تمويل مجهول.. من يقف وراء "قوات مكافحة الإرهاب" في السويداء السورية؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تعالت الأصوات الداعية إلى تجنيب محافظة السويداء السورية الانزلاق إلى اقتتال داخلي بين سكانها، تنميه حرب التشكيلات العسكرية متعددة الولاءات.

وتقع محافظة السويداء جنوبي سوريا، وتبعد عن العاصمة دمشق مسافة 110 كم، وهي ذات أغلبية درزية ويقتصر نفوذ النظام السوري فيها على مبان حكومية وقطع عسكرية بريفها، فيما توجد فيها تشكيلات عسكرية محلية من الأهالي فقط.

وطفا على سطح المشهد في السويداء في يوليو/تموز 2021، مليشيا عسكرية حملت اسم "قوات مكافحة الإرهاب"، ورغم أنها مجهولة التمويل، وأثارت شكوكا من قبل الأهالي منذ بداية تأسيسها، فإن ممارساتها دلت سريعا على محاولة تسخين المحافظة عسكريا.

حزب وجناح عسكري

وبعد أن ثبتت أقدامها على الأرض، شكلت تلك المليشيا في 28 يوليو/تموز 2021 جناحها السياسي وأطلقت عليه اسم "حزب اللواء السوري".

وتقلد الصحفي السوري المنحدر من السويداء، "مالك أبو خير" وهو مقيم حاليا في فرنسا منصب الأمين العام للحزب، الذي قال: إنه "يحمل مشروعا وطنيا".

وأعلن الحزب أن هدفه "محاربة الفلتان الأمني وتجارة المخدرات في السويداء، والعصابات التي تخطف المدنيين، والتي يحمل معظمها بطاقات أمنية من الفاسدين في أجهزة الأمن التابعة للسلطة السورية".

لكن سرعان ما اتهمت شبكة "السويداء 24" المحلية مليشيا "مكافحة الإرهاب"، وحزبها باستخدام "خطاب لا يتطابق مع الأفعال، واستعداء المحيط المجتمعي لها وسط غموض في الأهداف الحقيقية لها، وفي مصدر التمويل".

وقالت "السويداء 24"، إن الجناح العسكري للحزب المتمثل بقوة مكافحة الإرهاب، استقبل في صفوفه "أشخاصا من أخطر العصابات في السويداء"، الأمر الذي "ينسف رواية الإعلان عن محاربة الفلتان الأمني والعصابات المسؤولة عن عمليات الخطف وتهريب المخدرات"، وفق الشبكة.

وأضافت الشبكة أن "غالبية المنتسبين لتلك القوات لا يتم إجراء أي تقييم لهم أو دراسة لخلفياتهم، إنما يكون الانضمام مقابل رواتب شهرية تصل إلى 250 ألف ليرة سورية (75 دولارا) للعنصر الواحد، حيث يخضع هؤلاء لدورات تدريبية للقتال الفردي، تتراوح مدتها بين أسبوع إلى 15 يوما".

واتهمت شبكة "السويداء 24" أحد الأشخاص ويدعى "سامر الحكيم بالمسؤولية عن استقطاب وتجنيد الأشخاص ضمن الفصيل والذي كان متعاقدا قبل سنوات مع المخابرات العسكرية" التابعة للنظام السوري، وفق ما قالت الشبكة.

وكان صحفيون من السويداء اتهموا "أبو خير" بإجراء مراسلات مع قوات التحالف الدولي الموجودة في قاعدة التنف العسكرية القريبة من المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، في النصف الثاني من عام 2020 باسم مؤسسته الصحفية "أنا إنسان"، بهدف التعاون معهم ضد إيران وتنظيم الدولة.

وفي مطلع يوليو/تموز 2021، أعلنت قوات مكافحة الإرهاب أنها ستشارك في الحرب ضد "كل من يهدد سلامة المدنيين"، وفي محاربة عودة تنظيم الدولة الذي قالت: إن عناصره في بادية السويداء تهدد سلامة القرى الشرقية.

واعتبرت تلك القوات أن ذلك جاء بسبب "الانفلات الأمني الكبير في الجنوب السوري وتحديدا في السويداء، وانتشار العصابات الإرهابية التي تخطف وتروع المدنيين والتي تحمل بطاقات أمنية مدعومة من أجهزة الأمن وتعمل على نشر المخدرات بين جيل الشباب".

وفي 20 أغسطس/آب 2021، نشرت قوات مكافحة الإرهاب بيانا أكدت فيه انتشارها شرق السويداء لمواجهة أي تسلل أو هجوم من عناصر تنظيم الدولة، مبدية الالتزام بالتعاون مع كل الجهات الدولية العاملة على مكافحة التنظيم في الأراضي السورية.

