بث الكراهية.. هكذا تدير إيران الأذرع الإعلامية في العراق

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فرضت إيران سيطرتها على صناعة الرأي العام في العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003، عبر دعمها لإنشاء مجموعة من القنوات الفضائية لأحزاب ومليشيات شيعية عراقية، إضافة إلى هيمنة هذه القوى على "شبكة الإعلام العراقي" الحكومية، وإبعاد المكونات الأخرى.

ودأبت هذه الأذرع الإعلامية الممولة إيرانيا منذ سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، على "تزييف الحقائق في كثير من القضايا المهمة، وشيطنة مكونات من الشعب العراقي واتهامها بالإرهاب"، بحسب نواب سابقين في البرلمان العراقي.

في ردة فعل عنيفة على سؤال لمقدم برامج إحدى الفضائيات الشيعية، عن أسباب تلقيه الدعم من الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، عندما كان يمتلك قناة "الرأي" ومقرها العاصمة السورية دمشق، كشف النائب العراقي السابق مشعان الجبوري، عن حجم الأموال التي تمنحها إيران لقنوات فضائية عراقية.

تزييف الحقائق

قال الجبوري خلال مقابلة بثتها قناة "العهد" الفضائية التابعة لمليشيات "عصائب أهل الحق" في 20 يونيو/حزيران الجاري: إن "إيران تمول جميع الفضائيات الشيعية عبر (اتحاد الإذاعات الإسلامية)، كللكم تأخذون من إيران الأموال، إضافة إلى أن القمر الصناعي تُدفع أجوره من الاتحاد، ورواتبكم أيضا".

وكشف النائب السابق في البرلمان العراقي، أن "التمويل يتم بعد سرقة النفط الأسود العراقي عبر شركة العربية الإيرانية، وبعدها توزّع الأموال على الفضائيات الشيعية، لكنكم تزوّرون الحقائق"، مضيفا: "إذا أكشف هذه القضية تقتلوني الآن في الشارع".

وأشار الجبوري إلى أن "هذه القضية بالذات (تهريب النفط الأسود)، تُسرق خلالها 460 مليون دولار في السنة الواحدة، من أموال الشعب العراقي، وكلكم تتقاسمون الأموال. لماذا حين تدعمكم إيران وتصفقون لها وتبثون خطب الإمام (خامنئي) لا تسمونه فسادا؟".

وفي قضية أخرى فجّرها الجبوري، قال إن "السنة في العراق قاوموا المحتل الأمريكي"، لكن مقدم البرنامج حاول مقاطعته، بالقول: إنها "كانت مقاومة طائفية وكلمة حق يراد بها باطل"، إلا أن النائب العراقي السابق: "أكد أن مهمة القنوات الفضائية هذه، كانت تزوير الحقائق".

وقال الجبوري إن "الذين قاوموا المحتل هم السُنة أكثر من الشيعة، وأنتم إحدى الأدوات التي زوّرت حقائق التاريخ الحديث، لأنكم الآن السلطة، فالأمور تسير على هواكم. المسكين السني الذي قاوم المحتل الآن في السجن محكوم عليه بالإعدام، والشيعي الذي قاوم المحتل اليوم بطل وقائد سياسي، ويصنع قرارا في البلد. هذه طائفيتكم، لم نأت نحن بها".

وتابع: "الآلاف من الشباب السني يقبع الآن في السجون بسبب مقاومته للمحتل، بسبب ارتكابهم أعمالا ضد الاحتلال حصرا، وفي سجن عراقي ببغداد سلّم المحتل الأمريكي كبار المقاومين له، كل الشيعة أفرج عنهم، ولا يزال السنة العراقيون يئنون في السجن حتى اليوم".

وفي ختام حديثه، أكد الجبوري، أن "السلطة الجائرة التي أدارتها الأحزاب الشيعية عقب الغزو الأمريكي، شرّعت قانون مكافحة الإرهاب، وبناء عليه اعتقلت الشباب السني ورمتهم بالسجون لأنهم قاوموا المحتل".

ولعل النائب السني السابق، كان يشير في حديثه إلى برامج عدة دأبت على بثها هذه القنوات الممولة إيرانيا، تصف كل من يقاوم المحتل من المكون السني بأنه "إرهابي" على العكس ممن كان يستهدف الأمريكان في المدن الشيعية، فإنها تصنفه إما خارجا عن القانون أو تسكت عنه، حتى لا يشمل بقانون مكافحة الإرهاب، بحسب مراقبين.

