"النهضة الإثيوبي".. هل ينهي خدمة السد العالي بمصر بعد 51 سنة من إنشائه؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع إعلان إثيوبيا انتهاء الملء الثاني لسد النهضة، احتفلت مصر في صمت بالذكرى الـ51 لبناء السد العالي بأسوان في 21 يوليو/تموز 1970، وسط تساؤلات عن مصيره بعدما بات مستقبله معلقا بما يسمح بمروره السد الإثيوبي من مياه.

تجاهل إعلام النظام المصري ذكرى السد العالي، ومرورها في صمت، يبدو متعمدا من جانب السلطات، ربما لعدم تذكير المصريين بأزمة سد النهضة ومخاوف خروج السد المصري عن الخدمة، في توليد الكهرباء على الأقل.

وبني السد العالي لهدفين، حماية مصر من الفيضان، و"هو ما تحقق ولا يزال".

والثاني، توليد الكهرباء، وهو هدف يوشك أن ينتهي بعد بناء السد الإثيوبي وحجزه كميات من المياه قد تمنع توليد السد للكهرباء.

وعقب مشكلات ملء سد النهضة، أصبح للسد المصري هدف ثالث أهم، هو تخزين المياه لمنع عطش مصر، حال نقصت حصة مصر المائية السنوية.

وتسعى إثيوبيا لتخزين 74 مليار متر مكعب من مياه النيل وراء سدها، وهي كمية تعادل نصف مخزون السد العالي (130 مليارا)، ويتوقع الخبراء أن تؤثر على كميات المياه التي تصل لمصر، ومن ثم مشاريع الزراعة والكهرباء والشرب.

ورغم أن إثيوبيا حجزت عامي 2020 و2021، 8 مليارات متر مكعب فقط من بين الـ7 مليارات، فقد ظهر أول تأثير سلبي لذلك بخروج السد المصري عن الخدمة، كأحد أهم مصادر توليد الكهرباء، وفق تصريحات رسمية مصرية عام 2016.

ويخشى الخبراء أن يؤدي استمرار إثيوبيا في الملء عاما بعد آخر، دون اتفاق مع مصر والسودان، لتأثر السد المصري ونقص مخزونه من المياه المخصصة للطوارئ ما قد يخرجه عن الخدمة أيضا كخزان للشرب والزراعة.

وأنشئ السد العالي في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1960، واكتمل بناؤه بعد 8 سنوات، لكنه افتتح رسميا في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عام 1971.

سد بلا كهرباء 

أحد أحلام بناء السد العالي كانت توليد الكهرباء من المياه المخزنة داخله، بخلاف خزانات المياه الأخرى، كطاقة نظيفة.

وحاليا تقدر الطاقة الكهربائية المنتجة يوميا من السد العالي بـ1600 أو 1700 ميغاوات، من إجمالي 2100 ميغاوات، هي الطاقة القصوى للسد العالي، بحسب هيئة المحطات المائية.

هذه الطاقة المولدة من السد العالي، ترتفع إلى 2832 ميغاوات، لو أضيف لها ما تنتجه 5 محطات مائية مصرية أخرى، بحسب رئيس الهيئة، محمد عمرو لصحيفة "المال" 27 مارس/آذار 2019.

وهناك قلق مصري متزايد من هبوط مستوى التخزين في بحيرة السد العالي، أثناء ملء السد الإثيوبي إلى مستويات يتوقف معها عمل توربينات كهرباء السد تماما، في الوقت الذي ستعمل فيه توربينات السد الإثيوبي.

وأكد ذلك بشكل مبكر رئيس شركة كهرباء السد العالي السابق، عبد النبي عبد الغني، لصحيفة "اليوم السابع" في 27 يونيو/حزيران 2013.

وقال عبد الغني: "تأثير سد النهضة حتمي على مصر، لأن كل مليار انخفاض في حصة مصر المائية يؤدي لنقص إنتاج الكهرباء 20 بالمئة".

مصدر بوزارة الكهرباء قال لـ"الاستقلال": إن هناك مخاوف حقيقة من توقف السد العالي عن توليد الكهرباء، قائلا: "بات الأمر مسألة وقت، ومصر تتحسب لذلك لهذا خفضت على مدى السنوات الماضية اعتمادها على كهرباء السد العالي".

وأوضح أن "السد العالي كان يسهم بـ18 بالمئة من حاجة مصر للكهرباء، تقلصت الآن لأقل من 4 بالمئة، ومع استمرار ملء سد النهضة نتوقع خروج السد العالي تماما عن الخدمة كمولد للكهرباء".

