كيان جديد "معارض" لنظام الأسد من داخل دمشق.. من يقف وراءه؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد الحديث عن إعلان ولادة كيان سياسي معارض للنظام السوري في مناطق سيطرته، ومحاولة عقد مؤتمره التأسيسي الأول في العاصمة دمشق، تدور تساؤلات كثيرة عن إمكانية إتمام تشكيل مثل هذا الكيان، وهل ثمة طرف دولي يقف وراء إيجاد خصم جديد يناهض بشار الأسد؟

لم يسمح النظام السوري في 27 مارس/آذار 2021، لمجموعة من الأحزاب والتيارات السياسية المعارضة، بتنظيم مؤتمر في دمشق وغايته الإعلان عن "جبهة وطنية ديمقراطية" المعروفة اختصارا "جود"، تدعو إلى إنهاء الاستبداد الذي جفف الحياة السياسية بالبلد.

الكيان الجديد المزمع تشكيله يضم أحزابا وقوى معارضة من الداخل السوري والخارج بقيادة "هيئة التنسيق الوطنية" عن معارضة الداخل، و"المبادرة الوطنية"، ويضم أيضا هيئات ذات طابع قومي عربي ويساري وأحزاب كردية وتركمانية.

نظام وراثي

وتعليقا على رفض النظام انعقاد المؤتمر التأسيس للجبهة الوطنية الديمقراطية "جود" في مدينة دمشق، قال المحلل السياسي السوري ياسر النجار في حديث لـ"الاستقلال" إنه "مؤشر واضح وجلي أن النظام لا يقبل معارضة حتى لو كان مرضيا عنها، فهو لا يمكن أن يتقبل فكرة وجود تيار معارض حتى بلون بسيط".

ورأى أن السبب وراء ذلك "هو ما وصل إليه النظام من فشل اقتصادي وصحي وإداري ومؤسساتي، ولا وجود إلا للقبضة الأمنية في مناطق سيطرته، فهو لا يستطيع في ظل هذه الظروف أن يراهن على الاستثمار في معارضة يمكن أن تعيد تسويقه سياسيا من خلال قبول جهة معارضة عقد مؤتمرها بدمشق".

ونوه إلى أن "الجبهة الوطنية الديمقراطية التي ضمت بعض التجمعات ذات التوجه السياسي ليست معروفة بشكل مسبق، سوى الاتحاد الاشتراكي المعروف بشكل أكبر، فهو يرى أن التعامل مع النظام يجب أن يكون مدنيا سياسيا بعيدا عن المواجهة، لكن ما وجدناه في نهاية المطاف أن النظام لا يقبل حتى بمثل هذا اللون من المعارضة".

وأكد النجار أن "النظام كان حريصا في بداية الثورة السورية عام 2011، على تحويل الثورة إلى مسار المواجهة وقطع شوطا في ذلك، لأنه لا يريد تقبل أن تكون سوريا ديمقراطية تقوم على التعددية السياسية".

ووصف الخبير السوري النظام بأنه "وراثي ممتد من انقلاب عسكري بدأه حافظ الأسد، ويأمل أن يورثها إلى ابنه، فهو يصادر هذه الدولة ولا يتقبل أن يكون للدولة مفهوما مدنيا دستوريا يجب أن يتحقق، وإنما هو يرى أنه هو أساس الدولة ولا وجود لها بدونه".

من جهته، قال عضو المكتب التنفيذي في "هيئة التنسيق الوطنية" أحمد العسراوي، خلال تصريحات صحفية في 7 أبريل/ نيسان 2021: "لم أكن أتوقع بأية لحظة من اللحظات أن يمر عقد المؤتمر التأسيسي للجبهة بسلاسة طبيعية كما يجري في غالبية بلدان العالم، خاصة أن مركز انعقاده دمشق، وبما يمثله من موقف واضح بضرورة التغيير الوطني الديمقراطي".

وأضاف: "وهذا ما يثير عدم اعتراف النظام بالقوى السورية المعارضة لسياساته بكل محاورها وتوجهاتها، وخياره منذ قيامه بالقضاء عليها. فاستخدم كل السبل المتاحة لديه في سبيل ذلك، واستطاع تحجيم دورها، لكنه لم يتمكن من إنهاء دورها".

جهود جريئة

وبخصوص إمكانية إتمام تشكيل هذه الجبهة، يقول النجار إن "ما أقدمت عليه "جود" هي خطوة جريئة، وأثبتت تجربتهم أن النظام لا يتقبل التعامل مع الشعب السوري والمعارضة.

وأن مثل هذه المحاولة ممكن أن تتكرر وتتطور على المنحى الداخلي، كون سوريا الآن في الداخل تعاني من حالة مصادرة لأي آراء سياسية بحجة أن هناك محاربة للإرهاب، ويجب على الجميع أن يكون ضمن خندق هذه النظام المافيوي، وفق قوله.

وبرأي النجار، فإن "هذا الحراك خطوة ستكون إيجابية فيما إذا تطورت وانتشرت في صفوف الحاضنة الشعبية في داخل مناطق سيطرة النظام التي ترى أنه لم يعد يستطيع تقديم لقمة العيش والمتطلبات الأساسية".