بث الكراهية

لم يكن نقل الخبر وتحري مصداقيته الشغل الشاغل للقنوات التي تمولها إيران، وإنما بحسب تقرير صحفي، اعتادت على بث خطاب تحريضي وكراهيّة من خلال برامجها اليوميّة التي تستهدف طائفة بعينها. كما جرت العادة أن تكون الأخطاء حاضرة على المستوى المهني بدءا من سوء لغة المذيع الركيكة، مرورا بطريقة تحرير الخبر وعرضه على الشاشة انتهاءً بألوان وديكور استديوهات البث.

وتنتشر استوديوهات 15 فضائية منها بين بغداد وطهران وبيروت، كلها انطلقت خلال عامي 2014 و2015، باسم فصائل معينة ضمن قوات "الحشد الشعبي" وتتخصص بعرض رسالة المليشيات تلك للعراقيين عدا عن القنوات الأخرى التي تدعم تلك المليشيات ولكن لا ترتبط بها.

تدير الأحزاب والمليشيات الشيعية في العراق، قرابة 27 محطة فضائية، إذ يكاد يكون لكل فصيل منها واحدة أو اثنتين، يضاف إليها 11 محطة إذاعية أبرزها إذاعة "ثأر" و"ميسان" و"الحشد" و"الوعد"، وصحف مختلفة جميعها ناطقة باسم تلك المليشيات والأحزاب أو تتبنى منهجها.

أما تلك القنوات، فيُمكن تصنيفها كالتالي: قناة "العهد، والعهد2" التابعة لمليشيا "عصائب أهل الحق"، قناة "الغدير" التابعة لمليشيا "بدر"، قناة "النجباء" التابعة لمليشيا "النجباء"، قناة "الولاء" التابعة لمليشيا "الخراساني"، قناة "حشدنا" التابعة للحشد الشعبي، قناة "الثانية" التابعة لمليشيا "الإمام الغائب"، قناة "الموقف" التابعة لمليشيا "كتائب سيد الشهداء".

وكذلك، قنوات "المنهج، الطيف، الشذرات، والأضواء" التابعة للتيار الصدري، قناة "الفرات" التابعة لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، قناة "الأيام" التابعة لحزب المجلس الأعلى العراقي، قناتي "الإباء، والاتجاه" التابعتين لمليشيا "حزب الله العراقي"، قناة "آفاق" الفضائية التابعة لحزب الدعوة جناح نوري المالكي، قناة "بلادي" تابعة لحزب الإصلاح بزعامة إبراهيم الجعفري، قناة "النعيم" التابعة لحزب الفضيلة.

وقائمة أخرى من القنوات، تشمل: قناة "الطليعة" التابعة لحزب الطليعة بزعامة المعمم محمد تقي الدين المدرسي، قناة "البينة"، قناة "آسيا" حزب المؤتمر الوطني الشيعي، قناة "المسار" التابعة لحزب الدعوة تنظيم العراق، قناة "المسار الأولى" التابعة لحزب الدعوة تنظيم الداخل، قناة "أهل البيت" التابعة لمعمم الشيعي هادي المدرسي، قناة "كربلاء" التابعة لمؤسسة العتبة العباسية، قناة "السلام" التابعة لمعمم حسين الصدر.

ونقلت التقارير الصحفية، عن عضو في مجلس أمناء هيئة الإعلام والاتصال العراقية (لم تذكر اسمه)، قوله: إنّ "الجانب الإيراني يشرف على المنهج العام لتلك القنوات، لذلك تجد أن بعض القنوات تضع في افتتاح بثها صور المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي وقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وتمجدهما أكثر من تمجيد إعلام حكومة إيران نفسه".

وأشار المسؤول إلى أن "إيران أغرقت الإعلام العراقي بالصحف والقنوات التابعة لها بشكل أفقد المواطن الثقة بكل ما ينشر والأخطر من ذلك كله هو خطاب الكراهية والتحريض الذي تتقيأ به تلك القنوات على مدار الساعة".

"شبكة الإعلام"

ساهمت "شبكة الإعلام العراقي" (بمثابة وزارة إعلام) في بث خطاب الكراهية، وتزييف الحقائق وكانت بمثابة بيدق بيد أحزاب السلطة من الشيعية في العراق، على الرغم من نص الدستور على ضرورة أن تدار من مجلس أمناء يكون أعضاء ممثلين لجميع المكونات.

وخلافا لما جاء في الدستور، فإن أعضاء مجلس الأمناء وعددهم 9 أشخاص، كلهم من المكون الشيعي باستثناء رئيس المجلس، في سيطرة واضحة على مفاصل الشبكة التي من المفترض أن تمثل جميع العراقيين حتى في تشكيلاتها الإدارية.

