة، مقارنة بـ 8500 مليار ليرة لموازنة العام 2021.

عجز اقتصادي

وفي هذا الإطار يلفت الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو بقوله لـ "الاستقلال"، إن النظام "يعاني حاليا عاجزا بكل ما تعنيه الكلمة من القيام بواجباته الاقتصادية تجاه الشعب، وهذا ما كشفه العجز في الميزانية دفعه لتخفيض الدعم والكميات ورفع الأسعار".

وأشار شعبو إلى أن "النظام السوري وحاشيته ومن يدور في فلكه من طبقات اقتصادية وأمنية لم يتأثروا بتدهور الوضع المعيشي، بل جنوا ثروات عبر التجار الجدد الممسكين بالاقتصاد والمدعومين من بشار وأسماء (زوجة الأخير) وإيران".

واعتبر الأكاديمي أن "تحديد كمية الخبز للمواطن عبر البطاقة الذكية برغيفين يوميا يمكن القياس عليه بأن المجاعة قادمة لا محالة وهذا ما يدفع الأهالي للهروب من سوريا وما يوازيه من حجم الممتلكات المعروضة للبيع في مناطق النظام بداعي السفر".

ولم يعد أمام المواطن السوري سوى البقاء في صراع يومي مع المهمة المستحيلة في موازنة الدخل الشهري، مع حاجة أفراد الأسرة للحفاظ على أدنى مقومات العيش بعيدا عن الرفاهية التي أصبحت ضربا من ضروب الخيال وتقتصر على فئات معينة.

يقول أحمد الضيف وهو دمشقي يمتلك محل أثاث، لـ "الاستقلال" "أكاد أجزم أن أي ثلاجة منزل في دمشق لا يوجد فيها سوى قليل من الخبز وعلبة لبنة في أحسن الأحوال، لأن عملية الشراء أصبحت تحتاج لحسابات كثيرة وأي خطأ فيها يعني ضياع المال بلا تفكير".

وأضاف: "كان هناك شيء اسمه قدرة شرائية لكن هذا المصطلح اندثر في سوريا، بعد أن أصبحت معدومة بشكل كامل، وخاصة أن كل أفراد العائلة يعملون فقط لسد نقص احتياجات المنزل الضرورية".

وذهب الضيف للقول إن "البلد مقبلة على كارثة حقيقية، فلم يعد شغل الناس سوى الحديث عن تأمين الأكل والشرب، لدرجة أن مادة السكر أصبحت من أشد المواد الغذائية صعوبة في تأمينها".

وألمح إلى أن "العوائل ما تزال تعيش على الحوالات الشهرية وعلى الأقارب الموجودين في دول الخليج الذين يرسلون لهم المواد الغذائية عبر وسائل النقل البرية عبر الحدود، ولولا هذان الموردان لمات الناس جوعا".

نهب بالبطاقة

عمد النظام السوري إلى تنظيم معيشة المواطن الموجود في مناطق نفوذه ضمن ما يسمى بـ "البطاقة الذكية"، إذ تحصل كل عائلة عليها لتتمكن من تسلم بعض المواد التموينية بسعر مدعوم من الحكومة إلى جانب الغاز والمازوت، وذلك عبر رسائل نصية تحدد موعد ونقطة الاستلام.

وتنفذ شركة "تكامل" مشروع "البطاقة الذكية" الذي انطلق عام 2016، وتعود ملكيتها لمهند الدباغ، وهو ابن خالة أسماء الأسد زوجة رأس النظام، بحصة 30 بالمئة بينما يملك الحصة الكبرى فيها فراس شقيق أسماء.

ويرى كثير من المراقبين الاقتصاديين أن البطاقة الذكية هي عملية نهب مدروس من أموال الحكومة إلى جيوب أشخاص خارجها، لكون الشركة المشغلة لها تحصل على مبالغ مالية بنسبة معينة على كل مادة.

إذ يعمل النظام على تعبئة مخصصات الأسرة المدعومة داخل البطاقة الذكية من مازوت وغاز منزلي ومواد تموينية كالأرز والشاي والسكر والزيت.

