بطرق التفافية.. هكذا يحاول نظام الأسد سرقة عقارات أهالي دمشق

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يتهم أهالي مناطق سكنية في العاصمة السورية دمشق، نظام بشار الأسد، بمحاولة التهام عقاراتهم وأراضيهم بطرق التفافية وغير قانونية، ضمن سياسة ممنهجة لإعادة رسم التشكيلة الديموغرافية للعاصمة.

أساس المشكلة يرجع إلى المرسوم التشريعي الذي أصدره رأس النظام بتاريخ في 18 سبتمبر/ أيلول 2012، وحمل الرقم 66، وقضى بإحداث مناطق تنظيمية تساهم بمعالجة السكن العشوائي المُخالف في مناطق مهمة داخل العاصمة دمشق.

شمل المرسوم الذي جاء بعد مرور سنة ونصف على اندلاع الثورة السورية في 15 مارس/ آذار 2011، على تنظيم العشوائيات، في منطقتين ضمن دمشق هما "خلف الرازي وكفرسوسة"، و"المتحلق الجنوبي"، حيث جرت تسمية المنطقة الأولى "ماروتا ستي"، وتعني بالآرامية (السيادة)، والثانية "باسيليا سيتي"، وتعني (الجنة).

إلا أن حكومة الأسد، ماطلت في تنفيذ المشروع، الذي كان من المقرر أن ينجز بعد 4 سنوات، ويمنح سكان العقارات والأراضي في المنطقتين، سكنا بديلا، مع تعويض بإيجار سكني خلال تلك السنوات لحين التسليم، إلا أنه لم يتم تنفيذ المشروع بعد.

تقدير مفاجئ

لكن ما شكّل صدمة كبيرة لأصحاب هذه العقارات، هو قرار حكومة الأسد المفاجئ الصادر بتاريخ 8 فبراير/شباط 2021، بتقييم قيمة تلك العقارات وفق الأسعار الرائجة قبل 9 سنوات، وليس كما تبلغ قيمتها اليوم.

وضرب النظام بعرض الحائط الفارق الكبير بين سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي بين عامي 2012 و2021، إذ كان سعر صرف الليرة يبلغ 70 ليرة عام 2012، وحتى تاريخ 21 فبراير/شباط 2021، يبلغ 3300 ليرة للدولار الواحد.

وقيّمت "محافظة دمشق" سعر المتر في بعض العقارات بمنطقة القدم بدمشق، بين 30 – 40 ألف ليرة فقط (10 دولارات أميركي)، وشمل سعر المتر قيمة الأرض والمنزل والمزروعات، دون السماح للمواطنين بالاعتراض على القيم المحددة.

ودعت "محافظة دمشق"، عبر صفحتها الرسمية في فيسبوك، في 8 فبراير/شباط 2021، أصحاب العقارات للاطلاع على القيم التقديرية لعقاراتهم لدى مديرية تنفيذ المرسوم 66 الكائنة في حي المزة بدمشق.

ونوهت المحافظة عبر صفحتها، بأن قرار لجنة التقييم قطعي وغير قابل لأي طريق من طرق الطعن والمراجعة، وفق أحكام المرسوم التشريعي 66 لعام 2012.

هذا الأمر أحدث حالة من الغليان لدى مالكي تلك العقارات، واعترضوا على تقييم عقاراتهم وفق الأسعار الرائجة عام 2012، واعتبروه كذلك سرقة ممنهجة واحتيال علني وصارخ لممتلكاتهم.

ووصف محمود الفران وهو مالك لعقار في حي الرازي بدمشق، قرار التقدير الأخير بـ "الظالم"، خلال حديثه لـ "الاستقلال".

وأضاف قائلا: " تم التلاعب بنا بطريقة غير عادلة بعد 9 سنوات من الانتظار، والتأخير في تنفيذ المشروع، حيث تحملنا تكاليف مالية عالية لعدم كفاية التعويض المقدم لدفع الإيجار بعد إخلاء معظم السكان في الحي لعقاراتهم سواء طواعية أو إجبارا بعد قطع الماء والكهرباء عن المنطقة من قبل محافظة دمشق لإجبار الأهالي على الخروج".

