جفاف نهر الفرات.. نتيجة للتغير المناخي أم عمل سياسي منظم؟

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أكدت وكالة الأنباء الفرنسية "أ ف ب"، أن تراجع مستوى تدفق نهر الفرات يهدد آلاف السوريين بفقدان مورد رزقهم.

وبعد أن أنعشت مياه الفرات بستان الزيتون الذي يملكه المزارع خالد الخميس في شمال سوريا، انخفض تدفق النهر منذ بداية العام 2021، وجفت مياهه، وأصبح العطش يهدد الأشجار وحتى عائلته التي تكافح لتأمين مياه الشرب. 

يقول الخميس الذي يبلغ من العمر 50 عاما: "كأننا نعيش في صحراء.. حتى أننا نريد النزوح ونفكر بالهجرة لعدم توافر مياه للشرب أو لري الأشجار".

ومنذ أشهر، يحذر خبراء ومنظمات إنسانية من كارثة في شمال سوريا وشمال شرقها حيث يمر نهر الفرات.

ويهدد تراجع منسوب المياه في النهر منذ يناير/كانون الثاني 2021، بانقطاع المياه والكهرباء عن ملايين السكان.

وبدلا من الاهتمام بحقول الزيتون، يزرع خالد وسكان القرية اليوم الذرة والفاصولياء على أرض جفت عليها مياه النهر. 

ويقول خالد الذي لديه 12 طفلا: "تسير النساء سبعة كيلومترات لتعبئة قوارير مياه شرب للأطفال".

وفي المناطق المهددة بالجفاف والواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية "يتهم الكثيرون تركيا بمنع المياه واستخدامها كسلاح ضد المقاتلين الأكراد الذين تصفهم بالإرهابيين"، الأمر الذي نفاه مصدر دبلوماسي تركي.

"منسوب ميت"

 وأعاد المسؤول التركي أسباب الجفاف إلى التغير المناخي الذي حذرت الأمم المتحدة منه في تقرير حديث، حيث أكدت أن الجفاف سيؤدي إلى كوارث غير مسبوقة في العالم الذي شهد موجات حر وفيضانات متتالية. 

وفي العام 1987، وقعت سوريا اتفاق تقاسم مياه مع تركيا تعهدت بموجبه أنقرة أن توفر لدمشق معدلا سنويا من 500 متر مكعب في الثانية.

لكن هذه الكمية انخفضت إلى أكثر من النصف خلال الأشهر الماضية، ووصلت في فترات معينة إلى 200 متر مكعب في الثانية، وفقا لمهندسين.

ينبع نهر الفرات، أطول أنهار غرب آسيا، من جبال طوروس في تركيا ويتدفق منها إلى سوريا، من مدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي مرورا بمحافظة الرقة شمالا ومنها إلى دير الزور شرقا، وصولا إلى العراق.

ويغطي النهر 2800 كيلومترا عبر تركيا وسوريا والعراق. ويلتقي في البلد الأخير بنهر دجلة ليشكلا سويا شط العرب قبل أن يصب في مياه الخليج.

وفي سوريا، بني سدان أساسيان على نهر الفرات هما سد تشرين في ريف حلب الشمالي، وسد الطبقة حيث تقع بحيرة الأسد الضخمة في ريف الرقة الشرقي.

ويغطي السدان 90 بالمئة من حاجات شمال شرق سوريا من الكهرباء، بما فيها التيار اللازم لمحطات ضخ المياه، إلا أن تراجع منسوب المياه اليوم يهدد عملهما. 

ويحذر مدير سد تشرين حمود الحمادين من "انخفاض تاريخي ومرعب" في منسوب المياه لم يشهده السد منذ بنائه عام 1999.

ومنذ يناير/كانون الثاني، تراجع منسوب المياه في السد خمسة أمتار. وفي حال استمراره بالانخفاض سيصل إلى ما وصفه حمود بـ"المنسوب الميت"، ما يعني توقف "التوربينات بشكل كامل عن العمل. 

وناهيك عن تراجع إمداد المنطقة بالكهرباء، توقفت محطات ضخ مياه عديدة عن العمل، وفق الحمادين الذي حذر من أن انخفاض منسوب المياه يهدد بارتفاع معدل التلوث ويعرض الثروة السمكية للخطر، قائلا: "نحن نتجه إلى كارثة إنسانية وبيئية".

