اعتقلت مطلوبا دوليا.. كيف بنت حكومة الوفاق وزارة الداخلية رغم الحرب؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في خطوة قوبلت بإشادة دولية ومحلية، نجحت وزارة الداخلية الليبية بإلقاء القبض على عبد الرحمن ميلاد والمعروف بلقب "البيدجا" والمطلوب دوليا بعد اتهامه بتهريب البشر وارتكابه مجازر بحق المهاجرين في قلب البحر.

هذا الإنجاز الميداني لحكومة الوفاق، سلط الضوء مجددا على أداء وزارة الداخلية الليبية في ظل الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والأمنية مرفوقة بالعدوان الذي شنه اللواء المتقاعد خليفة حفتر مدعوما بمليشيات أجنبية.

تظهر الوقائع الميدانية في ليبيا وخاصة في العاصمة طرابلس تحقيق نتائج إيجابية في مكافحة الجريمة وضبط السلاح الخارج عن سيطرة الدولة، إلا أن الواقع كذلك لا يزال يثبت أن الوضع الحالي يصعب فيه التأسيس لجهاز أمني قوي يحتكر السلاح ويفرض هيبة الدولة على الجميع. 

سفاح المهاجرين 

اعتقل "البيدجا" يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول بناء على التحقيقات التي أجراها مكتب النائب العام وعلى أمر الضبط والإحضار، بعد بصدور نشرة خاصة من منظمة الشرطة الدولية، وبناء على طلب لجنة العقوبات بمجلس الأمن وذلك لقيامه برفقة آخرين بالضلوع في الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين والوقود.

وللبيدجا تاريخ حافل من الجرائم الإنسانية، خاصة تلك التي تعلقت باللاجئين ووصلت إلى درجة القتل. 

وعمل عبد الرحمن ميلاد الذي وُلد عام 1990 في مدينة الزاوية، غربي ليبيا، كرجل أمن برتبة ملازم أول في خفر السواحل التابع لحكومة الوفاق التي تسيطر على المنطقة الغربية في ليبيا.

من جهتها تتهمه الحكومة باستغلال نقطة خفر السواحل بمصفاة الزاوية للقيام بجرائمه، وذلك بعد انتحاله لصفة رئيس جهاز خفر السواحل بالمنطقة الغربية. 

ومن خلال المنصب الذي استولى عليه لسنوات، تم تسجيل جملة من الجرائم بحقه، كان آخرها تلك الجريمة التي وثقتها صحيفة ”إفينيري” الإيطالية، حيث نشرت في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2019، صورا جوية لأحد قوارب الدورية ضمن ما أسمته ”أسطول الزاوية“ يقودها رجال لا يرتدون الزي الرسمي.

وفي تقرير للصحيفة الإيطالية، أكدت أن هذه الصور هي براهين فوتوغرافية على عودة قوارب تابعة لمليشيا ”البيدجا” المتهم بارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان من قبل محكمة الجزاءات الدولية في لاهاي.

وقالت الصحيفة: إن الصور التي حصلت عليها من طائرة إيطالية كانت تقوم بدوريات في البحر المتوسط ​​بالتنسيق مع منظمة ”سي ووتش” أظهرت ”رجال مليشيا البيدجا” وهم يقومون في عرض البحر بعمل مشين، حيث كانوا يحاولون الاستيلاء وسرقة محرك زورق المهاجرين بدلا من إنقاذهم.

ورد اسم "البيدجا" في تقرير أممي في العام 2018 حول ليبيا، حيث تم وصفه بأنه مهرب بشر عنيف يتحمل المسؤولية عن حالات إطلاق الرصاص في البحر، لإغراق قوارب الهجرة التي كان ينظمها منافسون له في تهريب البشر.

ووُصف البيدجا بأنه شخص قاس ومتعطش للدماء والمال الذي بسببه رمى الآلاف من المهاجرين في قوارب متهالكة للسفر إلى أوروبا، فغرق كثير منهم في مياه البحر المتوسط.

ووفقا لشهادات طالبي اللجوء في إيطاليا، كان يستعبد ويعذب ويغتصب المهاجرين في المعسكرات التي كان يديرها في مدينة الزاوية، قبل أن يرسلهم في قوارب الموت إلى أوروبا.

نقلة نوعية  

ظهر البيدجا مرات عديدة في مقاطع مصورة على جبهات القتال دفاعا عن العاصمة الليبية طرابلس، ضمن القوات الداعمة لحكومة الوفاق، كما ظهر مرات عديدة في بث مباشر على صفحته الخاصة في فيسبوك ممجدا رئيس الحكومة فايز السراج. 

