محمود شيت خطاب.. قائد عسكري عراقي حارب بفلسطين وتنبأ بتوقيت النكسة

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 13 ديسمبر/كانون الأول 2020، تمر الذكرى 22 لوفاة القائد العسكري محمود شيت خطاب، أحد عمالقة العراق والأمة العربية، في عالم الفكر والعسكرية والتاريخ الإسلامي والأدب واللغة، ذاعت شهرته في الآفاق لما تركه وراءه من مؤلفات بلغت المئات.

اللواء ركن شيت خطاب، رافقت حياته التي امتدت لنحو 80 عاما الكثير من الأحداث في العراق والمنطقة العربية، ومن أهمها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والحرب العربية مع الكيان الصهيوني، والتي تنبأ مبكرا بتوقيت وقوعها في 5 يونيو/ حزيران 1967.

نسب شريف

عام 1919 ولد محمود شيت خطاب في مدينة الموصل شمالي العراق، ونشأ في أسرة كريمة الأصل، شريفة النسب، فأبوه ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، وأمه بنت الشيخ مصطفى بن خليل، من علماء الموصل.

احتضنته جدته لوالده وتعهدت بتربيته، وكانت امرأة صالحة قلبها متعلق بالمساجد للصلاة وسماع دروس العلم، وكان لهذه النشأة الكريمة أثرها في نفس الطفل الصغير، محمود شيت خطاب، فشب مفطورا على الصلاح محبا للخير.

حرصت جدته على تعليمه، فكانت دراسته الأولية في إحدى الكتاتيب، حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ نصف القرآن الكريم، ثم انتقل إلى المدارس النظامية، فأتم المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وحرص في العطلات الدراسية على دراسة اللغة العربية والعلوم الشرعية على يد شيوخ الموصل.

بعدما أنهى دراسته الثانوية التحق بالكلية العسكرية عام 1937، حيث كان خطاب يرغب في دراسة الحقوق بعد حصوله على الثانوية، وتخرج منها في العام التالي برتبة ملازم، وعمل ضابطا في سلاح الفرسان.

وفي حفل تخرجه من الكلية العسكرية يروي حادثة حصلت معه، بالقول: "بعد تخرجي ضابطا كان من تقاليد الجيش أن تقيم وليمة للضباط الجدد، وشهدت الحفلة مع زملائي، فجاء قائد الكتيبة وقد ملأ كأسا بالخمر، وأمرني أن أبدأ حياتي بشرب الخمر، وكان الليل قد أرخى سدوله، وكانت السماء صافية تتلألأ فيها النجوم".

مضيفا: "كان قائد الكتيبة برتبة عقيد يحمل على كتفيه رتبتة العسكرية وهي بحساب النجوم: اثنتا عشرة نجمة، فقلت له: إني أطيعك في أوامرك العسكرية، وأطيع الله في أوامره الإلهية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنك تحمل على كتفيك اثنتي عشرة نجمة، فانظر إلى سماء الله لترى كم تحمل من نجوم".

وتابع: "فتعجب القائد وردد: السماء.. السماء.. نجوم السماء!. وانصرف وهو غضبان، وشعرت بأن موقفي هذا ليس مصاولة بيني وبين القائد، ولكنها مباراة بين إرادته كبشر، وبين إرادة الله خالق البشر".

وعندما اشتعلت ثورة "رشيد عالي الكيلاني" ضد الإنجليز عام 1941 كانت مشاركة خطاب فاعلة فيها وأصيب بجروح بالغة بقصف للطائرات البريطانية كادت تقضي على مستقبله العسكري.

وفي عام 1947 حصل خطاب على الماجستير من كلية الأركان والقيادة بتقدير "جيد جدا"، وأصبح برتبة نقيب ركن، وبعد ذلك، التحق بكلية الضباط الأقدمين، ونال شهادتها 1954، ثم أُوفد إلى بريطانيا عام 1955 في بعثة دراسية عسكرية عليا لمدة سنتين، وكان الأول على بعثته المكونة من نحو 100 ضابط من جنسيات مختلفة.

