مرتزقة مقابل ألماس.. هكذا توطدت العلاقة بين روسيا وإفريقيا الوسطى

12

طباعة

مشاركة

تناولت صحيفة إيطالية تنامي العلاقات بين موسكو وبانغي، في ظل حالة عدم الاستقرار التي تعيشها الأخيرة منذ سنوات، وخصوصا عقب الإعلان منذ أيام عن فوز الرئيس الحالي فوستين-آركانج تواديرا في الانتخابات الرئاسية. 

وأوضحت "إيل كافي جيوبوليتيكو" أن اتفاق السلام الهش بين مختلف الفصائل المتنافسة على السلطة في إفريقيا الوسطى بات على حافة الانهيار، بعد استبعاد الرئيس السابق فرانسوا بوزيزي من الترشح للانتخابات الرئاسية التي أجريت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى تجدد الاشتباكات بين الجماعات المتمردة التي تدعمه وبين الحكومة المركزية.

وأشارت إلى أن السلطات الحاكمة في البلد الإفريقي لا تبسط سيطرتها على كامل الأراضي الوطنية، بعد أن بات جزء كبير منها يخضع لسيطرة أمراء الحرب المحليين.

وقالت الصحيفة إن الاضطرابات التي شهدتها الجمهورية الإفريقية مؤخرا، أجبرت موسكو، التي تربطها علاقات وثيقة ببانغي بفضل التعاون العسكري واستغلال الموارد المعدنية خاصة الألماس، على إرسال وحدة من 300 جندي إضافي إلى البلاد مما رفع من عدد العسكريين الروس المتمركزين هناك.

وبحسب نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، أرسلت موسكو ''مدربين عسكريين" إلى بانغي لم يشاركوا سابقا في أعمال قتالية، ولا ينتمون إلى الجيش النظامي ولا إلى القوات الخاصة.  

من جانبه، صرح المتحدث باسم حكومة إفريقيا الوسطى، نجي ماكسيم كازاجي، أن روسيا أرسلت مئات الجنود والأسلحة الثقيلة لدعم الحكومة ضد ما وصفته بمحاولة انقلاب.

إستراتيجيات التغلغل

تشرح الصحيفة أن الوجود العسكري الروسي في بانغي يعد جزءا من الإستراتيجية الأوسع للتغلغل في القارة الإفريقية المتبعة من الكرملين في السنوات الأخيرة.

ومنذ فترة طويلة، دخلت إفريقيا الوسطى، الغنية جدا بالموارد المعدنية ولا سيما الألماس، المدار الروسي، ولم تتردد موسكو في ملء الفراغ الذي تركته فرنسا، التي انسحبت بعد إعلان انتهاء مهمة حفظ السلام عام 2016. 

ويُذكر أن الدولة الإفريقية كانت ضحية حرب أهلية عنيفة تسببت فيها حركة التمرد الذي شنه ائتلاف "سيليكا" المتمرد ضد الرئيس بوزيزي عام 2012، وتواصلت الأعمال القتالية إثر الانسحاب الفرنسي.

ولهذا السبب، طلب رئيس إفريقيا الوسطى تواديرا في فبراير/شباط 2017 رسميا مساعدة روسيا، خاصة وأن جيش الدولة الواقعة جنوب الصحراء يشكو ضعفا لا يمكّنه من التصدي بفعالية لأعمال الميليشيات المتمردة، ناهيك عن خضوعه لحظر على الأسلحة فرضته الأمم المتحدة.  

وبعد حصولها على ترخيص من الأمم المتحدة، ذكرت ''إيل كافي جيوبوليتيكو'' أن موسكو بدأت في إرسال أسلحة ومدربين عسكريين إلى إفريقيا الوسطى، وأيضا مرتزقة شركة "فاغنر" والشركة الأمنية الخاصة "سيوا" التي تم تشكيلها حديثا.

وبحسب تقديرات المخابرات الأميركية، تستضيف بانغي 400 مرتزق روسي مكلفين بحماية المنشآت الحيوية وأعضاء الحكومة، إلى جانب تدريب قوات الأمن.

وفي عام 2018، عين تواديرا، الدبلوماسي الروسي المعروف، فاليري زاخاروف، مستشارا للأمن القومي، بينما في نفس الفترة، كُلفت عناصر "سيوا" بحماية الأمن الشخصي للرئيس.

ولفتت الصحيفة الإيطالية إلى أن اسم هذه الشركة العسكرية الخاصة ارتبط بـ"يفغيني بريغوجين" أحد المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ارتبط اسمه أيضا بالشركة العاملة في قطاع التعدين والمسماة "لوباي". 

القوة الناعمة

ووفقا لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لعبت "لوباي" في عام 2018  دورا أساسيا في التوصل إلى اتفاق سلام بين الحكومة ومختلف الفصائل المتمردة.

وقامت الشركة بدفع تكاليف الرحلة إلى السودان، المكان المحدد للمحادثات بين الأطراف المتحاربة، لبعض أمراء الحرب في إفريقيا الوسطى المنتمين إلى مجموعة "سيليكا"، وكانت عملية السلام  قد انطلقت بمبادرة وبفضل مساهمة موسكو الحاسمة.

ونتيجة لذلك، فازت "لوباي" بالعديد من العقود لاستغلال الموارد المعدنية في جمهورية إفريقيا الوسطى، مقابل مساعدة الكرملين في الوصول إلى اتفاق السلام.  

وبحسب الصحيفة الإيطالية، أدار المرتزقة الروس التجارة المربحة لشركة "بريغوجين" في الألماس داخل المناطق التي يسيطر عليها أمراء الحرب، وفي هذه المناطق، حيث يتم تهريب الألماس بشكل غير قانوني، غالبا ما ارتبط وجود المقاولين بالاتجار في الأحجار الكريمة.

وأوضحت الصحيفة الإيطالية أن التغلغل الروسي في إفريقيا الوسطى لم يقتصر على الجانب العسكري-الاقتصادي فحسب، استغلت موسكو أيضا القوة الناعمة لزيادة نفوذها على السكان امتثالاً للإملاءات الإستراتيجية الجديدة للكرملين.

وفي هذا الإطار، ظهرت صفحات عديدة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" الداعمة للوجود الروسي في البلاد وغطت ملصقات تشيد بالتعاون بين الطرفين، شوارع بانغي.  

بدورها، تؤيد وسائل الإعلام التقليدية بقوة هذا التعاون، وذلك بعد أن تلقت مساهمات مالية مهمة من روسيا، وقامت شركة "لوباي" أيضا برعاية العديد من الأحداث الرياضية ومسابقة ملكة جمال إفريقيا الوسطى.

وختمت الصحيفة الإيطالية تقريرها بالقول: "لقد أصبح مسلسل كرتوني لطيف يثني على التعاون بين موسكو وبانغي شائعا للغاية، وأسس الروس أيضا إذاعة تغطي مساحة أوسع من تلك التي تغطيها الإذاعة الحكومية الرسمية".