لم تحفظ الأمن أو "تمنع الإرهاب".. لماذا يواصل السيسي فرض الطوارئ بمصر؟

منذ 9 أبريل/نيسان 2017، جدد رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي للمرة الثالثة عشر، حالة الطوارئ في كافة أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر، في كل مرة.
وجاء التجديد الأخير في 25 أبريل 2021. ولأن الدستور حدد فترات مدة الطوارئ بمرتين فقط لمدة 6 أشهر، يصدر السيسي قرارا جمهوريا كل 6 أشهر لتمديد الطوارئ.
مع اقتراب تولي الرئيس الراحل محمد مرسي السلطة، يونيو/حزيران 2012، وتعهده بإلغاء حالة الطوارئ بعد 30 عاما من العمل بها، أعلن المجلس العسكري إيقاف العمل بها نهائيا يوم 31 مايو/أيار 2012.
قيد دستور الثورة الصادر عام 2012 فرض حالة الطوارئ، بثلاثة أشهر فقط وقصر تمديدها على فترة مماثلة ولا يجوز مدها فترة ثالثة.
توسيع صلاحيات
استمر هذا القيد على مدة الطوارئ في المادة 154 من الدستور المعدل في يناير/ كانون الثاني 2014 ما قيد يد السيسي.
أعاد السيسي استدعاء قانون الطوارئ في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2014 لتطبيقه على محافظة شمال سيناء، وتجدد بهذه المناطق حتى الآن، "لمواجهة العمليات الإرهابية".
حين أعاد السيسي فرض الطوارئ على كل مصر 9 أبريل/ نيسان 2017، مستغلا تفجير كنيستي مارجرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية، تحايل على الدستور لإبقائها دائمة بإصدار قرار جمهوري كل مرة لتجديدها 3 أشهر وتمديدها 3 أخرى.
إصرار السيسي على تجديد حالة الطوارئ كل 6 أشهر (بقرار جمهوري جديد أو تمديدها) يهدف لإعطاء الجيش والشرطة سلطات أكبر لفرض إجراءات قمعية، وفق تقديرات محلية.
لم يكتف نظام السيسي بإعادة فرض الطوارئ ولكنه استغل جائحة كورونا لتعديل القانون وتوسيع سلطاته ليضيف مزيدا من القيود على المصريين.
في 22 أبريل/ نيسان 2020 أقر مجلس النواب تعديلات على قانون الطوارئ وسعت صلاحيات السيسي ومنحته اختصاصات أوسع بذريعة السماح له باتخاذ تدابير لمكافحة انتشار فيروس كورونا.
وفي 7 مايو/ أيار 2021، أصدر السيسي بهذه التعديلات القانون 22 لسنة 2020.
أتاحت التعديلات للسيسي تقييد "الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات والاحتفالات وغيرها من أشكال التجمعات، وتقييد الاجتماعات الخاصة".
وسمحت له بتقييد تداول بعض السلع والمنتجات أو نقلها أو بيعها أو حيازتها أو تصديرها، وتحديد طريقة جمع التبرعات المالية والعينية وقواعد تخصيص هذه التبرعات والإنفاق منها.
كما أتاحت له وضع اليد على مراكز طبية خاصة وتحويل مدارس ومراكز تربوية وغيرها من المنشآت العامة إلى مستشفيات ميدانية والحد من تجارة بعض المنتجات.
وبموجب التعديلات أصبح المدعي العسكري مخولا بمساعدة النيابة العامة في التحقيق حول جرائم تبلغ عنها القوات المسلحة.
ما يعني توسيع اختصاصات المحاكم العسكرية لتشمل محاكمة المدنيين باعتبار الجيش مسؤول عن تنفيذ القانون خلال فترة الطوارئ.
وصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في بيان 7 مايو/ أيار 2020 التعديلات بأنها "ذريعة" لإنشاء "سلطات قمعية جديدة".
قال المدير التنفيذي للمنظمة كينيث روث: "تستخدم حكومة السيسي جائحة كورونا لتوسيع قانون الطوارئ المصري المسيء، وليس إصلاحه".
وأضاف أنه "يجب على السلطات المصرية التعامل مع مخاوف الصحة العامة دون إضافة أدوات قمع جديدة أظهر السيسي نفسه أنه على استعداد تام لاستخدامها".
اعتبر ستورك أنه "ينبغي ألا تكون" بعض الإجراءات "المطلوبة" في مرحلة الأزمة الصحية قابلة للاستغلال، مضيفا أن "اللجوء إلى خطاب حفظ الأمن والنظام العام كذريعة، يعكس العقلية الأمنية التي تحكم مصر في عهد السيسي".
إرهاب "الطوارئ"
صدر قانون الطوارئ الحالي عام 1958، ولم يرفع سوى عامين في عهدي الرئيسين أنور السادات ومحمد مرسي، أي أن مصر في حالة طوارئ منذ قرابة 60 عاما.
