توقيت حساس.. كيف أجبر الأسد السوريين على بيع عقاراتهم بحيلة قانونية؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"إذا كثرت الجباية أشرفت البلاد على النهاية"، مقولة تعود إلى مؤسس علم الاجتماع الشهير ابن خلدون، أصبحت حقيقة واقعة في سوريا، مع مواصلة النظام سن قوانين هدفها استنزاف جيوب الأهالي في مناطق نفوذ سيطرته.

وفي وقت يكافح فيه 12.4 مليون شخص في سوريا للعثور على ما يكفي من الغذاء، وفق تأكيد برنامج الغذاء العالمي الأممي في فبراير/شباط 2021، تجد حكومة رئيس النظام بشار الأسد متسعا لسن قوانين ترهق كاهل المواطن.

تشير الأخبار الواردة من المدن الخاضعة لسيطرة النظام السوري، إلى تزايد حركة "البيع العقارية" بأنواعها المختلفة من شقق وأراض ومحلات تجارية.

ويؤكد أصحاب مكاتب عقارية في سوريا، أن ذلك لوحظ عقب إصدار بشار الأسد قانون "البيوع العقارية" في مارس/آذار 2021.

واعتبر هؤلاء أن القانون الجديد فتح شهية بعض الأهالي للبيع بشكل كامل أو إجراء نقل الملكية للأبناء لأسباب مزدوجة تتعلق بضيق الحال المعيشي، والخشية من تضييق النظام على أملاكهم مستقبلا، نظرا لأن قانون البيوع الجديد حمل إجراءات معقدة وضرائب تصب في صالح النظام لا البائع.

وحدد قانون البيوع مقدار الضريبة بمعدل من القيمة الرائجة للوحدة العقارية، بحيث أصبحت واحدا بالمئة للعقارات السكنية، واثنان بالمئة للأراضي الواقعة داخل المخطط التنظيمي المصدق، وواحد بالمئة للأراضي الواقعة خارج المخطط التنظيمي المصدق، وثلاثة بالمئة عن بيع العقارات غير السكنية، وواحد بالمئة للأسطح في العقارات السكنية.

كما أخضع قانون العقارات السكنية المؤجرة لضريبة دخل بمعدل 5 بالمئة بدل الإيجار السنوي، على ألا تقل عن الحد الأدنى وهو 300 ليرة سورية (0.09 دولار) لكل عشرة آلاف ليرة من القيمة الرائجة (السعر في السوق) للعقار المؤجر.

وتحظر مواد القانون على دوائر السجل العقاري وكتاب العدل في مناطق النظام السوري، تسجيل الحقوق العينية العقارية، ما لم يبرز أصحاب العلاقة براءة ذمة مالية من الجهات المالية صاحبة العلاقة.

جباية منظمة

رغم صدور القانون المذكور أعلاه، الذي أحدث هزة كبيرة في سوق العقارات، فإن اللافت أن حجم البيوع عاد للنشاط بالشكل الذي كان عليه قبل صدوره، حيث كانت تبلغ خلال يوم واحد 2300 عملية بيع وشراء، وفق ما أكده الخبير العقاري عمار يوسف لصحيفة "الوطن" الموالية.

وخلق القانون نوعا من ازدهار سوق العقارات، ورفع سعرها عند البيع مباشرة، لكون البائع أصبح يحمل قيمة الضريبة المفروضة عند البيع للمشتري.

وبالعودة إلى قانون البيوع الذي بدأت آثاره السلبية على المواطن بالظهور، ومدى استفادة النظام منه من جهة أخرى، فإن الأخير عمد إلى تنظيم البيوع العقارية في البلاد بطريقة تضمن ما سماها الأهالي "الجباية".

وحسب القانون رقم 15 لعام 2021 فإن لجانا "متخصصة وخبيرة" هي التي تحدد القيمة الفعلية للعقارات، حسب ما ذكرت حكومة النظام، والتي قالت: إن ذلك سيحقق "عدالة ضريبية غير مسبوقة".

ويشترط القانون وضع مبلغ قدره 5 ملايين ليرة سورية (1400 دولار) في البنك، يدفعها المشتري للبائع، وهي من أصل المبلغ وليس زيادة عليه.

ووفقا لوزارة المالية التابعة للنظام، فقد بلغ عدد عقود البيع المنفذة قرابة 30 ألفا من 3 مايو/أيار 2021 إلى 19 أغسطس/آب من العام المشار إليه.

