فشل داخلي وخارجي.. ما احتمال استبدال الجيش الجزائري للرئيس تبون؟
.jpg)
رأى تقرير نشره معهد "ماركوم كير كارنيغي للشرق الأوسط"، أن الجيش في الجزائر سيكون مجبرا، على المدى المتوسط، على إيجاد بديل للرئيس عبدالمجيد تبون، البالغ من العمر 75 سنة، "الذي فشل في تقديم نفسه كمصلح ذي مصداقية كونه أحد بيروقراطيي نظام (عبد العزيز) بوتفليقة".
وأفاد معهد الدراسات، في ورقة بحثية بعنوان "الدور السياسي للقوات المسلحة في الجزائر الجديدة"، نشرها منتصف مارس/آذار، بأن المؤسسة العسكرية قد تصبح لاحقا مجبرة على تعيين شخصية أقل معارضة من داخل نظام الحكم أو خارجه، وقادرة على تقديم تنازلات للمؤسسة العسكرية.
وزاد: "وفي أي حال لا يمكن لأي رئيس في الجزائر، حتى لو كان منتخبا بطريقة ديمقراطية، أن يحدث تغييرا بارزا ما لم تتعاون معه النخبة العسكرية، إذ تعتبر المؤسسة العسكرية حاليا الجهاز الأقوى في الدولة".
ولعل ما خلص إليه الباحثون في مركز الدراسات، أتى ردا على ما يطالب به المحتجون كل جمعة في شوارع الجزائر منذ أن استأنفوا حراكهم الشعبي في فبراير/شباط 2020، جاعلين مطلبهم الأول "التغيير الجذري للنظام وبناء دولة ديمقراطية".
نظام مرتبك
شهدت الجمعة العاشرة بعد المائة (26 مارس/آذار 2021) لمسيرات الحراك الشعبي، العديد من الاعتقالات التي مست ناشطين معروفين، وبعض الاشتباكات في مدن غرب البلاد.
وفي بداية مارس/آذار، شرعت الحكومة الجزائرية في مناقشة مشروع قانون يجيز سحب الجنسية من مواطنيها المقيمين خارج البلاد، الذين ترى السلطات أنهم "يضرون بمصلحة الجزائر".
مشروع القانون تزامن مع عودة الحراك الشعبي للشوارع، حيث تلقى الاحتجاجات دعما كبيرا من الجزائريين بالخارج، عبر عدد من الوقفات أمام سفارات البلاد، ما يدفع معارضين إلى القلق من أن يتحول القانون، في حال دخوله حيز التنفيذ، إلى أداة في يد السلطات "لقمع معارضي الخارج".
ونحو مزيد من التضييق على معارضي الخارج، وبعد يومين فقط من إصدار محكمة جزائرية 4 مذكرات توقيف دولية بحق 4 ناشطين بالخارج متهمين بـ"الانتماء إلى جماعة إرهابية"، صادقت فرنسا التي تضم أكبر جالية جزائرية كان لها تأثير كبير على الحراك، على اتفاقية تسليم المطلوبين الموقعة بينها وبين الجزائر في يناير/كانون الثاني 2019، إيذانا بدخولها حيز التنفيذ.
يظهر التضييق على المعارضة بالداخل والخارج، مدى ارتباك النظام الجزائري، وهنا يرى باحثو "كارنيغي"، أن المؤسسة العسكرية عادت إلى السياسة كخصم سياسي وحكم وكصانعة قرار؛ لكن هذه المرة من دون رئاسة قوية منافسة لها ومن دون جهاز مخابرات قادر على الضغط عليها.
وتابعت الورقة: "احتكمت المؤسسة العسكرية إلى الحركة الشعبية، المعروفة بالحراك، وسلبت شرعيتها من الشارع، وحولت مطلب الشعب بالتغيير، إلى تغيير ضمن نفس النظام ووفق الثقافة السياسية القائمة على سيادة المؤسسة العسكرية على الحكم المدني".
تبرئة الفساد
عقب 4 أيام فقط من عودة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى البلاد في 29 ديسمبر/كانون الأول 2020، بعد رحلة علاجية إلى ألمانيا استمرت أسابيع، صدرت أحكام قضائية بتبرئة عدد من رموز النظام السابق.
