عاجز عن سداد ديونه.. هل يسير العراق على خطى لبنان ويعلن إفلاسه؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ينذر انهيار أسعار النفط عالميا، بحدوث أزمة كبيرة في الاقتصاد العراقي الريعي الذي يعتمد بنسبة 95 بالمئة على تصدير النفط، ربما تصل إلى الإفلاس وعجزه عن سداد ديونه، ودفع رواتب الموظفين، في ظروف مشابهة لعام 2014 عندما اجتاح تنظيم الدولة البلاد.

تحذيرات أطلقها اقتصاديون وسياسيون من تعرض الاقتصاد العراقي إلى المخاطر بسبب تدهور أسعار النفط، ولا سيما بعدما تراجعت العقود الآجلة لخام برنت، المؤشر العالمي للنفط، بنسبة 22 بالمئة، بسعر 35.45 دولارا للبرميل، بينما يتم تداول النفط الأميركي عند 33.15 دولارا للبرميل، بانخفاض قدره 20 بالمئة.

شبح الإفلاس

الأزمة الحالية شبهها اقتصاديون عراقيون بما حصل عام 2014 عندما اجتاح تنظيم الدولة البلاد، وكانت خزينة الدولة خاوية مع تدهور حاد في أسعار النفط العالمية، حيث وصل سعر البرميل إلى أدنى من 30 دولارا بعدما كاد يلامس الـ 100 دولار.

الخبير الاقتصادي العراقي نجاح العبيدي قال في مقال نشره موقع "الحوار المتمدن": "صيف 2014 مثل نقطة فاصلة في تاريخ العراق الحديث سياسيا واقتصاديا. لم يتعرض البلد لاجتياح ثلث مساحته من تنظيم الدولة فحسب، وإنما تعرض أيضا لضربة قاصمة على الجبهة الاقتصادية بعد هبوط النفط إلى أقل من 30 دولارا للبرميل".

ولفت إلى أن "بلاد الرافدين كانت على وشك الإفلاس، وبالتالي الانهيار سياسيا وعسكريا أمام الإرهاب الذي تغلغل سريعا ووصل إلى حزام بغداد. لكن ذلك لم يحدث بفضل الدعم الخارجي من الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي انتبهت أيضا لخطورة تدهور الوضع الاقتصادي والمالي للعراق في تلك الفترة الحرجة".

وأردف العبيدي: "سارعت الإدارة الأميركية ومعها حكومات اليابان وبريطانيا وألمانيا وغيرها لتقديم قروض ميسرة ومعونات ضخمة إلى بلاد الرافدين التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من حافة الإفلاس. لم تُقدم المساعدات بالطبع دون ضوء أخضر من صندوق النقد الدولي الذي بادر هو الآخر بتقديم قروض سخية".

ولفت إلى أن الظروف السياسية والاقتصادية تنذر بحدوث إفلاس أكثر إيلاما، ما لم تنتبه الطبقة الحاكمة لخطورة الوضع. على خلفية المخاوف من تفشي فيروس كورونا، حيث سجلت أسعار النفط انهيارات متتالية دفعتها للهبوط إلى مستويات هي الأدنى منذ سنوات عديدة. وتراجعَ سعر برنت مثلا خلال أقل من شهر بنسبة تزيد على 20 بالمئة".

على الصعيد السياسي، رأى الكاتب العراقي، أن "الوضع يبدو مختلفا عن صيف عام 2014، لكنه لا يقل خطورة. هناك موجة احتجاجات مستمرة منذ أكثر من 5 أشهر، بينما لا تزال الكتل المتنفذة عاجزة عن إيجاد بديل مقبول لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي".

وأشار العبيدي إلى أنه بعكس منتصف عام 2014، فإن "واشنطن لن تتدخل هذه المرة على الأرجح لمساعدة بغداد في محنتها الاقتصادية، بل سترى في الأزمة درسا للمليشيات الشيعية التي انحازت بشكل سافر إلى إيران على حساب مصالح العراق. كما لا تبشر فرص الاستعانة بصندوق النقد الدولي بالنجاح في ظل التوازنات السياسية السائدة ووجود رفض شعبي واسع لنهج الإصلاحات".

