من التحالف للتنافس.. موقع تركي يكشف تحولات علاقة أبوظبي والرياض

12

طباعة

مشاركة

سلطت وكالة "الأناضول" التركية الضوء على الصراع الاقتصادي الذي يهدد التحالف والصداقة بين السعودية والإمارات، رغم مصالحهما المشتركة النشيطة في منطقة الشرق الأوسط والخليج.

وأوضحت الوكالة الرسمية، في مقال للكاتب إسماعيل نعمان تيلجي، أنه "كان من بين الأولويات الرئيسة للسياسة الخارجية لهذا التحالف، منع التحولات السياسية الديمقراطية المحتملة في الثورات العربية، ومنع توسع النفوذ الإقليمي لتركيا، وإيقاف قطر المستقلة في السياسة الخارجية، والقضاء على التهديدات المحتملة لأمن إسرائيل".

وأشار تيلجي إلى أن "فترة رئاسة دونالد ترامب في الولايات المتحدة لعبت دورا مهما في عمل أبو ظبي والرياض معا في هذه القضايا الأربع، خاصة منذ عام 2015، لكن خسارته في الانتخابات الأخيرة واعتلاء جو بايدن عرش السلطة في 20 يناير/كانون الثاني 2021 تسبب في حدوث انهيار كبير في سياسات الشرق الأوسط".

انعكاس التيار

وبحسب تيلجي بدأت أخطر آثار هذا التغيير تتجلى في علاقات الولايات المتحدة مع دول الخليج وتوجهات السياسة الخارجية لأبو ظبي والرياض، فقبل تولي بايدن منصبه، بدأت إدارات السعودية والإمارات في إجراء تغييرات في سياستها تجاه بعض القضايا؛ وذلك في محاولة لإرسال إشارات إيجابية إلى إدارة بايدن.

وبحكم هذا يلاحظ أن إدارة السعودية بذلت جهودا كبيرة، ويبدو أن ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يمكن أن يواجه مشاكل قانونية بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي، "ليس لديه خيار سوى تطوير علاقات جيدة مع إدارة بايدن من أجل الحفاظ على منصبه"، يقول الكاتب.

وأردف: "يتضح هذا من حقيقة أن ابن سلمان حاول إظهار موقف تصالحي من خلال اتخاذ خطوة نحو حل أزمة الخليج، كما تحاول إدارات كل من السعودية والإمارات إيصال رسالة مفادها أنها منفتحة على التعاون مع الجهات الإقليمية في حال حدوث توتر محتمل مع الولايات المتحدة، عبر محاولات خفض التوترات مع تركيا".

ويرى تيلجي أنه "مهما بدا أنهما تعملان معا في العديد من القضايا، إلا أن القضايا التي تختلف فيها السعودية والإمارات تظهر على السطح شيئا فشيئا مع مرور الوقت، حيث برزت تقييمات تفيد بأن الإدارة الإماراتية قد ضللت ابن سلمان بشكل خاص أو تركته معزولا في بعض قضايا السياسة الخارجية".

وأوضح قائلا: "كان من بين هذه القضايا، قرار الإمارات سحب قواتها من اليمن بعد أن شكلت الوضع فيها بما يتوافق مع مصالحها، وإلقاء المسؤولية السياسية والعسكرية على السعودية"

وأضاف "تزايد تأثير الإمارات كلاعب فعال في السياسات الإقليمية وفي التعاون مع إسرائيل مقارنة بالسعودية، إلى جانب الخلافات الاقتصادية التي ظهرت على جدول الأعمال بشكل متزايد في الآونة الأخيرة".

وهكذا وصلت الخلافات الاقتصادية بين البلدين إلى "مستوى خطير، خاصة بعد أن أصبحت كل من حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي الناتجة عن فيروس كورونا وآثار تحركات السياسة الخارجية المكلفة على جبهات مختلفة في السنوات الأخيرة، أكثر وضوحا"، وفقا للكاتب التركي.

واستدرك قائلا: "وفي هذا السياق، تعتبر المواجهة الخطيرة بين السعودية والإمارات خلال اجتماعات أوبك + في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 من أخطر الأزمات، حيث حذرت السعودية الإدارة الإماراتية التي تصر على زيادة إنتاج النفط عن الحصة التي حددتها أوبك +، مرارا وتكرارا حتى وصلت الأزمة ذروتها في الاجتماع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي".

وتابع: "لدرجة أن تقارير إعلامية دولية تحدثت بعد الاجتماع، أن الإمارات تفكر في مغادرة أوبك، وهي أحد مؤسسيها. وجاء رد فعل مماثل من السعودية، حيث قال وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان إنه قد يستقيل من منصبه في لجنة أوبك + لوزراء الطاقة". 

