محمد رضا.. ما دور نجل السيستاني في اختيار حكام العراق؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعيدا عن موقعه في الحوزة الدينية الشيعية بمدينة النجف العراقية، برز اسم محمد رضا نجل المرجع الشيعي علي السيستاني، مؤخرا في العملية السياسية العراقية، كواحد من أهم الأسماء، التي اختارت رؤساء حكومات ما بعد الغزو الأمريكي عام 2003.

يدير محمد رضا المولود بالنجف في 18 أغسطس/ آب 1962، مكتب المرجع الأعلى لدى الشيعة علي السيستاني، وينظم بذلك ويحضر معظم لقاءاته الدينية والسياسية مع شخصيات عراقية وأجنبية، كما ينوب والده في الحضور إلى فعاليات ومناسبات شيعية، لا تتجاوز حدود مدينة النجف.

"صانع الملوك"

الدور الخفي الذي لعبه محمد رضا نجل السيستاني، لم يكن مطلعا عليه سوى عدد من أعضاء الطبقة السياسية الشيعية الحاكمة منذ عام 2033، لكن اسمه بدا أكثر تداولا بين السياسيين في وسائل الإعلام، وكشفهم لما يدور من كواليس تشكيل الحكومات العراقية.

نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي، كشف عبر مقابلة تلفزيونية في 16 فبراير/ شباط 2020، أن "رئيس الحكومة المكلف محمد توفيق علاوي، لم يكن خيار الكتل السياسية، وإنما جاء بترشيح من جهة دينية كبرى في العراق، وهي من تدعمه".

الأعرجي لم يوضح من هي الجهة تحديدا التي رشحت علاوي، لكن مقدم البرنامج سأله: هل هي الجهة ذاتها التي جاءت برئيس الحكومة المستقيل عادل عبدالمهدي، ليرد عليه بالقول: "الابن"، في إشارة إلى محمد رضا نجل المرجع الشيعي السيستاني.

ما يؤكد حديث الأعرجي، تغريدة النائب في البرلمان فائق الشيخ علي التي أطلقها في 6 فبراير/ شباط 2020، قال فيها: "نما إلى مسامعي أن المكلَّف (محمد توفيق علاوي) بتشكيل الحكومة قد اتفق وتفاهم مع السيد محمد رضا السيستاني مسبقا".

وفي حديث سابق للأعرجي، اختزل فيه دور محمد رضا السيستاني بالعملية السياسية وتشكيل الحكومات العراقية، حيث قال في مقابلة تلفزيونية بثت في أكتوبر/ تشرين الأول 2018: إن "رؤساء الوزراء السابقين من إبراهيم الجعفري وحتى حيدر العبادي، أتت بهم المرجعية وتحديدا محمد رضا، والبرلمان كان يصوت فقط"، في إشارة إلى أن نوري المالكي الذي رأس ولايتين من 2006 وحتى 2010 كان بموافقة نجل السيستاني.

أما رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، فإن العديد من المسؤولين السابقين والنواب والسياسيين أكدوا أن من جاء به هو نجل السيستاني وآخرهم رئيس الحكومة السابق، حيدر العبادي الذي قال خلال مقابلة تلفزيونية في 29 ديسمبر/كانون الأول 2019: إن "مقتدى الصدر أخبرني أن محمد رضا هو من اختار عبد المهدي لرئاسة الحكومة".

حديث العبادي عند تنصيب عبدالمهدي لم يكن الأول من نوعه، إذ كشف أحد وكلاء السيستاني، المعمم حيدر اللامي، خلال مقابلة تلفزيونية في أغسطس/ آب 2019، أن "محمد رضا ضغط على كتلتي (سائرون) المدعومة من مقتدى الصدر، و (الفتح) بقيادة هادي العامري لتسمية عبدالمهدي رئيسا للحكومة".

خطوته الأولى

لم يبدأ دور محمد رضا من اختيار إبراهيم الجعفري رئيسا للحكومة عام 2005، حيث ثبّت خطوته الأولى، عند اختيار إياد علاوي الذي ترأس أول حكومة في عام 2004 عقب الغزو الأمريكي للعراق، حسبما كشف الكاتب سليم الحسني.

وأوضح الحسني في مقال نشره موقع "سكاي برس" العراقي أنه "في عام ٢٠٠٤ كانت الحوارات بين كبار المسؤولين الأمريكيين والعراقيين تدور حول منصب رئاسة الوزراء لأول تشكيلة وزارية بعد سقوط نظام صدام. وكانت القيادة الأمريكية توصلت إلى طرح 5 أسماء للتداول، وأناطت المهمة للمبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي للقيام بعملية التنسيق مع مختلف الأطراف تحت عنوان الأمم المتحدة".