وفي سد الطبقة، تراجع منسوب المياه في بحيرة الأسد حوالي خمسة أمتار، وبات يقترب من المنسوب الميت أيضا. 

وفي كامل شمال شرق سوريا، تراجع إنتاج الكهرباء بنسبة 70 بالمئة لأن سدي تشرين والطبقة لا يعملان بالشكل المطلوب، وفق ما أكده مسؤول هيئة الطاقة في شمال شرق سوريا ولات درويش. 

"سلاح" المياه

وفي سوريا، يمر الفرات بغالبيته في مناطق تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية وذراعها العسكرية قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من واشنطن، لكنها تعد خصما أساسا لتركيا التي تصنف أبرز مكوناتها وحدات حماية الشعب الكردية، مجموعة "إرهابية".

وشنت تركيا وفصائل سورية منذ 2016 ثلاث هجمات عسكرية في سوريا استهدفت المقاتلين الأكراد. 

وتتهم الإدارة الذاتية أنقرة بعرقلة تدفق نهر الفرات إلى سوريا وباستخدام المياه كسلاح للضغط عليها، وفق الوكالة الفرنسية.

واتهم النظام السوري أيضا تركيا، بحجز مياه نهر الفرات وعدم الالتزام بالاتفاقية الموقعة في 1987.

إلا أن مصدرا دبلوماسيا تركيا أكد أن بلاده لم تقم بخفض نسبة تدفق المياه لا لأسباب سياسية أو لأي أسباب أخرى.

وأوضح قائلا: "تواجه منطقتنا أسوأ فترات الجفاف بسبب التغير المناخي"، مشيرا إلى تسجيل "أدنى مستوى تساقط أمطار منذ 30 عاما على الأقل" هذا العام في جنوب تركيا.

ويشكك الباحث في الشأن السوري نيكولاس هيراس في نية تركيا استخدام نهر الفرات كسلاح لصالحها.

فمن شأن ذلك أن يعقد علاقاتها مع الولايات المتحدة الداعمة للأكراد وحليفتها على النطاق الأوسع، ومع روسيا أبرز داعمي دمشق، لكن في الوقت ذاته شريكتها في اتفاقات تهدئة عديدة في سوريا.

ويقول هيراس: إن "سلاح المياه الأسهل، والذي استخدمته أنقرة مرارا، هو محطة علوك" الواقعة في منطقة تحت سيطرتها منذ 2019.

وأحصت الأمم المتحدة انقطاع المياه عن محطة علوك 24 مرة منذ العام 2019، وهو ما يؤثر على حياة 460 ألف شخص يستفيدون منها في محافظة الحسكة. 

وحتى وإن كانت الكارثة التي تهدد شمال سوريا وشمال شرقها ناتجة عن تراجع مستوى الأمطار، فإن تركيا قادرة على الاستفادة من الأمر لمصالحها الجيوسياسية، وفق ما يرى الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش.

ويقول بالانش: "خلال فترات الجفاف، تستخدم تركيا ما تحتاج من المياه وتترك ما تبقى للأكراد وإن كانت على معرفة كاملة بالتداعيات". ويضيف أن الهدف هو "خنق شمال شرق سوريا اقتصاديا"، وفق قوله.

"الجفاف مقبل"

يعيد فيم زفينينبيرغ من منظمة "باكس" للسلام الهولندية غير الحكومية تراجع منسوب نهر الفرات في سوريا إلى مشاريع زراعية ضخمة وضعتها الحكومة التركية، وكذلك التغير المناخي.

وأطلقت تركيا في التسعينيات مشاريع زراعية ضخمة في جنوب البلاد، وبات عليها اليوم وجراء تراجع نسبة الأمطار أن تفعل المستحيل للحفاظ على كميات المياه ذاتها اللازمة لمشاريع الري. وقد يكمن الحل باستغلال كبير لمياه الأنهر. 

ويقول زفينينبيرغ: "الجفاف قادم لا محالة"، مشيرا إلى أن صورا عبر أقمار اصطناعية تظهر "التراجع السريع في النمو الزراعي" في كل من سوريا وتركيا. 