اعتقال وتعذيب

في عام 1956م، كان شيت خطاب آمر (قائد) فوج مشاة بالموصل، وتصدى للفتنة الدموية التي كادت تنشأ بين الشرطة والمتظاهرين أثناء المظاهرات الرافضة للعدوان الثلاثي على مصر، وتولى بنفسه مسؤولية الأمن والنظام في الموصل بعد مقتل عدد من الأشخاص، وهو ما أغضب السلطات الأمنية منه، وعملت على إبعاده من الجيش.

ومع اندلاع ثورة الشوّاف ضد المد الشيوعي في العراق عام 1959، وشى به الشيوعيون إلى رئيس الوزراء حينها عبد الكريم قاسم، بعد تصديه لمحاولاتهم التنكيل بالجماهير، فأمر بحبسه وتعذيبه، ثم أفرج عنه عام 1961 خشية أن يلقى حتفه في السجن جراء التعذيب، حيث ناله 43 كسرا في عظام جسده.

وبعد الاطاحة بحكم عبد الكريم قاسم على يد عبد السلام عارف الذي أصبح رئيسا للعراق عام 1963، قرب محمود شيت خطاب منه لعلاقة الصداقة التي تربطهما.

وأصر عبد السلام عارف على أن يكون خطاب معه في المسؤولية لأمانته وكفاءته، وإزاء إصرار الرئيس شارك اللواء خطاب في عدة وزارات، ثم انتهز أول فرصة سنحت له، فاستقال عام 1964، وآثر على نفسه أن يتفرغ للعلم.

وفي عام 1968 اختير وزيرا للمواصلات، وكان في ذلك الوقت في القاهرة يعمل رئيسا للجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية، فاعتذر عن قبول المنصب، وآثر العمل في المجالات العلمية على العمل في المناصب الحكومية.

وعندما عاد إلى بغداد عام 1973 عرض عليه الرئيس الراحل أحمد حسن البكر، عدة مناصب حكومية رفيعة، لكنه اعتذر عنها وتفرغ للعمل العلمي وتأليف الكتب.

جهاد فلسطين

في بدايات الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، عام 1948 طلب خطاب من قادته أن يكون ضمن القوات المتجهة إلى فلسطين، وشارك في معارك عدة، وضرب أروع الأمثلة في الشجاعة وحسن التصرف، ومكث في جنين أكثر من عام.

وأثناء ممارسته للتدريس في الكليات العسكرية بالعراق ومصر، كان من فراسته ودقة دراسته للعدو الصهيوني، أنه حدد اليوم الذي عزمت فيه إسرائيل أن تضرب ضربتها وهو يوم 5 يونيو/ حزيران 1967، وذلك في كتابه "طريق النصر في معركة الثأر" عام 1965.

ولما أشار إلى توقعاته بخصوص نكبة يونيو 1967، قال خطاب في كتابه: "أنا لم أكن عرافا ولا قارئ فنجان ولا قارئ كف ولست نبيا من الأنبياء، لكنني استطعت أن أتنبأ باليوم وبالدقيقة، لأني أقرأ العقل الإسرائيلي والخطط الإستراتيجية الإسرائيلية وأحسب كيف تعد إسرائيل كوادرها العسكرية وفنييها وضباطها وأنها إذا أكملت تخريج ما تحتاج إليه من الكوادر الفنية والأطر العسكرية وقدرت أن ذلك سيتم يوم 4 يونيو، وسيكون الهجوم يوم 5 يونيو".

وفي ذلك، أثنى المؤلف الإسرائيلي صاحب كتاب "الحرب بين العرب وإسرائيل"، على عبقرية اللواء محمود شيت خطاب، ووصفه بأنه أكبر عقلية إستراتيجية في العرب، لكنه لا يجد من يستفيد منه.

وعلى خلفية الهزيمة التي لحقت بالعرب عام 1967، لم يبتسم اللواء الركن محمود شيت خطاب قط طيلة 31 عاما حتى وفاته عام 1998، إذ أثرت فيه الحرب تأثيرا عظيما، حسبما ينقل محمود الموسى في سلسلة حلقاته التلفزيونية "منائر من أرض السواد" عام 2012.

وفي أواخر عام 1969 زار الكويت وألقى سلسلة من المحاضرات منها "إرادة القتال" وعبر عن قناعته بأن "الحكومات العربية غير جادة في محاربة إسرائيل، وتحدث عن الاضطهاد الذي يمارس ضد الشعوب، وتصرف الحكام في مقدرات البلاد وفق أهوائهم ونزواتهم، وابتعادهم عن التعبئة الإيمانية للجنود".