وأشار الفران إلى أن "محافظة دمشق تجاهلت كل دعوات الأهالي إلى وضع العقارات في مزار علني ليتم التخمين والتقدير على أسعار صرف الليرة السورية اليوم وليس على سعرها قبل 9 سنوات، وخاصة أن الفرق في الأسعار يساوي عشرات الأضعاف، زد على ذلك أن قيمة العقار في باسيليا سيتي أغلى بكثير من المناطق البديلة التي حددتها محافظة دمشق".

تغيير ديموغرافي

واعتبر رئيس هيئة القانونيين السوريين، خالد شهاب الدين (معارض)، أن هدف حكومة النظام السوري، من قرار تقييم قيمة العقارات وفق أسعار غير منطقية هي "إتمام عملية الاستيلاء منذ صدور المرسوم (66)، من خلال تقييم تلك العقارات بشكل قانوني، وعبر لجان، كي تكون العملية لها ديكور قانوني يغطي كل تلك الجرائم التي تعتبر جريمة تغيير ديموغرافي".

وحذر شهاب الدين في تصريح لـ "الاستقلال"، من "أن موافقة أي مالك للعقار على هذا التقدير يكون قد خسر عقاره، الذي لن يعود له إلا برحيل بشار الأسد، ومجيء نظام ديمقراطي يحفظ حقوق المواطنين، وخاصة أن تقديرات اللجان غير قابلة للاعتراض عليها".

وتحدث شهاب الدين عن  الأطر القانونية التي يمكن أن توقف حكومة الأسد عن قرار التسعير الجديد وإجبار الأهالي على قبول التقدير وفق سياسة التهديد الأمني عليها.

وقال إن "ما هو متاح اليوم هو مطالبة المنظمات الحقوقية السورية، المنظمات الدولية والأممية، ومجلس حقوق الإنسان، بتفعيل الضغط لوقوف تنفيذ المرسوم 66 والقانون رقم (10)، وخطوة التقديرات الوهمية للعقارات في دمشق، والحيلولة دون قيام نظام الأسد، بجريمة التغيير الديموغرافي والحفاظ على أملاك السوريين".

وأضاف أن "ما يقوم به نظام الأسد من تشريد داخلي في سوريا، هو انتهاك للدستور ولمبادئ بنهيرو الخاصة بحماية أموال وممتلكات المهجرين، والمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة القاضية بالحفاظ على ممتلكات وعقارات وأموال المشردين داخليا والمهجرين خارجيا".

وتبلغ مساحة "ماروتا سيتي" نحو 214 هكتارا تشمل مناطق من كفرسوسة والمزة، بدمشق وتضم 186 برجا سكنيا بارتفاعات تتراوح بين 11 و22 طابقا، و33 محضرا استثماريا بارتفاعات تصل إلى 50 طابقا.

أما مساحة "باسيليا سيتي"، فتصل إلى 900 هكتار بما يعادل تسعة ملايين متر مربع، وعدد عقاراته أربعة آلاف عقار، ويمتد المخطط، بحسب ما أقرته محافظة دمشق في 26 مارس/ آذار 2018، من جنوب المتحلق الجنوبي إلى القدم وعسالي وشارع الثلاثين.

لكن هذين المشروعين لم يبصرا النور بعد، إذ أرجع المحلل والباحث الاقتصادي السوري يونس الكريم أسباب تأخير حكومة الأسد، في تنفيذهما إلى "وجود صراعات داخل تيارات النظام على المشروع، مع سرعة التدهور الاقتصادي، وتذبذب سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، إلى جانب الموقف الدولي من النظام وخاصة أن الأخير كان يعتقد أن عملية تجاوز الثورة السورية هي مسألة وقت ليس أكثر".

وذهب الباحث نفسه في تصريح لـ "الاستقلال"، إلى أن قرار التقدير المجحف بحق الأهالي في هذه المشاريع، في هذا التوقيت هدفه "إيصال النظام السوري رسالة إلى العالم، أنه بدأ بعملية إعادة الإعمار، ولو على حساب غبن المواطنين، الذين لا يستطيعون الاعتراض، نتيجة الخوف من القبضة الأمنية".

هذا فضلا عن "حصول النظام على أوراق نظامية من المواطنين، قبل أي حل سياسي ربما يحدث بشكل مفاجئ، وخاصة أن شركة (دمشق شام القابضة) هي من ستدفع التعويضات ويتم بعدها التنازل إلى شركات أخرى تحصل على عقارات نظيفة ليس عليها أي إشكالية قانونية ويضمنون فيها حقوقهم مستقبلا"، وفق الباحث.

