ياسين يزور السعودية.. لماذا يخشى الماليزيون تكرار تجربة عبدالرزاق؟

سام أبو المجد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد نحو عام من توليه منصب رئيس الوزراء بماليزيا في مارس/آذار 2020، أجرى محي الدين ياسين (73 عاما)، زيارة للسعودية، هي الأولى من نوعها، بسبب القيود التي رافقت انتشار جائحة كورونا.

وخلال زيارته التي جرت في 9 مارس/آذار 2021، وقع ياسين مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان 3 اتفاقيات، نصت إحداها على تشكيل مجلس سعودي ماليزي مشترك، والثانية تخص التفاهم في مجال الشؤون الإسلامية، فيما الثالثة تتعلق بتنظيم شؤون الحج والعمرة.

وبحسب صحيفة "إندبندنت عربية" فإنه من المتوقع إنشاء لجنة إستراتيجية تنسيقية على مستوى وزراء الخارجية بين البلدين، لتكون بمثابة منصة ثنائية شاملة للمشاورات.

وتهدف اللجنة المشتركة إلى إجراء مشاورات منتظمة حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك ملفات الأمن السياسي الإقليمي والدولي والانتعاش الاقتصادي بعد الجائحة ومسائل الحج والعمرة والأمن الغذائي.

اللافت في الأمر هي التحركات التي يجريها رئيس وزراء ماليزيا والتي تأتي في سياق إعادة العلاقات بين كل من كوالالمبور من جهة والرياض وأبوظبي من جهة أخرى، وهي علاقات كانت قد شهدت فتورا في عهد رئيس الوزراء المستقيل مهاتير محمد.

قمة موازية

من شأن الاتفاقية بين الرياض وكوالالمبور الموقعة في 9 مارس/آذار 2021. والمختصة بالشؤون الإسلامية أن تعيد النظر في أي أنشطة موازية لأنشطة منظمة التعاون الإسلامي التي تقودها السعودية، وعلى رأسها القمة الإسلامية المصغرة التي عقدت قبل أكثر من عام برعاية مهاتير محمد.

الأمر أكده وزير الخارجية الماليزي الحالي هشام الدين حسين والذي دعا خلال الزيارة إلى تعاون الدول الإسلامية من خلال منظمة التعاون الإسلامي، لتصحيح المفاهيم الخاطئة حول الإسلام لإظهار صورة الإسلام الحقيقية القائمة على التسامح والاعتدال، ونبذ الكراهية والغلو، حد قوله.

حديث حسين أكده وزير الشؤون الإسلامية الماليزي الدكتور ذو الكفل البكري الذي دعا إلى ضرورة انخراط كوالالمبور والرياض في أي نشاط إسلامي يتعلق بالدول الإسلامية.

وكان رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد قد أسس "منتدى كوالامبور"، وانبثق عن هذا المنتدى قمة إسلامية مصغرة عقدت في كوالامبور، في ديسمبر/كانون الأول 2019، وشاركت فيها عدة دول، أبرزها ماليزيا وتركيا وإيران وقطر.

وكان من المقرر أن تشارك باكستان لكنها اعتذرت نتيجة ضغوط مارستها عليها السعودية، بحسب تصريح لوزير الخارجية الباكستاني شاه محود قرشي نقلته قناة "أري نيوز" الباكستانية، الذي قال إن بلاده تغيبت عن القمة الإسلامية التي عقدت في كوالالمبور بناء على طلب من السعودية. 

وشن قرشي، قبل انعقاد القمة، هجوما حادا على منظمة التعاون الإسلامي والسلطات السعودية، وقال إن إسلام آباد قد تلجأ للبحث عن حل لقضية إقليم كشمير المتنازع عليه مع الهند بعيدا عن المنظمة الإسلامية.

وقتها نشر أيضا ياسين أقطاي مستشار الرئيس أردوغان مقالا بموقع "عربي بوست"، بالتزامن مع انعقاد قمة كوالالمبور، قال فيه إن منظمة التعاون الإسلامي لا تهتم بأمور المسلمين، ولا تحاول أن تجد حلولا لمشكلاتهم المزمنة.

وقتها تم النظر إلى الدول المشاركة في القمة والأنشطة التي تتبناها على أنها دول تمثل تحالفا غير معلن، يأتي في مواجهة السعودية وحليفتها مصر والإمارات، ما جعل هذه التحركات مقلقة للسعودية التي مارست الضغوط على بعض الدول المشاركة كي تعتذر عن الحضور.

ترميم العلاقة

شهدت العلاقات الماليزية مع كل من السعودية وماليزيا تدهورا، إبان تولي مهاتير محمد رئاسة الحكومة الذي عاد للعمل السياسي في مايو/أيار 2018 بعد أن تورط سلفه نجيب عبدالرازق المقرب من السعودية والإمارات، بجرائم فساد مالي وسياسي.

جمد مهاتير عددا من الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية المبرمة مع السعودية والإمارات، وقام بإغلاق "مركز مكافحة الإرهاب" الذي أسسته السعودية، كما انسحب من عملية "عاصفة الحزم" التي تقودها كل من السعودية والإمارات في اليمن.

