"التكنوقراط" بحكومة المغرب.. حل للتنمية أم عصا في عجلة الديمقراطية؟

ليلى العابدي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وسط مخاوف من انعكاسات اجتماعية خطيرة، خرجت في المدن المغربية العديد من الاحتجاجات نتيجة قرارات مختلفة، الرابط بينها أنها نتاج قطاعات يرأسها "وزراء تكنوقراط".

ويرى متابعون أنه من الصعب وصف وزراء غير منتمين للأحزاب بـ"التكنوقراط" بما يعنيه المصطلح، دون النظر لخصوصية السياق المغربي، والنمط المتبع للحكم وتوزيع السلطات بالمملكة.

واعتبر البعض أن الوزير التكنوقراطي ليس بمنأى عن المحاسبة كـ"رديف" للمسؤولية، الفرق فقط أن المحاسب سيكون هو الحزب الذي يرأس الحكومة التي تضم الوزير التكنوقراطي.

فيما قال آخرون إن "الوزير التكنوقراطي هو بالضرورة حامل لبرنامج سياسي وفكر أيديولوجي معين، ديمقراطيا كان أو محافظا".

سياق مشحون

وتظل أمثلة الاحتجاجات ضد قرار وزير الصحة، خالد آيت الطالب، باعتماد جواز التلقيح (وثيقة تثبت تلقي التلقيح) للدخول إلى المؤسسات، وكذا قرار وزير التعليم، شكيب بنموسى، بتسقيف سن الولوج لوظائف التعليم، آخر نموذجين لما تخلفه قرارات وزراء غير منتمين للأحزاب من ردود أفعال رافضة خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وعرف المغرب احتجاجات كبيرة بسبب القرارين المذكورين، والحكومة الحالية لم تكمل بعد المئة يوم الأولى من عمرها، حيث تشكلت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وبنموسى، أصبح عشية تشكيل الحكومة عضوا بالمكتب السياسي لحزب "التجمع الوطني للأحرار" (قائد الائتلاف الحكومي)، ونفس الأمر مع آيت الطالب منذ الحكومة السابقة.

وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021، قررت الحكومة ضرورة إبراز "جواز التلقيح" شرطا للتنقل في أرجاء البلاد، ودخول المؤسسات العامة والخاصة والفنادق والمقاهي وغيرها.

وكشفت مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي منع مظاهرات احتجاجية بالعديد من المدن، رفضا لما أعلنته الحكومة حول فرض "جواز التلقيح"، كما شهدت العاصمة احتجاجات تم منعها أمام البرلمان لأربعة أسابيع متتالية.

وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أثار قرار وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، تخفيض سن توظيف أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين إلى 30 سنة، عدة احتجاجات، خاصة بالمدن المتوفرة على وحدات جامعية.

وعلل توضيح صادر عن وزارة التعليم القرار بكونه يبتغي "جذب المترشحات والمترشحين الشباب نحو مهن التدريس، بهدف ضمان التزامهم الدائم في خدمة المدرسة العمومية، علاوة على الاستثمار الأنجع في التكوين وفي مساراتهم المهنية".

فيما علقت الصحفية حنان باكور بالقول: "تحديد سن اجتياز مباراة التعليم في 30 سنة يكشف أن الوزير الذي اتخذ هذا القرار لا يعرف لا المغرب ولا المغاربة، وأن الإصلاح الحقيقي يثبت يوما بعد يوم أن التكنوقراط الذين يعيشون في عالم مواز عن عالم المغاربة، في أبراجهم العالية، لن يجعلوا المغاربة يحلمون به".

وأضافت في تدوينة عبر "فيسبوك" أن "مثل هذا القرار ليس سوى صب للزيت على النار في سياق مشحون، تراكم فيه الحكومة أخطاءها القاتلة قبل أن تتم حتى مئة يوم".

وتابعت باكور: "جعل أبناء المغاربة فوق مشرحة التكنوقراط، ورهن قطاعا حيويا يعاني منذ سنوات وينتظر الإصلاح، من جاء يجرب فيه نموذجه الخاص في العبث، وهذا طبيعي أن يصدر عن مسؤول حكومي هو نفسه طار فجأة من باريس إلى وزارة التعليم وتلون بلون حزب لا يجمعه به لا خير ولا إحسان (في إشارة إلى الوزير بنموسى)".

خيار لاديمقراطي

وقال الباحث في العلوم السياسية، عبد الصمد بنعباد، إن "الديمقراطية تعني ربط ممارسة السلطة والتدبير والحكم بصناديق الاقتراع، أي عرض مشروع الحكم على المجتمع في الانتخابات من أجل اختيار ما يريده المجتمع، وبالطبع تشكيل حكومة تقوم على تنفيذ مشروعها الذي تعاقدت به مع المجتمع والمصوتين".

وأوضح بنعباد لـ"الاستقلال" أنه "يمكن في بعض الحالات الشاذة والنادرة أن يستعين الحزب بواحد من الكفاءات غير المنتمية سياسيا لتدبير قطاع بعينه، لكنه اعتبر في المقابل أن تحول التكنوقراط إلى أصل والسياسي إلى استثناء، عملية انقلابية على معنى الديمقراطية".

