عبر ''دبلوماسية اللقاح''.. هل تنجح الصين في استعادة مكانتها عالميا؟

12

طباعة

مشاركة

تحدثت وسائل إعلام أوروبية عن التحديات التي تقف أمام نجاح اللقاح الصيني ضد "جائحة كوفيد 19"، في ظل الشكوك حول مدى سلامته خاصة مع نقص المعطيات المتوفرة حوله، ووسط تأثر صورة "بكين" بالاتهامات التي تشير إلى تسترها عن حقيقة خطورة الوباء. 

وقال موقع "معهد تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي: "إن ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا في العاصمة الصينية، تسبب في تأخير كبير في تسليم لقاح سينوفاك إلى بعض البلدان". 

وأكد أنه رغم ذلك، لن يتأثر إرسال الجرعات إلى البلدان التي فتحت أبوابها أمام اللقاح الصيني وسط شكوك كبيرة، أعقبت الانتقادات الشديدة التي تعرضت لها "بكين" طيلة عام 2020. من قبل المجتمع الدولي بسبب إخفاء معلومات عن تفشي الوباء. 

ووفقا لتقرير قدمه مركز "بيو للأبحاث" في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أضر سوء إدارة الوباء بشدة بصورة القوة الآسيوية، التي فقدت بالتالي مصداقيتها في نظر الدول الغربية، في مقدمتها إيطاليا وألمانيا، وكذلك اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا.

ولفت "الموقع الإيطالي" إلى أن "بكين" حاولت منذ تفشي الوباء بكل الطرق التملص من انتقادات الدول الغربية، وتعزيز السياسات الداخلية الهادفة إلى إيجاد نقطة مشتركة، يمكن بفضلها أن تعيد تأسيس التعاون متعدد الأطراف لتحسين صورتها. 

وقد اتخذت هذه الجهود مؤخرا شكل "دبلوماسية اللقاح" كجزء من دبلوماسية أوسع تخص تقديم المساعدات.

وبحسب الموقع، إذا راهنت الصين في بداية الوباء على الاستخدام الإستراتيجي للتبرعات بمعدات الحماية لغرض مزدوج هو الحد من انتشار الفيروس وإعادة تلميع صورتها، فإنها تراهن الآن على لقاحها كوسيلة لإعادة تعزيز التعاون الدولي.

تحديات اللقاح 

أفاد "الموقع الإيطالي" بأن اللقاحين اللذين طورتهما شركتا "سينوفارم وسينوفاك" وجدا عددا قليلا من المهتمين على مستوى العالم، لأن عدم توفر معلومات وبيانات حول الفعالية والسلامة يولد الخوف لدى الحلفاء التاريخيين، مما يغذي الشعور بعدم الثقة تجاه "بكين". 

وقال: إنه "بالمقارنة مع اللقاح الذي طورته شركة فايزر، والذي وافق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على استخدامه، وافقت فقط الإمارات والبحرين على استخدام اللقاح الصيني".

كما وصلت إلى تركيا أول شحنة من ذات اللقاح، وقد تكون المغرب وتشيلي وإندونيسيا الدول التالية التي تبدأ حملة التطعيم بينما تُجرى الاختبارات حاليا في روسيا ومصر والمكسيك.

 

وعلى الرغم من ذلك، ذكر "موقع المعهد الإيطالي" أن اللقاحات الصينية لا تزال تثير الشكوك. وقد أدارت بعض الدول، على غرار كمبوديا، ظهورها لحليفتها التاريخية "بكين"، رافضة أن تؤدي دور فئران تجارب لاختبار اللقاح بسبب عدم توفر بيانات عنه.

هذه الشكوك تفاقمت بسبب فضيحة 2018 السابقة التي تسبب فيها "معهد ووهان" للمنتجات البيولوجية، التابع لشركة "سينوفارم". 

وكان المعهد قد طرح دفعة من حوالي 400 ألف جرعة من لقاح مشترك للدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي في السوق رغم أن البيانات أثبتت عدم فعاليتها، وتبين أنها غير مطابقة للمعايير. 

واستغرب الموقع من قدرة شركة "سينوفارم" على تجنيد متطوعين لإثبات فعالية اللقاح الحالي خصوصا وأن فضيحة عام 2018. ولّدت دوامة من عدم الثقة في شركة الأدوية التي تعرضت لانتقادات شديدة من الرأي العام.

