السعودية وإيران.. ما فرص نجاح الوساطة القطرية في تسوية الصراع؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مبادرة جديدة طرحتها قطر لتسوية الأزمات بين السعودية وإيران، في ظل ظروف تختلف عن سابقاتها من المبادرات كونها تأتي بعد مصالحة رأب الصدع الخليجي في قمة "العلا"، إضافة إلى مجيء إدارة أميركية جديدة للبيت الأبيض برئاسة الديمقراطي جو بايدن.

في 19 يناير/ كانون الثاني 2021، قال وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية، إن "قطر حثت دول الخليج العربي على الدخول في حوار مع إيران، وإن هذا هو الوقت المناسب للدوحة للتوسط في مفاوضات. دول الخليج لديها أيضا نفس الرغبة".

المبادرة القطرية أثارت تساؤلات بشأن مدى نجاحها في تسوية الخلافات بين السعودية وإيران المستمرة منذ سنوات، وما هي وجهة نظر طهران والرياض حيال مساعي الدوحة وغيرها لإنهاء الأزمة؟.

ردود الطرفين

في 3 يناير/ كانون الثاني 2016، أعلنت السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران على لسان وزير الخارجية السابق عادل الجبير، ودعت البعثة الدبلوماسية الإيرانية المتواجدة على أراضيها لمغادرة البلاد خلال 48 ساعة.

واعتبر الجبير في مؤتمر صحفي، أن "الاعتداء على السفارة والقنصلية" السعوديتين في إيران، "يشكل انتهاكا صارخا لكافة الاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية"، وذلك على على خلفية الهجوم على سفارة بلاده في طهران وموقف إيران إثر إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي نمر النمر.

وفي 20 يناير/ كانون الثاني 2021، وعلى وقع الدعوة القطرية للوساطة، رحب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، عبر تغريدة بتويتر، بالقول: "إيران ترحب بدعوة أخي وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لحوار شامل في منطقتنا".

وأضاف ظريف أن بلاده أكدت باستمرار أن الحل للتحديات التي تواجهها المنطقة يكمن في التعاون المشترك، لتحقيق منطقة سلمية ومستقرة ومزدهرة خالية من الهيمنة العالمية أو الإقليمية، وفق تعبيره.

وعقب ذلك، قال ظريف خلال حديث للتلفزيون الإيراني في 22 يناير/ كانون الثاني 2021: "طهران مستعدة للحوار مع دول الخليج استجابة لدعوة قطر أو دعوة سابقة من الكويت".

وقال ظريف: "مددنا دوما يد الصداقة إلى دول الخليج، لأن هذه المنطقة ملك لكافة دولها وضمان أمنها لصالح الجميع، وزعزعة أمن المنطقة لا يخدم سوى فئة خاصة".

وتابع: "ردنا كان إيجابيا على دعوة الكويت للحوار مع دول الخليج في زمن أمير الكويت الراحل (الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح)، لكن بقية الدول فضلت أن تصبر بسبب مجيء الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب".

واعتبر ظريف أن "دول الخليج خسرت فرصة 4 سنوات للحوار مع إيران والآن ذهب ترامب وبقينا نحن ودول الخليج"، مضيفا: "على دول الخليج أن تدرك أنها باقية إلى جانب إيران والرؤساء الأميركيون يتغيرون".

في المقابل، رد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، على رغبة إيران بالحوار، بالقول: "دعوات إيران للحوار غير مجدية"، حسبما نقلت وكالة "واس" السعودية في 21 يناير/ كانون الثاني 2021.

وأضاف الوزير السعودي: "دعوات إيران للحوار تهدف للتسويف والهروب من أزماتها"، ودعاها إلى "تغيير أفكارها والتركيز على رخاء شعبها".

وأعلن فيصل بن فرحان أن "يد المملكة ممدودة للسلام مع إيران، لكن الأخيرة لا تلتزم باتفاقياتها"، كما أشار إلى أن "ضعف اتفاقيات سابقة مع إيران سببه عدم التنسيق مع دول المنطقة".

وأكد أنهم "سيتشاورون مع الولايات المتحدة بخصوص الاتفاق مع إيران، ليكون مبنيا على أساس قوي"، لافتا إلى أن "الدول الأوروبية تتفهم أن الاتفاق السابق مع إيران تشوبه نواقص".

وفي مايو/أيار 2018، انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، الموقع في 2015، بين إيران ومجموعة (5+1)، التي تضم روسيا وبريطانيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، وفرضت على طهران عقوبات اقتصادية.

وينص الاتفاق على التزام طهران بالتخلي، لمدة لا تقل عن 10 سنوات، عن أجزاء حيوية من برنامجها النووي، وتقييده بشكل كبير، بهدف منعها من امتلاك القدرة على تطوير أسلحة نووية، مقابل رفع العقوبات عنها.

بانتظار أميركا

وعن مدى نجاح مبادرة التسوية القطرية في الوقت الحالي، قال الكاتب اللبناني قاسم قصير لـ"الاستقلال": "الموضوع مرتبط بالسياسة الأميركية الجديدة، فإذا كان هناك اتجاه لدى الأميركيين بتهدئة الأجواء فيمكن أن يساهموا بدفع بعض الدول العربية للتجاوب مع هذه المبادرات".

ورأى قصير إلى أن "الوضع العربي يحتاج للاستجابة إلى هذه الدعوات، لأن الأمور وصلت إلى مستوى خطير من المشكلات الداخلية في داخل كل دولة وبين هذه الدول، ولم تنفع جميع أشكال الحروب والصراعات طيلة السنوات الماضية".