رسالة موجهة

وقال إن كثرة التشريعات القانونية المتعلقة بالتنظيم العمراني والسجلات العقارية، التي أصدرها بشار الأسد، عقب الثورة السورية، كانت جميعها مرتبطة بعمليات التهجير القسري التي نفذها النظام السوري بالقوة، بحق سكان الكثير من المدن والبلدات السورية.

وما أقض مضاجع السوريين وشغل بالهم، هو انعكاس الطفرة التشريعية للنظام، على ملايين الملاحقين أمنيا من أجهزة المخابرات، والنازحين واللاجئين، ومدى قدرتها على سلب ممتلكاتهم التي أفنوا سني عمرهم في تأمينها.

لذلك حاول مسؤولو النظام السوري، إيجاد تبريرات عدة لتلك القوانين، التي شغلت وسائل الإعلام العالمية والمنظمات الحقوقية الدولية أيضا.

 إذ زعم وزير الإدارة المحلية والبيئة في حكومة الأسد، حسين مخلوف، خلال شرحه للقانون (رقم 10)، الصادر في الثاني من أبريل/نيسان 2018، والذي عدّل بعض مواد المرسوم التشريعي (رقم 66) لعام 2012، أن القانون يعطي إمكانية توزيع المقاسم ونقل ملكيتها وتسجيلها بالسجل العقاري ضمن ثلاثة خيارات.

وهي: التخصص بالمقاسم، والمساهمة في تأسيس شركة مساهمة وفق قانون الشركات النافذ أو قانون التطوير والاستثمار العقاري لبناء وبيع واستثمار المقاسم، والبيع بالمزاد العلني.

ولكن في هذا إشكالية كبيرة، إذ إن أغلب الملكيات في المنطقة صغيرة، ولا تسمح لهم بالتخصص، ولصعوبة الإسهام في تأسيس شركة، قد يلجأ أغلب الملاك إلى البيع بالمزاد العلني وبالتالي عدم القدرة على العودة للسكن في هذه المنطقة، ما يعني إحداث تغيير سكاني مخطط ومدروس.

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الحقوقية، حذرت في تقريرها الصادر بتاريخ 29 مايو/أيار عام 2018، من أن تطبيق القانون (رقم 10) في سوريا، سيؤدي إلى "الإخلاء القسري" للمواطنين غير القادرين على إثبات ملكيتهم.

 واعتبرت المنظمة أن القانون يؤثر على حقوق الملكية، ولا يقدم إجراءات محاكمة أو تعويض، ويصل إلى حد “الإخلاء القسري” بحق المالكين، ومصادرة أملاك من لا يملكون حقوق ملكية معترفا بها.

 وفي هذا السياق، ألمح الباحث الاقتصادي يونس الكريم، إلى أن من يقف خلف محاولات سرقة ممتلكات أهالي دمشق هي شركة "دمشق شام القابضة، أحد أذرع أسماء الأخرس زوجة بشار الأسد، وتيارها المكون من رجال أعمال وأمراء حرب ومكاتب العلاقات العامة".

ودلّل على ذلك بقوله: "إن الصلاحيات الواسعة المقدمة لشركة "دمشق شام القابضة، باستملاك وإعادة تنظيم جميع المناطق العمرانية بسوريا ودمشق تحديدا، يشير إلى الرغبة في هندسة دمشق وتحويلها إلى ملاذ ضريبي آمن، وجذب الاستثمارات، والأموال السوداء التي يسعى أصحابها لتبييضها، أي كشيء شبيه بدبي لكن أكثر تطورا".

وأشار يونس إلى "أن شركة (دمشق شام القابضة) تحاول الاستفادة من حالة التضخم الحاصلة في سوريا، وتعويض مالكي العقارات بأسعار بخسة ما يمكنها من سباق الزمن في حال جرى إصدار قوانين اقتصادية جديدة تمنع المواطنين من الاعتراض أو الحصول على تعويضات مالية أكبر".

ونبّه المحلل الاقتصادي إلى أن قرار التقدير الأخير لعقارات أهالي دمشق، تزامن مع حزمة قرارات جديدة أصدرها النظام السوري وعلى رأسها "قانون تملك غير السوريين للعقارات في سوريا، وحرية الدخول والخروج إلى سوريا، وحرية تمويل المشاريع، بهدف إعادة خصخصة ورسم الاقتصاد السوري من جديد".