عقب انقلابه العسكري ورغبة في قمع الاحتجاجات بالقوة، فرض السيسي عبر الرئيس المعين عدلي منصور، الطوارئ عقب فض اعتصام رابعة 14 أغسطس/ آب 2013.
لم تمنع الطوارئ الغرض الأساسي المعلن منها وهو حفظ الأمن ومنع الإرهاب، ففي ظلها قتل الرئيس السابق أنور السادات، وقتل رئيس البرلمان السابق رفعت المحجوب، وقامت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، وتحولت سيناء إلى ساحة حرب.
"قانون الإرهاب" لم يمنع أيضا تفجيرين في كنيستين نتج عنهما حوالي 45 قتيلا وعشرات المصابين، وحين فرض السيسي الطوارئ في 9 أبريل/نيسان 2017، استمرت التفجيرات والإرهاب.
قتل 235 مصل في مسجد الروضة بسيناء 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، في ظل الطوارئ، واستمرت هجمات "ولاية سيناء" (الفرع المصري من تنظيم الدولة) ما يؤكد أنها مجرد أداة لتبرير القمع.
"الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" أكدت في تقرير 10 مايو/ أيار 2020 أن الإرهاب لم يتراجع رغم قانون الطوارئ وقوانين مكافحة الإرهاب، ولكن تراجعت حقوق الإنسان.
شددت على أن السيسي لم يحقق الأمن ويهدف "لمزيد من القمع لحرية الرأي والتعبير والمعتقد وقمع المدافعين عن حقوق الإنسان".
إصرار السيسي على بقاء الحكم بالطوارئ، رغم عشرات القوانين المقيدة للحريات وحقوق الإنسان بدعاوى محاربة الإرهاب، يرجع لتسريعها الأحكام دون طعن قضائي.
بموجبها تحكم محاكم أمن الدولة طوارئ، بأحكام لا تقبل الاستئناف في 18 تهمة توجه للمصريين المعارضين.
بموجب الطوارئ تحيل النيابة العامة إلى محاكم أمن الدولة-طوارئ المشكلة بالقانون 162 لعام 1958 "الجرائم" السياسية أو ذات الطابع الأمني، وتعرض أحكامها على الحاكم العسكري للتصديق عليها مباشرة دون طعن.
أحكام محكمة أمن الدولة طوارئ لا تقبل الطعن، ما يعني تسريع الأحكام، إذ إن أحكامها تحال إلى الحاكم العسكري (السيسي أو من يفوضه) للتصديق عليها، فتصبح نهائية لا يجوز الطعن عليها، ولكن التظلم فقط أمام الحاكم العسكري.
الطوارئ بهذا تعطي سلطات الأمن سلطات أوسع في الاعتقالات والتفتيش وحظر النشر، ويترتب عليها مزيد من الإخفاء القسري للمعتقلين، وإطالة فترة الحبس الاحتياطي.
وفرض قانون الطوارئ، يعني أيضا مراقبة الرسائل ووسائل التعبير ومصادرتها، والاستيلاء على أي عقار وفرض الحراسة على الشركات، ووضع قيود على حرية الأشخاص.
القضايا التي تحيلها النيابة العامة لمحاكم أمن الدولة هي المرتبطة بقوانين "التجمهر"، و"العقوبات"، و"التموين"، و"التسعيرة الجبرية"، و"الأسلحة والذخائر"، و"حرمة أماكن دور العبادة"، و"التظاهر"، و"تجريم الاعتداء على حرية العمل" و"تخريب المنشآت"، و"مكافحة الإرهاب".
18 جريمة
بموجب قانون الطوارئ هناك 15 جريمة يجري محاكمة مرتكبها أمام محاكم أمن الدولة، وبموجب قرار لرئيس الوزراء أبريل/ نيسان 2020 أضيفت 3 جرائم أخري لتصبح 18 جريمة.
ويمكن، بموجب القانون، تعطيل المواصلات بالمظاهرات أو الإضرابات جريمة، والترويع والتخويف والبلطجة جرائم، وكذا الجرائم الخاصة بشؤون التموين الخاص بالتسعير الجبري وتحديد الأرباح.
أيضا، الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت، والجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب والمتضمنة الترويج لأفكار متطرفة بقصد إثارة فتنة.
وحيازة المفرقعات، وتخريب مؤسسات الدولة، والتحريض على قلب نظام الحكم، وتكدير السلم العام، وجرائم التظاهر، والتحريض على عدم الإنقياد للقوانين، وإهانة رئيس الجمهورية، والتجسس والتخابر، وتسريب وثائق.
وكذلك: التحاق أي مصري بأي جيش لدولة أخرى في حالة الحرب مع مصر، وشخص كلف بالمفاوضة مع حكومة أجنبية في شأن من شؤون الدولة وتعمد إجراءها ضد مصلحتها.
