شريان نفط "سوريا الديمقراطية" والأسد.. كيف بقي حيا رغم عقوبات أميركا؟

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تزال العلاقة النفطية بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة أميركيا، متينة وتحكمها آلية ثنائية يديرها ما يسمون بالوسطاء وحيتان التهريب.

إذ تعد قوات "قسد" إحدى أكبر مزودي نظام بشار الأسد بمواد النفط والغاز عبر طرق التفافية بعيدا عن العقوبات الدولية وعلى رأسها قانون "قيصر" الأميركي، ما يعني أن شريان النفط بينهما يتجاوز كل الخلافات السياسية.

يأتي ذلك في ظل رغبة النظام السوري بعد سيطرة "قسد" على 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بسوريا، في تنويع مصادر موارده النفطية، وتقليص الاعتماد المفرط على الدعم الإيراني والروسي.

خرق "قيصر"

لكن ما يبدو جليا أن علاقة المصالح والمكاسب بين النظام السوري وقوات "قسد"، لم يتمكن "قانون قيصر" الأميركي المطبق في 17 يونيو/حزيران 2020، والذي صمم لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام، في الحد منها.

وهذا ما أكده تقرير جديد لـ "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" المعارضة، بأن قوات "قسد" ما تزال تخرق قانون "قيصر" عبر مواصلة تمرير مواد النفط والغاز إلى النظام السوري.

وكشف تقرير الشبكة الصادر بتاريخ 29 يوليو/تموز 2021 بأن "قسد" تزود النظام السوري بما يقارب 6 مليون برميل نفط سنويا، ما يعود عليها بعائدات تقدر بـ120 مليون دولار أميركي.

ورصدت الشبكة الحقوقية استمرار عمليات الإمداد للنظام السوري حتى يوليو/ تموز 2021، معتبرة أن هناك "فائدة كبيرة يجنيها النظام من جراء تلك العمليات عبر توظيفها في استمرار ارتكابه انتهاكات فظيعة".

واعتبر التقرير أن العمليات التي تقودها قوات التحالف الدولي الداعمة لـ "قسد" لوقف تهريب النفط تبقى "محدودة ومنقوصة".

 وأشار إلى أنه "في الغالب لا يدوم أثرها أزيد من عدة أيام قبل أن تعود بعدها الشاحنات لنقل النفط إلى مناطق سيطرة النظام السوري".

وتوجد طرق عدة لتزويد "قسد" للنظام السوري بالموارد النفطية، وأبرزها عبر عمليات التهريب من المعابر المائية بين ضفتي نهر الفرات، وأيضا من خلال بيع الوكلاء والوسطاء والتجار للنفط عبر الطرق البرية وهي الأقوى والأوسع.

واللافت أن من يتحكم بإيصال المحروقات بين الطرفين يتبعون بشكل أو بآخر إلى "حيتان التهريب"، وهؤلاء مرتبطون بشكل مباشر بقادة مليشيات محلية سواء بمناطق الأسد أو "قسد". 

ويمكن القول: إن بحث النظام السوري عن إمدادات آمنة وموثوقة لوصول النفط الخام إلى المصافي من مناطق قوات "قسد" لمناطق نفوذه وبعيدا عن عين الولايات المتحدة دفعه لتوكيل "أذرع اقتصادية" للقيام بهذه المهمة المعقدة.

وتعتمد مليشيات الأسد في دير الزور على تأمين حاجاتها من المحروقات عبر عمليات شراء من تجار يحصلون على عقود تضمين لآبار نفطية من قوات "قسد" لمدة محدودة مقابل حصول الأخيرة على مبلغ مالي نقدي.

وهذه إحدى الطرق الملتوية في حصول النظام السوري على المشتقات النفطية لكون "قسد" في هذه الحالة لا تحدد على التجار طريقة تصريف النفط المستخرج، حيث يمتلك هؤلاء آليات بدائية في تكرير النفط وبيع مفرزاته من البنزين والمازوت.

