إيران تفتح "مكاتب سرية" في شمال شرقي سوريا.. ماذا وراءها؟

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

لا تغيب منطقة شمال شرقي سوريا عن الخطط الأمنية الإيرانية، على الرغم من أن حظوظ طهران بالوجود العسكري هناك قليلة مقارنة بروسيا، وهما قوتان داعمتان لحليفهما رئيس النظام السوري بشار الأسد.

فهناك شواهد كثيرة على محاولات إيران الزج بثقلها العسكري شرقي سوريا، والذي لم يصل إلى حد التغلغل الكامل كما هو على الضفة اليمنى من نهر الفرات (ديرالزور - الميادين - البوكمال).

لكن إيران وبالتوازي مع تركيزها على الإمساك بطرفي الحدود السورية العراقية عند عقدة مدينة البوكمال شرق دير الزور لتأمين دخول مليشياتها وأسلحتها إلى المحافظات السورية، عملت على محاولات استقطاب العشائر العربية شرقي سوريا.

وحاولت طهران في أكثر من موقف استمالة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، شمال شرقي البلاد، لكنها لم تنجح لأسباب تتعلق بتمدد روسيا هناك وخشية التصادم معها، والابتعاد عن إزعاج واشنطن حليفة "قسد".

مكاتب إيرانية

وبينما دفع الانسحاب الأميركي المفاجئ من أفغانستان واكتماله أواخر أغسطس/آب 2021 قوات قسد للبحث عن بديل لملء فراغ واشنطن خوفا من تقدم الجيش الوطني السوري المعارض بدعم من تركيا لتلك المناطق، يبدو أن إيران كانت حاضرة بالمنطقة وتعمل أمنيا هناك بصمت.

وهذا ما أكدته شبكة "الشرقية 24" المحلية لـ "الاستقلال"، بأن إيران عمدت على فتح مكاتب سرية لها شمال شرقي سوريا، بهدف جمع معلومات أمنية عن المنطقة وعن خلايا تنظيم "الدولة" المنتشرة هناك، والتي تشكل الخطر الأول على القرى والبلدات التي تتعامل معها تلك الخلايا بمنطق الترهيب الدائم.

استغلال إيران لحالة التخبط الحاصلة لدى قوات قسد، وبدؤها بإعادة حساباتها قبل حدوث أي انسحاب أميركي على حين غرة، دفع طهران لاتخاذ خطوة إلى الأمام في شمال شرقي سوريا.

وتضيف الشبكة، أن "إيران لها مكتب يتبع للحرس الثوري داخل مطار القامشلي بريف الحسكة والقريب من الحدود التركية، يضم عسكريين وأمنيين، لهم مهام مختصة فقط بإدارة شؤون المنطقة الشرقية وتنفيذ أجندة طهران هناك وتجنيد العناصر لصالحها واستقطاب شيوخ العشائر واللقاء معهم".

وتؤكد الشبكة أن "الفكرة السائدة لدى النظام السوري وإيران وروسيا بأنهم هم البدلاء في حال جرى الانسحاب الأميركي من شمال شرقي سوريا، لذا فطهران بدأت تعمل على هذا الأساس وبقبول من موسكو".

وأوضحت "الشرقية 24" أن "وظيفة المكاتب السرية الموجودة في الحسكة وبعض مدن ريفها هو كسب ولاءات عشائر المنطقة، وكذلك إجراء دراسات شاملة عن بنية المنطقة أمنيا ولوجستيا ورصد انتشار خلايا تنظيم الدولة".

ويجري ذلك وفق الشبكة عن "طريق وكلاء من أبناء المنطقة منخرطين أصلا في صفوف الحرس الثوري، ويلعبون دور الوسيط مع الأهالي في تحصيل ما تبحث عنه طهران هناك".

ولفتت "الشرقية 24" إلى أن "حالة السرية التي تنتهجها إيران في مناطق قوات قسد ذات الغالبية العربية ترجع إلى خشيتهم من موقف الأهالي الرافض للوجود الإيراني بأي صورة في مناطقهم".

إذ إن "الروس والإيرانيين يعلمون أن قوات قسد هي عبارة عن سلطة أمر واقع، وهناك عدم تقبل للأهالي لها، لكنها فرضت عليهم بحكم الواقع والدعم الأميركي".

سباق الحلفاء

وتقدر مصادر محلية أن التنافس على أشده بين الروس والإيرانيين لكسب العشائر العربية التي تعد مفتاح شمال شرق سوريا، ولا يمكن تمرير أي مشروع دون قبول منهم.

وفي هذا الإطار، فقد أعلنت وزارة الخارجية الروسية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن الوزير سيرغي لافروف استقبل في موسكو وفدا عن "جبهة السلام والحرية" السورية المعارضة برئاسة رئيسها أحمد الجربا.

وحول هذه الجزئية ربط المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف، محاولات موسكو البحث عن دور أكبر في شمال وشرق سوريا من خلال "إقامة تحالفات مع تشكيلات سياسية ذات انتماء قبلي".

 وأردف قائلا: "وهذا ما حدث بالفعل من استقبال لافروف لأحمد الجربا أحد شيوخ قبيلة شمر المنتشرة في الحسكة والتي لها ثقل اجتماعي هناك وتمتلك حتى مليشيات محلية".

وأضاف الشريف لـ "الاستقلال": "طهران تدرك أن حصولها على مكاسب في أي منطقة سورية هو بمثابة ورقة ضغط ضمن إستراتيجية وجودها طويلة الأمد في سوريا، لذا فإن تهميشها في أي ملف يضعف من موقفها كطرف فاعل في الملف السوري برمته".

