معاذ الخطيب.. داعية صرخ بوجه الأسد وأطلق مبادرات لإنقاذ سوريا

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بين الحين والآخر يطرح مبادرات سياسية تهدف إلى توحيد صفوف تيارات المعارضة، ولمّ شمل السوريين والتخلص من النظام، فقد بقي الشيخ "أحمد معاذ الخطيب"، أحد الشخصيات الفاعلة في المشهد السياسي السوري، حتى بعد خروجه من رئاسة الائتلاف السوري المعارض.

آخر مبادرة طرحها "الخطيب"، كانت في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، دعا فيها إلى المصارحة بين التيارات السورية، مقترحا "أن تكون البداية بين تيارات الإسلاميين في الثورة السورية من أجل بناء الثقة، ومن ثم مع الخط الشعبي العام، ومن ثم مع العلمانيين".

لكن أداء "الشيخ الخطيب" طاله الكثير من الانتقادات من جهات معارضة، ولا سيما عندما طرح مبادرة للجلوس مع نظام الأسد عام 2013، ولقائه في العام نفسه بوزير الخارجية الإيراني، حيث وصفت تحركاته هذه بأنها "طعنة للثورة وشهدائها".

داعية مهندس

ولد في العام 1960. في دمشق، والده الشيخ محمد أبو الفرج، خطيب دمشق وأحد وجوه العلم فيها، وجده لأبيه الشيخ عبد القادر الخطيب، خطيب جامع بني أمية الكبير وعالم من علماء دمشق. ومتزوج ولديه أربعة أبناء.

درس الجيوفيزياء التطبيقية، وعمل مهندسا قرابة ستة أعوام في شركة الفرات للنفط. كما درس العلاقات الدولية والدبلوماسية. وانتسب إلى الجمعية الجيولوجية السورية، والجمعية السورية للعلوم النفسية.

تولى الخطابة في جامع بني أمية الكبير، وفي مساجد أخرى، أشهرها جامع "دك الباب" الذي استقطب شباب الصحوة، تولى رئاسة جمعية "التمدن الإسلامي"، وما زال يشغل منصب الرئيس الفخري للجمعية حاليا.

درَّس عدة مواد شرعية في معهد المحدث الشيخ "بدر الدين الحسني" وهو أستاذ مادتي الدعوة الإسلامية والخطابة في معهد "التهذيب والتعليم للعلوم الشرعية" بدمشق سابقا.

الداعية الخطيب، أقام العديد من الدورات الدعوية والعلمية، وحاضر وخطب في نيجيريا والبوسنة وإنجلترا والولايات المتحدة الأميركية وهولندا وتركيا وغيرها من دول العالم.

من الناحية الإيديولوجية، يُعد "الخطيب" أقرب إلى الفكر الإسلامي المعتدل للإخوان المسلمين السوريين، مع أنه غير تابع رسميا لهذه الجماعة. ومن هذا المنطلق، يُعتبر أقرب إلى فرع دمشق لجماعة الإخوان ذات الصلة بـ"عصام العطار" المراقب السابق للجماعة. 

خطيب ثائر

ارتبط اسم الشيخ "أحمد معاذ الخطيبط"، بالمعارضة السورية منذ انطلاق الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد، حيث اعتقلته السلطات السورية مرات عدة على خلفية مشاركته في المظاهرات المناوئة للنظام.

خطبه من منبر الجامع الأموي في دمشق وفي مجالس العزاء، كانت رسائل احتجاج على سياسة النظام، الأمر الذي جلب له المتاعب مع أجهزة الأمن السورية، التي دأبت على استدعائه للتحقيق معه مرات عديدة في عامي (2011 و2012).

بعد أسبوعين من انطلاقة الانتفاضة في مارس/آذار 2011، دعا الخطيب إلى إنشاء دولة مدنية ديمقراطية في سورية، وحث المتظاهرين على إبقاء احتجاجاتهم سلمية وتجاوز الخلافات الطائفية. 

تمكن خطيب المسجد الأموي من مغادرة سوريا في يوليو/تموز 2012، وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول 2012، انتخب الخطيب- وهو شخصية مستقلة- أول رئيس للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في يوم تأسيسه.