ويعد حسام القاطرجي، وهو أبرز أمراء الحرب المحسوبين على عائلة الأسد، والمعاقب من قبل وزارة الخزانة الأميركية، أحد أشهر وأكبر وكلاء نقل النفط بين مناطق "قسد" والنظام السوري.

نجح "قاطرجي" في تجنيد أكثر من ألف شاب من محافظتي دير الزور والرقة، مقابل 60 دولارا شهريا مع سلة غذائية، بهدف مرافقة وحماية الصهاريج الناقلة للنفط من الآبار.

وتعمل مئات "الصهاريج" التابعة لمجموعة "القاطرجي" على مدار الساعة لنقل النفط الخام من حقلي (الرميلان - والجبسة) بمحافظة الحسكة، إلى مناطق النظام السوري.

 إذ تسلك تلك "الصهاريج" طريق "أثريا - الرقة"، الرئيس العامل حاليا لنقل النفط، والذي تنتشر فيه قوات النظام بشكل مكثف على طوله.

غض الطرف

أمام هذه المعطيات يرى الباحث في مركز "عمران للدراسات الإستراتيجية"، محمد العبد الله، أن "العلاقة بين نظام الأسد وقوات قسد على مدار السنوات الماضية هي أقرب ما تكون إلى علاقة مصالح تحكمها المكاسب الاقتصادية بين الطرفين".

وأوضح الباحث في تصريح لـ "الاستقلال" أن "قسد بعد سيطرتها على آبار النفط في المنطقة الشرقية باتت بحاجة لأسواق لتصريفه غير آبهة بالجهة المستوردة لهذه الشحنات النفطية سواء لمناطق النظام أو المعارضة السورية".

واستدرك: "لكن بحكم المساحة ومناطق النفوذ فإن النسبة الأكبر من هذه الشحنات يتم توريدها إلى مناطق النظام، حيث شكلت تجارة المحروقات أحد أبرز أعمال شبكات التهريب في عموم المناطق السورية، إذ تعتمد هذه الشبكات على مجموعة من الوسطاء المحليين لتسهيل عبورها".

وأشار العبد الله إلى أن "سطوة هؤلاء الوسطاء زادت مع مرور الزمن ليشكلوا كيانات ذات أفرع متعددة من الصعب تعقبها وكشف ماهية أعمالها".

لذا يمكن القول: إن فاعلية قانون قيصر فيما يتعلق بمنع توريد النفط إلى مناطق النظام هو في ظاهره أمر تتعهد قسد بالالتزام به، كما يقول.

لكن على أرض الواقع تدرك الإدارة الأميركية، وفق الباحث، استحالة تحقيقه لسببين.

الأول "عدم وجود رغبة أميركية حقيقية في قطع العوائد المادية الكبيرة لصالح قوات قسد، وثانيهما عدم قدرتها على مراقبة وضبط شبكات التهريب الداخلية التي تطورت أساليبها وقدراتها في إيصال شحنات النفط لأي منطقة داخل سوريا". 

إلى جانب أن واشنطن "لم تفرض تلك الرقابة الصارمة حتى الوقت الحاضر على شحنات النفط لأنها لا تريد حقيقة خنق النظام بشكل كامل بل تتيح له عبر هذه الشحنات التنفس ولو بالحد الأدنى الذي يبقيه حيا، أملا منها بتغيير سلوكه"، وفق الباحث في مركز عمران.

ومما لا شك فيه أن النظام السوري هو المستفيد الأكبر من تزويد "قسد" له بالموارد النفطية.

 ولكن رغم الخرق الظاهر لقانون "قيصر" الأميركي في هذه الجزئية، إلا أن المحلل والباحث الاقتصادي السوري يونس الكريم، يشير إلى وجود "اتفاق بين الأميركان وقسد بحيث لا يوجد هنا مخالفة لقانون قيصر".