وحسب قوله: "ليس من المستبعد إذن أن يتعرض العراق لمصير مشابه للبنان الذي أعلن في 7 مارس/ آذار 2020 إفلاسه رسميا، عندما قررت حكومة حسن دياب عدم تسديد سندات حكومية بقيمة تزيد عن 4 مليارات دولار".

وبرأي العبيدي، فإن "هناك أوجه تشابه بين لبنان والعراق، ومنها الشارع الغاضب ونظام المحاصصة وسطوة المليشيات الشيعية المتمثلة في "حزب الله" الذي فرض موقفه، ومنع الحكومة من الذهاب إلى صندوق النقد الدولي لطلب العون. هنا أيضا لا يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب آبها كثيرا لما يحدث في لبنان، طالما أنه لم يصحح علاقته مع نظام ولاية الفقيه في إيران".

وشدد الخبير الاقتصادي في مقاله قائلا: "صحيح أن العراق، بخلاف لبنان، يملك ثورة نفطية كبيرة، لكن التعويل على الذهب الأسود وحده لا يبدو في ظل تفشي كورونا رهانا رابحا".

ويتفق مع ذلك الخبير الاقتصادي أحمد الهذال، بالقول: "العراق مقبل على صدمة شبيهة بالصدمة المزدوجة التي تلقاها عام 2014، والمتمثلة بانخفاض أسعار النفط واجتياح تنظيم الدولة"، مضيفا: أن "موازنة 2019 بدأت بعجز وانتهت بعجز خطير أيضا".

وأشار في تصريحات صحفية إلى أن "الإيرادات النفطية لا تكفي لسد النفقات التشغيلية"، متهما المسؤولين عن إعداد الموازنة بعدم حساب هذا الأمر بشكل جيد، وإهمال موضوع انخفاض أسعار النفط.

وحذر الهذال من "تكرار تجربة الاقتراض من البنك الدولي، ورهن الاحتياطي النفطي العراقي بذلك"، متهما السياسيين بـ"التخطيط السيئ، الذي أوصل العراق إلى هذا الحال".

حلول ومعالجات

وفي محاولة للحد من عواقب انعكاس تدهور أسعار النفط على الاقتصاد العراقي، طرح خبراء اقتصاديون وبرلمانيون عراقيون حلولا ومعالجات لذلك، حيث رأى العبيدي أن "الحل يكمن نظريا في الشروع بإصلاحات اقتصادية جذرية لمكافحة الفساد والحد من الهدر الهائل في المال العام وتطبيق برنامج للتكيف مع الظروف الجديدة".

من جهته، شدد عضو اللجنة المالية البرلمانية جمال أحمد على "ضرورة الذهاب إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فالعراق لديه وزارات وهي تملك شركات واستثمارات، لكنها غير مجدية، والعلاج الأنسب لها هو طرحها للاستثمار، كما ينبغي العمل على تعظيم موارد الدولة، مثل السياحة الدينية الفعالة، التي لا تذهب مواردها إلى الموازنة، بل إن الدولة هي من تصرف على الأماكن الدينية".

وأضاف "علي" في تصريحات صحفية: أن "تركيز البلد على النفط وإهمال البرتوكيمياويات والغاز المصاحب وأشياء أخرى، يقلل من إيجاد بدائل مهمة للموازنة"، لافتا إلى أنه "لا بد من العمل على تحويل الرواتب الحكومية إلى البطاقة الذكية، والتي تسهم بكشف الفضائيين (لقب يطلق على أشخاص مسجلين بدوائر حكومية، ويتلقون رواتب شهرية، من دون دوام)".

وشدد عضو البرلمان العراقي على "أهمية إخراج القطاع الخاص أمواله للاستثمار، لاسيما وأن الطلب على السلع الأجنبية من عدة دول كالصين وإيران وغيرها كبير جدا، والاستفادة من هذا الموضوع لصالح الاقتصاد العراقي".