ولفت إلى أن الخطير في الحالة المغربية، ليس في استعانة السلطة بالتكنوقراط، بل في عدم وجود "المسؤول" الذي يحاسب من طرف المجتمع، وهذا واحد من عناصر الخطورة على الاستقرار السياسي والاجتماعي بالإضافة إلى إفقاد معنى الممارسة الديمقراطية في البلاد.

وأكد بنعباد أن "وجود التكنوقراط غير مقبول ديمقراطيا، لكنه يظل متفهما بالنظر إلى واقع ممارسة السلطة وتدبير الحكم في البلاد، لكن استمرار الاعتماد على التكنوقراط يفقد العملية السياسية معناها".

وشدد على أن "الغريب أن التكنوقراط في المغرب منتجون حقيقيون لأزمات اجتماعية، تجعل السلطة في مواجهة مباشرة مع المجتمع، غير أنهم وبخلاف السياسيين يختفون عند المواجهة، ويتركون الدولة وحدها في الميدان، ويمكن في شهرين من عمر الحكومة الحالية رصد هذا الإخفاق والاختفاء".

واعتبر بنعباد أن "المغرب يحتاج جميع أبنائه وكفاءاته نعم، لكنه يحتاج إلى سياسيين يحملون مشاريع ويدافعون عنها أمام المجتمع، ضمانا لاستقرار دائم".

التكنوقراطي سياسي

من جانبه، قال أستاذ القانون الدستوري، عبد الرحيم العلام، إنه من الضروري الحسم والتمييز في "اعتقاد أن رجل التكنوقراط يمارس الخبرة فقط دون السياسة"، معتبرا أنه "يمارس سياسة دولة وحزب في الحكومة".

وأكد العلام لـ"الاستقلال" أن "التكنوقراط حامل لإيديولوجية ويمارس السياسة"، موضحا أن "اللغة المتداولة فقط هي التي تعتمد التقابل القطعي بين السياسي والتكنوقراطي".

وأوضح أن الفرق "فقط في هل ينتمي التكنوقراطي لحزب سياسي أو ينتمي لدولة رئيسها سياسي يمارس السياسة ولديه رؤية وتصور، والعضو في حكومته يمارس السياسة، حيث إن العضوية الحكومية ولكون رئيسها عضو حزب سياسي، تحول الوزير من تقني إلى ممارس للسياسة بالصفة".

ولفت العلام إلى "كون الفكرة السائدة بكون التكنوقراطي لا تهمه السياسة أو الانعكاس الشعبي لقراراته، لكن الواقع أن ربط المسؤولية بالمحاسبة قائمة على كل المواطنين، وبالضرورة كل المسؤولين، باعتبار أن المسؤول سينزل غداة كل فترة انتدابية للميدان الانتخابي، الفرق أن محاسبة المسؤول التكنوقراطي ستقع على الحزب القائد للحكومة".

وقال إن "كل الدساتير لا تحمل عبارة ربط المسؤولية بالمحاسبة"، معتبرا أن "العبارة تدخل في باب الإطناب اللغوي، حيث إن الديمقراطية بالضرورة تعني ربط المسؤولية بالمحاسبة".

وأعطى العلام مثال "تأدية حزب العدالة والتنمية، المعارض حاليا والذي قاد الحكومة لولايتين بعد اعتماد الدستور الجديد 2011، وبعد حركة 20 فبراير، ثمن أخطاء وزراء تكنوقراط غير منتمين حزبيا".

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، طه لحميداني، لـ"الاستقلال" إن "هناك حالة من الخلط بين التكنوقراط كمفهوم، وحكم التكنوقراط في المغرب كواقع".

واعتبر لحميداني أنه "من الصعب الحديث عن حكم للتكنوقراط في المغرب"، موضحا أن "السلطة تعتمد التكنوقراط كحالة من حالات تدوير النخب، خاصة أن استمرار النظام ينطلق من مؤسسات إستراتيجية كبيرة، الحكومة جزء منها فقط".

وأوضح أن "هناك ضرورة للفصل في بعض التقابلات المعتمدة في الخطاب في الشأن العام بالمغرب، ومثال ذلك عدم الخلط بين التكنوقراط والبيروقراطية الإدارية، وكذا عدم الخلط بين الشرعية والمشروعية، على اعتبار أن الرأي العام في أحيان كثيرة لا يناقش شرعية الانتخاب، وإنما مشروعية الإنجاز على أرض الواقع".

وشدد على "ضرورة تنسيب الخطاب في الحالة المغربية، لوجود حاجة واقعية للتكنوقراط في الكثير من الفترات بالحياة السياسية المغربية، خاصة أن بعض المحسوبين على هذه الفئة قادوا نجاحات عديدة وفي قطاعات إستراتيجية".

وختم لحميداني حديثه بالقول إن "المحاسبة في النظام السياسي المغربي شبه مستحيلة، لأن الإشكالية في الإرادة السياسية".