وزاد بالقول: "وهنا لا بد من التنويه إلى أن أي تغلغل إيراني في أي منطقة هو بدعم ومباركة من النظام السوري الذي ينظر إلى طهران على أنها يده اليمنى وخاصة من ناحية الثقل العسكري على الأرض والذي لولاها لما استعاد مساحات واسعة بعد تغطية الدعم الجوي الروسي".

ورأى الشريف أن "ما تبحث عنه طهران حاليا شمال شرقي سوريا هو إثبات وجود عسكري جديد هناك، ولربما عبر تأسيس شركات أمنية تدخل على خط حماية قوافل النفط، لأن إيران تدرك أن السير وراء الروس في أي مشروع هو حماية لها في نفس الوقت".

وذهب الشريف للقول: "إن شمال شرقي سوريا يعد بمثابة صلة وصل إستراتيجية لإيران بين مناطق نفوذها في لبنان والعراق، وكذلك منطقة تقع على الحدود التركية".

ثقل ضعيف

الثقل العسكري الإيراني في دير الزور والحسكة والرقة، وهي مناطق شرق سوريا في الأقسام التي تسيطر عليها قوات قسد، قائم على مليشيات محلية تتجنب الصدام مع الأخيرة، ومعظمها يدور في فلك مخابرات الأسد.

وهذا ما أكده القيادي في قوات قسد، ريان الشنان، في تصريح له في أكتوبر/تشرين الأول 2020 بقوله: إن أغلب الخلايا الموجودة في شرق الفرات التي تستهدف مؤسسات المجتمع المدني ووجهاء العشائر والشخصيات المجتمعية ونشر الفوضى والشغب تتبع للمليشيات الإيرانية، وهي مرتبطة بالأفرع الأمنية لنظام الأسد.

وكشف الشنان وفق ما نقل حينها موقع "باسنيوز" الكردي أن غاية النظام السوري وإيران من "نشر الفوضى" في مناطق قسد "إظهار أنها مناطق غير مستقرة، وغير قادرة على ضبط الأمن، وذلك كله لمصالح سياسية".

ومن أبرز تلك المليشيات التي تدعمها إيران وتوجد في الحسكة، مليشيا "المغاوير" المكونة من أبناء العشائر، والتي أسسها محمد الفارس أحد مشايخ قبيلة "طيء" العربية.

ومليشيا الدفاع الوطني هي قوات رديفة لقوات النظام السوري، أسست أواخر العام 2012، وشكلت من عناصر مدنيين وعسكرين غير منضبطين لمساندة الأخير خلال عملياته العسكرية.

وجدت مليشيا "الدفاع الوطني" في البداية بأمر إيراني، وأسسها العميد في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني حسين همداني، والذي قتل في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 في محافظة حلب.

ولاحقا انقسم ولاء تلك المليشيا بين إيران وروسيا، حيث تبنت الأخيرة كثيرا من عناصرها ودعمتهم لوجستيا وعسكريا وأصبحوا تابعين لها بشكل مباشر.

كما توجد مليشيا "قوات مقاتلي العشائر" في الرقة تحت قيادة أحد مشايخ عشيرة "البوحمد" ويدعى تركي البوحمد.

هدف مرحلي

ويرى كثير من المراقبين أن وجود هذه المليشيات التي تتبع بشكل غير مباشر لإيران هي هدف مرحلي في حال حدوث أي انسحاب أميركي من شمال شرق سوريا.

ولهذا فإن قسد مضطرة للتباحث مع إيران وإقامة علاقات جديدة معها، خاصة خلال الفترة المقبلة لبحث مصير تلك المليشيات وطريقة التعاطي معها.

ولا سيما أن إيران لم تزج بتلك المليشيات في توترات اندلعت أكثر من مرة بين النظام السوري وقوات قسد، ووصلت إلى درجة طرد الأخيرة عناصر الأسد من حواجز ومناطق بالحسكة.

وكانت قوات "قسد" أبدت استعدادها فتح حوار مع إيران في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021، على لسان إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية "مسد" وهو الذراع السياسي لـ"قسد".

وشكل إعلان "قسد" فتح قنوات اتصال مع طهران "انعطافا جديدا" في مسار تدعيم تحالفاتها، وذلك لعامل أساسي، وهو التواصل مع إيران الخصم التقليدي لحليفتها وداعمتها واشنطن.

لكن "قسد" لا يمكنها تجاهل خلفية الثقل العسكري الإيراني في باقي مناطق سوريا رغم قلته في مناطقها.

إذ نجحت طهران في تشكيل مليشيات محلية وأجنبية عابرة للحدود في عموم سوريا منذ عام 2012، يبلغ قوامها 100 ألف عنصر، إضافة إلى الاستحواذ على مشاريع سيادية اقتصادية منحها إياها النظام السوري على مدى عقد من الزمن.

وبالمحصلة، وتباعا للمعطيات، فإن مشروع تمدد إيران شمال شرقي سوريا ليس بالجديد، بل يسير وفق تكتيك إيراني متعمد لم تضعه طهران ضمن أولوياتها الملحة وفقا لإستراتيجية البقاء طويلة الأمد في البلاد.

لكن ما كان واضحا أن إيران تسير تبعا للمتغيرات الدولية وتعاطي الدول المعادية لها كالولايات المتحدة.

ولهذا كان اتجاه طهران منصبا غربا في سوريا، أي نحو تأمين الطريق البري الذي تنشد طهران فتحه حتى البحر المتوسط.

وهذا الاتجاه قادم من إيران ثم العراق مرورا بسوريا من عقدة مدينة البوكمال التي تمثل حاليا مركز الثقل العسكري المليشياوي الكبير لطهران وصولا إلى لبنان عند حليفها حزب الله.