وكشفت مصادر برلمانية عراقية في حديث لـ"الاستقلال"، أن "مجلس النواب، طالب بفتح الترشيح لعضوية مجلس الأمناء تمهيدا للتصويت عليهم ومنحهم الثقة طبقا للقانون، لأن من يدير الشبكة حاليا أغلبهم ليسوا أصلاء، وإنما جرى تعيينهم بالوكالة من مكون واحد للالتفاف على القانون".

وذكرت المصادر التي طلبت عدم كشف هويتها، أن "البرلمان يعتزم الإشراف على عمل شبكة الإعلام العراقي ومراقبة أدائها في المرحلة المقبلة، إذ إنه طبقا للدستور، فإنها تعتبر إحدى الهيئات غير الحكومية، والتابعة للبرلمان بشكل مباشر".

وأكدت، أن "رئيس البرلمان استضاف أكثر من مرة أعضاء مجلس الأمناء، وطالبهم بإرسال الهيكلية التفصيلية للشبكة وحجم الميزانية المالية المخصصة لها، معربا عن صدمته من عدد الموظفين البالغ نحو ثلاثة آلاف و484 موظفا، فضلا عن أن الدرجات الإدارية العليا معظمها يشغلها المكون الشيعي".

وتضم الشبكة قنوات العراقية العامة والإخبارية والرياضية، وإذاعة جمهورية العراق، والفرقان، وراديو العراقية، إضافة إلى صحيفة "الصباح" ومجلة "الشبكة" ومعهد التدريب الإعلامي.

فبركة الاعترافات

ومن ضمن البرامج التي أثارت الجدل كثيرا، على قناة "العراقية" الرسمية التابعة للشبكة، بسبب اتباعه بث الكراهية ضد المكون السني وإلصاق تهم الإرهاب به، كان برنامج "الإرهاب في قبضة العدالة"، قبل أن يتحول إلى "في قبضة القانون".

وعرفت طبيعة البرنامج التلفزيوني المذكور، الذي كان يبث مساء كل يوم منذ عام 2005، بإظهار اعترافات لمعتقلين من المكون السُني بالقيام بـ"عمليات إرهابية" ضد المدنيين وقوات الأمن العراقية، وأنهم أيضا يمارسون في الوقت ذاته أعمالا مخلة بالآداب، منها الشذوذ الجنسي، وممارسة الدعارة، وكذلك تظهرهم أنهم يتلقون التعليمات من مخابرات دول عربية.

وذكرت مصادر سياسية طلبت عدم كشف هويتها، في حديث لـ"الاستقلال" أن "البرنامج توقف عن البث بعد مطالبات سياسية ثم عاود العمل، وهو معروف بالتحريض على الكراهية عن طريق بث اعترافات تؤخذ عن طريق التعذيب، وتهديد المعتقل بالمساس بعرضه".

وأوضحت، أن "قناة العراقية كان لديها استوديو في سجن الشعبة الخامسة بمنطقة الكاظمية، وعندما يتم تصوير حلقة البرنامج، يؤخذ المعتقل لغرفة المكياج لإخفاء الكدمات البارزة في الوجه واليدين، وبعدها يضع ضابط التحقيق آلة الصعق الكهربائي بجانبه، ويقرأ المعتقل السيناريو المكتوب، وإذا تلكأ أو تردد يصعق بالكهرباء، وعلى هذا المنوال تُصور حلقات البرنامج".

وفي تقرير صحفي، رأى أن البرنامج استخدمه البعض للتشكيك في مصداقية "المقاومة العراقية"، فقد اعتبر آخرون أن البرنامج يعد تجاوزا سافرا على فئة كبيرة من الشعب العراقي بإظهارهم بطريقة غير لائقة. وقال المحلل السياسي العراقي وليد الزبيدي: إن "هناك حملة محكمة لإحداث شرخ بين العراق والدول العربية الأخرى".

وأضاف، أنه "بعد فشل مشروع الاحتلال لسلخ العراق من عروبته تجيء حملة برامج تلفزيون العراقية لخلق نوع من التنافر بين العراقيين وأشقائهم العرب"، مشيرا إلى أن من شأن هذه البرامج "تهيئة الأرضية الخصبة لاعتقالات قادمة تطال العديد من المجاميع ومن ضمنهم العرب".

وكان كثير ممن أدلوا باعترافات خطيرة على شاشة قناة "العراقية"، قد أفرج عنهم بعد مثولهم أمام المحاكم، لعدم وجود أدلة تثبت صحة أقوالهم، إضافة إلى أن البعض منهم قدم اعترافات بحق أشخاص على قيد الحياة على أنه ارتكب جريمة قتل بحقهم، حتى يتخلص من التعذيب المتواصل، وفقا لحديث أحد المعتقلين المفرج عنهم لـ"الاستقلال".