وفور انتخابه رئيسا للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، قال الخطيب: "إن عمل الائتلاف سينتهي فور سقوط النظام"، مشيرا إلى أن الائتلاف لم ولن يتعهد أمام أي جهة بأية أمور "تخون دماء الشعب الثائر".

وكان "الخطيب" دائم المطالبة بالحريات العامة في كل بلاد المسلمين، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإلغاء قوانين الطوارئ والأحكام العرفية والاعتقال التعسفي، وإلغاء سيطرة الحزب الواحد، ومحاربة الرشوة والفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وإيقاف نهب الأموال، وتذكير الناس بحقوقهم، ومنها الرعاية الاجتماعية.

ويرى، أن كل ذلك من صميم الإسلام، وتجاوزه هو زراية بالدين واستغباء للناس وتلاعب بهم.

ومن أقواله التي باتت شعارات للمعارضة: "لا نرضى الفتنة وحمل السلاح في الأمة الواحدة مهما يكن السبب، وننبذ الطائفية والعصبية وضيق الأفق. كما نرفض تحجيم الإسلام وفق أهواء العوام أو الحكام".

وقال الخطيب أيضا: "السياسة وسيلة لا غاية، وعمل الأنبياء هو الهداية، ونفضل أن يصل الإيمان إلى أصحاب الكراسي، على أن يصل أصحاب الإيمان إلى الكراسي".

وعن العلماء والحرية، قال الشيخ الخطيب: "لا يمكن للعالِم أن يعطي الحرية لأحد، قبل أن يكون هو حرا وناجيا من الأسْر والوصاية والاحتواء".

ودعا "الخطيب" المجتمع الدولي لتسليح "الجيش الحر" وقد قام الخطيب أثناء ترأسه الائتلاف بزيارة ريف حلب، وفي 24 مارس/آذار 2013. أعلن الخطيب استقالته من الائتلاف "ليتمكن من العمل بحرية"، على حد قوله.

مُطلق مبادرات 

طرح الشيخ الخطيب، مبادرات عديدة أثناء رئاسته للائتلاف السوري المعارض، وحتى بعد مغادرته، بعضها أثار جدلا واسعا في الأوساط الشعبية والسياسية السورية، لكنه أكد أنها "قد تعيد إحياء الأمل، لدى الشعب السوري".

ففي 20 مارس/آذار 2020، وجه الشيخ الخطيب رسالة مسجلة بالصوت والصورة، تحت عنوان "دعوة إلى شمل السوريين في زمن الوباء"، دعا فيها "الأسد" إلى الاستقالة.

وقال الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض: إن "النظام يضع رأسه في الرمل، ويتجاهل الكثير من الأوبئة إن كانت سياسية أو صحية، ويهمه فقط أن يبقى في السلطة"، وذلك في إشارة إلى "جائحة كورونا".

ودعا "الخطيب" إلى إنشاء مجلس رئاسي توافقي من النظام والمعارضة، يتألف من ستة أشخاص، بمن فيهم بشار الأسد، من أجل نقل صلاحياته للمجلس خلال عام كامل.

وبحسب الخطيب، فإن مهام هذا المجلس، إطلاق سراح المعتقلين، والعفو عن كل المطلوبين سياسيا، وفتح الحدود لكل المهاجرين الذين يريدون العودة مع توفير الضمانات، والتمهيد لانتخابات محلية ثم برلمانية حقيقية، على أن تجري هذه الخطوات خلال عام، تضمن انتقال صلاحيات رئيس النظام إلى المجلس الرئاسي ليخرج منه في نهاية السنة.

وتابع: "كفانا دفنا لرؤوسنا في الرمال، ومن لديه حلول أخرى، ليطرحها لإنقاذ سوريا"، مطالبا بإنهاء ما وصفها بـ"العلوية السياسية".

وعلى خلفية الجدل الذي أثير حول المبادرة والمقللين من جدوى استجابة نظام الأسد لها، قال "الخطيب" عبر تصريحات صحفية في 23 مارس/آذار 2020: "المبادرة ليست للنظام بل للحاضنة الاجتماعية والناس". وأضاف الخطيب، "أن المبادرة قد تكسر محرمات عند الحواضن الاجتماعية للنظام، وتعيد إحياء الأمل، لدى الشعب السوري".