وبالتالي ستكون هناك حالة تراكمية يمكن البناء عليها من تولد فكرة معارضة متذمرة للواقع الذي وصلت إليه وتحمل النظام كل ذلك، وتطالب في النتيجة إيجاد نظام قادرة على تجنيب سوريا حالة الفشل التي وصلت إليها.

وفي إطار ربط البعض "جرأة" جبهة "جود" لمحاولة إعلان تأسيسها بدعم طرف دولي وتحديدا روسيا، لخلق صوت معارض من الداخل قبل الانتخابات الرئاسية للنظام، قال العسراوي: "بداية ليست جرأة، بل قرارا وطنيا متقدما يواجه المشاركون فيه التحديات ويتحملون التضحيات، ولا علاقة للروس أو غيرهم فيه".

وأضاف العسراوي أن الصوت الوطني المعارض من داخل الساحة السورية معروف للجميع، "وليس من ذنبنا أن الرؤية الإعلامية للنظام ومن يدعمه ومن يواليه التقت مع الرؤية الإعلامية لبعض القنوات التي ادعت مناصرة الشعب السوري، في محاولة التغطية على الموقف والقرار الوطني المستقل لهيئة التنسيق الوطنية، وكل وفق غايته وأهدافه".

وتابع: نحن في "حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي" قد قاطعنا النظام، منذ اعتماده لدستور 1973، الذي انحاز لحكم الفئة خلافا للتوجهات الديمقراطية التي ادعاها، ومنذ ذلك التاريخ لا نشارك بما يسمى انتخابات أو استفتاءات في سوريا، مهما كان نوعها أو مستواها.

مشروع "جود"

وعلى صعيد مشروع الجبهة المعارضة، كشفت مسودة الرؤية السياسية للمؤتمر التأسيسي للجبهة عن تمسكها بـ"إنهاء نظام الاستبداد القائم"، و"تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات بموجب بيان جنيف والقرارات الدولية".

وبحسب وسائل إعلام سورية معارضة، فإن المسودة طالبت بإعادة هيكلة المؤسسة الأمنية، وبناء جيش وطني، وتحييده عن السياسة والعمل الحزبي، وإخراج كل الجيوش والمليشيات غير السورية من البلاد.

وتنص الوثيقة السياسية للتشكيل السياسي الجديد على أن "الخيار السياسي هو الحل الوحيد الذي يحقق التغيير الجذري للنظام القائم والتحول الديمقراطي"، وتشير إلى أن "القضية الكردية مسألة وطنية سورية، يتوجب إيجاد حل ديمقراطي ودستوري لها".

وكذلك، تدعو الوثيقة إلى وقف القتال والعمليات العسكرية على الأراضي السورية، بالتزامن مع إطلاق المعتقلين والعفو عن المطلوبين السياسيين داخل سوريا وخارجها، ومعرفة مصير المقتولين تعذيبا والمختفين قسرا منذ 1980، والعمل على تحقيق العدالة الانتقالية.

وفي طريقة منع النظام للمؤتمر التأسيسي للكيان المعارض من الانعقاد في دمشق، كشف بيان للجنة التحضيرية لـ"جود" في 27 مارس/آذار 2021، عن تلقي شخصيات وقيادات مشاركة في المؤتمر، لاتصالات من "جهات أمنية" تابعة للنظام السوري، على شكل تحذيرات للمتصل بهم.

وجاء في تلك التحذيرات أن السلطات الأمنية لن تسمح وستمنع انعقاد مؤتمر جود بذريعة عدم حيازة المؤتمرين أو لجنة المؤتمر على ترخيص مما يسمى "لجنة شؤون الأحزاب".

وأضاف البيان أنه "لا يخفى على أحد آلية تعامل النظام الاستبدادي في دمشق، مع كل نشاط وطني ديمقراطي وثوري، يناهضه ويسعى لتغيير الأوضاع الراهنة التي أنهكت سوريا والسوريين".

ومن ينظر إلى توقيت قرار المنع، يرى كيف انتظرت أجهزة النظام الأمنية حتى الساعات الأخيرة قبيل انعقاده، وفي منتصف الليل كي لا تتاح أي فرصة للتحرك أو فعل شيء، وفق البيان.

وشددت اللجنة التحضيرية على أن "ما قام به النظام ما هو إلا حلقة في سلسلة قمعه واستبداده وشموليته، وهو نظام الفساد والانتهاكات والقتل والتهجير وتدمير البلاد".

وأضاف أن اللجنة تعتبر أن منع النظام لعقد المؤتمر، انتهاك لكل الشرائع الدولية وحقوق الإنسان، وعمل إجرامي قمعي يضاف إلى سجل النظام الزاخر بكل ما يشين.

وتابع البيان أنه "من هنا، فإننا نحمل النظام والحكومات الداعمة له، وأيضا الدول المؤثرة في المشهد السوري، مسؤولية أمن رفاقنا وزملائنا في الداخل وسلامتهم، ونطالب بتدخل دبلوماسي ودولي وأممي لحفظ سلامتهم، وكف يد النظام وأجهزته الأمنية عن قمع الحراك الوطني المدني السلمي في سوريا".