ولفت الى أن "العراق مطالب بعدة إجراءات لإيقاف نزيف العجز في الموازنة، منها محاربة الفساد بشكل مكثف، أسوة بما حصل عند محاربة تنظيم الدولة، ووضع حد للنهب والفساد الكبير في المنافذ الحدودية".

وأكد "علي" أن "كل ما يأتينا من المنافذ الحدودية لا يتجاوز 10 – 13 مليار دولار سنويا، وعند غلق ميناء الفاو خلال أسبوعين فقط تكبد العراق خسائر بلغت نحو 6 مليارات دولار، وفق ما أكدته الحكومة".

وفي السياق، رأى الخبير الاقتصادي الدكتور صفوان قصي، أن العراق بإمكانه اللجوء إلى تأجيل سداد بعض رواتب الموظفين الذين يزيد دخلهم عن 5 ملايين شهريا، لافتا إلى أن العراق لن ينهار ماليا خلال فترة قصيرة لما يحتويه من احتياطات مالية.

وقال قصي في تصريحات صحفية: "هناك جملة حلول للأزمة المالية حيث يجب التفكير في أكثر من حل في آن واحد، ويتوجب الضغط على الإنفاق الحكومي مع زيادة إيرادات الموازنة الاتحادية، إذ يفترض عرض الموازنة الاستثمارية والمشاريع التي لم تنجز بعد على القطاع الخاص من أجل الشراكة والتمويل وامتصاص اليد العاملة".

واقترح الخبير الاقتصادي دمج الوزارات مع بعضها من أجل تقليل التكاليف وخاصة ديون العراق الخارجية، كما أن وزارة المالية تمتلك أموالا مبعثرة ومعطلة في معظم المحافظات، وبالإمكان بيعها للموظفين لتوفير جزء من دخله مقابل الحصول على أسهم في بعض الممتلكات.

ورأى قصي أن "بعض الأسهم يمكن عرضها على الاستثمار المحلي للقطاع الخاص من أجل خلق دخل جديد إلى وزارة المالية، كما بالإمكان استغلال وزارة النقل لإبرام عقود جديدة وشراكة في شركاتها"، مشددا على أهمية "قيام جميع الوزارات بتأجير أو بيع جزء من ممتلكاتها إلى القطاع الخاص من أجل توفير المال اللازم".

وأشار إلى أن "المساس برواتب الموظفين ليس بالخيار المنطقي لكن قد يتم اللجوء إليه في حال تدني أسعار النفط عند 15 دولارا للبرميل، حيث بالإمكان تأجيل سداد مستحقات ذوي الرواتب الكبيرة".

وفي 2 مارس/آذار 2020، أعلنت وزارة النفط في بيان، بلوغ قيمة الصادرات والإيرادات النفطية المحققة لشهر فبراير / شباط 2020، 5 مليارات دولار، بمعدل سعر 51 دولارا للبرميل، إذ بلغت كمية الصادرات من النفط الخام، حسب أرقام شركة تسويق النفط العراقية "سومو"، أكثر من 98 مليون برميل.

تطمينات حكومية

ورغم تحذيرات اقتصاديين ونواب في البرلمان من عواقب وخيمة على الاقتصاد، فإن رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، قال: إن "العراق بلد قوي وقادر على تجاوز ما يواجهنا من تحديات اقتصادية وسياسية وأزمة كورونا وانهيار أسعار النفط".

ونقل بيان حكومي صدر في 11 مارس/ آذار 2020، عن عبدالمهدي قوله: "التحديات  تستدعي القلق وليس الفزع واليأس، ويجب التمسك بروح المبادرة ورفع المعنويات بدلا من اختراع السلبيات المصطنعة".

واستبعد عبدالمهدي أن يصل العراق إلى الإفلاس، بالقول: "هبوط أسعار النفط وتراجع موارده إلى النصف لا يعني إفلاس الاقتصاد، وإنما يعني أزمة في الموازنة وعلينا مراجعتها ومراجعة سلوكياتنا".

