إيران والأسد.. هكذا يدفعان العشائر لمواجهة نفوذ الولايات المتحدة في سوريا

يركز النظام السوري ومن ورائه إيران، على استمالة الخزان البشري السوري المتمثل بالقبائل والعشائر السورية، في المناطق التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، شرقي البلاد، التي تعتبر ضمن تقسيمات النفوذ الأميركي في البلاد.
ورغم غياب سيطرة النظام السوري على أجزاء من محافظات "دير الزور، الحسكة، الرقة" ذات الثقل العشائري الواسع منذ 2012؛ استغل حالة التهميش له في تلك المناطق عبر تغيير ولاءات الحاضنة الشعبية للجهة المسيطرة والمتمثلة بقوات "قسد".
ويكرر النظام السوري دعوته لإنهاء ما يسميه "أي شكل للوجود الأميركي في سوريا وأدواته وعملائه، وبسط السلطة الشرعية على كل الأراضي السورية".
لكن النظام في الوقت الراهن لا يمتلك أيا من المقومات لزعزعة الوجود الأميركي شمال شرقي سوريا، لذا فقد وجد ضالته في كسب القبائل والعشائر في مناطق نفوذ واشنطن تحسبا لملء أي فراغ محتمل مستقبلا.
وهذا ما تؤكده الوقائع الميدانية عبر تقارير صحفية وأخرى استخباراتية وآخرها ما كشفه تقرير استخباراتي لوزارة الدفاع الأميركية عن رصد أنشطة للنظام السوري تعمل على بناء علاقات مع القبائل والعشائر المحلية في شرق سوريا حيث تنتشر القوات الأميركية.
واعتبر التقرير الاستخباراتي الذي جرى تسليمه إلى الكونغرس الأميركي واطلعت عليه صحيفة "الشرق الأوسط" بتاريخ 16 يونيو/حزيران 2021، أن تلك الأنشطة تهدف لإثارة اضطرابات وإضعاف الوجود الأميركي هناك.
وأيضا تهدف إلى دعم هجمات على قوات التحالف الدولي وقوات قسد، مستغلين تراجع عمليات القتال ضد تنظيم الدولة خلال عام 2020.
ورقة العشائر
وحول مدى الدور الذي يلعبه النظام السوري ومن خلفه إيران داخل العشائر العربية، أكد المتحدث الرسمي لمجلس القبائل والعشائر السورية المعارضة "مضر حماد الأسعد" في تصريح لـ "الاستقلال" أنه "منذ بداية الثورة السورية أصبح النظام يلهث وراء القبائل والعشائر".
وذلك وفق الأسعد "لكونها الخزان البشري الكبير لسوريا ولأهميتها على ساحة الجغرافيا وخاصة في مناطق الريف والبادية والجزيرة والفرات والتي تشكل 70 بالمئة من مساحة البلاد".
وبين الأسعد أن "القبائل والعشائر السورية منذ انطلاق الثورة انخرط أغلب أبنائهم الشباب في الحراك الشعبي".
وحينما رأى النظام السوري ومن خلفه إيران أنه سيخسر أكبر قوة بشرية؛ اتجهوا لكسب ود بعض شيوخ ووجهاء ومخاتير العشائر ممن كان يدعمهم النظام قبل الثورة وساهم في (صنع مشيخاتهم).
وأردف: "بدأ النظام بتقديم الدعم المادي والمعنوي والسياسي والإعلامي والأسلحة والذخيرة لهؤلاء الوجهاء في البداية عن طريق رجل الأعمال رامي مخلوف ومن ثم عبر منظمة جهاد البناء الإيرانية".
وأشار المتحدث باسم مجلس القبائل والعشائر السورية إلى أن تلك الخطوات "مكنت النظام السوري بأن يكون صاحب السلطة القوية على القبائل والعشائر في المناطق التي تحت سيطرته أو التي تحت سيطرة مليشيا قسد نظرا لترابط صلة الدم بين القبائل".
وكشف المتحدث أن "شيوخ القبائل يعملون مع قسد بأوامر من النظام لخدمته وهذا ما نلاحظه حاليا في منطقة الجزيرة والفرات ومنبج وخاصة في موضوع إثارة الفوضى والمشاكل ضد واشنطن على الرغم من أن الأخيرة ضد إسقاط الأسد ومنعت وصول الدعم العسكري للمعارضة".
