الصومال مطمع لمحور الشر.. لهذه الأسباب الدور التركي مهم

موقع الصومال الجغرافي المتميز، الذي يربط بين القارات، وباعتباره ممرا مهما للطاقة في العالم، إضافة إلى الثروات الواعدة التي يمتلكها الصومال والمخزون النفطي به جعله مطمعا للكثيرين، ما استدعى وجود قوة بحجم تركيا لوضع حد لهذه المطامع والحفاظ على ثروات الصومال لأهلها وشعبها.
محاولات مستميتة من معسكر محور الشر (القاهرة وأبوظبي والرياض) لفرض الهيمنة والسيطرة على الإقليم، والبحر الأحمر، والقرن الإفريقي، أظهرت أهمية تفعيل الدور التركي لوقف هذه الرغبة الجامحة.
التنقيب عن النفط
شهد العام 1979 بداية العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والصومال، مع افتتاح أنقرة سفارة لها في مقديشيو، إلا أنه مع حلول عام 1991 واندلاع الحرب الأهلية، اضطرت لإغلاق سفارتها هناك.
وفي عام 2011 عادت أنقرة بقوة لتفتتح سفارتها في الصومال من جديد، لكن هذه المرة، كمجمع ضخم على مساحة قدرها 80 دونما، مكونا من 7 أبنية مستقلة.
في 22 يناير/ كانون الثاني 2020، قالت صحيفة "التايمز" البريطانية: إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعلن أن "بلاده تلقت طلبا صوماليا بتولي التنقيب عن النفط في البلاد"، وذلك بعد ساعات من عودته من مؤتمر برلين حول ليبيا.
ونقلت قناة "NTV" التركية، تصريحات على لسان الرئيس التركي، أشار إلى طلب الصومال، بوجود النفط في مياههم البحرية مطالبين تركيا بالتنقيب عنه كما تفعل في المياه الليبية".
وعلق أردوغان على ذلك الطلب قائلا: "هذا مهم جدا بالنسبة إلينا، وستكون هناك خطوات سنتخذها في عملياتنا هناك".
وتدير شركات تركية موانئ مقديشيو الجوية والبحرية، وتغرق الأسواق الصومالية بالبضائع التركية، كما تنفذ الخطوط الجوية التركية، رحلات مباشرة نحو العاصمة الصومالية، وهي أول شركة جوية عالمية تقوم بذلك.
واعتمدت الحكومة التركية إستراتيجية خاصة للعلاقة مع الصومال، نظرا للموقع المميز والهام على خليج عدن، ومدخل البحر الأحمر من جهة، والمحيط الهندي من جهة أخرى.
زيارة تاريخية
السفارة التركية في الصومال، تعد أكبر بعثة دبلوماسية لأنقرة بالخارج، وفي أغسطس/ آب 2011، قام أردوغان بزيارة تاريخية إلى الصومال، مصطحبا معه كبار المسؤولين في الدولة، وأفراد أسرهم، فضلا عن جيش كامل من الأطقم الطبية والهندسية.
رغم أن البلد الإفريقي كان يئن من الصراعات المتتالية، والاقتتال الأهلي، وأوضاع اقتصادية وأمنية سيئة، لكن رئيس الوزراء التركي آنذاك، لم يستسلم لهاجس الخوف، وقرر إتمام زيارته.
وصف أردوغان حينها، الحالة الصومالية، بـ"الصادمة"، وتعجب من حجم المعاناة التي خلفتها المجاعة التي ضربت جمهورية الصومال عقب موجة جفاف لم تشهدها البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي.
أردوغان أمر بتسخير طاقات تركيا لمساعدة الشعب الصومالي، فأرسلت الحكومة المزيد من الأطقم الطبية والتعليمية والهندسية والعسكرية، وتكفل بتعليم الآلاف من الطلبة وبناء المدارس والمستشفيات والمطارات والموانئ، ولم يكتف بهذا بل درب الجيش والشرطة، وأمر بإصلاح الشوارع والمقرات الحكومية.
في يونيو/حزيران 2016، تكررت زيارة أردوغان إلى العاصمة الصومالية مقديشو، ولكن هذه المرة بصفته رئيسا للجمهورية، وهي الزيارة التي افتتح فيها السفارة التركية.
منذ ذلك التاريخ أصبحت تركيا تعني الكثير بالنسبة للصوماليين، فهي التي بسطت لهم يد العون والمساعدة، كما أن العديد من المنشآت الخدمية والطرق تم بناؤها بتمويل وتنفيذ تركي، فضلا عن أن أنقرة تخطط حاليا لبناء ميناء على ساحل الصومال المطل على المحيط الهندي ومبنى للبرلمان على الساحل ذاته.
الأهم من ذلك أن الخطوط الجوية التركية كانت من أوائل شركات الطيران التي ربطت الصومال بالعالم، فقد دشنت الخطوط التركية رحلاتها من وإلى مقديشو منذ العام 2012.
دلل على ذلك الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو، عندما اختار تركيا لتكون أول وجهة خارجية له فور توليه رئاسة البلاد، في أبريل/ نيسان 2017، واستقبله الرئيس أردوغان بمراسم رسمية مهيبة.
علاقات متنامية
في مارس/آذار 2015، شرعت تركيا في بناء أكبر قواعدها العسكرية، خارج حدودها، في جنوب العاصمة الصومالية مقديشو، على مساحة 400 هكتار بتكلفة بلغت 50 مليون دولار، ويمكنها أن تأوي حوالي 1500 جندي وتقديم التدريب لهم في وقت واحد لمساعدة الحكومة الصومالية في التصدي لـ"حركة الشباب" المتطرفة.