القوة الناعمة 

منذ بداية تفشي الوباء، وجهت "بكين" جهودها لاحتوائه، وأرسلت مساعدات صحية وأجهزة طبية إلى العديد من البلدان، وشاركت في مبادرة "كوفاكس" التابعة لمنظمة الصحة العالمية في محاولة لإعادة تحسين صورتها. 

لذلك، يُعد تطوير لقاحات فعالة وآمنة، من شأنها أن تسمح لمختلف البلدان المنتفعة بإعادة إنعاش اقتصاداتها، أحد أهم جوانب هذا الجهد، وفق الموقع الإيطالي. 

وأردف قائلا: ''إن بكين تستغل حملة التطعيم، وفقا لبعض الباحثين، للتخفيف من حدة الأزمة السياسية التي تسببت فيها الاتهامات بمسؤوليتها عن تفشي الوباء".

وفي محاولة لأخذ دور قيادي في تنسيق المساعدات الإنسانية وتقديمها، تركز الصين بشكل أكبر على "دبلوماسية اللقاح" من أجل اكتساب الشرعية على الصعيد العالمي، ومواصلة السعي لتحقيق أهدافها الدبلوماسية والاقتصادية. 

ونوه الموقع، بأنه إذا اجتاز اللقاح تجارب سريرية في بلدان أخرى مثل البرازيل، فقد يثبت أنه أداة ممتازة لتلميع سمعة البلاد المتضررة، مما يضع الصين على قدم المساواة مع الولايات المتحدة في مجال العلوم.

وتابع، بأن الصين تفتح الباب لعصر جديد من التعاون الدولي بفضل اللقاحات الخاصة بكل من  "سينوفارم وسينوفاك"، لا سيما وأنه لأول مرة، يتم تصدير لقاح طورته جمهورية الصين الشعبية إلى دول ثالثة للتلقيح الجماعي. 

كما يعكس انفتاح دول مثل الإمارات والبحرين وتركيا، التوقعات العالية في "بكين" والثقة الموضوعة في فعالية وسلامة اللقاح ذاته.  

وفقا للتقارير التي نُشرت بعد التجارب السريرية للمرحلة الثالثة من قبل دولة الإمارات، تبلغ فعالية اللقاح 86 بالمائة. وإذا تم إثبات نفس الفعالية من خلال المزيد من التجارب السريرية الجارية حاليا في روسيا أو البرازيل، فقد يجذب اللقاح بدوره اهتمام الدول الأكثر حذرا في مناطق نفوذها، حسبما يتوقع الموقع الإيطالي.

لذلك من المحتمل أن تواصل "الصين" استخدام دبلوماسية المساعدات هذه لكسب نفوذ عالمي، وتؤكد نفسها كطرف مسؤول في مكافحة الوباء.  

ويبقى السؤال المطروح: كيف وإلى أي مدى ستمارس بكين هذا التأثير؟ وما إذا كان سيكون مجرد تأثير "طفيف" يهدف إلى إبراز السرد الصيني للتفوق التكنولوجي والسياسي على الغرب، أو تأثير "قوي"، يهدف إلى البحث عن مزايا اقتصادية أو جيوإستراتيجية، مثل الموارد الطبيعية والاتفاقيات التجارية أو حتى المنافع العسكرية. 

وخلص الموقع، إلى التأكيد أنه إذا أرادت الصين استعادة مكانتها على الصعيد العالمي، عليها أن تحرص على الحد من أي تناقض محتمل بين الدعاية للقاح والمنتج نفسه من خلال إصدار بيانات ونتائج ذات مصداقية و جديرة بالثقة.

دبلوماسية اللقاحات

بدورها، أكدت صحيفة "الغارديان" أنه ورغم عدم موثوقية اللقاح الصيني ضد "فيروس كورونا"، فإن "بكين" تعتمده كأداة لتوثيق علاقاتها مع عدد من الدول خاصة العربية منها.

وأوضحت الصحيفة البريطانية، أنه وعندما أرسلت وزارة الصحة المصرية دعوة إلى الأطباء للحصول على التلقيح ضد كوفيد- 19، أهملت توضيح أنها كانت تجربة سريرية.