مضيفا: "فكانت الأغاني الوطنية القومية هي زاد الجنود، وصور الزعيم والممثلين والممثلات والمغنين والمغنيات هي سلاحهم، من هنا كانت الهزيمة الكبرى وضياع المقدسات، وانتهاك الحرمات"، بحسب قوله.

مواقف ومحطات

كانت صفة الجندية تغلب على خطاب، وهي تعني الانضباط والالتزام ونجدة الملهوف، ومد يد العون إلى من يحتاج إلى مؤازرة ومعاونة، فوقف إلى جانب دعاة الإسلام في محنتهم، فسعى إلى الرئيس "عارف" أن يتدخل لدى رئيس مصر جمال عبد الناصر للإفراج عن المفكر الإسلامي سيد قطب، ونجحت مساعيه الكريمة في الإفراج عنه عام 1964.

وزاره اللواء الركن محمود شيت خطاب في السجن وبشره بخبر الإفراج عنه، فخرج سيد قطب من السجن، ثم عاد إليه مرة أخرى بعد فترة قصيرة حيث قضى نحبه شهيدا على أعواد المشانق.

وفي العام نفسه، عندما زار باكستان بصحبة الرئيس عبد السلام عارف، حاول التوسط للإفراج عن المفكر الإسلامي أبي الأعلى المودودي، لكن الأخير رفض، ووصف رئيس البلاد بأنه طاغية وكان حينها أيوب خان رئيسا لباكستان.

جرى اختيار خطاب رئيسا للجنة توحيد المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية، فدعا لوضع معجم عسكري موحد، وصدر المعجم في 4 أجزاء، بثلاث لغات هي: العربية والإنجليزية والفرنسية.

شارك خطاب في عضوية كثير من المجامع العلمية واللغوية والمؤسسات الإسلامية وتولى عددا من المناصب مثل عضو المجمع العلمي العراقي، وعضو مجمع اللغة العربية في القاهرة، ورئيس لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية في جامعة الدول العربية، وعضو مؤسس لرابطة العالم الإسلامي في مكة، وعضو في المجلس الأعلى العالمي للمساجد بمكة المكرمة.

بلغت مؤلفاته نحو 126 كتابا منها: "الرسول القائد"، "الوجيز في العسكرية الإسرائيلية"، "حقيقة إسرائيل دراسات في الوحدة العسكرية العربية"، "أهداف إسرائيل التوسعية في البلاد العربية"، "طريق النصر في معركة الثأر"، "الأيام الحاسمة قبل معركة المصير وبعدها"، "بين العقيدة والقيادة".

وأيضا من مؤلفاته "الإسلام والنصر"، "عدالة السماء"، "تدابير القدر"، "تاريخ جيش النبي"، "دروس عسكرية في السيرة النبوية"، "غزوة بدر الكبرى"، "العسكرية العربية الإسلامية"، "المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم"، "الصّديق القائد"، "الفاروق القائد".

ونشر اللواء الركن محمود شيت خطاب المئات من الأبحاث والمقالات في معظم الصحف والمجلات العربية والإسلامية، إضافة إلى تقديمه عددا من الأحاديث المختلفة في الإذاعات العربية في موضوعات تاريخية وعسكرية بين عامي 1966 ــ 1980 في عدد من الأقطار العربية والعراق.

رحيل مؤثر

صباح 13 ديسمبر/ كانون الأول عام 1998، كان اللواء خطاب يجلس على كرسي عتيق تحت سلم منزله، جاءت ابنته تودعه، قبل أن تغادر المنزل إلى الجامعة، فطلب منها أن تجلس معه لتقرأ "سورة يس"، فجلست وجاءت زوجته وجلست وقرأت البنت "سورة يس" وكان يقرأ معها، فأحس بجفاف في حلقه بعد الانتهاء من قراءة السورة، فطلب من زوجته أن تأتيه بكأس من الماء.

أسرعت زوجته إلى المطبخ وهي تسمعه يردد "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله"، وكررها مرارا، وابنته تنظر إليه وتردد معه الشهادتين، حتى أسلم الروح لبارئها.