وفي 30 سبتمبر/ أيلول 2017 تم افتتاح القاعدة، بحضور رئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري، ورئيس هيئة الأركان العامة التركي خلوصي أكار (وزير الدفاع الحالي)، الذي أعلن، أن القاعدة هي الأكبر من نوعها.
أكدت تلك الخطوة أن الدور التركي المتنامي في الصومال منذ سنوات، اتخذ هذه المرة نقلة نوعية بافتتاح المعسكر التدريبي الكبير، ما يدلل أن أنقرة تنظر إلى علاقاتها مع مقديشو باعتبارها علاقات إستراتيجية.
وأدى افتتاح تركيا قاعدتها في الصومال إلى انزعاج الدول الخليجية التي توترت علاقاتها مع أنقرة مؤخرا عقب اندلاع الأزمة الخليجية، حيث اعتبر المحلل السعودي المقرب من السلطات إبراهيم آل مرعي افتتاح المركز العسكري في الصومال "يمثل تهديدا صريحا للأمن الوطني السعودي والمصري".
والقاعدة العسكرية التركية، قادرة على استقبال قطع بحرية وطائرات عسكرية إلى جانب قوات كوماندوز.
وفي أغسطس/ آب 2017، أرسلت تركيا نحو 200 مدرب من جيشها وعددا من الآليات العسكرية إلى الصومال لتدريب أكثر من 10 آلاف و500 جندي صومالي رشحتهم الأمم المتحدة.
منح دراسية
حسب وكالة الأناضول، عبر تقرير نشرته في 23 يناير/ كانون الثاني 2020، يصل عدد طلاب الدراسات العليا من الصوماليين في تركيا، نحو 446 طالبا، فيما أتم حتى الآن 304 طلاب دراستهم، وتخرجوا من جامعات تركيا للمساهمة في نهضة الصومال، كما بلغ عدد الصوماليين الذين استفادوا من المنح الدراسية الحكومية في تركيا من عام 1992 وحتى اليوم، ألفا و92 طالبا.
ساهم مركز يونس أمره الثقافي التركي منذ افتتاحه في العاصمة الصومالية عام 2017، في تعليم أكثر من 3500 مواطن صومالي اللغة التركية، فيما تواصل المدارس التابعة لوقف المعارف التركي في مقديشو وهرجيسا، تقديم الخدمات التعليمية للمواطنين الصوماليين من أجل دفعهم للمساهمة في بناء مستقبل أفضل لبلادهم، بحسب الوكالة الحكومية التركية.
وفي عام 2015، قامت الحكومة التركية، بإنشاء مستشفى "رجب طيب أردوغان"، الذي يتوفر على أحدث الأجهزة الطبية من أجل توفير الخدمات الصحية لمواطني الصومال.
موانئ إستراتيجية
الصحفي الصومالي صهيب عبد الرحمن، قال في مقالة كتبها لموقع "حفريات" بتاريخ 4 يناير/ كانون الثاني 2020، بعنوان "تركيا في القرن الإفريقي ومخاطر عسكرة البحر الأحمر": "نشاط تركيا في البحر الأحمر يثير حفيظة القاهرة بشكل خاص، ويزيد من تآكل العلاقات المتوترة بالفعل بين أردوغان وعبد الفتاح السيسي".
وأردف: "كذلك تنظر الرياض وأبوظبي إلى نشاط تركيا في البحر الأحمر على أنه مقامرة خطيرة، وبدورهما عززا من وجودهما العسكري في العديد من الموانئ الإستراتيجية في البحر الأحمر، خاصة في صوماليلاند، وإريتريا، اللتين تستضيفان قواعد عسكرية إماراتية".
وفي 19 مايو/ آيار 2019، كتب "زاك فيرتين" الزميل الزائر بمركز بروكنغز في الدوحة، بحثا مطولا، قال فيه: "هدف تركيا بوجودها في القرن الإفريقي يأتي ضمن سياسة الانفتاح على إفريقيا التي اعتمدتها أنقرة عام 2005".
وأكد "تعتمد هذه السياسة التركية على تعزيز الحضور الدبلوماسي والتجاري التركي في أرجاء القارة، من خلال فتح عشرات السفارات ورحلات الخطوط الجوية، وعقد مؤتمرات قمة تركية إفريقية".
وذكر فيرتين أن "دولا مثل الصومال والسودان شكلت أهدافا طبيعية للتعاون التركي، من حيث اعتبارها أدوات أساسية في القوة الناعمة التي ينتجها أردوغان. كما حاولت تركيا الدخول باستثمارات في إثيوبيا من خلال مشروعات تجارية محدودة، حيث يعتقد بعض الأتراك أن الشراكة مع إثيوبيا تؤمن سطوة مفيدة ضد مصر".
المصادر
- تركيا والوضع الجديد في أفريقيا: مخطّطات عثمانية أم مخاوف غير مبرّرة؟
- تركيا في القرن الأفريقي ومخاطر عسكرة البحر الأحمر
- تركيا وإفريقيا.. شراكة قوية لا تتأثر بحملات التشويه
- تركيا تفتتح في الصومال أكبر قواعدها العسكرية الخارجية للتدريب
- افتتاح قاعدة عسكرية تركية في الصومال
- ماذا تفعل تركيا في الصومال.. استثمار ناجح في الإنسان أظهر فشل الدول المنافسة
- الدعم التركي للصومال.. التاريخ يعيد نفسه بعد مئات السنين
- في الصومال.. تركيا تحصد ثمار زرعها (تحليل)
- التايمز: أردوغان يوسع نفوذ تركيا في أفريقيا
- إردوغان يعلن عن توغل تركي في الصومال "ردا" على تحالفات مصر والخليج