رغم كل ذلك، التزمت وزارة الداخلية تحت إمرة الوزير فتحي باشاغا بسياستها التي أعلنت عنها منذ تكليف الوزير الجديد في العام 2019، بالتصدي لكل مظاهر الانفلات والفساد وتجاوز القانون من قبل المليشيات غير المنضبطة. 

واعتبر المحلل السياسي الليبي وليد رتيمة  "ما قامت به وزارة الداخلية إنجاز كبير جدا، حيث إنها دخلت في مستوى جديد من ممارسة فرض الأمن بالقبض على مطلوب للعدالة بهذا المستوى، فهي مرحلة جديدة أسست بها وزارة الداخلية في عهد فتحي باشاغا والذي على ما يبدو أفضل من تولى هذا المنصب منذ سقوط نظام معمر القذافي".  

وأضاف رتيمة في حديثه لـ"الاستقلال": "اليوم هناك نجاح ملحوظ وتطور داخل وزارة الداخلية، في أدائها على المستوى الأمني والشرطي، واعتقال البيدجا ليس الدليل الوحيد على ذلك".

فوزارة الداخلية نجحت في تفكيك خلايا إرهابية كما عملت على قضايا الفساد وغسيل الأموال، لذلك فاليوم هنالك عمل ملحوظ وإعادة هيبة الدولة من قبل وزارة الداخلية، على رغم الصعوبات التي اعترضت الوزارة مع هجوم حفتر على العاصمة طرابلس، وفق رتيمة.

وأكد أنه لا يمكن اليوم تقييم أداء الوزارة بشكل طبيعي حيث إنها في عهد باشاغا خرجت من تحت الصفر. ومع تسلمه الملف الأمني دخلت العاصمة في حرب ضروس مع مليشيات حفتر ورغم ذلك نجح في تأمين العاصمة طيلة أيام العدوان التي استمرت قرابة 14 شهرا.

واعتبر رتيمة أن وزارة الداخلية اليوم أصبحت تنتهج سلوك بناء دولة وتأسيس مؤسسة أمنية بعقيدة مختلفة وولاء للوطن، وهو ما ظهر من خلال عدم تمييزها في عمليات إلقاء القبض على المجرمين والمتجاوزين بناء على التهم الموجهة لهم وليس بناء على انتمائهم القبلي أو الجهوي أو الفكري أو السياسي.

وأردف: "إذا استمرت الوزارة بهذا الأداء ستنجح في بسط الأمن ليس على طرابلس فقط بل على كامل ليبيا وعلى أساس مهني وحديث".

ماذا عن البقية؟

في المقابل، لا يزال جزء من الليبيين يحملون بعض الشك والريبة حول المسارعة في اعتقال البيدجا الذي يعتبره البعض ضحية لاستمرار الحرب في ليبيا وتفكك الدولة وكذلك دخوله في صراع مع مافيات حقيقية تسيطر على مسالك تهريب النفط والبشر عبر البحر الأبيض المتوسط. 

كما قارن عدد منهم بين مسارعة حكومة الوفاق ووزارة داخليتها لتنفيذ قرار اعتقال البيدجا الصادر عن المحكمة الدولية، رغم مشاركته في الدفاع عنها وعن العاصمة في الحرب الأخيرة.

في الأثناء، لا يزال "ضابط الإعدامات" محمود الورفلي والمطلوب لمحكمة الجنايات الدولية منذ العام 2016 حرا طليقا في بنغازي تحت حماية مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر. 

واعتبر أحد القادة العسكريين الليبيين في حديث لـ"الاستقلال" أن البيدجا ضحية أكثر مما هو مجرم، ولا يستطيع أحد أن ينفي أنه ساهم في إنقاذ الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين كما عطل عمليات عديدة للتهريب، وفق تعبيره.

وقال القائد الذي رفض ذكر اسمه: إن البيدجا "ضحية لغياب تماسك مؤسسات الدولة وإدماج المقاتلين الشباب في المؤسسات الرسمية".

وتساءل آمر أحد السرايا في طرابلس "هنالك العشرات ممن نهب أموالا طائلة للشعب الليبي وقاموا بغسل أموالهم وشراء عقارات في عدد من عواصم العالم، لكن لم يتجه أحد لمحاسبتهم، وهنالك من تورط في دماء الليبيين، حيث لا نزال إلى اليوم نكتشف مقابر جماعية في ترهونة، متى سيتم محاسبة هؤلاء؟".