أزمة إيران الخانقة.. هكذا شلت أذرعها الإعلامية الموجهة للخارج

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

امتدت الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تعاني منها إيران إلى وسائل إعلامها الموجه للخارج والناطق بأكثر من لغة منها العربية والإنجليزية، إذ تسبب بشلل في القطاع الحيوي الذي كان النظام يغذيه طيلة 40 عاما، كونه يمثل "الدعاية الدولية لإيران".

الأزمة الخانقة ستطيح بمنابر إعلامية إيرانية مهمة خلال الأسابيع المقبلة، ولا سيما بعدما هوى التومان (العملة المحلية) إلى مستويات متدنية أمام الدولار، مقتربا من عتبة 19 ألف تومان مقابل الدولار الواحد، في ظل استمرار واشنطن بتشديد عقوباتها على طهران.

شلل تام

أثار قرار إغلاق وسائل إعلام إيرانية موجهة إلى الخارج موجة غضب كبيرة في البرلمان الإيراني، إذ انتقد 202 من الأعضاء قرار الحكومة إيقاف دعم منابر "الدعاية الدولية للجمهورية الإسلامية" مؤكدين أن نقص التمويل تسبب في "شل قنوات إيران الموجهة للخارج".

وخرج النواب في بيان مشترك في 23 يونيو/ حزيران 2020، وصفوا فيه القنوات الإيرانية الموجهة للخارج بأنها "المنابر الرسمية في الخارج، وفي طليعة وسائل إعلام المقاومة". ودعا البيان حكومة حسن روحاني إلى أن تحول دون "إضعاف الاتجاه الثقافي لجمهورية إيران الإسلامية في العالم".

وطالب البيان حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني و"منظمة التخطيط والميزانية" بتقديم إيضاحات حول خفض ثلث ميزانية العملة الأجنبية لوسائل الإعلام الموجهة للخارج على مدى السنوات الست الماضية.

وانتقد النواب تراجع عدد الصحفيين الناشطين على الشبكات الموجهة للخارج إلى الربع، على مدى 5 سنوات، والتأخير لمدة 5 أشهر في تخصيص ودفع ميزانية العملة الأجنبية لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون.

وفي خطوة تصعيدية لإعادة التمويل إلى وسائل إعلام إيران الخارجية، هدد أعضاء البرلمان حكومة روحاني بأنه "إذا استمر تجاهل هذه القضية، فسوف نستخدم أدواتنا وصلاحيتنا القانونية لإنهاء هذه العملية".

وبخصوص ما تمثله تلك الوسائل للنظام الإيراني، قال الكاتب السوري رياض معسعس: "إيران اعتمدت على مجموعة من وسائل الإعلام، ولاسيما القنوات التلفزيونية، وقنوات الأفلام منذ بداية الثورة الخمينية لتصدير ثورتها، وخدمة سياساتها للهيمنة على الدول التي تهتم عن قرب بالسيطرة عليها وخاصة (العراق، سوريا، لبنان، اليمن، البحرين، أفغانستان)".

وأضاف معسعس في مقال نشره بصحيفة "القدس العربي" في 19 يونيو/ حزيران 2020: أن "إيران ازداد اهتماما بالإعلام الخارجي بشكل كبير بعد الهجوم الأميركي على أفغانستان والعراق، الدولتين اللتين كانت تعمل جاهدة للسيطرة عليهما، دون أن تفلح في ذلك، وجاءت الضربة الأميركية لتصب في صالح أمنيات طهران بعد أن سقط نظام طالبان في كابل، ونظام البعث في بغداد".

 

"ضربة كبرى"

وسائل الإعلام الإيرانية التي أوصدت أبوابها وأخرى في طريقها إلى الإغلاق، مثلت "ضربة كبرى" بالنسبة لإعلام إيران الخارجي، حسبما وصفها نائب رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني، للشؤون الدولية، بيمان جبلي.

وقال بيمان جبلي في تصريحات نقلتها وكالة "فارس" للأنباء في 10 يونيو/ حزيران 2020: إن قنوات إيرانية مثل "برس تي في"، و"العالم"، و"آي فيلم" العربية والإنجليزية، ستتوقف عن البث خلال الأيام والأسابيع المقبلة، بسبب مشاكل مالية.

