الحراك منقسم للمرة الأولى.. هكذا يتعامل الجزائريون مع أزمة كورونا

12

طباعة

مشاركة

تواجه الحركة الاحتجاجية في الجزائر معضلة ذات أهمية كبير تتمثل في فيروس كورونا الذي صنفته منظمة الصحة العالمية بـ "الوباء"، فهل يجب استمرار الاحتجاجات أو تعليقها بسبب الفيروس القاتل؟ 

سؤال طرحته مجلة "لوبوان" الفرنسية في ظل انتشار كورونا والإجراءات الاحترازية التي تتخذها جميع دول العالم لمكافحة هذا الفيروس التاجي.

وتحت شعار "كورونا لا يخيفنا"، تحدى آلاف الجزائريين الفيروس وتظاهروا الجمعة 13 مارس/ آذار ٢٠٢٠ في شوارع العاصمة وبعض المدن الأخرى مثل وهران وتيزي وزو، ضد النظام، ضمن الأسبوع الـ56 على التوالي للحراك الاحتجاجي الذي يهز البلاد منذ 22 فبراير/شباط 2019.

واجب وطني

وناشد جراد الناشطين بـ"توخي الحذر واتخاذ كل الاحتياطات اللازمة"، مضيفا: "بإمكانكم الخروج مثلما تريدون ولكن خذوا احتياطاتكم لعدم المساس بصحتكم وصحة الجيران والأمهات والآباء وتجنب تعريضهم للخطر، لأن المرض إذا انتشر عبر التراب الوطني، سندخل في مرحلة أخرى".

وأوضحت "لوبوان" أنه في ظل سياق متوتر، لا تزال المناقشات ساخنة، وملتهبة في بعض الأحيان، بين أولئك الذين يدعون إلى تعليق المظاهرات الشعبية المستمرة منذ أكثر من عام، والذين يدعون إلى استمرارها على الرغم من مخاطر انتشار الفيروس التاجي.

فإلى جانب رئيس الوزراء، طالب بعض ناشطي المجتمع المدني بتعليق التظاهر، على غرار عبد العزيز الرحبي، الوزير السابق والمعارض الذي دعا على "تويتر" إلى تعليق الاحتجاجات "مؤقتا".

وقال المسؤول السابق: إن "التعليق المؤقت للمسيرات، بسبب المخاطر الصحية، واجب وطني ويحفظ حقنا في التظاهر بحرية من أجل جزائر أكثر إنصافا وقوة". 

وأعلنت وزارة الصحة الجزائرية، في ١٩ مارس/آذار ٢٠٢٠، تسجيل ثامن وفاة بفيروس كورونا، و10 إصابات جديدة ليرتفع بذلك العدد إلى 82 إصابة.

وأدى التظاهر يوم الجمعة الـ 56 من التعبئة في عدة مدن بالبلاد، إلى نقاشات جدلية لا نهاية لها حول مخاطر انتشار الفيروس التاجي، وسط معارضة البعض بشدة لهذه المظاهرات.

نحو "هدنة"؟

فبالنسبة لـ"ليلى"، طبيبة في ضواحي العاصمة الجزائر والتي لم تتوقف عن التظاهر منذ عام تقريبا، فإن هذا عمل "غير مسؤول" وتقول: "ما زلت أناهض النظام، لكن بالنظر إلى خطورة الوضع وعجزنا من حيث الرعاية بالمستشفيات، لا يمكنني قبول التظاهر بهذه الطريقة، مما يعرض للخطر كبار السن لدينا".

هذا الرأي لا يرضي بعض ناشطي الحراك، حيث أوضح نائب رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان سعيد الصالحي في صفحته على فيس بوك أنه "بعد عام من التعبئة، يخشى أن يتم خداع الحراك من قبل النظام الذي يعتبر هذا الوباء بمثابة نعمة لاغتيال الحلم الجزائري". 

وأضاف: "نعم، أنا أتفهم كل الدعوات لوقف الحراك، لكنني أناشد الحكومة أن تبدي علامات على حسن النية، والاسترضاء، من أجل عودة الحد الأدنى من الثقة".

وأوضحت "لوبوان" أن هذه الكلمات تتناغم مع مواقف لناشطين آخرين يعتبرون أن تعليق الحراك يمكن أن يكون ضربة قاضية له في مواجهة نظام يحاول، من خلال اعتقالات متعددة، وضع حد لهذه الحركة.

ورأى الناشط والصحفي سمير لعرابي في تدوينة على حسابه بفيس بوك أن "الذعر بسبب الفيروس التاجي، الذي لم ينتشر بعد في الجزائر، هو هستريا يفرضها الطغاة الإمبرياليون والشركات الكبرى والديكتاتوريون لدينا، الوقاية ممكنة، لكن الذعر والتراجع لا".

لكن هذا الموقف، أثار غضب الكثير من الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، كما تم تفسيره على أنه "ابتزاز". ويقول لامين، طالب علم الأحياء في الجزائر العاصمة وأحد المتحمسين للحراك: "لا ينبغي أن يتسبب الحراك في سقوط شهداء أو المزيد من انتشار الفيروس، وهناك وسائل أخرى للتعبئة موجودة".

ويضيف زميل له بالجامعة: "نعم، لكن في الوقت نفسه خطر التجمعات لا يتعلق فقط بالحراك: "شاهد. الناس ينتشرون في المتنزهات ومحلات السوبر ماركت والشوارع، خاصة منذ إغلاق المدارس والجامعات".

"العناد الانتحاري"

وذكّرت السلطات في وقت سابق بأن إغلاق المدارس لا يعني أن يأخذ الآباء أطفالهم إلى الأماكن العامة طوال الوقت.

وكتب الصحفي سعيد جعفر في "راديو إم بوست" عمودا يلخص عنوانه إشكالية كبيرة قائلا: "إيقاف المسيرات أمر حتمي، يجب أن يساعدنا الحراك في التغلب على غضبنا".

ويقول: إن الخوف من فقدان الاختراق الكبير الذي فتحه الحراك في الفضاء العام والوطني يجب ألا يقودنا إلى العناد الانتحاري، متابعا: "سنقاتل بقوة عندما تنتهي أزمة كورونا الخطيرة هذه، إنه حقنا المطلق".

لكن من وجهة نظر الصحفي والناقد وليد بوشكور، فإن "النقاش بدأ بشكل سيء، فبدلا من الجدال بيننا (الحماية من كورونا مقابل استمرار الحراك) وخلق انقسامات لا ينبغي أن تحدث، أعتقد أنه يجب توجيه هذه الطاقة للمطالبة بإستراتيجية وقائية حقيقية وشفافية في المعلومات المتعلقة بالفيروس". 

وتختتم زاهية، الناشطة والطبيبة الجزائرية بالقول: "إن طاقة الحراك وتعبئته الذكية وغير المسبوقة للمجتمع المدني يجب أن تعمل الآن على الوقاية من الخطر الكبير للوباء، كتنظيم حملات توعية، هذا ما تعلمناه من الحراك، الكياسة والوعي".