فيما شراء مصر ثلاث محطات كهربائية حرارية من ألمانيا للعمل في العاصمة الإدارية الجديدة، والبرلس، وبني سويف لتوفر 14.4 ألف ميغاوات، كان جزءا من هذه الخطة.

خارج الخدمة

خلال حديثه عن تدشين محطات حرارية جديدة وزيادة إنتاج الكهرباء، كشف وزير الكهرباء المصري محمد شاكر أن "السد العالي خرج عن الخدمة كأحد أهم مصادر توليد الكهرباء".

وفي 18 مايو/أيار 2016، وبينما كان الوزير يستعرض أمام رئيس النظام عبد الفتاح السيسي إنجازات وزارته، جاء تصريحه بمثابة أول تحذير رسمي من أولى تداعيات إنشاء سد النهضة على السد العالي.

وحين شرع الوزير في شرح مزيد من التفاصيل حول أضرار السد الإثيوبي، منعه السيسي من الاسترسال، وطالبه بالتوقف وألا يدخل في "التفاصيل"، فارتبك الوزير وغير دفة الحديث.

وفي اليوم التالي، اضطر المتحدث باسم وزارة الكهرباء، لنفي "شائعة" خروج السد العالي عن الخدمة، قائلا: إن "السد العالي يعمل بكامل قدراته!".

وبشكل عام، سيؤدي خروج السد العالي من الخدمة لحرمان مصر من نحو 10-20 بالمئة من إنتاجها من الكهرباء النظيفة، بحسب خبير مياه لـ"الاستقلال".

وأوضح الخبير أن "المقصود ليس خروج السد العالي من الخدمة تماما فيما يخص توليده الكهرباء، لأن توربيناته تعمل بكامل طاقتها العادية، وإنما انخفاض حجم إنتاجه من الكهرباء كلما نقص ماء بحيرة السد".

مصدر مسؤول آخر بوزارة الكهرباء، أوضح أن الوزارة أجرت في مايو/أيار 2015 أعمال تطوير وتجديد بمحطات السد العالي لزيادة القدرة الإنتاجية المولدة حاليا من 9 إلى 25 بالمئة.

وقال لصحيفة "الديار" اللبنانية 19 مايو/ أيار 2016: إنه تم تجديد 12 توربينا بمحطات السد العالي لزيادة الطاقة الكهربائية المولدة.

وأشار المصدر إلى أن محطة كهرباء السد العالي أمدت مصر على مدار 10 سنوات الأولى من إنشائها بنحو 60 بالمئة من احتياجاتها من الكهرباء، بداية من دخولها على الشبكة القومية في عام 1967 وحتى عام 1978.

ومع زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية خلال السنوات الماضية والزيادة السكانية، انخفضت نسبة مشاركة محطة كهرباء السد العالي في توفر الطاقة إلى 9 بالمئة فقط وتوفر محطات الطاقة الحرارية حاليا نحو 90 بالمئة من احتياجات مصر.

مخزون احتياطي

المياه المخزنة في بحيرة "السد العالي" ليست مخصصة لتلبية احتياجات مصر اليومية، وإنما هي "احتياطي" مخصص لسنوات الجفاف، بحيث يتم السحب منها في حال قليل من الفيضان بفعل الجفاف على الهضبة الإثيوبية.

ومع بدء سد إثيوبيا – وليس الجفاف- حجب كميات من مياه فيضان النيل، تشكل جزءا من نصيب مصر السنوي، قد تضطر مصر للسحب من مخزون سدها.

وتبلغ سعة التخزين الكلية لبحيرة السد المصري 162 مليار متر مكعب من المياه، منها سعة "تخزين ميت" تقدر بـ32 مليار متر مكعب. 

وتعني عبارة "التخزين الميت"، كمية المياه التي لا يمكن نقلها من خلال فتحات السد، حيث تقع هذه الكمية أسفل منسوب فتحات جسم السد، ما يعني أن المخزون الفعلي 130 مليارا.

وفي حال استمرت إثيوبيا في حجز كميات كبيرة من مياه النيل لعدة سنوات، وتزامن ذلك مع فترات جفاف يقل فيها فيضان النيل، ستعاني مصر بصورة مزدوجة وتضطر للسحب من المخزون بكثرة ما يهدد أمنها المائي.

وسبق أن حمى السد العالي مصر من كوارث الجفاف والمجاعات نتيجة للفيضانات المتعاقبة شحيحة الإيراد في الفترة من 1979 إلى 1987.

وخلال هذه الفترة، تم سحب ما يقرب من 70 مليار متر مكعب من مخزون بحيرة السد العالي؛ لتعويض العجز السنوي المتكرر في الإيراد الطبيعي لنهر النيل، بحسب وزارة الري.