ومن جمع بغير إذن من الحكومة الجند أو نفذ عملا عدائيا آخر ضد دولة أجنبية من شأنه تعريض الدولة المصرية لخطر الحرب، ومن طار فوق أراض مصرية بغير ترخيص من السلطات المختصة.
ومن أخذ صورا أو رسوما أو خرائط لمواضع أو أماكن على خلاف الحظر الصادر من السلطة المختصة، ومن دخل حصنا أو إحدى منشآت الدفاع أو معسكرا أو مكانا خيمت أو استقرت فيه قوات مسلحة أو سفينة حربية.
ومن أقام أو وجد في المواضع والأماكن التي حظرت السلطات العسكرية الإقامة أو الوجود فيها، وحيازة الأسلحة الآلية والذخائر.
والجرائم الثلاثة الإضافية التي أقرتها الحكومة أبريل/ نيسان 2020 هي: الجرائم المتعلقة بإنشاء مبان أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو ترميمها أو هدمها بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة.
والجرائم المتعلقة بإقامة أعمال دون مراعاة الأصول الفنية المقررة قانونا في تصميم أعمال البناء أو تنفيذها أو الإشراف على التنفيذ أو متابعته أو عدم مطابقة التنفيذ الرسومات والبيانات أو المستندات التي منح الترخيص على أساسها.
والغش في استخدام مواد البناء أو استخدام مواد غير مطابقة للمواصفات المقررة المنصوص عليها في المادتين 102 و04 من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008.
تاريخ الطوارئ
يرجع تاريخ فرض الطوارئ لفترة الحكم الملكي بعد نشوب الحرب العالمية الثانية 1939، وفي عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر 27 سبتمبر/ أيلول 1958 تم سن قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958.
استخدم السادات قانون الطوارئ، في القبض على عدد من المعارضين والحزبيين والصحفيين والكتاب، وللسيطرة على مظاهرات الخبز 17 و18 يناير/ كانون الثاني 1977 احتجاجا على تعليمات صندوق النقد الدولي، ولكنه أعلن إلغاء حالة الطوارئ عام 1980.
عقب اغتيال السادات 6 أكتوبر/ تشرين أول 1981، ومجيء حسني مبارك، عادت الطوارئ واستمرت 30 سنة.
كان يجري تجديدها في عهد مبارك سنويا حتى عام 1988، إلى أن أعلن مجلس الشعب تجديدها كل ثلاث سنوات.
في 12 مايو/ أيار 2010، قرر مجلس الشعب تجديده لمدة عامين فقط، وهو ما انتهى فعليا مايو/ أيار 2012 لكن بقرار من المجلس العسكري استجابة لثورة يناير.
في 14 أغسطس/ أيار 2013، قام الرئيس المؤقت عدلي منصور بإعادة العمل بقانون الطوارئ عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.
في 9 أبريل/ نيسان 2017 أعاد السيسي حالة الطوارئ مرة أخرى في مصر عقب تفجير كنيستين ولا تزال مطبقة منذ 4 سنوات حتى الآن.
آخر تجديد لحالة الطوارئ تم بقرار جمهوري رقم 174 لسنة 2021 يوم 25 أبريل/ نيسان 2021 لمدة ثلاثة أشهر، تنتهي في يونيو/ حزيران 2021.
وبلغت مرات تحايل السيسي على الدستور لإعادة فرض الطوارئ 13 مرة منذ فرضها على كل مصر لأول مرة 22 يونيو/ حزيران 2017.
المرة الثانية كانت في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2017، بالقرار الجمهوري رقم 510 لسنة 2017 بإعلان حالة الطوارئ بجميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر.
كانت المرة الثالثة في يناير/ كانون الأول 2018، بالقرار رقم 674 لسنة 2017، والرابعة في 13 أبريل/ نيسان 2018.
24 يونيو/ حزيران 2018، جاء التحايل والتجديد الخامس بالقرار الجمهوري رقم 168 لسنة 2018.
والسادس 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2018 بالقرار رقم 473 ووافق عليه مجلس النواب في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
13 يناير/ كانون الثاني 2019، أصدر السيسي القرار رقم 17 لسنة 2019، بمد حالة الطوارئ للمرة السابعة.
وكانت الثامنة 23 أبريل/ نيسان 2019 بالقرار الجمهوري رقم 208 لسنة 2019، لمدة 3 أشهر أخرى.
والتاسعة في 21 يوليو/ تموز 2019، بالقرار الجمهوري رقم 317 لسنة 2019، والعاشرة في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 بالقرار رقم 555 لسنة 2019.
19 يناير/ كانون الثاني 2020 كانت المرة الحادي عشرة لتجديد السيسي حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر.
في 25 أبريل/ نيسان 2021، أصدر السيسي القرار رقم 174 لسنة 2021 بإعلان حالة الطوارئ لتصبح المرة الثانية عشرة لتجديدها.
إذا أضيف فرض السيسي للطوارئ أولا في سيناء 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2014 تكون الطوارئ فرضت 13 مرة حتى الآن في عهد السيسي.