ويدلل الباحث الاقتصادي على كلامه في حديثه لـ"الاستقلال" إلى أن "عملية التزويد" تتم داخل حدود الجغرافيا السورية.

 وبالتالي فالعقوبات تفرض على الاستيراد والتصدير تجاه سوريا وعلى التحويلات المالية"، لافتا إلى أن "قانون قيصر فضفاض ويمكن الالتفاف عليه".

عقدة الخلاف

وألمح الكريم إلى أن "قوات قسد تعتمد على استيراد الكهرباء من مناطق النظام السوري وبالتالي هي تمنح الأخير النفط والغاز للحصول على الكهرباء".

وهنا فإن "قسد مضطرة لبيع جزء من نفطها للنظام بهدف الحصول على نفط مكرر لكونها لا تملك مصافي قادرة على تكرير النفط".

واعتبر الكريم أن "الـ 120 مليون دولار التي تحدث عنها تقرير الشبكة السورية لحجم عوائد قسد من المواد النفطية للنظام هي ليست بشكل نقدي بل فقط جزء منها".

وأضاف أن: "قسد لا مشكلة لديها مع النظام السوري بل على العكس هناك محاولات لردم الهوة والانضمام إلى النظام الذي تميل إليه أكثر من المعارضة السورية".

ورغم أن روسيا تتبنى الوساطة بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية وتنظر إلى الوجود الأميركي شمال شرقي البلاد، على أنه غير قانوني ويعرقل توصل الطرفين لاتفاق، تبقى حقول النفط التي بيد "قسد" هي عقدة الخلاف الأكبر بينهما والتي تتمحور عليها جميع المفاوضات.

وبالتالي فإن أي تحسين في العلاقة على المستوى السياسي بين قوات "قسد" والنظام السوري، سيكون الأخير هو المستفيد منه لسد عجزه عن تأمين المشتقات النفطية في مناطق نفوذه.

ولا سيما أن قوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات "قسد" بيدها 6 حقول نفطية في محافظة الحسكة.

بينما تسيطر قوات "قسد" على عدد من حقول النفط في الضفة اليسرى من نهر الفرات بمحافظة دير الزور، وأشهرها حقل "العمر" النفطي أكبر حقول النفط في سوريا مساحة وإنتاجا.

وجدير بالذكر هنا أن جميع هذه الحقول المذكورة توجد فيها قوات أميركية خاصة لحمايتها ضمن إستراتيجية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حول طبيعة وجود قوات بلاده في سوريا. 

ولا تكشف "قسد" عن حجم الإنتاج النفطي اليومي للحقول التي تستولي عليها.

إلا أن مواقع إعلامية كردية ترجح أن حجم الإنتاج اليومي من النفط يصل إلى 100 ألف برميل يوميا وينخفض بحسب حالة الآبار الفنية وغزارة إنتاجها وقلة الأعطال.

وتؤكد وزارة النفط في حكومة الأسد أن خسائر قطاع النفط في سوريا منذ عام 2011 بلغت 91.5 مليار دولار، وفق ما نقلت صحيفة "الوطن" المحلية الموالية.

إذ تشير التقارير الدولية إلى أن احتياطي سوريا النفطي يشكل نحو 0.14 على مستوى العالم، بواقع إنتاج يومي كان قبل عام 2011، 300 ألف برميل، وانخفض خلال السنوات العشر الأخيرة إلى 40 ألفا.

وتقدر الشبكة السورية بأن قوات "قسد" تبيع برميل النفط الخام للنظام السوري بقرابة 30 دولارا، أي بعائد يومي يقدر بـ 420 ألف دولار.

وبعائد شهري يقدر بـ 12 مليون و600 ألف دولار، وبعائد سنوي يقدر بـ 151مليون و200 ألف دولار سنويا، هذا عدا عن عوائد الغاز.