الأحكام أثارت سخطا شعبيا واسعا، ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر ناشطون عن رفضهم لها، وتحدثوا عن عقد "صفقة" بين النظام الجديد ورموز الدولة العميقة، فيما ذهب آخرون إلى اعتبار أن هذه الأحكام تضع نهاية للحراك الشعبي المندلع منذ 22 فبراير/شباط 2019.
في الثاني من يناير/كانون الثاني 2020، أصدرت محكمة الاستئناف العسكرية في البليدة، غرب الجزائر العاصمة، حكما بالبراءة من تهمة "التآمر على الجيش والدولة" بحق كل من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ومستشاره الخاص، والمديرين السابقين للاستخبارات، وبشير طرطاق (يعرف أيضا بعثمان طرطاق)، ومحمد مدين الملقب بـ"الجنرال توفيق".
إثر الحكم، أطلقت المحكمة سراح مدين، الذي كان يتمتع بنفوذ واسع كرئيس للمخابرات في عهد "بوتفليقة"، فيما نقل السعيد بوتفليقة وطرطاق إلى سجن "الحراش" المدني، بانتظار محاكمتهما في قضايا أخرى تتعلق بالفساد.
الحكم الجديد ألغى حكما صدر في 10 فبراير/شباط 2020، كان يؤيد الأحكام الابتدائية القاضية بالسجن 15 عاما بحق "بوتفليقة ومدين وطرطاق"، الذين كانوا يشكلون رؤوس النظام القديم في الجزائر، وكان اعتقالهم حينها ضربة من قيادة الجيش لأعمدة النظام.
اللواء المتقاعد، خالد نزار، عاد إلى الجزائر يوم 11 ديسمبر/كانون الأول 2020، تزامنا مع صدور أحكام البراءة بحق الرموز الثلاثة.
السرعة التي أعيدت بها المحاكمة، خلافا لما تعرفه هذه القضايا عادة، جعلت بعض المراقبين يستقرئون في هذه التطورات مؤشرا لافتا على وجود تسويات على مستوى هرم السلطة، للسماح بعودة وجوه من منظومة الحكم القديمة.
ورأى ناشطون، أن النظام لم يتغير، بل شهد نوعا من التجاذبات الداخلية فقط بين أجنحته، فيما ذهب آخرون إلى القول إنها "العهدة الخامسة" لبوتفليقة، فقط الوجوه التي تغيرت.
مواجهة خاسرة
في تقرير نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية في أغسطس/آب 2020، وصفت التغييرات التي أجراها تبون داخل المؤسسة العسكرية في الجزائر في صفوف الضباط رفيعي المستوى بوزارة الدفاع، بـ"الثورة" التي نفذت وسط تكتم.
واعتبرت المجلة أن الطريقة التي اختارها الرئيس الجزائري الحالي تتناقض مع التي نهجها خلفه، "عندما تحول تفكيك أجهزة المخابرات والاستخبارات بين عامي 2013 و2015 إلى سيرك إعلامي".
وفي حين رأى التقرير أن "تبون أعاد الكفاءات التي همشها قايد صالح"، وأنه التزم بتصحيح أخطاء الماضي في جهاز الاستخبارات اعتبارا من 2013، ذهب "كارنيغي"، إلى أن الرئيس الحالي غير مجهز للضغط على القادة العسكريين.
فمن جهة، تلاشت مخاوف الجنرالات من الملاحقات الدولية بفعل المصالحة الوطنية والتغيرات في صفوف كبار الضباط. ومن جهة أخرى يبدو أن الملفات التي ملكها جهاز الاستعلام والأمن (التسمية السابقة للمخابرات الجزائرية) فقدت قدرتها على الضغط وانتزاع تنازلات من النخب العسكرية.
إضافة إلى كل ما سبق، تخلو الساحة السياسية من أية شخصية مدنية ذات رأس مال سياسي يستطيع أن ينتشل الرئاسة من الرعاية العسكرية.
وفي حالة الاستقرار، لا تعد مسألة الثقة ذات أهمية بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية؛ ويكفي أن تشتعل شرارة الحراك من جديد لتعود القيادة العسكرية لبناء جسور الثقة بينها وبين السياسيين من جهة، وبينها وبين الجماهير الغاضبة من جهة أخرى.
