معركة تشغيل المحطات النووية بإيطاليا.. الغلبة للشعب أم الحكومة؟

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة إسبانية الضوء على إمكانية عودة إيطاليا إلى الطاقة النووية، بعد 34 عاما من إغلاق المحطات النووية عقب استفتاء شعبي.

وقالت "الكونفدنسيال": "بعد كارثة تشيرنوبيل (شمال أوكرانيا)، أجرى هذا البلد الأوروبي (إيطاليا) الاستفتاء الأول عام 1987 حيث صوت غالبية السكان، 80 بالمئة، لصالح إغلاق المحطات النووية الأربع الموجودة في البلاد.

وأشارت إلى أن روبرتو سينغولاني، وزير البيئة في حكومة ماريو دراجي، أطلق في خطاب، بشكل مفاجئ "هجوما على حماة البيئة في إيطاليا".

وجاء في الخطاب أن "العالم مليء بالبيئيين الراديكاليين وأيضا، بالبيئيين الأيديولوجيين المتطرفين، إنهم أسوأ من كارثة المناخ التي نواجهها إذا لم نتعامل مع المسألة بعقلانية، إنهم جزء من المشكلة، وآمل أن نتمكن من إقامة جدل أيديولوجي، وأن ننظر إلى الأرقام، إذا لم نولي الأرقام الاهتمام اللازم، فإننا نخاطر بإيذاء أنفسنا كما لم يحدث من قبل".

وبهذا الخطاب، أطلق السياسي المنتمي إلى حزب "إيطاليا حية"، بقيادة رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي، نقاشا محظورا في البلاد؛ ألا وهو "عودة الطاقة النووية".

خطوط حمراء

وأشارت الصحيفة إلى أنه في عالم الطاقة الإيطالي المعقد، خاصة وأنه يملك ثامن أغلى كيلو وات/ساعة في الاتحاد الأوروبي، أطلق سينغولاني اتهامات بالتعصب لقطاع معين من حماة البيئة لإعادة فتح النقاش حول استخدام الطاقة النووية، وخفض سعر الكهرباء، وبالمناسبة، توليد توتر جديد داخل حكومة دراجي.

وأورد وزير البيئة أن "تقنيات الجيل الرابع آخذة في الظهور، دون اليورانيوم المخصب ودون الماء الثقيل. فهناك دول تستثمر في هذه التكنولوجيا، فهي ليست ناضجة، لكنها قريبة من النضج. وبعد أن أصبحت النفايات المشعة منخفضة للغاية، وقد تم تحسين السلامة والتخفيض من التكلفة، من الجنون عدم التفكير في هذه التكنولوجيا".

وتابع: "لمصلحة أطفالنا، لا يجب إخضاع أي نوع من التكنولوجيا لمعايير أيديولوجية، دعونا نستمر فى تقييم الأرقام ثم نتخذ القرارات".

وذكرت الصحيفة أنه "كما يحدث في كل مرة يتحدث فيها عضو في الحكومة الإيطالية، لا يتمثل في شخص رئيس الوزراء، فإن أعضاء آخرين من نفس الحكومة يقابلون تصريحاته بالمعارضة والتنديد".

وردا على خطاب وزير البيئة الذي أشعل أحد الموضوعات المحظورة للشعبويين الإيطاليين، صرحت قيادة حركة النجوم الخمسة، وهي حزب الأغلبية في تحالف دراغي الغريب، قائلة: "إذا لم نرد على هذا الخطاب فسيمزقوننا إلى أشلاء". 

ونوهت الصحيفة بأن مؤسس حركة النجوم الخمسة، بيبي غريللو، أوضح بشكل مستمر أن الطاقة الذرية هي أحد خطوطه الحمراء.

من جهته، اقتصر الزعيم الجديد والمفوض للحركة، رئيس الوزراء السابق جوزيبي كونتي، في الوقت الحالي على التحذير.

وأورد: "سنطلب توضيح سياسات وزير البيئة بعد التصريحات الأخيرة التي تم الإدلاء بها في إحدى تظاهرات إيطاليا حية". 