وهناك مخاوف لدى القاهرة أن تحجب إثيوبيا في عام الملء الثالث (2022) قرابة 21 مليار متر مكعب، ما سيضر خزان أسوان (بحيرة ناصر) بشدة ويقلل مخزون الطوارئ به.

وزير الري محمد عبد العاطي حذر في 20 مايو/أيار 2021 أن "أي مياه ستقوم إثيوبيا بتخزينها ستنتقص من حصة مصر من المياه، وسيعتبر هذا جفافا صناعيا".

وأوضح أنه "لو جاء جفاف طبيعي بجانب الجفاف الصناعي (حجز مياه) في نهر النيل ستحدث كارثة وتأثير مضاعف من نقص المياه لمصر والسودان".

وبحسب تقدير عبد العاطي "لو اعتمدت مصر على مخزون السد العالي المخصص لسنوات الجفاف في التغلب على آثار ملء سد إثيوبيا يمكن أن تتعرض لخطر، خصوصا إذا حدث جفاف في الوقت ذاته".

وزير الري الأسبق، محمد نصر علام، قال لقناة "صدى البلد" 19 مايو/أيار 2021: "قد نأخذ كمية المياه المطلوبة من السد العالي، لكن لو حدث جفاف لمدة 7 أو 8 سنوات، من الممكن أن تعطش مصر".

الذكرى 51 

بحسب الوثائق الموجودة في مجلس الوزراء المصري، تم وضع حجر الأساس لمشروع السد العالي في 9 يناير/كانون الثاني 1960، وتم الانتهاء من تشييده في 21 يوليو/تموز 1970.

واحتفلت مصر بـ"صورة شبه حزينة" بافتتاح السد وبدء تشغيل توربيناته، لأن المقاتلات الإسرائيلية كانت لا تزال تحوم فوق قناة السويس حينئذ.

في 21 يوليو/تموز، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تقريرا تحت عنوان "مصر تكمل بناء السد العالي".

وقالت الصحيفة: "بينما المقاتلات الإسرائيلية لا تزال تحوم فوق قناة السويس، وتقصف الجبهة، فإن حدثا آخر ذا قيمة إستراتيجية أكبر كان يجري على بعد 400 ميل على نهر النيل".

وأضافت: "في احتفالية، استثني الغربيون من حضورها، احتفل المسؤولون المصريون والسوفييت والفيتناميون بتشغيل واحدة من الـ12 محركا توربينيا في السد العالي بأسوان".

ووصفته الصحيفة بأنه "أعظم عمل هندسي في هذا البلد منذ بناء الأهرامات"، وكيف أنه تسبب في العدوان الثلاثي على مصر، عقب إلغاء قرض البنك الدولي لبناء السد، وتأميم مصر قناة السويس، والهجوم الإسرائيلي البريطاني الفرنسي عام 1956.

عام 1958، وقعت مصر اتفاقية مع الاتحاد السوفيتي حصلت بموجبها على 400 مليون روبل؛ لبدء بناء السد، واستمر الدعم المالي والتقني السوفيتي حتى انتهاء التشييد بالكامل بتكلفة إجمالية تقدر بمليار دولار.

ويقع السد على بعد 700 كيلومتر جنوب القاهرة، ويخضع لنظام المراقبة الدقيقة باستخدام الكاميرات، ويستقبل لبضع ساعات يوميا الزائرين، حيث يبلغ ارتفاعه 111 مترا وطوله 3600 متر. 

وتدعي إثيوبيا في المحافل الدولية، أن مصر هي التي تستفيد من أغلب مياه النيل التي تهطل على أراضيها ثم تذهب إلى مصر التي تخزنها في "السد العالي"، لذلك تطالب بإعادة تقاسم المياه.

لكن المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري، محمد السباعي، قال: إن "إثيوبيا أكثر استفادة من مصر بمياه النيل".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن كمية الأمطار التي تهطل سنويا على إثيوبيا تقدر بـ 950 مليار متر مكعب سنويا (أي 20 ضعف الكمية التي تحصل عليها مصر).

وأكد السباعي أن إثيوبيا تستفيد بنحو 84 مليار متر مكعب سنويا من هذه المياه، وهو أكثر من حصة مصر (55 مليارا).

وتحتاج مصر سنويا نحو 128 مليار متر مكعب من المياه، بينما حصتها السنوية من مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب، لا تكفيها.

ويجري تعويض النقص بمعالجة مصر مياه الصرف الزراعي والمياه الجوفية وتقليل المحاصيل التي تستهلك المياه واستيرادها.