وأشار إلى أن الإذاعة الإيرانية التي كانت تبث من كابل، منذ 40 عاما، توقفت بسبب تراكم الديون، والإفلاس، وعدم الحصول على ميزانية بالعملات الأجنبية. وأبدى أسفه على عدم توفير المسؤولين والأجهزة، لميزانية الإذاعة والتلفزيون وخاصة بالعملات الأجنبية، وما يحصل كارثة ربما لا يدركونها أو أنها مقصودة".

ووصف بيمان جبلي فقدان الإذاعة في أفغانستان بـ"الضربة الكبرى لإعلامنا الدولي". ولفت إلى أنها كانت تغطي واحدة من "أهم المناطق المجاورة لنا، وتتناول قضايا ثقافية واقتصادية وأمنية وسياسية، وهذه الضربة الثالثة بعد خسارة شبكة الكوثر في المنطقة العربية وشبكة سحر أردو. هذه المؤسسات أكثر دفاعا ضد دعاية الأعداء، وإيران تخسر فرصة لتقديم نفسها خارج البلاد".

ويعرف عن إذاعة طهران الموجهة إلى أفغانستان والتي كانت تبث من كابل، بأنها تستهدف قبائل الهزارة، ومعظمهم من الشيعة، الذين يقطنون في أواسط أفغانستان ويتحدثون بالفارسية، ولعبت دورا كبيرا أيضا في بث الدعاية الإيرانية والتقارب الثقافي مع قبائل الهزارة التي تدعم مواقف إيران في أفغانستان.

وانتقد بيمان جبلي تصريحات رئيس شؤون التنسيق، في منظمة "الميزانية والتخطيط" التابعة للحكومة الإيرانية، بشأن توفر عملات يابانية وصينية وهندية وغيرها لدى صندوق التنمية الوطني، وقال: "كنا نطلب تمويلا بالدولار واليورو لكننا لم نحصل حتى على درهم أو دينار واحد".

وفي مايو/ أيار 2020، أوقف قمر "يوتل سات" شبكة "الكوثر" الإيرانية بسبب تراكم الديون والمستحقات المالية عليها.

وقبل ذلك، كشف غلام رضا مير حسيني، مدير القناة الثالثة الإيرانية، عام 2015 أن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية عليها ديون بأكثر من 50 مليون دولار لحقوق البث، واستئجار الأقمار الصناعية، وشراء المعدات وغيرها.

ووافق المرشد الإيراني علي خامنئي مرارا على السحب من صندوق التنمية الوطنية لدعم مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وذلك بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وزيادة مشاكل النقد الأجنبي.

وحسب الكاتب السوري رياض معسعس، فإن إيران ترعى أيضا قنوات ومواقع على شبكات التواصل الاجتماعي، موجهة للعالم العربي بشكل خاص (وهي تتبع للجمعية العامة لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية)، وهذه المواقع تقدم الرؤية الإيرانية للأحداث.

وأضاف: "في النتيجة وبعد توقف هذه القنوات، وربما المزيد فيما بعد، يتلقى الإعلام الإيراني الخارجي ضربة قوية، تقلص من وجوده على الساحة الإعلامية الدولية. وتعتبر هذه الضربة كنتيجة مباشرة للعقوبات الأميركية على إيران، وانخفاض أسعار النفط، الذي يعاني اقتصاده من متاعب كبيرة مالية وخاصة، فيما يخص الاحتياطي بالعملات الأجنبية".

أذرع خارجية

وانطلاقا من حديث الكاتب السوري، فإن إيران دعمت عبر (اتحاد الإذاعات الإسلامية) عشرات الفضائيات الشيعية في المنطقة ولاسيما في العراق، والذي أصبح عقب الاحتلال الأميركي عام 2003، تحت سيطرة المليشيات والقوى السياسية الشيعية العقائدية الموالية لإيران.

وعرفت هذه القنوات الشيعية، بأن همها ليس تحري مصداقية الأخبار، وإنما اعتادت على بث خطاب تحريضي وكراهية طائفية من خلال برامجها اليومية التي تستهدف طائفة بعينها، من خلال وصمها بالإرهاب والتطرف.

وفي تقرير سابق لـ"الاستقلال" كشفت فيه أن 15 فضائية تنتشر مكاتبها بين بغداد وطهران وبيروت، كلها انطلقت خلال عامي 2014 و2015، باسم فصائل ضمن قوات "الحشد الشعبي" وتتخصص بعرض رسالة المليشيات تلك للعراقيين، عدا عن القنوات الأخرى التي تدعم تلك المليشيات ولكن لا ترتبط بها.