وأشار الكاتب إلى أن الأسماء التي كانت مطروحة آنذاك، هي: "إياد علاوي، أحمد الجلبي، إبراهيم الجعفري، عادل عبدالمهدي، حسين الشهرستاني"، لافتا إلى أن الولايات المتحدة، كانت ترغب في أن يتولى إياد علاوي رئاسة الوزراء، لاعتبارات مهمة، منها خلفيته البعثية وعلاقاته الوثيقة مع الحكومات العربية، إضافة إلى علاقته التاريخية مع الأجهزة الأمريكية".

وبيّن أن فرض إياد علاوي رئيسا للوزراء، مسألة في غاية البساطة بالنسبة للقيادة الأمريكية، فقد كانت كل القيادات السياسية الشيعية والسنية والكردية تعمل برأيها ولا تخرج عن إرادتها، فالحاكم المدني بول بريمر هو الحاكم المطلق وكلمته هي الكلمة الفصل.

وحسب الحسني، فإن "الأمريكان أرادوا أن يأتي علاوي إلى رئاسة الوزراء بتأييد من المرجعية العليا، وذلك لزجها في أجواء العملية السياسية كطرف من الأطراف، وبذلك تفقد قوتها وأبوتها ومكانتها العالية". وتابع: "لقد تنبّه المرجع الأعلى السيستاني، إلى هذا التوجه الأمريكي، لذلك لم يكن يدخل في التفاصيل، واكتفى بالخطوط العامة والمصيرية في إبداء الرأي للشعب العراقي وليس في اختيار الأشخاص".

وأردف الكاتب: "عند هذه النقطة وجد نجله محمد رضا أن هذه فرصة العمر الطويل، فهو إن ابتعد عن إبداء الرأي في رئاسة الوزراء، فلن يكون له الرأي والقرار في الدورات التالية. لذلك فتح نافذته على التنسيق القائم حول اختيار رئيس الوزراء".

وكشف الحسني أن "محمد رضا السيستاني، أبلغ الأخضر الإبراهيمي بعدم وجود تحفظ على أي اسم من الأسماء الخمسة لتولي رئاسة الوزراء. وفهم الإبراهيمي والجانب الأمريكي يومها توجهات محمد رضا، فهو يعرف كيف يُرسل الرأي وكيف يعطي الجواب بما يوحي بأنه رأي المرجع الأعلى، وكانت هذه نقطة في غاية الأهمية لهم".

كما أنهم فهموا توجهاته بأنه لا يعترض على العلمانيين في تولي السلطة. والأهم من ذلك أنهم عرفوا بأنه يتمتع بحس مرهف في قراءة التوجهات، والانسجام مع ما يرغبون، بحسب الكاتب.

وكشف أن "محمد رضا السيستاني أقدم على خطوة ثانية، كانت بداية حقيقية وقوية لتوليه مهمة اختيار رئيس الحكومة، وذلك عندما أرسل إلى القيادات الشيعية يُخبرهم بعدم وجود اعتراض على الأسماء التالية لتولي رئاسة الوزراء، وكانت الرسالة بالتسلسل التالي:

  • إياد علاوي.
  • عادل عبدالمهدي.
  • إبراهيم الجعفري.

وأشار إلى أن "الرسالة وصلت بطبيعة الحال إلى بول بريمر والأخضر الإبراهيمي، وكانت هذه الرسالة وبهذا التسلسل واضحة جدا، بأنه مع تولي إياد علاوي رئاسة الوزراء وليس غيره. كما أنها أعطت الأمريكان اطمئنانا أكثر بأنه يفضل العلمانيين".

موقف السيستاني؟

وفي ظل تغول محمد رضا، على موقف المرجعية الشيعية العليا بالعراق، يدور تساؤل مهم حول موقف المرجع علي السيستاني ذاته، هل أن القرارات والآراء السياسية تخرج بموافقته أم أن ولده يحاول اقحام اسم والده لاختيار رؤساء الحكومات؟.

وتعليقا على ذلك، قال مصدر سياسي عراقي كان ضمن وفد حكومي رفيع المستوى زار السيستاني عام 2006: إن "نجل المرجع السيستاني محمد رضا، كان يلازم والده الذي يحاول أن يتكلم اللغة العربية لكنه لا يتقنها، فيوضح ابنه ما يريد أن يقوله المرجع في بعض الأحيان".

وأوضح المصدر السياسي الذي طلب عدم كشف هويته في حديث لـ"الاستقلال" أن "السيستاني كان يومئ برأسه إذا تحدث نجله محمد رضا، في إشارة إلى موافقة ما يطرحه أثناء الجلسة التي حضرها سياسيون عراقيون كبار، ولا يقاطعه".