وجاءت  عقود البيع وهي الأعلى وفق الشكل التالي: (دمشق 10,4 بالمئة - ريف دمشق 22,7  بالمئة - اللاذقية 13,9 بالمئة - حمص 13,2 بالمئة -حلب 15 بالمئة).   

وفي علم الاقتصاد فإن زيادة الضرائب تؤثر بشكل سلبي على معدلات النمو والإيرادات، ما يعني في نهاية المطاف التسبب بإرهاق مالي على الأهالي.

ولعل هذا من جملة الأسباب التي تدفع الأهالي إلى شراء العقارات في مناطق النظام السوري، بما يضمن تخزين مدخراتهم المالية في العقار للحفاظ عليها، لكونهم لا يفضلون وضع هذه الأموال في البنوك التي لا تسمح بسحب يومي سوى بمقدار مليوني ليرة يوميا (550 دولارا أميركيا).

حتى أن النظام السوري يستفيد من عمليات تحويل أسعار العقارات إلى الخارج، وذلك لارتباط شركات التحويل الرسمية وغير الرسمية بأذرع اقتصادية ترتبط به.

ولكي يتهرب بائعو العقارات من وضع الأموال في بنوك النظام السوري، يلجؤون إلى تأمين جهة تستلم المبلغ السوري منهم، ويتسلم أحد أقرباء هؤلاء ما يعادله بالدولار خارج سوريا كتركيا أو مصر أو لبنان أو دول الخليج.

دولة الأمراء

وحول هذه الجزئية أكد أحمد زيدان وهو تاجر عقارات من سكان العاصمة دمشق، أن "إيداع الـ 5 ملايين مقابل أي عملية بيع لعقار لا يمكن للمالك سحبها من البنوك أو المصارف العقارية إلا بعد 3 شهور".

فلو كان ثمن المبيع 75 مليون، يضع الشخص 5 مليون في البنك ويسلم البائع 70 مليونا باليد، وذلك بهدف ضخ سيولة مالية في الأخيرة وهذه خطوة مدروسة لجبابة الأموال.

ولفت زيدان لـ "الاستقلال" إلى أن "سوريا أصبحت محكومة بالقبضة الأمنية وأي عملية بيع عقار تحتاج لموافقة من فرع الأمن السياسي ويجب أن يكون أطراف البيع جميعهم بلا مشاكل أمنية لكي يتم البيع، سواء مطلوبا أو عليه خدمة إلزامية أو احتياط، وتقابل المعاملة بالرفض إذا كان أحد الأطراف عليه إشكالية".

وشرح زيدان كيف أصبح الحال الجديد للبيع العقاري في مناطق النظام بقوله: "في البداية تخرج لجنة إلى العقار المقرر بيعه مؤلفة من وزارة المالية والطابو العقاري وتاجر عقاري، ويتم تقييم سعر العقار على السوق الحالي ليتم احتساب الضريبة للمالية".

وأشار إلى أن النظام السوري "شعر أن هناك توجها لدى السوريين في الخارج لبيع ممتلكاتهم أو نقل ملكيتها ضمن العائلة الواحدة فسرع من إصدار قانون البيوع العقارية".

وأردف أن "بعض الناس ترغب في أن تصفي أملاكها داخل مناطق النظام السوري بعد عشر سنوات من التهجير عقب شعورهم بنوع من الاستقرار في الدول التي استقروا فيها".

ولذلك عمد هؤلاء إما للتملك في الدول التي هاجروا إليها أو فتح مصالح تجارية يتعيشون منها، لأنهم رأوا حالة انسداد في الحال السياسي بعد إجراء الانتخابات الرئاسية "التي صحيح أنها غير شرعية لكنها مددت للأسد بشكل أو بآخر"، بحسب ما قال.

وألمح زيدان إلى أن "الأهالي باتوا يدركون أن النظام يسير في طريق مشاطرة الناس أرزاقهم، وهذا يتبع لارتباط كل شيء بما بات يسمى دولة أمراء الحرب الذين وضعوا يدهم على كل المقدرات من مواد تجارية إلى العقارات وغيرها".

وبين تاجر العقارات السوري، أن "البيروقراطية وصعوبة المعاملات زادت بشكل مضاعف من معاملات البيوع، لتفتح باب الرشاوي التي أصبحت تطلب في كثير من الدوائر بشكل علني من الموظفين وكأنها رسوم للدولة داخلة ضمن القانون".