وتبرر الشركة المقربة من أسماء الأسد، هذه الحصص المالية التي تأخذها جراء استخدام البطاقة الذكية، بأنها تدفع قسما كبيرا منها لشركة الخليوي، مقابل الرسائل التي ترسلها للمستفيدين وتعلمهم فيها بموعد استلام حصصهم.

 أما القيمة الأكبر من البطاقة الذكية، فهي أن النظام السوري أصبح يهتم بها لاستحواذه على بيانات ملايين السوريين، كمكان الإقامة وأوضاع كل أسرة ماديا ونطاق تحركها وأرقام هواتفها، وهي معلومات مخابراتية قيمة بالنسبة له، وفق ما يرى موقع اقتصاد مال وأعمال السوريين.

لكن اللافت أن نظام الأسد يعمد في بعض الأحيان لإخراج بعض المواد والسلع من تلك البطاقة مما يرهق كاهل الأهالي ويجبرهم للجوء إلى "السوق السوداء" لتأمين بعض حاجاتهم الضرورية كالغاز والمازوت من شبكات تجارية يديرها وكلاء يتبعون لمنظومته الاقتصادية.

ولهذا فإن حالات الغلاء وتقلب الأسعار وتحليقها بشكل مفاجئ، يجعل من حالة الرضوخ للأمر الواقع أمرا لا مفر منه لتجنب التصادم مع المتحكمين بالسوق والذين يتبعون في غالبيتهم لغرفة عمليات واحدة مقربة من الأسد.

غاية قذرة

ويرى الباحث الاجتماعي السوري، حسام عبد الغني، أن النظام "يضيق على الأهالي أكثر فأكثر طمعا بدفعهم إلى اللجوء إلى التحويلات الأجنبية التي ترفد خزينته وهو بذلك يزيد في الضغط بالداخل لتحصيل نقد من الخارج".

وأضاف الباحث لـ "الاستقلال" أن "النظام يمارس لعبة سياسية قذرة واضحة تصل لدرجة التطهير الممنهج للسكان وتفريغ المدن ولهذا نرى هجرة أكثر من نصف مليون سوري منذ مطلع السنة الحالي من داخل مناطقه والمقدر بتسعة ملايين ونصف مليون إنسان نحو مصر وتركيا ودول أوروبا".

وزاد بالقول: "الحياة بمناطق الأسد أصبحت لا تطاق مع انعدام الوقود وانهيار الليرة وتحول الوظائف الحكومية إلى نقمة وليس نعمة، لا بل أصبحت حركة بيع البيوت والممتلكات بقصد السفر هي الرائجة بهدف تأمين الأهالي مبالغ مالية لوصول أولادهم إلى أوروبا كخيار لا غنى عنه لمساعدتهم".

وبات معروفا حاليا في مناطق نفوذ النظام السوري، أن اللحم الأحمر لا يمكن أن تعرفه مائدة عائلة موظفة أو تعمل بالأجر اليومي، بل أصبحت حكرا على الطبقات الغنية جدا فقط.

إذ يبلغ سعر كيلو لحم الخروف 35 ألف ليرة (10 دولارات) أي نصف راتب موظف حكومي، ولحم العجل بـ 25 ألف ليرة (7 دولارات).

وضمن نظرة تهكمية على حال المواطن السوري في مناطق نفوذ الأسد، سخر طبيب في جامعة دمشق من ذلك، بعدما اعتبر أن الكلاب الفرنسية قادرة على أكل اللحم أفضل من الأهالي الذين يعيشون في العاصمة دمشق.

وكتب "علي سيرو"، منشورا على صفحته في فيسبوك 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قائلا: "يوجد في فرنسا أكثر من ثمانية ملايين كلب إضافة إلى الحيوانات الأهلية الأخرى التي يقتنيها الفرنسيون، وتبلغ حصة الكلب من اللحوم وسطيا 250 غراما يوميا".

وأضاف: "أقسم أنني عرفت من الفقراء السوريين من لا يحصلون على أكثر من 1 كغ بالشهر.. وربما أقل.. فلنقنع أنفسنا بأن لا نأكل اللحوم كالكلاب".