بدلا من ذلك، أكدت الوزارة للأطباء أن اللقاحين اللذين طورتهما  مجموعة (Biotec) الوطنية الصينية، وهي جزء من تكتل مملوك للدولة يعرف باسم "سينوفارم"، ليس لهما آثار جانبية وأن "وزير الصحة تم تطعيمه"، وأنه صدرت أوامر لـ"تطعيم جميع الأطباء والعاملين الذين يرغبون في التطعيم".

لكن كان هناك الكثير من التشكيك في فاعلية هذا اللقاح، حيث قال أحد العاملين في مستشفى حكومي مصري: "عندما وصلتنا أنا وزملائي هذه الرسالة، لم يشاركها أي منا، لأننا لا نستطيع الوثوق باللقاح". 

وأضاف: أن هناك "نقصا في المصداقية" في نهج الحكومة تجاه الوباء واللقاحات.

ووصف الطبيب الذي لم  يكشف عن اسمه لحماية سلامته، أن الحملة الدعائية المكثفة في مصر حول اللقاحات والتي تضمنت ممثلا معروفا يقود سيارته إلى عيادة مضاءة بنور الشمس للحصول على اللقاح الصيني، بأنها "دعاية حكومية تهدف إلى رفع معنويات الناس".

وشارك حوالي 3000 متطوع مصري في شهر سبتمبر/أيلول في التجربة، وهو نصف العدد الذي أراده الباحثون. 

في الأثناء أكدت الحكومة المصرية أنها ستبدأ في تلقيح العاملين في المجال الطبي باستخدام لقاحات "سينوفارم" بشكل أساسي، بهدف توفير 10 ملايين جرعة في نهاية المطاف.

لكن الطبيب أوضح "أنها الآن مقايضة بين خطر الفيروس، خاصة مع الارتفاع الحالي في حالات الإصابة، وخطر اللقاح غير الموثوق به مع عدم وجود بيانات داعمة كافية على الإطلاق".

وأثار الافتقار إلى الشفافية من قبل الصين بشأن البيانات المأخوذة من التجارب في المراحل المتأخرة الكثير من المخاوف، لكن "بكين" تمضي بثقة قدما في "دبلوماسية اللقاح"، باستخدام خياراتها الأرخص لبناء جسور مع دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ويقدم لقاح "سينوفارم" حلولا جذابة للبلدان التي تحتاج إلى الحماية من (Covid-19). وحتى بدعم من (Gavi)، تحالف اللقاحات، ستحتاج البلدان إلى توفير إمدادات إضافية لتغطية احتياجات جميع مواطنيها، حيث سيكافح الكثيرون للحصول على لقاح.

وبالنسبة للصين، تمثل لقاحات "سينوفارم" فرصة إضافية لتعزيز علاقاتها مع عدة دول، واستخدام قدرات التصنيع والتوزيع في الشرق الأوسط.

تصدير للعرب

ومن المتوقع، أن تكون لقاحات "سينوفارم" جزءا من حملات التطعيم الوطنية في مصر والمغرب والإمارات والبحرين. وقد منحت كل من أبوظبي والمنامة موافقة طارئة لتطعيم عمال الخطوط الأمامية قبل انتهاء التجارب السريرية.

وسبق أن قالت مصر: إنها تريد أن تصبح مركزا لإنتاج اللقاح الصيني في إفريقيا، بينما تعتزم شركة "سينوفارم" بناء مصنع في المغرب العام المقبل. 

وقد منحت دولة الإمارات، مصر ما لا يقل عن 100 ألف جرعة مجانية كجزء من سعيها لتصبح "مركزا لوجستيا عالميا" للتوزيع.

وأصبحت الإمارات العربية المتحدة هذا الشهر أول دولة في العالم تسجل رسميا لقاحات "سينوفارم"، مشيرة إلى أن فاعلية أحد اللقاحات الصينية بلغت 86 بالمئة.

كما أعلنت "البحرين" مؤخرا عن طرح اللقاح الصيني، فيما وافقت المملكة بشكل منفصل على التسجيل لواحد على الأقل من لقاحين من "سينوفارم".