ودلل الأسعد خلال حديثه بأن النظام السوري حينما يريد توجيه أي رسالة قاسية "تكون من خلال العشائر والقبائل السورية وخير شاهد على ذلك هو اعتراض أبناء الريف والقرى في محافظة الحسكة لبعض الدوريات الأميركية".
وأضاف أن ذلك يدل أيضا على "وجود عملاء للنظام لديهم المقدرة على إثارة الفوضى حتى لو كانت جزئية في مناطق قسد وفي الساعة التي يريدها".
وهذا وفق الأسعد على الرغم من "تخلي النظام عن القبائل والعشائر السورية في أكثر من موقف لصالح مليشيات قسد وتسليمه محافظة الحسكة وأخيرا حارة طيء وسط القامشلي لحزب الاتحاد الديمقراطي الجناح العسكري السوري لتنظيم حزب العمال الكردستاني".
ويرى المتحدث باسم القبائل أن المشاكل التي تفتعلها قوات قسد تجاه العرب والعشائر العربية تصب في صالح النظام السوري.
وخاصة في "مسألة التجنيد الإجباري والقسري للشباب والاعتقالات اليومية وسرقة الموارد النفطية والغازية وإغلاق المدارس والجامعات وفرض اللغة الكردية والمناهج المؤدلجة واغتيال زعماء بعض العشائر وتجريف القرى والمزارع وتغير أسمائها".
وأجرى المتحدث مقارنة لبعض المغريات العلنية التي قدمتها إيران لوجهاء العشائر والقبائل في مناطق نفوذها على الضفة اليمنى من نهر الفرات التي تمتد من مدينة ديرالزور وصولا إلى مدينة البوكمال الحدودية مع العراق.
وبين أن إيران "دفعت الأموال لإنشاء المعاهد الدينية والعسكرية والمنظمات الإنسانية والخيرية لكسب الحاضنة الشعبية وأنشأت الكتائب العسكرية للشباب وأجرت تسويات للمنشقين أو المتخلفين عن الخدمة في قوات الأسد ودعت هؤلاء إلى زيارات متتالية لطهران وقم فضلا عن الاهتمام بتقديم الهدايا والعطايا لهم".
ويلعب النظام السوري على وتر التداخل وصلة القرابة بين أبناء العشيرة الواحدة والتي تتوزع في محافظات عدة، كي يفكك ولاء القبيلة الواحدة من خلال تنصيب شيوخ ووجهاء لها في مناطقه ويدعمهم سياسيا وإعلاميا إضافة لإعطائهم صلاحيات واسعة للتأثير على أبناء القبيلة خارج مناطق نفوذه.
واتهم القيادي في قوات قسد "ريان الشنان" في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، ما سماها "خلايا إيران والنظام السوري ومن ورائها روسيا باستهداف مؤسسات المجتمع المدني ووجهاء العشائر والشخصيات المجتمعية ونشر الفوضى والشغب في شرق الفرات".
ونقل موقع "باسنيوز" الكردي عن القيادي قوله: إن "أغلب الخلايا الموجودة في المنطقة تتبع للمليشيات الإيرانية ومرتبطة بالأفرع الأمنية للنظام".
وكشف الشنان أن غاية النظام السوري وإيران من "نشر الفوضى" في مناطق قوات قسد "هي إظهار أن مناطق قسد غير مستقرة وأنها غير قادرة على ضبط الأمن وذلك كله لمصالح سياسية".
ملء الفراغ
وهذا ما ذهب إليه الباحث السوري المختص بالشأن الإيراني ضياء قدور، بقوله: "إن كسب ود العشائر العربية أسهم في مضي مشروع إيران الطائفي والتغلغلي ضمن النسيج السوري بشكل أوسع وبسهولة، وتأمين حماية خط مباشر لهلالها الشيعي الممتد من إيران إلى العراق ثم سوريا، من خلال بناء حاضنة شعبية موالية لها في هذا المناطق".
وأردف في تصريح لـ "الاستقلال": "ناهيك عن سعيها المستمر لتجنيد قوى فاعلة في المنطقة الشرقية في حال حدوث فراغ مفاجئ بعد خروج القوات الأمريكية من المنطقة، لتأمين مصالحها الاقتصادية التي يقول الإيرانيون أنها وزعت بشكل غير عادل بينهم وبين الروس".
وألمح الباحث السوري إلى أن "إيران تسعى لاستقطاب العشائر السورية وخاصة مناطق شرق الفرات وجلبها تحت المظلة الإيرانية لما تحمله هذه العشائر من رمزية وسلطة قبلية على عدد كبير من السكان هناك".