وقد حمل تقرير صدر في يوليو/تموز 2021 عن خبراء المناخ في الأمم المتحدة البشر مسؤولية الاضطرابات المناخية التي ضربت العالم وتهدده أكثر وبينها موجات القيظ والجفاف.

وحذرت الأمم المتحدة من أن فترات الجفاف ستصبح أطول وأكثر حدة حول البحر الأبيض المتوسط.

وصنف مؤشر الأزمات العالمية لعام 2019 سوريا على أنها البلد الأكثر عرضة لخطر الجفاف في منطقة المتوسط. 

 بات انكماش بحيرة الأسد، أكبر البحيرات الاصطناعية في سوريا، الهم الأكبر لدى عمال سد الطبقة من جهة والمزارعين من جهة ثانية.

ويقول المهندس خالد شاهين الذي يعمل في سد الطبقة منذ 22 عاما: "نحاول تخفيض كمية المياه التي تمر عبر السدود للخروج بأقل الخسائر الممكنة". 

ويضيف: "إذا استمر الوضع على هذا الحال، من المحتمل أن نوقف توليد الكهرباء، وأن نغذي فقط المخابز والمطاحن والمستشفيات".

وعلى ضفاف بحيرة الأسد، ينهمك عمال بإصلاح مولدات كهربائية أرهقها ضخ المياه. 

ويشكو المزارع حسين صالح العلي البالغ من العمر 56 عاما، من قرية الطويحينة المجاورة من زيادة تكاليف ضخ المياه. ويقول: "أشجار الزيتون عطشة والحيوانات جاعت".

ويضيف: "بعد انخفاض منسوب المياه لم نعد نتحمل مصاريف الخراطيم ومولدات سحب المياه".

أمراض وعطش 

وباتت فترة قطع الكهرباء تفترر من 19 ساعة يوميا في قريته، فيما تمر مياه النهر الملوثة قرب قريته.

وكان أكثر من خمسة ملايين شخص يعتمدون على النهر لتوفير مياه شرب نظيفة، لكن معظم المحطات التي كانت تتولى عملية تكرير المياه وتنقيتها باتت إما تعمل بتقطع أو توقفت نهائيا.

وبات على السكان شراء المياه من صهاريج خاصة، تتم تعبئتها من نهر الفرات لكن من دون تنقيتها، في وقت تتراكم مياه الصرف الصحي ويزداد التلوث. 

وحذر ائتلاف منظمات تعمل في شمال شرق سوريا من انتشار الأمراض الناشئة عن تلوث المياه في محافظات حلب والرقة ودير الزور، فيما تسببت مياه معامل الثلج الملوثة بانتشار الإسهال في مخيمات النازحين.

ويقول العلي: "باتت الناس مضطرة لأن تشرب من المياه الملوثة، ما أدى إلى ازدياد الأمراض بين سكان القرية". 

يهدد تراجع منسوب نهر الفرات "المجتمعات الريفية على ضفافه والتي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة والري"، وفق ما تشرح الخبيرة السورية في الأمن البيئي مروى داوودي. 

وأتى الجفاف، وفق منظمات إنسانية، على مساحات زراعية واسعة تعتمد أساسا على مياه الأمطار، في بلد يعاني 60 بالمئة من سكانه من انعدام الأمن الغذائي.

وأوردت الأمم المتحدة أن إنتاج الشعير قد يتراجع 1,2 مليون طن خلال العام 2021، ما يصعب تأمين العلف للحيوانات خلال الأشهر القليلة المقبلة. 

ويرجح بالانش أن تكون سوريا تواجه جفافا قد يستمر سنوات لم تشهده منذ آخر موجة جفاف فيها بين العامين 2005 و2010.

ويقول: "سيضطر المزارعون خلال السنوات المقبلة إلى تقليص المساحات المزروعة"، محذرا من أن سوريا كلها "ستشهد نقصا في الغذاء، وسيكون عليها أن تستورد كميات ضخمة من الحبوب". 

في العراق أيضا، حذر المجلس النرويجي للاجئين من أن تراجع تدفق نهر الفرات قد يحرم سبعة ملايين شخص من المياه.

ويقول المتحدث باسم المجلس كارل شيمبري: "لا يأخذ المناخ الحدود بالاعتبار".