محاولات يائسة

وقال تيلجي: "على الجانب الآخر، اتخذت الرياض مؤخرا قرارا من شأنه أن يزيد من التوتر الاقتصادي بين السعودية والإمارات، حيث أعلنت أنها لن توافق بحلول عام 2024 على التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة غير السعودية".

وعلّق قائلا: "يمكن القول إن الرياض تهدف إلى سحب بعض هذه الاستثمارات من الإمارات بتحذير الشركات العالمية التي تفتح مقارها الإقليمية في الإمارات، كما يمكن القول بأن الرياض تستهدف حاليا دبي، المركز المالي البارز في هذا المجال".

وأشار إلى أنه "قد يكون لتحمل السعودية للعبء الاقتصادي الذي ظهر نتيجة للسياسة الخارجية المشتركة التي اتبعتها مع الإمارات وعدم دعم أبو ظبي، دور في اتخاذ السعودية لهذا القرار".

وأردف تيلجي: "أيضا تهدف الرياض بقرارها هذا إلى زيادة فرص العمل وخاصة في القطاع الخاص، كما تهدف إلى رفع مستواها كمركز للشركات العالمية، والذي يبلغ حاليا 5 في المائة، إلى مستوى أعلى بكثير".

واعتبر أن "مسألة كيفية تنفيذ السعودية لقرارها وما إذا كانت الشركات العالمية ستمتثل لهذه الدعوة أمر يثير الفضول، فقد جذبت الإمارات التي يبلغ حجم اقتصادها نصف حجم السعودية، استثمارات أجنبية بنسبة 300 بالمائة أكثر من السعودية عام 2019 وحده".

كما احتلت الإمارات المرتبة 16 في بيانات مؤشر سهولة ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي 2020، بينما احتلت السعودية المرتبة 63، وفقا للوكالة التركية.

واستدرك الكاتب: "أخيرا، من الواضح أيضا أن العمال الغربيين ذوي الياقات البيضاء لن يرغبوا في العمل في السعودية مقارنة بالعمل في الإمارات التي تقدم أسلوب حياة أقرب إلى المعايير الغربية، ويمكن اعتبار ذلك سببا كافيا لتتخلى الشركات العالمية عن نقل مقراتها إلى السعودية".

وتابع: "من الممكن أن تفترق السعودية والإمارات عند نقطة الاقتصاد رغم أنهما قد عملا معا لفترة طويلة في السياسة الخارجية، فقد اتخذت الرياض خطوة محفوفة بالمخاطر بهذا القرار المهيب، مما قد يدفع بها إلى هاوية عزلة محتملة من جهة، أو يمهد الطريق أمام خلق تصور بانعدام الأمن في أعين الشركات العالمية من حيث الاستثمارات من جهة أخرى".

ولفت تيلجي إلى أن "تعميق إدارة الرياض لشرخ العداء مع قطر وتركيا وإيران بمساعدة الإمارات وهدمها جسور الثقة بينها وبين الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة مثل الكويت وعمان، واستمرار الخلافات بينها وبين الإمارات في السياسة الخارجية والقضايا الاقتصادية، يمكن أن يدفع بها إلى هاوية العزلة الخطيرة".

لهذا، من الضروري على الإدارة السعودية أن "تتخذ خطوات سريعة لطمأنة الجهات الفاعلة الإقليمية، حيث يجب على السعودية التي اضطرت إلى دفع فاتورة السياسات المشتركة مع الإمارات بمفردها، أن تعيد النظر في علاقاتها مع تركيا، وأن تبحث عن طرق لتأخذ مكانها في النظام الإقليمي الذي ستقوم أنقرة بتشكيل أطره"، يقول الباحث التركي.

وشرح ذلك بالقول: "يبرز التعاون أكثر من الصراع في الرؤية الإقليمية لتركيا التي ترى بأن السلطات التي تستمد شرعيتها من الشعوب والحكومات التي تحترم الحقوق والحريات الشخصية وتضع في أولوياتها سياسات التنمية وتتقاسم رفاهيتها مع البلاد الأخرى في المنطقة، لها دور حيوي في ضمان السلام الإقليمي".

وختم الكاتب مقاله بالقول إن "إعادة السعودية والدول الأخرى في المنطقة لبناء سياساتها الخارجية في إطار هذه الرؤية، تحمل أهمية مفتاحية وحيوية بالنسبة للشرق الأوسط ليصبح منطقة بعيدة عن سيطرة الجهات الفاعلة العالمية".