وأشار إلى أن "محمد رضا كان دوره واضحا في تصدر مجالس والده في الحديث وتقديم الرأي والمشورة، وكأنه يصرح بلسان والده السيستاني، وهذا الانطباع يتشكل لدى أي شخص يزور المرجع السيستاني".

نفي وتبرير

وبعدما كثر الحديث عن أن محمد رضا كان وراء اختيار رئيس الحكومة المستقيل عادل عبدالمهدي، وخصوصا عقب تفجر المظاهرات الشعبية في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ووقوع مئات القتلى والمصابين في الشهر ذاته، صرح نجل السيستاني عما يقال حوله في وسائل الإعلام عن دوره في اختيار عبدالمهدي.

ونشر الناشط حسين كاشح تدوينة على "فيسبوك" في 11 أكتوبر/ تشرين الثاني 2019، قال فيها: "بعدما أتممنا السلام على السيد المرجع كالعادة نجد نجله الأكبر ومدير مكتبه وثقته، محمد رضا السيستاني، يودع الضيوف ويجيب على الأسئلة والاستفسارات وما يتعلق بشؤون مكتب المرجع، سلمت عليه ووجهت له بعض الاستفسارات والأسئلة".

كان من بين الأسئلة التي وجهها الناشط لنجل السيستاني، هل كان لكم دور في ترشيح عادل عبدالمهدي لرئاسة الوزراء؟ فكان جوابه: إن "الرجل حظي بالقبول والإجماع الوطني ودعم الكتل الأكبر المناط إليها اختيار شخص رئيس الوزراء، وتم إبلاغنا عن طريق وسيط بهذا الأمر، ولم نعترض على ترشيحه كونه يحظى بالمقبولية والإجماع وترشيح الكتل الأكبر وهذا لا يعني – عدم الاعتراض – أنه بمثابة دعم وإسناد لرئيس الوزراء".

وتابع نجل السيستاني في إجابته على سؤال الناشط، قائلا: "ولو كان لنا دور لما تأخرنا عن إفصاحه وإعلانه وليكن بعلم الجميع، إننا كذبنا هذا الخبر مرات ومرات لكن الناس لا تريد أن تصدق وهذا شأنهم".

وعند سؤاله عن أسباب عدم تدخل المرجعية العليا بتعيين شخص رئيس الوزراء كون لها مساحة مقبولية واسعة بالوسطين الاجتماعي والسياسي في العراق؟ رد محمد رضا: "لو أن المرجعية العليا تدخلت بفرض واختيار شخص رئيس الوزراء لما تمكن من تحقيق شيء".

وأرجع محمد رضا سبب ذلك إلى أن "رئيس الوزراء لا يمكنه أن يعمل بمفرده من دون دعم وإسناد بقية الكتل السياسية، ومن ثم أنه لا غطاء ولا دور قانوني ودستوري يسمح للمرجعية العليا بالتدخل بهذا الشأن لأنه من اختصاص الكتل الكبيرة".

وعقب اندلاع الاحتجاجات ضد عبدالمهدي ومطالبة المتظاهرين بإقالته، نشرت وكالة الصحافة الفرنسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، تقريرا قالت فيه: "الأحزاب السياسية اتفقت خلال اجتماع ضم غالبية قيادات الكتل الكبيرة على التمسك بعادل عبدالمهدي في السلطة مقابل إجراء إصلاحات في ملفات مكافحة الفساد وتعديلات دستورية".

وأضافت، نقلا عن مصادر: "الأطراف اتفقت أيضا على دعم الحكومة في إنهاء الاحتجاجات بكافة الوسائل المتاحة". ويبدو أن هناك توجها قديما متجددا إلى إعادة ترميم البيت الشيعي على أن يكون بمثابة تحالف وطني، وفق المصادر نفسها.

وكشفت المصادر: أن الاتفاق بين الأطراف المعنية "بمن فيهم كتل سائرون والحكمة، جاء بعد لقاء الجنرال قاسم سليماني بمقتدى الصدر ومحمد رضا السيستاني، والذي تمخض عنه الاتفاق على أن يبقى عبدالمهدي في منصبه".

ولا يوجد لنجل السيستاني صور ومقاطع فيديو كثيرة في المواقع، لكن آخر ظهور له صور نشرها موقع الحشد الشعبي، أثناء استقباله لجثامين الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد أبو مهدي المهندس في مدينة النجف، عقب مقتلهما بغارة أمريكية في 3 يناير/ كانون الثاني 2020.