ونقلت الصحيفة أن حزب النجوم الخمسة "يعتقد أن إحداث الجدل هو جزء من إستراتيجية إعلامية جديدة يعتمدها رينزي لكسب موطئ قدم في وسائل الإعلام بسبب النتائج الرهيبة التي قدمتها استطلاعات الرأي لصالح حزب إيطاليا حية، والتي تضعه في حوالي واحد بالمئة من نية التصويت". 

من تشيرنوبيل إلى فوكوشيما

أشارت الصحيفة إلى أن "إيطاليا بعد كارثة محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية (بأوكرانيا 1986)، أجرت الاستفتاء الأول عام 1987 حيث صوت غالبية السكان، 80 بالمئة، لصالح إغلاق المحطات النووية الأربعة الحالية التي تحولت الآن إلى هياكل خرسانية مهجورة".

بعد 20 عاما من هذا الإغلاق، أعاد رئيس الوزراء آنذاك، سيلفيو برلسكوني، فتح النقاش حول الطاقة النووية نظرا لارتفاع تكلفة الكهرباء في بلد بدأ في أزمة اقتصادية عميقة. 

وأضافت الصحيفة أن الجدل السياسي كان قويا، مع الموافقة الأولى في مجلس الوزراء على استخدام بعض المنشآت النووية، وهو ما عارضته مختلف الحكومات الإقليمية التي قدمت مطالب بعدم الدستورية.

وفي ذلك الوقت، انتهى الجدل باستفتاء جديد عام 2011، والذي تزامن مرة أخرى مع الكارثة النووية الأخيرة في محطة فوكوشيما اليابانية للطاقة. وفي هذه المرة، صوت 94 بالمئة من السكان ضد العودة لاستخدام الطاقة الذرية.

وخلال تلك المناسبة، يبدو أن الحادث الذي وقع في محطة الطاقة اليابانية كان حاسما للدعم القوي للرفض، حيث إن بعض استطلاعات الرأي في الأسابيع السابقة وضعت الدعم لمحطة الطاقة النووية في حدود 40.5 بالمئة. 

ونقلت الصحيفة أن كلمات سينغولاني أعادت، بعد 10 سنوات من الانتكاسة الثانية لصالح العودة لاستخدام الطاقة النووية، النقاش النووي على الطاولة في دولة مهددة بأي حال من الأحوال، كما يتذكر الكثيرون، مخاطر الحوادث والتلوث الذري من المصانع القريبة في فرنسا المجاورة. 

ونوهت الصحيفة بأن النقاش الهادئ الذي كان الوزير يطالب به حول مستقبل الطاقة، لا يبدو ممكنا داخل الحكومة الحالية ولا يبدو أنه يحظى بدعم الأغلبية في المجتمع.

من ناحية أخرى، سجل تباين في الأرقام التي تقدمها الجهات الفاعلة المهتمة بهذا المجال.

ففي يوليو/تموز 2021، نشرت شركة استطلاعات إيطالية مشهورة، استطلاعا بتكليف من القطاعات الذرية الإيطالية، تبين فيه أن واحدا من كل ثلاثة إيطاليين يؤيد استخدام الطاقة النووية.

من جانبها، أجرت منظمة السلام الأخضر، قبل عام، استطلاعا آخر قالت فيه: إن 80 بالمئة من الإيطاليين يعارضون الطاقة النووية. لكن في هذه الحالة، تحدث الاستطلاع عن استخدام الطاقة الذرية كأسلحة.

وأوردت الصحيفة أن حكومة دراجي ستحصل على ما يقرب  200 ألف مليون يورو من الاتحاد الأوروبي لإعادة تنشيط اقتصادها، وتهدف هذه المساعدات في البداية لاستخدامها إلى حد كبير لتعزيز انتقال الطاقة البيئية المعتمدة على الطاقات المتجددة.

وبحسب المشروع الذي تم تقديمه لبروكسل، سيتم استثمار حوالي 59 ألف مليون يورو في القسم المسمى "الثورة الخضراء والتحول البيئي".

واستدركت الصحيفة قائلة: "في وثيقة برنامج الاستثمار التي يجب على سينغولاني إدارتها من حيث المبدأ، لا توجد إشارة واحدة إلى الطاقة الذرية، ومن هنا ينطلق الجدل الذي أثير الآن في إيطاليا".