تعذيب وقتل

وفي أواخر أغسطس/آب 2021 أقدمت "قوة مكافحة الإرهاب"، على قتل شخص من أبناء البدو الذين يشكلون جزءا من المحافظة ويعيشون فيها، بعد اختطافه مع شخص آخر وتعذيبهما.

فقتل أحدهما بعد ساعات تحت التعذيب، ليتم لاحقا العثور على جثته مشوهة وعليها آثار التعذيب، وفق شبكة "السويداء 24".

وأشارت الشبكة إلى أنه وفي محاولة للتغطية على الحادثة التي هزت المحافظة، أصدرت قوات مكافحة الإرهاب تسجيلا للمختطف الثاني، اعترف بعلاقته بالأمن العسكري التابع للنظام وبتجارة المخدرات وبوجود مؤامرة مدبرة لمهاجمة حاجز القوات من 3 جهات بتوجيه من الأمن العسكري.

وبينت الشبكة أن "الاعترافات طالت بالإضافة لأسماء معروفة بتجارة المخدرات، خصوما سياسيين لحزب اللواء وخصوما جنائيين لأحد الوجهاء التقليديين وخصوما عشائريين للشاب المخطوف".

ووقعت اشتباكات في 4 سبتمبر/أيلول 2021 بين عناصر "الدفاع الوطني" المدعومة من إيران، مع قوات مكافحة الإرهاب في قرية الحريسة شرق السويداء، ما أدى إلى لوقوع جرحى من الأولى.

وهنا، تمكنت قوات مكافحة الإرهاب من الاستيلاء على ثلاث سيارات مزودة برشاشات ثقيلة.

وأثارت هذه الحادثة التي تعد أول مواجهة مسلحة بين الطرفين، تخوفا كبيرا داخل السويداء من أن تتحول إلى حرب مفتوحة وقودها المدنيون جراء تبادل عمليات الاعتداء لأبناء تلك القرى وتنفيذ عمليات خطف متبادلة بين التشكيلين المسلحين.

وسبق ذلك صدور تهديدات من قيادة مليشيا "الدفاع الوطني" بإخلاء قوات مكافحة الإرهاب مقراتها في 9 أغسطس/آب 2021، بعدما قالت: إنهم يهدفون "لزعزعة الأمن والاستقرار في السويداء عموما وفي الريف الشرقي للمحافظة بشكل خاص".

وأعلنت قوات مكافحة الإرهاب وقتها تلقيها تهديدا مباشرا من النظام السوري، بقصف مقر قواته بالطيران والبراميل المتفجرة.

بداية الخراب

وهذا ما دفع أبناء الطائفة الدرزية للتحرك والدعوة إلى تجنيب المحافظة "بداية الخراب"، التي يسعى النظام السوري لمعاقبتها بشتى الطرق لرفض شبابها القتال إلى جانبه لإخماد الثورة السورية وقتل الشعب.

وعلق الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة "موفق طريف"، على ما جرى في السويداء، 25 أغسطس/آب 2021، بالتأكيد على وجود "أياد خارجية خبيثة تحاول العبث بمصالح الجبل والتغلغل فيه من أجل دق الأسافين بين أهله".

وفق ما نقلت شبكة "السويداء 24"، ناشد موفق طريف الأهالي "بأخذ الحيطة والتعقل والحذر".

كما حذر رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" اللبناني وليد جنبلاط أواخر أغسطس/آب 2021 أهالي السويداء من "الانزلاق إلى الاقتتال والتمسك بالوحدة ونبذ الفتنة".

ودعا جنبلاط من سماهم العقلاء إلى "تكثيف العمل لمواجهة المخططات الخارجية المشبوهة والمشاريع الغريبة عن تاريخ جبل العرب".

بدورها أعلنت "الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني" وهي تيار مدني معارض في السويداء، أن "التشكيل الحزبي وذراعه العسكري (قوات مكافحة الإرهاب)، دغدغ مشاعر بعض من الشباب المتحمس لمكافحة الفساد والوجود الإيراني على ساحة المحافظة".

وأكدت الهيئة أنها رفضت سابقا جر المحافظة إلى الاقتتال الداخلي والفتن مع الجيران (درعا)"، مضيفة "وما حصل في بلدة الرحى مع مجموعة ما يسمى الدفاع الوطني المدعوم إيرانيا، لن يكون الضحايا إلا أبناء البلد الواحد وهذا بداية الخراب".