فقد قدم القادة العسكريون أنفسهم أثناء حراك فبراير كحكام في الصراع على السلطة السياسية، وكمساندين لمطالب الشارع؛ وحظيت المؤسسة العسكرية بثقة الأحزاب السياسية، كما حازت مؤقتا على ثقة المتظاهرين ما مكنها من دفع بوتفليقة للاستقالة في نيسان/أبريل 2019.
منذ الإطاحة ببوتفليقة في العام 2019، شهدت "الجزائر الجديدة" تغيرات في موازين القوة لصالح النخب العسكرية المؤثرة من دون منافسين سياسيين أو أمنيين حقيقيين؛ لقد خاض بوتفليقة معركة شرسة أشبه بتصفية حسابات شخصية مع القادة العسكريين.
وإن وجدت أي رغبة عند الرئيس الحالي عبد المجيد تبون في فرض سيطرته على العسكر فهو لن يجد حليفا قويا في صفوف قوى الأمن إذ قام بوتفليقة بتهميش أجهزة المخابرات، وألحقها خليفته أحمد قايد صالح بصورة غير دستورية بالمؤسسة العسكرية عقب إقالة مدير المخابرات بشير طرطاق في سياق حراك 22 شباط/فبراير 2019.
فشل خارجي
تزامن غياب الرئيس الجزائري، في وقت شهدت فيه الساحة الليبية تطورات سريعة بدأت بإقرار وقف شامل لإطلاق النار مهد لحوار ليبي ليبي مباشر في تونس، اختتم بالاتفاق حول موعد الانتخابات نهاية العام 2021.
كان واضحا غياب الدور الجزائري في هذا الملف الهام مع الدولة التي يشترك معها في حدود واسعة ومصالح مشتركة، حيث استضافت مصر عددا من الحوارات وكذلك المغرب وتونس، بالإضافة إلى لقاءات العواصم الأوروبية.
وعلى الحدود الأخرى، ارتفع منسوب التوتر بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو الانفصالية المدعومة من الجزائر، حيث شهد معبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا مواجهة مسلحة لأيام.
وكان غياب رئيس الجمهورية الجزائرية مؤثرا، بالنظر للدور الذي من الممكن أن يلعبه لتطويق الأزمة أو توضيح موقف الجزائر منها، حيث توجه إليه الاتهامات في الوقت الحالي دون وجود رد رسمي.
ولطالما كان للقادة العسكريين صوت مسموع في صناعة السياسة الخارجية وتوجيهها؛ لكن، مقارنة بفترة حكم بوتفليقة، يرى كثيرون أنه سيكون للمؤسسة العسكرية في الجزائر الجديدة الصوت الأعلى في إدارة الملفات الأمنية والإقليمية والدولية، وذلك بسبب طبع الرئيس تبون السياسي ومحدودية علاقاته العامة خارجيا.
بوحنية قوي، أستاذ العلوم السياسية، وعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية، بجامعة ورقلة الجزائر، أشار إلى أن ما يحدث من تغييرات داخل المؤسسة العسكرية مرتبط بالأساس بصناعة القرار داخل الجيش.
وقال قوي لـ"الاستقلال"، إن المخاض السياسي داخل النظام ما زال في بدايته منذ بداية حكم تبون، الذي لم تمر عليه سوى سنة واحدة.
واعتبر أن "المؤسسة العسكرية "ما زالت قوية في صناعة القرار، وهي محل إجماع، كما أن القرار السياسي العسكري يخضع لشكل توافقي ولكن بشكل فردي، وأن لا علاقة له بالحراك".
ووفق استقراء معهد "كارنيغي"، مستقبلا، ستزداد حدة فرض وجهة نظر المؤسسة العسكرية على توجهات السياسة الخارجية الجزائرية كالحفاظ على العداء الإستراتيجي مع المغرب قائما، والانخراط دبلوماسيا في نزاعات منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، والحفاظ على الوضع القائم في العلاقة مع فرنسا.
كما قد يتم الدفع نحو المزيد من الاعتماد على روسيا كحليف إستراتيجي كبناء على اتفاق التطبيع المغربي-الإسرائيلي.