وكان "الخطيب" قد طرح مبادرة للحوار مع النظام السوري في 20 يناير/ كانون الثاني 2013، لكنها لم تلق استجابة من الأسد، رغم الترحيب الذي لاقته من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإيران، وكذلك من الجامعة العربية.

وفي 7 فبراير/شباط من العام نفسه، أمهل "معاذ الخطيب"، حكومة النظام السوري أياما قليلة للإفراج عن المعتقلات في سجون النظام، وإلا فإنه سيسحب مبادرته للحوار.

وقال "الخطيب" في حوار مع "بي بي سي": إنه إذا لم يتم الإفراج عن المعتقلات بحلول ذلك الموعد "فستنكسر المبادرة"، مضيفا: أن "هذه الأمور ليست إلى يوم الدين.. وسأعتبر أن هذه المبادرة قد رفضها النظام. وهو يقفز ويرقص على جراح شعبنا وآلامه وتعذيب النساء".

وفي حينها جدد "الخطيب" دعوة الأسد إلى التنحي، قائلا: "لو يعقل النظام ولو مرة واحدة ويشعر أن هناك ضرورة لإنهاء معاناة الناس ويرحل"، مضيفا: أن "الثورة" ستستمر، ولكن الائتلاف المعارض سيبقي المجال مفتوحا لمفاوضات سياسية تنتهي برحيل الأسد عن السلطة.

ووصف "معاذ الخطيب" عدم تعاطي النظام السوري مع مبادرته للتفاوض بأنه "أعطى رسالة سلبية جدا إلى الداخل والخارج". لكنه طرح أيضا فكرة انعقاد المحادثات في شمال سوريا، في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، في حال أصر "النظام على السيادة الوطنية وعدم الخروج من الأراضي السورية".

وقال في رسالة نشرها على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بالتزامن مع المهلة التي أعطاها للنظام للتعاطي مع مبادرته للتفاوض: إنه "على الرغم من عدم ثقته في نظام يقتل الشعب ويقصف المخابز، إلا أنه قبل بالتفاوض من أجل حقن المزيد من الدماء والخراب".

"طعنة للثورة"

"الخطيب" واجه انتقادات لاذعة بعد إطلاقه مبادرة للحوار مع ممثلين للأسد، فقد رفض "المجلس الوطني السوري" "الدخول في أي حوار أو تفاوض" مع نظام بشار الأسد. وقال: إن "ما سمي بمبادرة الحوار مع النظام، إنما هي قرار فردي لم يتم اتخاذه ضمن مؤسسات الائتلاف".

وقال المجلس خلال بيان في فبراير/شباط 2013: إن "ما سمي بمبادرة الحوار مع النظام، إنما هي قرار فردي لم يتم اتخاذه ضمن مؤسسات الائتلاف الوطني ولم يجر التشاور بشأنه، ولا يعبر عن مواقف والتزامات القوى المؤسسة له".

وتابع: "تلك المبادرة تتناقض مع وثيقة تأسيس الائتلاف" التي تنص على "أن هدف الائتلاف إسقاط النظام القائم برموزه، وحل أجهزته الأمنية والعمل على محاسبة المسؤولين عن سفك دماء الشعب السوري"، و"عدم الدخول في حوار أو مفاوضات مع النظام القائم".

وأشار إلى أن "قوى إقليمية ودولية طالما كانت شريكا فعليا للنظام على مدى عامين في قتل السوريين، وإبادة عشرات الآلاف منهم، وتدمير قرى وبلدات وأحياء بكاملها" تشارك في هذه المبادرة.

ولم يسم "المجلس" هذه الدول، لكنه انتقد بشدة لقاء "الخطيب" مع وزير الخارجية الإيراني في حينها "علي أكبر صالحي" بمدينة "ميونيخ" الألمانية في فبراير/شباط 2013.

وأفاد البيان بأن "اجتماع رئيس الائتلاف مع وزير خارجية النظام الإيراني يمثل طعنة للثورة السورية وشهدائها، ومحاولة بائسة لتحسين صورة طهران وتدخلاتها في الشأن السوري ودعمها النظام بكل أدوات القتل والإرهاب".