وأشار إلى أن أغلب العقارات "قد لا تباع بسعرها المستحق بسبب ضعف العملة وصعوبة تأمين المبلغ المطلوب، وعلى سبيل المثال فـالعقار الذي يبلغ سعره مليار ليرة سورية لا يمكن تحصيله بالواقع، إلا إذا جرى قبض ثمنه من خلف الكواليس بالدولار وهذا ما يحصل غالبا لو تم البيع".

ويرجح الكثير من المراقبين وجود ثغرة متعمدة في قانون البيوع العقارية الذي أقره النظام، وتتمثل بتخوف نسبة كبيرة من السوريين المقيمين والتجار من الشراء بسبب الغلاء والضرائب.

وهذا ما لفت إليه التاجر حول وجود "أموال تأتي من إيران وحزب الله (اللبناني) وتوظف في شراء العقارات، وهذا مشاهد في دمشق، وخاصة من قبل العراقيين، حيث تجري عمليات الشراء في أماكن ذات أهمية سكنية أو واقعة في منطقة تجارية حيوية".

ويزعم مشرعو هذا القانون أنه سيحدد سعر المتر المربع للعقار السكني والتجاري في جميع المدن، وتثبت قيم البيوع في نظام مؤتمت، لتكون مرجعا عند تحديد الضريبة على البيع.

ورغم أن النظام السوري أعلن أن هدف القانون هو زيادة في الإيرادات الضريبية للخزينة العامة من عمليات البيع العقاري، فإن القانون جاء في توقيت حساس، يرزح فيه المواطن داخل مناطق سيطرة الأسد السوري تحت وطأة صعوبة تأمين مستلزمات العيش، في ظل وصول الليرة السورية إلى 3500 مقابل الدولار الواحد.

هجرة اقتصادية

ونجح النظام السوري في جس نبض مستوى حركة الأموال في سوق العقارات، بعد إصدار قانون "البيوع العقارية".

ولمقاربة القول الآنف، فإن موقع "كيو ميديا" السوري أجرى بتاريخ 30 أغسطس/آب 2021، قياسا لحجم التداول السنوي لسوق العقارات في البلاد، بناء على إحصائيات قدمتها وزارة المالية التابعة للنظام.

وخلص الموقع إلى أن حوالي (ملياري دولار) هي حجم الأموال التي تدور في سوق العقارات.

وفي هذا السياق، يرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، أن قانون البيوع "سبب ارتفاعا هائلا في أسعار العقارات لأن المواطن السوري كان يدفع سابقا ضريبة حسب نسبة القيمة التقديرية للعقار".

فإذا كان هناك عقار سعره 3 ملايين سوري فإن قيمته في الأوراق المالية مثلا 200 ألف وهنا يتم احتساب الضريبة على قيمة الأوراق والتي تصل في مثل هذه الحالة إلى 30 ألف ليرة سورية، وفق قوله.

ويضيف شعبو لـ"الاستقلال": أما في الوقت الراهن "مع تدني قيمة الليرة السورية عمد النظام السوري إلى البحث عن حلول أخرى لرفد خزينته بالأموال ومنها عبر العقار، ولا سيما بعدما أصبحت الأسعار في سوريا جنونية بمئات الملايين وحتى بمليارات الليرات".

وهذا ما دفع النظام للتربح المالي، ولذلك جعل البيوع العقارية بحسب القيمة الرائجة في السوق الحالي.

مما يعني اختلاف القيمة التي تحصل عليها حكومة الأسد عن السابق بما ضمن إيرادات مالية أكبر من هذه البيوع، لأنه سابقا كانت قيمة الضريبة لكل من البائع والمشتري لا تشكل فرقا، بينما حاليا أصبحت بالملايين.

واعتبر الخبير الاقتصادي أن زيادة حجم مبيعات العقارات هو طبيعي؛ لانعدام الأمن والخبز والبنى التحتية من كهرباء وماء ومحروقات.

وهو ما دفع كثيرا من أهالي مدن دمشق وحلب وحماة وحمص للهجرة الاقتصادية عبر بيع الممتلكات والخروج إلى الخارج إما لفتح مصالح جديدة أو طمعا باللجوء في دول أوروبا.

وختم الأكاديمي بالقول: "إن الوضع السائد في مناطق النظام السوري هو أن الطبقة الميسورة باتت تتألم من الوضع الاقتصادي، ولهذا شهدنا حركة حصول مكثفة على جوازات السفر السورية لكون البقاء في سوريا أصبح يؤدي إلى التهلكة".