ولفت إلى أن العراق في المرتبة ٣٤ في العالم بالنسبة لما تعادله السلع لدينا ولدى العالم، وهي مرتبة متقدمة. نقصان ٣٠ مليار دولار من الناتج الوطني الإجمالي لن يؤدي إلى أن تكون الدولة مفلسة وإن كان يسبب أزمات".

وأكد عبدالمهدي أن "الأزمة الاقتصادية ستكون كبيرة مع انتشار فيروس كورونا، والاقتصاديات العملاقة في العالم انهارت من بينها إيطاليا وهي السابعة على العالم، واقتصادات فرنسا وأميركا واليابان وغيرها مهددة. لدينا موارد كثيرة معطلة يجب استثمارها وتحريكها، والعراق لن ينهار بمجرد حصول هذه الأزمة".

وأشار إلى أن وضع البنك المركزي سليم ويمكن أن يتم تجاوز الأزمة باتخاذ عدة إجراءات وسحب الأموال السائبة من السوق وهي بحدود ٣٠ مليار دولار لتغطية الواردات التشغيلية وترشيدها. الأزمة الحالية لن تستمر لسنوات لأنها حرب حصص في الأسواق، ونفطنا مطلوب وقادر على المقاومة وعقودنا موقعة ولدينا فائض ويمكن أن نزيد إنتاجنا.

عبدالمهدي نوه إلى أن "مشكلة العراق هي فارق الموازنة بين ٣٠ إلى ٤٠ مليار دولار الذي يجب معالجته بتخفيض النفقات غير الضرورية ووقف الهدر واستثمار رؤوس الأموال والأرصدة المجمدة للمؤسسات الرسمية في المصارف".

وشدد رئيس الحكومة المستقيل على أن "عقلية الموازنة في العراق قاتلة ومركزية وتحتاج لتفكير بمرونة وإيجابية وإبداع قادر على توفير الفارق وأكثر، ولدينا فرص كبيرة".

وفي تصريحات لوكالة الأنباء الرسمية، 9 مارس/ آذار 2020، شدد المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، على ضرورة الذهاب في الأمد القصير إلى تشريع موازنة طوارئ، توفر الاستدامة المالية في هذه المرحلة.

وقال صالح: "الذهاب في الأمد القصير إلى تشريع موازنة طوارئ توفر الاستدامة المالية في هذه المرحلة، وتلبي الاحتياجات الضرورية وفي مقدمتها رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية ومستلزمات الحياة الصحية وضروراتها، والذهاب في الأمد المتوسط إلى إعادة فحص القوانين المالية كافة، التي أثقلت كاهل البلاد ومستقبله الاقتصادي، وتأسيس بنية حقيقية للتنمية بديلة للاقتصاد الريعي".

بدوره، أوضح عضو اللجنة المالية بالبرلمان جمال أحمد أن "انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية يؤثر بشكل كبير على الموازنة العامة في العراق"، موضحا أن "انخفاض كل دولار بسعر النفط العالمي، معناه تقليل مليار وربع المليار دولار من الموازنة العامة في العراق".

وأضاف: أن "الموازنة من الأساس بها عجز أساسي، يبلغ 48 تريليون دينار، علما أنه تم تحديد سعر النفط عند إقرار مسودة الموازنة وفق 56 دولارا للبرميل"، مشيرا إلى أنه "مع كل هبوط بسعر النفط، يفقد العراق مليارات عدة"، مشددا على ضرورة "إجراء مراجعة جدية للموازنة، ولا بديل إلا من خلال إعادة قانونها وتطبيق النموذج الجديد والانتقال من برنامج البنوك إلى برنامج الأداء الأكثر تقدما، والذي تستعمله أغلب الدول المتقدمة".

ورغم مرور 3 أشهر، إلا أن البرلمان العراقي لم يصادق حتى الآن على الموازنة العامة للبلاد لعام 2020، بسبب الخلافات السياسية بشأنها، ووصولها المتأخر من حكومة عبدالمهدي. كما اقترحت وزارة المالية على باقي الوزارات، إيقاف العلاوات لجميع الموظفين، وتجميد عدد من المعاملات مثل تعويضات المتضررين من العمليات الحربية، بدءا من مطلع العام الجاري.