وقالت "سينوفارم" وشريكتها الإماراتية "G42": "إن 45 ألف شخص شاركوا في تجارب المرحلة الثالثة من أجل الفعالية والسلامة، على الرغم من أن سينوفارم لم تنشر البيانات بعد". 

وجزء من جاذبية لقاحات "سينوفارم" هو أنها تتطلب التخزين عند درجة حرارة 2C-8C القياسية (35.6 فهرنهايت إلى 46.4 فهرنهايت)، على عكس لقاحات (mRNA) (الأميركية) الأحدث، والتي تتطلب سلسلة تخزين بارد.

وفي سياق متصل قال "تشارلي ويلر"، رئيس برنامج لقاحات (Wellcome Trust): "تُستخدم الأنظمة الصحية في جميع البلدان أنظمة تخزين اللقاحات في درجة حرارة 2C-8C". وأضاف: "يمثل أقل من عشرين أو -70 درجة مئوية تحديا لوجستيا، ليس فقط للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط ​​ولكن أي بلد آخر".

وإلى ذلك أعلن رئيس شركة "سينوفارم" مؤخرا أن ما يقرب من مليون شخص قد تلقوا لقاحات بموجب تصريح للاستخدام في حالات الطوارئ. وأضاف: "لم نتلق أي تقارير عن ردود فعل سلبية خطيرة، والقليل فقط لديهم بعض الأعراض الخفيفة".

واستشهدت دراسة منفصلة ببيانات من تجارب المرحلة الثانية من "سينوفارم" التي أكدت حدوث 19 بالمائة من ردود الفعل السلبية بعد جرعتين.

وشدد "ويلر" على أن أي لقاحات تُعطى بموجب تصريح للاستخدام في حالات الطوارئ لا تساهم ببيانات في التجارب السريرية، وهذا هو سبب الحاجة إلى هذا النوع من التجارب.

وأضاف: "نحتاج إلى تحليل البيانات وفهم فعالية وسلامة أي لقاح. لقد سمعنا أن العديد من الأشخاص قد حصلوا على هذا اللقاح تحت الاستخدام الطارئ خارج التجارب السريرية، ولكن حتى نحصل على هذه البيانات التجريبية، يجب أن نحصل على معلومات إضافية من هؤلاء الأفراد في الخارج".

وفي ذات السياق قال طبيب بمستشفى في العاصمة البحرينية المنامة طلب عدم نشر اسمه: "نقوم بعمل جيد والجميع متفائل.. شارك في حملات التطعيم الكثير من البحرينيين وحتى ولي العهد. لقد كانت تجربة جيدة بشكل عام؛ على الأقل أستطيع أن أقول إنني ساعدت بطريقة ما".

وتابع: "لن أقول إن هناك دوافع وغايات سياسية في الأمر. إن الجميع بحاجة إلى أن تنتهي جائحة كورونا، ونحن جميعا في هذا الأمر سواء كنت رجلا كبيرا أو صغيرا".

كما بدأت المغرب في ديسمبر/كانون الأول 2020، برنامجا لتحصين 70 بالمائة من سكانها بعد تجربة لقاحات "سينوفارم" على 600 متطوع، وكذلك تأمين لقاحات من (AstraZeneca).

وقالت مديرة الأدوية في وزارة الصحة "بشرى مداح": "إن غالبية اللقاحات التي سيتم توزيعها ستكون من إنتاج سينوفارم". واستدركت: "لكن المغرب لا يزال في مفاوضات بشأن أنواع أخرى من اللقاحات، لأننا لا نعرف كيف ستكمل العلامات التجارية المختلفة بعضها البعض".

وأوضحت "مداح" أن المغرب يفضل لقاحات سينوفارم بسبب استخدامها لفيروس كورونا المعطل، بدلا من تقنية (mRNA) الأحدث. 

هذا النوع من اللقاح المعطل استخدمته البشرية لسنوات، لعلاج الإنفلونزا وأمراض أخرى، ولديها طريقة إنتاج معروفة وراسخة، والتي وجدناها مطمئنة للغاية، وفق قولها.

وأردفت: "هذا اللقاح سيعزز الشراكة التاريخية بين المغرب والصين. نحن نفكر في إنقاذ الأرواح، مما يعني أننا يجب أن نجد اللقاحات أينما كانت".