وأضاف "وقد يكون لاستمالة زعماء القبائل الأثر الكبير في تأثير وكسب عدد أكبر من الناس العاديين، أو ما يسميهم نظام الملالي بالعوام، إذ إن أحد أبرز الأمثلة الناجحة هي مقدرة إيران على استمالة جزء من قبيلة البقارة باستخدام عملاء أمثال نواف البشير وغيره"، وفق ما قال.
وفي مطلع عام 2017 استطاعت طهران استمالة زعيم عشيرة البقارة في سوريا نواف البشير وإرجاعه إلى حضن النظام السوري بعدما كان معارضا للأسد منذ بداية الثورة السورية في مارس/آذار 2011.
ويقود البشير اليوم مليشيا "لواء الباقر" الذي يعمل مع المليشيات الإيرانية في ديرالزور منذ عام 2017 على الرغم من تشكيله في سوريا عام 2014.
وروجت إيران للبشير داخليا عبر إرسال أقاربه للدراسة في طهران قبل أن يستقبله علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي مع وفد يضم قادة عشائر وشيوخ من سوريا موالية للجمهورية الإسلامية نهاية عام 2019 وذلك بهدف دعم وتسيير سياساتها شرق البلاد.
ومن الخطوات التي تثبت اهتمام إيران بالتغلغل في عشائر وقبائل مناطق سيطرتها والنظام السوري في دير الزور والرقة والحسكة، قيام طهران بتعيين ممثل خاص لها للتواصل مع العشائر العربية.
هذا الممثل يدعى "الحاج إسماعيل" إيراني الجنسية، ويشغل منصب القائد العسكري للحرس الثوري الإيراني بمدينة دير الزور.
وفي أغسطس/آب 2020 أعلن عن تأسيس "جيش العكيدات" في مناطق سيطرة النظام والمليشيات الإيرانية بدير الزور بهدف "إطلاق المقاومة الشعبية ضد القوات الأميركية وأعوانها في منطقة شرق الفرات".
الأمر الذي دفع سفير سوريا السابق بالعراق "نواف الفارس" والذي انشق في يوليو/تموز 2012 عن النظام السوري وهو ينحدر من قبيلة "العكيدات" للتحذير من النوايا الإيرانية.
وقال الفارس موجها كلامه لأقربائه من "العكيدات" القاطنين في منطقة "الجزيرة" شرق نهر الفرات التي تسيطر عليها قسد: "إذا قاتلتم الأميركان ستكونون أمام تهجير كلي إلى غرب نهر الفرات، لذا فالتشبث بالأرض أولوية حتى تغير الظروف".
وحول هذه الجزئية نبه الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، فايز الأسمر، إلى أن "إيران يهمها الاستثمار الأمني ومحاولات التمدد وتوسيع نفوذها وإتمام حلمها بسيطرتها على الحدود العراقية من الباغوز وحتى عين ديوار بالحسكة واقترابها أيضا من الحدود التركية الجنوبية".
واستدرك خلال حديثه لـ"الاستقلال" بالقول: "لذلك تسعى طهران حثيثا لإيجاد موطئ قدم لها في شرق الفرات الغني نفطيا من خلال أنشطتها المستمرة بتجنيد مليشيات تتبع لها عبر استمالة أبناء العشائر وشيوخهم وإغرائهم بالمال والسلاح ليكونوا أداة مرحلة".
وذلك وفق الخبير: "لتنفيذ مخططاتها بإبقاء تلك المناطق في حالة غليان وفوضى وتمرد؛ كل هذا هدفه جعل القوات الأميركية ومليشيا قسد في حالة تخوف واستنفار وإرباك دائم مما سيؤدي لاحقا لإضعاف وجودهم والتفكير وحسب حسابات النظام وداعميه ربما في الانسحاب من تلك المناطق وتسليمها للنظام".
المصادر
- أميركا تكشف تواصل نظام الأسد مع قبائل شرق سوريا لـ {تهديد} قواتها
- "جيش العكيدات" و"قوات القبائل".. صراع لتصدّر المشهد العشائري
- "قسد" تتهم إيران والنظام وروسيا بنشر الفوضى شرق الفرات
- النظام يشكل مجلسا سياسيا وجناحا عسكريا لـ"العكيدات" بدير الزور
- عشائر الحسكة تدعو لمقاومة الاحتلال الأميركي
- دمشق: الجيش السوري أكثر عزيمة على إنهاء الوجود الأمريكي في البلاد