تدير الأحزاب والمليشيات الشيعية في العراق، قرابة 25 محطة فضائية، إذ يكاد يكون لكل فصيل منها واحدة أو اثنتين، يضاف إليها 11 محطة إذاعية أبرزها إذاعة "ثأر" و"ميسان" و"الحشد" و"الوعد"، وصحف مختلفة جميعها ناطقة باسم تلك المليشيات والأحزاب أو تتبني منهجها.

أما تلك القنوات، فيمكن تصنيفها كالتالي: قناة "العهد، والعهد2" التابعة لمليشيا "عصائب أهل الحق"، قناة "الغدير" التابعة لمليشيا "بدر"، قناة "النجباء" التابعة لمليشيا "النجباء"، قناة "الولاء" التابعة لمليشيا "الخراساني"، قناة "حشدنا" التابعة للحشد الشعبي، قناة "الثانية" التابعة لمليشيا "الإمام الغائب"، قناة "الموقف" التابعة لمليشيا "كتائب سيد الشهداء".

وكذلك، قنوات "الفرات" التابعة لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، قناة "الأيام" التابعة لحزب المجلس الأعلى العراقي، قناتي "الإباء، والاتجاه" التابعتين لمليشيا "حزب الله العراقي"، قناة "آفاق" الفضائية التابعة لحزب الدعوة جناح نوري المالكي، قناة "بلادي" تابعة لحزب الإصلاح بزعامة إبراهيم الجعفري، قناة "النعيم" التابعة لحزب الفضيلة.

وقائمة أخرى من القنوات، تشمل: قناة "الطليعة" التابعة لحزب الطليعة بزعامة المعمم محمد تقي الدين المدرسي، قناة "البينة"، قناة "آسيا" حزب المؤتمر الوطني الشيعي، قناة "المسار" التابعة لحزب الدعوة تنظيم العراق، قناة "المسار الأولى" التابعة لحزب الدعوة تنظيم الداخل، قناة "أهل البيت"، قناة "كربلاء"، قناة "السلام".

وأطلقت هذه المليشيات العراقية وبإشراف إيران فضائيات وإذاعات بلغات مختلفة منها الكردية والإنجليزية والآذرية والفرنسية والبوسنية والهوسا والبشتونية والسواحيلية.

وفي لبنان، فإن أكبر مركز لمحطة تلفزيون إيرانية ناطقة باللغة العربية وهي قناة العالم، وقناة "المنار" لسان حال حزب الله، وقناة "الميادين" والتي تعد أكبر قناة مدعومة إيرانيا، بعد المنار، إضافة إلى صحيفتي "السفير" و"الأخبار" اللتين تتبعان حزب الله اللبناني.

وفي الفترة من مارس/آذار 2011، وحتى اجتياحهم العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، أطلق "الحوثيون" قنوات فضائية ممولة من إيران، منها فضائية "المسيرة" الناطقة باسم "الحوثيين"، وفضائية "الساحات" الموالية لهم والتي تبث من الضاحية الجنوبية في بيروت.

وكشف أول مدير لقناة "الساحات"، أحمد الزرقة، منتصف أبريل/نيسان 2015، أن القناة مملوكة لإيران ويديرها قيادي في حزب الله يُدعى ناصر أخضر، وتموّل من "اتحاد إيران للقنوات والإذاعات الإسلامية".

أما في البحرين فدعمت إيران فضائية "اللؤلؤة" والتي تبث من العاصمة البريطانية لندن، وتدار من جهات سياسية شيعية معارضة للنظام في المنامة، إذ انطلق بثها في يونيو/ حزيران 2011. 

وتعد الضاحية الجنوبية في بيروت، مركزا هاما لبث بعض تلك الفضائيات كالمسيرة واللؤلؤة و"نبأ" الموجه ضد السعودية.

ولا توجد إحصائية دقيقة بعدد القنوات الشيعية الموجهة إلى بلدان المنطقة بإشراف ودعم إيراني مباشر، إلا أن تقارير صحفية أفادت بوجود أكثر من 100 قناة فضائية على ارتباط بإيران والمليشيات الشيعية في لبنان والعراق واليمن.