وعقب استقالة مهاتير من منصبه في فبراير/شباط 2020، حظي ياسين بدعم الإمارات والسعودية لتولي المنصب خلفا لمهاتير، وبعد أدائه اليمين أمام الملك عبدالله شاه، غرد ابن زايد على تويتر، في 5 مارس/آذار 2020، قائلا: "بحثت وصديقي السلطان عبدالله بن السلطان أحمد شاه، ملك ماليزيا العلاقات المتينة التي تجمع بلدينا، والجهود المبذولة للارتقاء بها الى آفاق ومستويات أعلى".

بعدها أعلن ياسين إعادة علاقة بلاده مع الرياض وأبوظبي، وصرح المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط هشام الدين حسين، في أول يوم له في المنصب أن هدفه الأول هو "ترميم العلاقات بين الرياض وكوالالمبور".

وأثناء الزيارة للرياض في 9 مارس/آذار 2021، صرح وزير الخارجية الماليزي المعين حديثا هشام الدين حسين إنه سيضع على رأس أولوياته العمل لترميم علاقات بلاده مع السعودية، واصفا المملكة بأن لها دورا محوريا.

وكشف وزير الخارجية في حكومة محيي الدين ياسين لصحيفة ماليزيا كيني المحلية عن إرساله دعوة إلى نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان لزيارة ماليزيا، قائلا: "من إحدى الأولويات في سياستنا الخارجية هي تصحيحنا للعلاقات مع السعودية".

وتعد السعودية من أكبر الشركاء التجاريين لماليزيا في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها من أكبر 20 دولة مستثمرة فيها، وفقا لوزير الاستثمار السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح.

ويؤكد الفالح أن أهم استثمارات المملكة في ماليزيا تتمثل في مشروعين مشتركين عملاقين تحت الإنشاء في ولاية جوهور، أحدهما في مجال تكرير النفط، والآخر في مجال تصنيع البتروكيمياويات.

والمشروعان، حسب الفالح، هما شراكة بين شركة أرامكو السعودية وشركة "بتروناس" الماليزية، بنسبة 50 بالمئة لكل منهما، حيث تقر قيمة المشروعين بحوالي 64 مليار ريال سعودي.

وتزامن مع زيارة ياسين إلى الرياض، زيارة ولي عهد البحرين سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة إلى الرياض، وزيارة مماثلة في نفس التوقيت للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ما يؤكد وجود حراك دبلوماسي يشمل السعودية وحلفائها في المنطقة.

"خليفة عبدالرازق"

تحركات رئيس الوزراء الحالي محي الدين ياسين تشبه إلى حد كبير التي كان يجريها رئيس الوزراء السابق نجيب عبدالرازق وبذات التصريحات، ما يضاعف من مخاوف الماليزيين من أن يكون ياسين نسخة شبيهة لعبدالرازق، وأن تخدم تحركاته ذات الأجندة التي كان يسعى لها عبدالرازق في تواصله مع كل من الرياض وأبوظبي.

وللماليزيين تجربة سيئة مع عبدالرازق الذي شهدت فترته فسادا ماليا وإداريا، بالإضافة إلى الفساد السياسي المتمثل بإساءة استغلال السلطة، وكان في ذات الفترة مقربا من كل من الرياض وأبوظبي.

عبدالرازق تلقى منحا مالية هائلة من السعودية، وهي مبالغ خلقت علامات استفهام عديدة، وبحسب المدعي العام الماليزي في يناير/كانون الثاني 2016، فإن 681 مليون دولار حولت إلى حساب مصرفي شخصي لعبدالرزاق، كانت هدية من الأسرة الحاكمة في السعودية، في حين مارس نجيب فسادا ماليا كانت الإمارات جزءا منه بحسب وكالة رويترز.

من ناحية أخرى، فإن تسريبات كشفت عنها صحيفة Malay Mail الماليزية، أن تسجيلات صوتية تصل مدتها الإجمالية إلى نحو 45 دقيقة، كشفت أن عبدالرازق كان له تواصل بمحمد بن زايد، ومنصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الوزراء الإماراتي ووزير شؤون الرئاسة، وهو الأمر الذي كشفته عنه المحكمة العليا في كوالالمبور لاحقا.

وفي التسجيلات الصوتية يطلب عبدالرازق من محمد بن زايد، مساعدته في إخفاء فضيحة نهب أموال الصندوق السيادي الماليزي، والتي تعد أكبر عملية احتيال في العالم، وكانت قد وصلت إلى وزارة العدل الأميركية.

ويحظى ياسين بعلاقة طيبة مع عبدالرازق، حيث انسحب الأول بصفته رئيس حزب "سكان ماليزيا الأصليين" من "تحالف الأمل (بيرساتو)"، وهو (تحالف سابق لمهاتير محمد وأنور إبراهيم)، وانضم لحلف عبدالرازق "أومنو" UMNO رغم التهم الموجهة إليه، وهو ما يخيف الماليزيين من تكرار سيناريو نجيب في بلادهم مرة أخرى.