حجة للأسد

وقال الكاتب والصحفي السوري حافظ قرقوط، لـ"الاستقلال": إن "قوات مكافحة الإرهاب هو عمليا تابع لحزب اللواء الجديد قدمت نفسها على أنها ستحارب تنظيم الدولة وحزب الله والمليشيات الإيرانية التي تتغلغل بالسويداء وتتاجر بالمخدرات وتريد تدمير الجيل".

ومن هذا الباب أخذت تأييدا من بعض أبناء المجتمع في السويداء ممن اعتقدوا أن هناك قوة أكثر تنظيما كي تواجه ذلك الخطر؛ كون المحافظة متروكة لمصيرها.

ولا سيما أن النظام السوري غير قادر على حماية نفسه وكون أغلب العصابات تتبع بشكل واضح لجهاز المخابرات العسكرية التابع للنظام وهو من يديرها أو تتقاطع مصالحها مع مصالحه، وفق تقديره.

ويعتبر الكاتب المنحدر من السويداء أن "هناك إجماعا بسيطا على حزب اللواء، الذي يعتقد أنه ضمن الظرف الصعب الحالي للسويداء لا يمكن العمل فقط بالسياسية بل لا بد من وجود ذراع عسكري قوي".

ويشير إلى أن أهالي السويداء "لمسوا أنه بالرغم من الشعارات الكبيرة للحزب إلا أن البدايات لا تتناسب مع ما قدموه من شروحات، خاصة أنهم قدموا أنفسهم أنهم يعملون ضمن حقوق الإنسان ويراعوا هذه المسألة".

وأضاف: "مع أول عملية لقوات مكافحة الإرهاب لم يراعوا تلك المسألة (يقصد حادثة التعذيب المذكورة آنفا)، وتبين عكس ذلك مما جعل الأهالي ينتفضون ضدهم وحتى من أيدهم في البداية أعاد حساباته معهم ووضع مسافة بينه وبينهم".

ويرى قرقوط أنه "حاليا هناك إشكالية واضحة بين قوات مكافحة الإرهاب ولجان الدفاع الوطني التابعة للنظام، في السويداء وريفها".

وهو ما دفع البعض للقول: إن ذلك تمثيلية ونوع من التسويق، والبعض يقول: إن وجود قوات مكافحة الإرهاب هي حجة من النظام السوري لعودته للتغلغل في السويداء، من باب عدم وجود طرف يدافع عن الأهالي سواه، بحسب الكاتب.

اقتتال داخلي

ويتابع: "البعض يقول: إن قوة مكافحة الإرهاب قد تكون مدعومة أميركيا أو أوروبيا وقد تستطيع الوقوف أمام التهديدات التي تتعرض لها السويداء، إلا أن تمويل هذه القوات لا يزال غامضا على الرغم من قوة التمويل الواضحة عبر دفع رواتب عناصره إضافة للتسليح".

وذهب قرقوط للقول: "إن المعطيات اليوم تختلف جذريا عن الشعارات التي طرحتها قوات مكافحة الإرهاب، وجاءت مغايرة لما أعلنوه في البداية".

خاصة أن بعض أهالي السويداء يتهمونها بأن من يديرها أشخاص كانوا ينتمون سابقا لعصابات التشبيح على الناس وقطع الطرق وبعضهم يتبع للأمن العسكري وهذا ما يدور في مجالس الأهالي.

وشدد على أن أي "قوة تطرح نفسها للدفاع عن السويداء ستجد شعبية، لكنها يجب أن تنتبه إلى أن المحافظة مليئة بالكفاءات الثقافية والسياسية التي لا تقبل بالأخطاء الكبيرة والدخول بطريقة عنيفة وغير ديمقراطية".

وبما أن السويداء مجتمع عائلي شبه عشائري محكوم بالروابط العائلية، فإن الكثير من نخبها تطالب بوجود قوة محلية تأخذ التفويض من عائلاتها لحفظ الأمن في ظل غياب دولة القانون.

ويقول هؤلاء: إن "مالك أبو خير يعمل على خلق فتنة داخلية لإحداث شرخ كبير في السويداء، خاصة أن من يعملون معه في الحزب قسم منهم مخدوعون".

وتنظر شبكة "السويداء 24" إلى المشهد الحاصل حاليا في المحافظة، بقولها: إن المعطيات تشير إلى أن "السويداء مقبلة على تصعيد بين فصائل ومليشيات متعددة الولاءات".

 ونوهت الشبكة إلى أن هناك "تخوفا من الانزلاق إلى مرحلة اقتتال داخلي بالنظر للروابط الاجتماعية والعائلية الموجودة في المحافظة".

وأشارت إلى أن "حادثة (اشتباكات) الحريسة تحولت بشكل سريع إلى خلافات مناطقية في حين أن ضباط المخابرات والأجهزة الأمنية يكتفون بمراقبة المشهد"، حسب تعبيرها.