وبيّن الخبير في الشأن الإيراني أنه "من المفترض التجاوب مع هذه المبادرات، لكن قد تكون بعض الدول العربية تنتظر طبيعة السياسة الأميركية وهل ستذهب إلى المفاوضات مع إيران أم لا، وما هي طبيعة المفاوضات، لذلك قد تتأخر الاستجابة".

وتابع: "اليوم نحن أمام فرصة جديدة على الدول العربية الاستفادة منها وإعادة تقييم ما جرى والتعاطي الإيجابي مع هذه الدعوة سواء عبر الدعوة القطرية أو التواصل المباشر وإنهاء الملفات الساخنة".

وحسب قصير، فإن "الأمر يحتاج إلى جهد وتهيئة أجواء بناء الثقة من خلال المواقف، ومن الواضح أن إيران حريصة الآن على فتح صفحة جديدة، وهذا ما أعلنه وزير الخارجية وأيضا المتحدث باسمها".

من جهته، قال المحلل السياسي السعودي يحيى التليدي: "سلطنة عمان المعروفة بسياستها المحايدة كانت تلعب دورا فاعلا في الحوار الخليجي الإيراني، ولأن مسقط مشغولة بترتيب بيتها الداخلي، ترى قطر نفسها البديل الطبيعي للدور العماني في مسألة التقارب الخليجي مع إيران".

"التليدي" أوضح خلال تصريحات صحفية في 19 يناير/ كانون الثاني 2021 أن "قطر لا تملك المؤهلات للقيام بهذا الدور وليس لديها الإمكانات الدبلوماسية لحسم هذا الخلاف العميق بين إيران ودول الخليج".

وأشار الخبير السعودي إلى أن "مواجهة المشروع التوسعي لإيران أصبح مسألة وجودية لدول الخليج وهي التي تدرك جيدا أن طهران نكثت كل العهود السابقة ولم تلتزم بها".

وشدد على أن "روسيا بثقلها السياسي في الساحة الدولية وعلاقاتها الجيدة مع كل الأطراف على ضفتي الخليج هي الأجدر بلعب دور الوسيط متى ما أبدت إيران حسن النية".

وزاد التليدي، قائلا: "أما المصالحة مع طهران دون إقدامها على تغييرات جذرية في سياساتها الإقليمية، فإن الحوار أو الوساطة لا طائل منها، ومتى ما تغيرت سياستها، فإن لكل حادث حديث، ولا أحد يرفض استقرار المنطقة وتقارب دولها، لكن من الاستحالة أن يتم ذلك في ظل التصعيد الخطير للسياسة الإيرانية التوسعية بمليشياتها وعملائها في 6 دول عربية (لم يذكرها)".

آخر مبادرة

استدعت المبادرة القطرية، ضرورة التعريج على آخر مبادرة للتسوية لإنهاء الأزمة بين طهران والرياض، والتي كشف عن تفاصيلها مؤخرا الوسيط المباشر رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي خلال مقابلة تلفزيونية في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2020.

وقال عبدالمهدي: "عندما كنت في زيارة إلى بكين 23 سبتمبر/ أيلول 2020 اتصل الأخ قاسم سليماني (قائد فيلق القدس الإيراني الراحل)، وطلب مني الذهاب إلى السعودية، للتوسط، وأن يكون الأمر فوري لأن الأوضاع متوترة- وذلك في وقت حدث قصف شركة أرامكو- فقلت: نحن مستعدون لأن هذا خبر مفرح".

وأضاف: "مجرد عودتي إلى العراق اتصلت في اليوم نفسه بالقيادة السعودية وأبديت رغبتي بإجراء زيارة والهدف هو هذا (الوساطة)، بين السعودية الإيرانية، فقالوا: أهلا وسهلا".

وتابع عبد المهدي، قائلا: "ذهبت إلى السعودية وقابلنا الملك سلمان ثم ولي العهد محمد بن سلمان، وكان الكلام الرئيسي معه. وكان السعوديون غاضبون جدا وموقفهم من إيران واضح".

وأكد أنه "طلب من الجانب السعودي فتح باب ولو ضيق، وأنه سبق أن حصلت بين الطرفين في عهد الملك عبد الله، والرئيس الإيراني رفسنجاني، والنتيجة ماذا هل هي الحرب، فالطرفان لا يتحملان الحرب يجب أن نفتح بابا، قالوا ماذا نعمل؟".

عبد المهدي، أفاد بأنه "طلب من الجانب السعودي كتابة مطالبهم وشكواهم، ونحن ننقل الموضوع، فأرسلوا لنا رسالة جافة لا يوجد فيها حتى السلام عليكم وطلبوا مني الاطلاع عليها فيما إذا كان لدي مقترح عليها. فوضعت المقترحات على الرسالة وأعدناها إلى الجانب السعودي، وبعدها أرسلوا رسالة أخرى لا تختلف من حيث المضمون، لكن الصياغة مختلفة".

وكشف عبد المهدي أنه "سلم رسالة السعودية إلى سليماني، وقال نحن نبحث في الأمر، ثم جاء إلى هنا (بغداد) وقال أصبح لدينا رد، قلت: السعوديون يسألون أين الرد؟ فوعد بجلبه في الزيارة المقبلة، وبعدها قتل أثناء زيارته الأخيرة، وكأن أطرافا لا تريد إتمام المصالحة".

عبد المهدي أكد أن "هناك رغبة إيرانية للمصالحة، لكن يجب فتح أجواء إقليمية ودولية لإنجاح مثل هذه الرغبة. لأنه لا أحد يريد حروب، الكل يريد التوصل إلى نوع من التوافق يعيش فيه الجميع وليس طرفا واحدا".

ولفت رئيس الحكومة العراقية السابق إلى أن "العامل الدولي قد تكون له رؤى تختلف عما هو موجود في المنطقة، وكذلك العامل الإسرائيلي لديه رؤى في المنطقة قد تختلف عن الرؤى الداخلية".